أمر بينهن لأوقع على ورقة الامتحان، فاسترعى انتباهي إسمها، ليالي غرام إبراهيم، أوقع على ورقتها وأغادرها مبطنة دهشة طفولية، المقطع الثاني من إسمها كان من نصيب سيدة مجايلة لأمي رحمها الله ولم أسمع به بعدها، كانت أسماء جيل أمي مليئة بالدفء والحب والتصالح مع الذات والبيئة ومفرداتها، غرام، هيام، أحلام، عواطف، فردوس، كوثر، الآن الأسماء تعاني اضطراب الهوية، ففعل إبراهيم فعلته لضربهم في مقتل، متصالح مع ذاته، لا يعاني اضطراب الكثرة الكاثرة ممن يتمسحون بآخرين يتحدثون بلغة مختلفة وأديان مختلفة فيتسمون بأسمائهم وربما بأسماء رموز دينية تخصهم.
أنهي التوقيع لهن وأجلس يقتلني الفضول، استحوذت على اهتمامي على نحو ما، أنظر إليها لاستقرائها بينما هي لا تبادلني النظر، وربما لا تراني في عالمها المبهم موصد الأبواب، هي من القلائل الذي يوزع لهن ورقة خاصة لأنها "دمج" مسمى جديد ظهر مؤخرا لمن لهم طبيعة خاصة تقتضي التخفف في كم ومحتوى الامتحان.
بجانب ليالي غرام رفيقة تكتب لها على غير ماهو معهود من مثيلاتها في ذات الظروف، التطلع الظاهري لها لا ينبيء باختلافها عن الأخريات ولكن الذي أقر بطبيعتها لم يقر بوجوب تواجدها في مدرسة أخرى تناسبها، ما علمت منطقها، بل لا أعلم ما هو منطقها الذي به يتم التواصل معها، للتعلم دروب شتى كلها في النهاية تنتج فردا متعلما، فمن الذي حصرها فقط في تلك الزاوية الضيقة؟
كان للجمال أياد بيضاء عليها، عيونها بنية مثقلة بهدب كثيفة فترت نظرتها يعلوها حاجبان احتويا شفراتها الواسعة، يعلوهما هلال وضاء حدد تخومه شعر بني مرسل جمعته في عقصة بمؤخرة رأسها،ويتوسط هذا الجمع وجهها ذو البشرة العاجيةأ أسيل الخد زودها المبدع الأول بشامة بنية على خدها الأيسر، وجهها دفاق ببراءة ونقاء داخلها، كأن هذا الداخل نجا من عطبنا وكدرنا ليبقى نقيا فياضا فواحا، تقبض راحتيها وتفتحها لتنساب أصابعها التي لا تشوبها شائبة فلماذا تعطلت عن الكتابة بنفسها؟!
هل شارك إبراهيم ورفيقته في ضرب هالة من الغموض على ليالي غرامهما؟ هل نسي أن يسمي قبل الوطيء فشاركه الشيطان ليالي غرامه؟ هل متعة رفيقة إبراهيم لم تكافيء متعته فتناقصت ليالي غرامهما؟ أم أن متعتهما لم تكن انسيابية عفوية فشاب ليالي غرامهما ما شابها، مالي أبحر في الدجي
هل مارس جين معطوب نوعا من الطغيان على بقية الجينات ليسود الناتج النهائي؟ الطغيان مذمة ونقيصة حتى في الجينات، كلنا نحمل في تكويننا مجتزأ من آدم، فهل كان له دور في تشويه ليالي غرام إبراهيم؟
إبراهيم أراد أن يوثق ليالي غرامه التي بردت فيها أشواقه واكتمل تمام دائرته مع رفيقته، دائرة الوصل والتلاقي المفضي إلى الارتواء التام، فبردت الأعطاف وارتخت الأوتار المشدودة وتبادل مع رفيقته الامتنان الواعد بتجدد ليالي غرامهما، فكانت ليالي غرامه مكافئة إلهية التي لن تشقى أبدا، إنها كالملاك الهائم في عالم يخصه، عالم وردي كما هو عالم والديها لتكون هي وثيقة غرامهما الوحيدة المجسدة.
هي لا تمتلك كل الإدراك الذي نملكه، كأنها الغائب الحاضر ، الإدراك الكامل يورث الهم والألم والقلق، كلما ازدادت المعرفة كلما ازداد الألم، وأراد الله لها أن لا تدرك كل ما يحدث حولها فغلفها بغلاف يفتقر إلى شفرات الذكاء المتقد، ولكنه إإتلاق من نوع آخر، أحسدها عليه.
ليالي غرام إبراهيم تعيش بين الذئاب والحيات والأفاعي، الجمال من أبجديات الحق المبين الذي بحاجة إلى قوة تحميه، إبراهيم هو الحارس الأمين على ليالي غرامه وهو يمشي فوق الأرض، فمن هو الحارس عليها بعد أن يقبر في باطنها؟ ماذا أعد للياليه كي تبقى بجمالها الفطري فلا يعبث به أحد؟ في هذا العالم الذي مرد على القضاء على كل جميل، أو تشويهه فلا يبقى ألقه يغشي العيون.
لا تتنهد، التنهيد لمن جثم على صدره هم ما ثم انقشع وزال ثقله، فتنفس الصعداء، وهي بقلب خال من الهموم، صفحتها بيضاء لم يخط فيها حرفا ما، ولو كان فيها أحرف ما لاستنطقتها وأكتتبتها ولما كانت في حاجة إلى رفيقة تكتب لها، الحرف والنقطة والخط واللون والرقم والشفاهة والتحرير بالكلمة أو بالصورة، كلها دلائل على التعلم وهي من عدمتها كلها.
تحلق في الفراغ الذي ألقينا بها إليه فعزلناها عنا وكنا في عينها نحن والعدم سواء، نظراتها مبهمة كمن تطل علينا من آن لآخر من مملكة الملائكة التي تعيش بينهم، فكيف ترانا، هل من الممكن أن تعيرني عيناها فأرانا كما ترانا هي؟ وماذا لو كنا في عينيها في أقبح صورة لأنها حقيقتنا؟ فهل نحاول أن نتجمل لها ربما أصابنا نقاؤها فيزول قبحنا وعطبنا، ويكون إصلاح عطبنا باستدعاء ما يعتمل في قلبها، ربما ترانا مزيفون وهي محقة لو كنا غير ذلك ما كانت هي هنا وإنما في مدرسة أخرى تنتهج المنهج الذي يناسبها، وتصبح متعلمة حقا وحقيقة.
آه يا إبراهيم كم أن ليالي غرامك أبانت عواراتنا.