بسبب كلمة.. تم فصلي من جامعة غربية, بها.. حصلت على الدكتوراه. في أحد فروع علم النفس.. وهو علم التنمية البشرية.. حيث قال محاضرنا. شارحاً معنى (الامتنان).. " تكرار ألفاظ بعينها. تبرمج بها نفسك لغوياً, عصبياً, نفسياً.. تلقى بها كل خير", ضرب لنا أمثلة. كأن نقول.. ( أنا بصحة جيدة, أنا متفائل, أنا بخير, أنا سعيد, أنا في وفرة, أنا في رخاء, أنا في تقدم وازدهار,...)
رفعت يدي مستأذناً.. سمح البروفيسير.. وقفت..
ــ هذه العبارات. ألا يمكن اختصارها في جملة أو كلمة؟
ــ لا توجد عبارة تجمعها مطلقاً...
ــ لكنها لدينا فعلاً..
نهض المحاضر.., ابتسم متهكماً..
ــ يا ترى. في أي لغة..!
ــ .. بكل لغات العالم
ــ إذن. إليّ بها..
وهو يبتسم أيضاً, كأن الرد الذي يمتلكه. ينسف كلمتي, التي لم أنطقها.. تعجبت من ثقته بنفسه, كبريائه, متحدياً:
ــ لمّ تتلعثم؟ إليّ بهذه الكلمة.. يا سفير الشرق.
ضحك كافة الدارسين, تجاهلت سخريته, شعرت بطاقة كونية.. تجمعت, انبعثت من أعماقي, أعلنت الكلمة:
ــ كلمة. (الحمد لله)
ارتجت أركان المدرج.. كأن المكان, الهواء.. تحالفا, أطالا في تكرارها, على غير المعتاد.. صمت الجمع مفكراً, متأملاً, متذوقاً الكلمة, صداها, معناها الملائم لكافة عباراته, التي ذكرها.. زاغ بفكره حائراً.. لموافقتها.., لانكسار غروره, الذي أبى عليه الاعتراف.., مد يده غاضباً:
ــ أعطني بطاقة تعريفك.
مددتها إليه, نظر فيها.., طردني من المحاضرة, بعد يومين.. تم استدعائي لمجلس تأديبي.. بسبب المذكرة, التي تقدم بها ضدي, بأني أريد أسلمت علم التنمية البشرية, مما يعد خروجاً على قوانين الجامعة, لوائحها.., بناءاً عليه. أوصى بفصلي.. ولعلمانيته, إلحاده, مكانته دوراً في قرارها.., علمت من جريدة (أخبار الجامعات). بأن حادثة فصلي. تسببت في نزاع بين الأساتذة المتدينين واللا دينيين, أدى لإقالة الأستاذ نفسه, رحل هو الآخر..
هذه الأحداث.. أكبر من حجمي كطالب مغترب. لذا آثرت الانعزال, تقدمت لجامعة أخرى. وجدت فيها مرفأً آمناً. متمثلاً في عميد الكلية, الذي استدعاني.. ليستمع لأقوالي.. فيما نسب إليّ عبر الجرائد.., ألفيت منه تفهماً راقياً, طلب الإشراف على رسالتي, قبلت مسروراً, لحمايتي من أي تعند. يلحقني لأسباب دينية, مع الأيام وسرعتها, أحداث الحياة وتلاحقها. تناسيت كما الجميع. كل ما يتعلق بهذه التجربة.., سجلت رسالتي للدكتوراه, كانت بعنوان..
( خلاصة الامتنان.. الحمد لله) تحدد ميعاد مناقشتها, كان هناك نقص في هيئة الأساتذة, التي ستتولى مناقشتي.. تم انتداب من يكملها.., كانت المفاجأة.. ذلك الأستاذ بعينه, الذي تسبب في فصلي.. نظر في عيني, كأنه يقول. أتظن نفسك. ذهبت لكوكب آخر!.. انهارت أحلامي, غامت الدنيا أمامي, تكحلت بالسواد لحظتي, أيامي, أخرجني من غياهب تفكيري. ابتسامة طيبة من مشرف رسالتي, الذي رحب بضيفه المنتدب, تنازل له عن إدارة المناقشة, جعله رئيساً شرفياً لها, ابتسم الضيف ابتسامة.., كأنه يطمأنني قبل الذبح. انتابتني مشاعر متعددة, متباينة.. إلا أنني. تمسكت بمقلب القلوب.., مفرج الكروب, مدبر الأمور, توكلت عليه. انطلقت متحدياً نفسي, العالم, اللجنة الماثلة بكل جبروتها, درجاتها العلمية, مدافعاً عن كل كلمة. جاءت في رسالتي, بكافة الأدلة المذكورة في صلبها, غيرها.. مما فتح الله به عليّ, لم أذكره في نصها, في خضم النقاش, الذي سحر عقول الحضور, أتى بآخرين من خارج القاعة للاستماع, المتابعة, نظرات الأستاذ الضيف.. تتألق إعجاباً, لما يسمعه من ردودي, أعطاني الفرصة.. كي أتألق, أبدع في الإدلاء بآرائي, عجبت لتشجيعه. مرت ثلاث ساعات, لم نشعر.. اقترح أحد الأساتذة فترة راحة. وافقته الهيئة, قررت ساعة.., عجبت لأمر الموجودين, الذين رفضوا الانصراف, آثروا المكوث داخل القاعة, التي جلبت شخصيات علمية رفيعة. انقضت الساعة, أكملنا.., كان للراحة أثرها.., تملكتني روحانيات الرسالة, أحالتني من مسئول إلى سائل, الحدث من مناقشة لمناظرة, واجهتهم بعلامات استفهام. كانت إجابتهم عليها مصداقاً, لما ورد برسالتي, انتبه الجمع, الأساتذة.. لتبدل الأدوار, للثقة التي تلبستني, مما اضطرهم لقطع الحوار. صفقوا مرات.. متناسين التقاليد, اللوائح.., التي يجب مراعاتها, فذلك يعتبر منحاً للدرجة.. بمعية الجمهور. دون اجتماع, حوار جانبي لأعضاء اللجنة. كعادة المحافل العلمية, كإجراء متبع لتقييم الرسالة, تقديرهم لمحتواها, الذي مس عقول أعضاء اللجنة أنفسهم, قلوبهم, تفادياً للإحراج.. وقف رئيسها مفاجئاً الجميع, أعلن قرارها, الذي أقروه في راحتهم, اتفاقهم فيما بينهم, بمنحي الدرجة بتقدير امتياز.., يكملوا المناقشة صورياً, استكمالاً للشكل.. أوصى الضيف بتعييني بنفس الكلية. أقرها العميد على الملأ. وافقته الهيئة, عانقني أعضاءها.., أفصح القدر عن كلمته.. احتضنني أستاذي المنتدب.. بحميمية, حب.. هامساً في أذني..
ــ (الحمد لله على نعمة الحمد, كفى بها نعمه)
بقلم
الكاتب القاص / عصام سعد حامد ــــــــــ مصر ــ أسيوط ــ ديروط
23 / 1 / 2020
رفعت يدي مستأذناً.. سمح البروفيسير.. وقفت..
ــ هذه العبارات. ألا يمكن اختصارها في جملة أو كلمة؟
ــ لا توجد عبارة تجمعها مطلقاً...
ــ لكنها لدينا فعلاً..
نهض المحاضر.., ابتسم متهكماً..
ــ يا ترى. في أي لغة..!
ــ .. بكل لغات العالم
ــ إذن. إليّ بها..
وهو يبتسم أيضاً, كأن الرد الذي يمتلكه. ينسف كلمتي, التي لم أنطقها.. تعجبت من ثقته بنفسه, كبريائه, متحدياً:
ــ لمّ تتلعثم؟ إليّ بهذه الكلمة.. يا سفير الشرق.
ضحك كافة الدارسين, تجاهلت سخريته, شعرت بطاقة كونية.. تجمعت, انبعثت من أعماقي, أعلنت الكلمة:
ــ كلمة. (الحمد لله)
ارتجت أركان المدرج.. كأن المكان, الهواء.. تحالفا, أطالا في تكرارها, على غير المعتاد.. صمت الجمع مفكراً, متأملاً, متذوقاً الكلمة, صداها, معناها الملائم لكافة عباراته, التي ذكرها.. زاغ بفكره حائراً.. لموافقتها.., لانكسار غروره, الذي أبى عليه الاعتراف.., مد يده غاضباً:
ــ أعطني بطاقة تعريفك.
مددتها إليه, نظر فيها.., طردني من المحاضرة, بعد يومين.. تم استدعائي لمجلس تأديبي.. بسبب المذكرة, التي تقدم بها ضدي, بأني أريد أسلمت علم التنمية البشرية, مما يعد خروجاً على قوانين الجامعة, لوائحها.., بناءاً عليه. أوصى بفصلي.. ولعلمانيته, إلحاده, مكانته دوراً في قرارها.., علمت من جريدة (أخبار الجامعات). بأن حادثة فصلي. تسببت في نزاع بين الأساتذة المتدينين واللا دينيين, أدى لإقالة الأستاذ نفسه, رحل هو الآخر..
هذه الأحداث.. أكبر من حجمي كطالب مغترب. لذا آثرت الانعزال, تقدمت لجامعة أخرى. وجدت فيها مرفأً آمناً. متمثلاً في عميد الكلية, الذي استدعاني.. ليستمع لأقوالي.. فيما نسب إليّ عبر الجرائد.., ألفيت منه تفهماً راقياً, طلب الإشراف على رسالتي, قبلت مسروراً, لحمايتي من أي تعند. يلحقني لأسباب دينية, مع الأيام وسرعتها, أحداث الحياة وتلاحقها. تناسيت كما الجميع. كل ما يتعلق بهذه التجربة.., سجلت رسالتي للدكتوراه, كانت بعنوان..
( خلاصة الامتنان.. الحمد لله) تحدد ميعاد مناقشتها, كان هناك نقص في هيئة الأساتذة, التي ستتولى مناقشتي.. تم انتداب من يكملها.., كانت المفاجأة.. ذلك الأستاذ بعينه, الذي تسبب في فصلي.. نظر في عيني, كأنه يقول. أتظن نفسك. ذهبت لكوكب آخر!.. انهارت أحلامي, غامت الدنيا أمامي, تكحلت بالسواد لحظتي, أيامي, أخرجني من غياهب تفكيري. ابتسامة طيبة من مشرف رسالتي, الذي رحب بضيفه المنتدب, تنازل له عن إدارة المناقشة, جعله رئيساً شرفياً لها, ابتسم الضيف ابتسامة.., كأنه يطمأنني قبل الذبح. انتابتني مشاعر متعددة, متباينة.. إلا أنني. تمسكت بمقلب القلوب.., مفرج الكروب, مدبر الأمور, توكلت عليه. انطلقت متحدياً نفسي, العالم, اللجنة الماثلة بكل جبروتها, درجاتها العلمية, مدافعاً عن كل كلمة. جاءت في رسالتي, بكافة الأدلة المذكورة في صلبها, غيرها.. مما فتح الله به عليّ, لم أذكره في نصها, في خضم النقاش, الذي سحر عقول الحضور, أتى بآخرين من خارج القاعة للاستماع, المتابعة, نظرات الأستاذ الضيف.. تتألق إعجاباً, لما يسمعه من ردودي, أعطاني الفرصة.. كي أتألق, أبدع في الإدلاء بآرائي, عجبت لتشجيعه. مرت ثلاث ساعات, لم نشعر.. اقترح أحد الأساتذة فترة راحة. وافقته الهيئة, قررت ساعة.., عجبت لأمر الموجودين, الذين رفضوا الانصراف, آثروا المكوث داخل القاعة, التي جلبت شخصيات علمية رفيعة. انقضت الساعة, أكملنا.., كان للراحة أثرها.., تملكتني روحانيات الرسالة, أحالتني من مسئول إلى سائل, الحدث من مناقشة لمناظرة, واجهتهم بعلامات استفهام. كانت إجابتهم عليها مصداقاً, لما ورد برسالتي, انتبه الجمع, الأساتذة.. لتبدل الأدوار, للثقة التي تلبستني, مما اضطرهم لقطع الحوار. صفقوا مرات.. متناسين التقاليد, اللوائح.., التي يجب مراعاتها, فذلك يعتبر منحاً للدرجة.. بمعية الجمهور. دون اجتماع, حوار جانبي لأعضاء اللجنة. كعادة المحافل العلمية, كإجراء متبع لتقييم الرسالة, تقديرهم لمحتواها, الذي مس عقول أعضاء اللجنة أنفسهم, قلوبهم, تفادياً للإحراج.. وقف رئيسها مفاجئاً الجميع, أعلن قرارها, الذي أقروه في راحتهم, اتفاقهم فيما بينهم, بمنحي الدرجة بتقدير امتياز.., يكملوا المناقشة صورياً, استكمالاً للشكل.. أوصى الضيف بتعييني بنفس الكلية. أقرها العميد على الملأ. وافقته الهيئة, عانقني أعضاءها.., أفصح القدر عن كلمته.. احتضنني أستاذي المنتدب.. بحميمية, حب.. هامساً في أذني..
ــ (الحمد لله على نعمة الحمد, كفى بها نعمه)
بقلم
الكاتب القاص / عصام سعد حامد ــــــــــ مصر ــ أسيوط ــ ديروط
23 / 1 / 2020