رغم الاجواء الباردة التي لفت تلك الليلة،فقد طفى على السطح مشهدان من مشاهد ليالي المخيم العنيد الذي إعتاد أن يُكَسِّرَ مجاديف الموج والريح،الاول لأدهم،الثاني في الفرسان الاشقاء الاربعة الذين يسهروا لينام المخيم بأمان،فقد تجمعوا هم وبعض رفاقهم خلف موقدة النار يحملون بنادقهم بانتظار الغزاة ... بعضهم سَطَّحَ بندقيته على فخديه،واحتضن في يديه فنجان قهوة كيّ يستدفئ منه،ويساعده ارتشافه على البقاء مستيقضا حتى انبلاج الشمس،وآخرون ركنوا قطعهم على جانب الحائط الملاصق للجلسة،وأطلق كيفيه فوق لهيب النار يطلب الاستدفاء... وبينهم يدور الحديث عن الراحلين... وعن قصص شراء البنادق وأنواعها وتفاصيل قطعها وأثمانها... ويتابعون عبر أجهزة التواصل اللاسلكية مع مجموعاتهم كل مستجد من حولهم...
في المقابل،وفي أحد البيوت الامنة في الطرف الشمالي في المخيم،المربي المعروف الجواد،يحاول الخلود إلى النوم بعدما انهى مكالمة مع ابنته صمود التي تدرس في جامعة بيرزيت ويقول لها :-
سنبني لأخوك طابقا لكي نزوجه فيه... سيترفع بيتنا عدة امتار... سيكون ذلك مدعاة سعادة في العائلة...
دس بجسمه تحت الفراش تعتريه غبطة غريبة... وأغمض عينية يتأمل ويتخيل كيفة صورة السعادة القادمة لهذه الاسرة... وبين تقلب الجسد والفكر ... أغمض عينية،في حين عين الادهم ومن معه مازالت يقظة ...
*
الساعة تقترب من الثانية إلا ربعا،النار التي يلتفون حولها تَهْمَدْ ويتراجع لهيبها،يتوقف احدهم عن تحريك النار بالعود الذي بين يديه،ويبدأ بالإصغاء لإرساليات جهاز اللاسلكي التي تحذير من تقدم قوات كبيرة من الغزاة نحو المخيم ... مع هذه الارساليات أطلقت صفارة الانذار التي توحي باقتحام قادم... وقف المقاومون جميعا لتفقد أسلحتهم،وأخذ أماكنهم وفي نفوسهم سؤال مُلِحْ كبير : اين أصبحوا ؟؟ وما هو الهدف الذي يبتغونه في المخيم هذه المرة ؟؟
شيئا فشيئا اتضحت الصورة قليلا ... قوات تقدر بسبعين آلية تتقدم من ثلاثة محاور من الشمال والشرق والغرب......إذا العملية كبيرة ... صاح أحدهم كل يأخذ مكانة ويحذر ...
في المشهد الجوادي رفع المربي الغطاء عن نفسه وهو يسمع صوت صفارة الانذار المركبة فوق المسجد الذي لا يبعد عن بيته عشرات الامتار،وتقدم نحو النافذة يستطلع الامر ...فجاء إبنه وابنته الى جانبه في إنتباه وحذر ... لحظات انتظار قطعها مرور شباب يركض في الاتجاه المعاكس...
سأله جواد : ما الامر؟؟
فرد الشباب : اقتحموا المخيم ونشروا القناصة في اكثر من مكان....
قال جواد: ربنا يستر... يعلم الله من هو الهدف هذه المرة ...
*
أدهم المُجَعَّبْ بالذخيرة تقدم الى عمق منطقة الساحة،وأخذ لنفسه مكانا بالقرب من بيت الاستاذ جواد ... وشرع بإطلاق النار صوب مكان وجود قوات الاحتلال في الجهة الشرقية الشمالية من المخيم ...أحد المقاومين المتأخرين عنه صرخ قائلا :
إحذروا... القناصة اعتلوا عمارة القنيري المقابلة للمخيم ...إطلاق النار وتفجير العبوات المحلية يمنع كثير من الكلام عن السماع... تقدم أيهم الشجاع المندفع،وتوغل في عمق منطقة الاشتباك وهو يطلق العنان لإصبعه الضاغط على الزناد ...فجأة سقط بقوة على الأرض... أدرك انه أصيب... نادى مستغيثا... لقد أصبت... يا الله ...
كل هذا المشهد على مرأى عائلة الجواد ... صوت ادهم يستفز المروءة والنخوة... لا بد من التقدم لسحب أدهم من أرض المعركة رغم الخطر ... إبنة الجواد أسرعت نحو الباب وخرجت لجر أدهم من ساحة القتال وإسعافه ... ركضت وكأنها فرس أصيل تسابق الريح... وصلته،حاولت سحبه،لكنه يتمتع بصحة جيدة أثقل من أن تقدر على نقله فتاة ... فاستغاثت هي الاخرى ،فخرج أخوها فريد على عجل ...وعندما شاهد الجواد ابنه وابنته في دائرة الخطر وادهم ينزف بشدة،خرج هو الاخر وقام ثلاثتهم بسحب ادهم عدة أمتار تجاه باب منزلهم .. وفي عز الدربكة والصراخ سقط جواد على جسد أدهم بفعل رصاصة غدر من قناص هو الآخر...
هذه المشهد الدامي لم يردع أهل النخوة من التقدم نحو المشهد من كل الجهات،فرغم الرصاص تقدموا وساهموا في سحب المصابين وسط الصراخ والارتباك والحيرة من عدم قدوم سيارات الاسعاف بأمر من القوة الغازية...جاء من بعيد رائد اللحلوح مندفعا نحو المكان للمساعدة،فنالته رصاصة في البطن هو أيضا ....
لقد سَكَنَ الجسديَن في عز المشهد الصاخب الدامي،وفاضت روحهما إلى باريهما.... سارعت الابنة في حمل أبيها وادهم بالتعاون مع من وصلوا الى سيارتهم الخاصة... وانطلقت تحت زخات الرصاص نحو مشفى ابن سينا القريب من المخيم ... قال طبيب الطوارئ بعد الفحص الاولى : لقد إرتقيا...
الجواد صاحب النخوة والحمية الذي قارب الثمانية والخمسون عاما،والأدهم المقاتل الثاني في العائلة والذي مضى من عمره الورديّ ربع قرن... وكتبا في تاريخ المخيم صفحة مشرقة،وقصة من صفحات التاريخ المضيئة حتى تحقق العودة المظفرة.
في المقابل،وفي أحد البيوت الامنة في الطرف الشمالي في المخيم،المربي المعروف الجواد،يحاول الخلود إلى النوم بعدما انهى مكالمة مع ابنته صمود التي تدرس في جامعة بيرزيت ويقول لها :-
سنبني لأخوك طابقا لكي نزوجه فيه... سيترفع بيتنا عدة امتار... سيكون ذلك مدعاة سعادة في العائلة...
دس بجسمه تحت الفراش تعتريه غبطة غريبة... وأغمض عينية يتأمل ويتخيل كيفة صورة السعادة القادمة لهذه الاسرة... وبين تقلب الجسد والفكر ... أغمض عينية،في حين عين الادهم ومن معه مازالت يقظة ...
*
الساعة تقترب من الثانية إلا ربعا،النار التي يلتفون حولها تَهْمَدْ ويتراجع لهيبها،يتوقف احدهم عن تحريك النار بالعود الذي بين يديه،ويبدأ بالإصغاء لإرساليات جهاز اللاسلكي التي تحذير من تقدم قوات كبيرة من الغزاة نحو المخيم ... مع هذه الارساليات أطلقت صفارة الانذار التي توحي باقتحام قادم... وقف المقاومون جميعا لتفقد أسلحتهم،وأخذ أماكنهم وفي نفوسهم سؤال مُلِحْ كبير : اين أصبحوا ؟؟ وما هو الهدف الذي يبتغونه في المخيم هذه المرة ؟؟
شيئا فشيئا اتضحت الصورة قليلا ... قوات تقدر بسبعين آلية تتقدم من ثلاثة محاور من الشمال والشرق والغرب......إذا العملية كبيرة ... صاح أحدهم كل يأخذ مكانة ويحذر ...
في المشهد الجوادي رفع المربي الغطاء عن نفسه وهو يسمع صوت صفارة الانذار المركبة فوق المسجد الذي لا يبعد عن بيته عشرات الامتار،وتقدم نحو النافذة يستطلع الامر ...فجاء إبنه وابنته الى جانبه في إنتباه وحذر ... لحظات انتظار قطعها مرور شباب يركض في الاتجاه المعاكس...
سأله جواد : ما الامر؟؟
فرد الشباب : اقتحموا المخيم ونشروا القناصة في اكثر من مكان....
قال جواد: ربنا يستر... يعلم الله من هو الهدف هذه المرة ...
*
أدهم المُجَعَّبْ بالذخيرة تقدم الى عمق منطقة الساحة،وأخذ لنفسه مكانا بالقرب من بيت الاستاذ جواد ... وشرع بإطلاق النار صوب مكان وجود قوات الاحتلال في الجهة الشرقية الشمالية من المخيم ...أحد المقاومين المتأخرين عنه صرخ قائلا :
إحذروا... القناصة اعتلوا عمارة القنيري المقابلة للمخيم ...إطلاق النار وتفجير العبوات المحلية يمنع كثير من الكلام عن السماع... تقدم أيهم الشجاع المندفع،وتوغل في عمق منطقة الاشتباك وهو يطلق العنان لإصبعه الضاغط على الزناد ...فجأة سقط بقوة على الأرض... أدرك انه أصيب... نادى مستغيثا... لقد أصبت... يا الله ...
كل هذا المشهد على مرأى عائلة الجواد ... صوت ادهم يستفز المروءة والنخوة... لا بد من التقدم لسحب أدهم من أرض المعركة رغم الخطر ... إبنة الجواد أسرعت نحو الباب وخرجت لجر أدهم من ساحة القتال وإسعافه ... ركضت وكأنها فرس أصيل تسابق الريح... وصلته،حاولت سحبه،لكنه يتمتع بصحة جيدة أثقل من أن تقدر على نقله فتاة ... فاستغاثت هي الاخرى ،فخرج أخوها فريد على عجل ...وعندما شاهد الجواد ابنه وابنته في دائرة الخطر وادهم ينزف بشدة،خرج هو الاخر وقام ثلاثتهم بسحب ادهم عدة أمتار تجاه باب منزلهم .. وفي عز الدربكة والصراخ سقط جواد على جسد أدهم بفعل رصاصة غدر من قناص هو الآخر...
هذه المشهد الدامي لم يردع أهل النخوة من التقدم نحو المشهد من كل الجهات،فرغم الرصاص تقدموا وساهموا في سحب المصابين وسط الصراخ والارتباك والحيرة من عدم قدوم سيارات الاسعاف بأمر من القوة الغازية...جاء من بعيد رائد اللحلوح مندفعا نحو المكان للمساعدة،فنالته رصاصة في البطن هو أيضا ....
لقد سَكَنَ الجسديَن في عز المشهد الصاخب الدامي،وفاضت روحهما إلى باريهما.... سارعت الابنة في حمل أبيها وادهم بالتعاون مع من وصلوا الى سيارتهم الخاصة... وانطلقت تحت زخات الرصاص نحو مشفى ابن سينا القريب من المخيم ... قال طبيب الطوارئ بعد الفحص الاولى : لقد إرتقيا...
الجواد صاحب النخوة والحمية الذي قارب الثمانية والخمسون عاما،والأدهم المقاتل الثاني في العائلة والذي مضى من عمره الورديّ ربع قرن... وكتبا في تاريخ المخيم صفحة مشرقة،وقصة من صفحات التاريخ المضيئة حتى تحقق العودة المظفرة.