اعتقدت أنَّ كُؤوس الحُبّ سَتصفو، وموائد الغرام ستظل قائمة لا تنفض، وأنَّ عهود العِشق والوفاء سَتبقى على حَالها لا تُمس، تَعاهدت هي و”حسن” صغار على الإخلاصِ حَتَّى نهايةِ العُمر ، لم يكتف منها بجَمالها الفتَّان ، ولا ذكاؤها المُتوقِّد ، وحِرصها على أن تُعمِّر بيته بخيراتٍ الدُّنيا تُعَاونه على تكَاليف الحياة ما استطاعت ، نَسي دَكانه الصَّغير كيَفَ أضحت بفضلها بقالةً كبيرة ، تَضيق أرففها بصُنوفِ البَضائع التي قُلّ مثيلها في الزِّمامِ ، تنَكَّرَ فَجأةً لكُلِّ هذا المعروف ، أمام إلحَاحِ أمه الحَيزبون التي كَادت ” لجمالات” من أولِ ليلةٍ ، حَسدتها على جَمالها ، فَشرَعت تَمكر لحسنها الذي غَطَّى على بناتها ، بعد إذ أصَبَحت للدَّارِ ملكة مُتوَّجة ، وصاحبة مال يعرفها الناس ويقصدونها ، وهذا حال النساء في كل زمان ، الكيد والغيرة ، أرقدت المرأة في صدرِ ابنها نارا لا تطفئ ، تحرضه ليل نهار على زوجه العاقر ، ترميها بكل نقيصة ، إذ كيف لابنها أن يصبر ، وأنداده من فتيان القرية ، تمتلئ حجورهم بالذرية ، بداية لم تستجب لكلامها ، بل قاوم على استحياء باهت ، لكنه وبمرور الوقت اكتفى بالصمت ، يوزع نظراته ما بين الأم الشامتة ، والزوجة المكلومة الغارقة في أحزانها ، رويدا لم يقوى على كبح جماح نفسه تحرضه ، تلذذ لشيطانها يؤزه ؛ أن اطع أمك ففي رضاها جنة وحريرا .
سريعا لم يصبر على الوضعِ المَأزومِ ، بل اُغرِقَ عَقله في تَفكيٍر لَفه باستمرارٍ ، حَتّى جَحَد ذَاكَ الحُبّ ، ونقض عهدَه ، وهَانت حبيبة الأمس عليه ، فتَحوّلَ لوحشٍ كَاسر ، إن سَلِمت من يدهِ لم تَسلم من لِسانه ، يُذيِقها من صُنوفِ العَذابِ ألوانًا ، ويوما بعد يوم يزداد الفتق ، وتضيق الدار بما رحبت ، بعد أن كانت بٍراحا للحب والأنس ، حاولت أن تصمد عله يرجع عن صَلفهِ ، لكنها استسلمت في الأخير ، ترى الدار وأهلها يهيئون عِشّ الزوجية لعَروسٍ جديدة ، تَخيَّرتها أمه التي انتهزت الفرصة ؛ لتزف إلى الملأ نَبأها السَّار ، انتظمت الفرحة ليل نهار في أهَازيجٍ متواصلة من الطَّبل والرَّقص ، لم يعد في وسعها بعد إذ استنفدت الحِيل ؛ إلاَّ أن تترك مُرغمة عشها وتعود لبيتِ أبيها ، لازمت الدار مكسورة الجناح لا تقوم لها قائمة ، تأكل وتشرب في أطباقِ الهَوان والمَذلة ، صاَبرة عسى أن ينظر إليها قدرها بعينِ تحنّنٍ ، لكن خَابَ سعيها ، لاتقوى أن تتحمل هذه الشركة بينها وبين ضرة ، مرت أسابيع تراه وقد صار لغيرها ، غرق ” حسن ” في بحارِ السَّعادة مع حَليلتِه الجديدة التي لم تكن أفضل حَظَّا من سابقتها ، لم تمتلئ بطنها كما تَوقَّع ، لم يجد من وسيلة غير أن يستدين بالرَّبا، عَرف طريق الأطباء ، ومن بعدهم عتبات الأولياء ، ووصفات العطارين ، حمل الأحجبة والآيات ، حرق البخور وتلى التعاويذ فما وجد أثرا ، أما هي فطال بها الانتظار بعد طلاقها ، لتجد نفسها في بيتِ رجلٍ طاعنٍ بعمرِ أبيها ، تعمل كخادمة له ولأيتامه ، لكنَّها رضخت تُصبِّر نفسها تقول في سلوى “: أفضل من البقاء في كنفِ أخوة لا يصونون للرحم حُرمة “، لم تمض أشهر حتى ركبه الدَّين ، حين نسي نفسه وبالغ في ترضية حفيته الجديدة ، أُفرِغ الدكان من بضاعتهِ حتَّى صفرت أرففه، لم يكن من بُدٍّ أمامه سوى طلاقها ، ليأت بالثالثة تعقبها ، لتغرق البيت بالذريةِ كأرنبةٍ ولود .
مات زوجها فانفك عقالها ، عادت تحمل قروشا زهيدا ، قالوا لها هذا ميراثك ، اشترت بيتا صغيرا ، وبما تَبقَّى اتخذت دُكَانا متُواضعا ، مَرَّت الأيام لتنتعش سوقها وترَوج تجارتها ، جاءها أعيان البلد يرجون خطبتها ، لكنها كانت قد قَيَّدت قلبها بقيودٍ من النسيانِ، عسى أن تجد عِوضا فيما تبقى لها من أيام .
sadazakera.wordpress.com
سريعا لم يصبر على الوضعِ المَأزومِ ، بل اُغرِقَ عَقله في تَفكيٍر لَفه باستمرارٍ ، حَتّى جَحَد ذَاكَ الحُبّ ، ونقض عهدَه ، وهَانت حبيبة الأمس عليه ، فتَحوّلَ لوحشٍ كَاسر ، إن سَلِمت من يدهِ لم تَسلم من لِسانه ، يُذيِقها من صُنوفِ العَذابِ ألوانًا ، ويوما بعد يوم يزداد الفتق ، وتضيق الدار بما رحبت ، بعد أن كانت بٍراحا للحب والأنس ، حاولت أن تصمد عله يرجع عن صَلفهِ ، لكنها استسلمت في الأخير ، ترى الدار وأهلها يهيئون عِشّ الزوجية لعَروسٍ جديدة ، تَخيَّرتها أمه التي انتهزت الفرصة ؛ لتزف إلى الملأ نَبأها السَّار ، انتظمت الفرحة ليل نهار في أهَازيجٍ متواصلة من الطَّبل والرَّقص ، لم يعد في وسعها بعد إذ استنفدت الحِيل ؛ إلاَّ أن تترك مُرغمة عشها وتعود لبيتِ أبيها ، لازمت الدار مكسورة الجناح لا تقوم لها قائمة ، تأكل وتشرب في أطباقِ الهَوان والمَذلة ، صاَبرة عسى أن ينظر إليها قدرها بعينِ تحنّنٍ ، لكن خَابَ سعيها ، لاتقوى أن تتحمل هذه الشركة بينها وبين ضرة ، مرت أسابيع تراه وقد صار لغيرها ، غرق ” حسن ” في بحارِ السَّعادة مع حَليلتِه الجديدة التي لم تكن أفضل حَظَّا من سابقتها ، لم تمتلئ بطنها كما تَوقَّع ، لم يجد من وسيلة غير أن يستدين بالرَّبا، عَرف طريق الأطباء ، ومن بعدهم عتبات الأولياء ، ووصفات العطارين ، حمل الأحجبة والآيات ، حرق البخور وتلى التعاويذ فما وجد أثرا ، أما هي فطال بها الانتظار بعد طلاقها ، لتجد نفسها في بيتِ رجلٍ طاعنٍ بعمرِ أبيها ، تعمل كخادمة له ولأيتامه ، لكنَّها رضخت تُصبِّر نفسها تقول في سلوى “: أفضل من البقاء في كنفِ أخوة لا يصونون للرحم حُرمة “، لم تمض أشهر حتى ركبه الدَّين ، حين نسي نفسه وبالغ في ترضية حفيته الجديدة ، أُفرِغ الدكان من بضاعتهِ حتَّى صفرت أرففه، لم يكن من بُدٍّ أمامه سوى طلاقها ، ليأت بالثالثة تعقبها ، لتغرق البيت بالذريةِ كأرنبةٍ ولود .
مات زوجها فانفك عقالها ، عادت تحمل قروشا زهيدا ، قالوا لها هذا ميراثك ، اشترت بيتا صغيرا ، وبما تَبقَّى اتخذت دُكَانا متُواضعا ، مَرَّت الأيام لتنتعش سوقها وترَوج تجارتها ، جاءها أعيان البلد يرجون خطبتها ، لكنها كانت قد قَيَّدت قلبها بقيودٍ من النسيانِ، عسى أن تجد عِوضا فيما تبقى لها من أيام .
قصتان: لمحمد فيض خالد
محمد الأبيض ظَلَّ عمره يَتشوّق ابنا ، يَحمِلُ اسمه ويبقي ذِكره بعد فَناء، هَكذا حَال أبناء الطِّين ؛ لابُدَّ وأن يرَوا أثرهم بعد الرَّحيل عَلامةً عَلى الفَلاحَةِ ، فالجدران وأشَجار الكَافور والنَّخ…