البروفسور نابغ خبيرٌ في مجال القوة "الكهرومغناطيسية"،كان يعمل مدرسا في إحدى الجامعات المرموقـــة،فعشق طالبة ً كانت تدرس في كلية العلوم في الجامعة التي كان يعمل بها،وتعمَّق العشق بين المدرس وطالبته حتى أصبح حديث الجامعة،وذات يوم،وأثناء التحضير لحفل التخرج لطلاب الكلية المذكورة،وفيما كانت الطالبة تسوق سيّارتها بسرعة فائقة في حالة من الفرح والابتهاج،و تضع في حجرها باقة من الورد،حصل معها حادث سير مروع،نقلت من فورها إلى أقرب المشافي،وبعد قليل من وصولها لقسم الطواريْ،لفظت أنفاسها،واغضمت عيّنيّها وهي تشاهد أستاذ قلبها يهز سرير موتها بجنون،وصرخاته تتساقط في أذنيها قائلا : -
أرجوك لا ترحل....
أسابيع مضت،على الرحيل،والحزن قد أكل من جسمه الكثير،حتى نَحَلْ،وهَجَرَ العمل، وأصبح دائم الحج لتربتها صباح مساء،يعالج دمعه المتصبب بمنديلٍ بيمينه، ويتحسس تراب قبرها بيساره المُتَغَيِر، حتى ينام، ثم يصحوا، ثم ينام، ثم يعود ويستفيق ثانية وقد كاد العطش والجوع أن يهلكه..
وذات يوم،وعلى وقع حال العزلة والكأبة والحزن الشديد الذي يعيش،أخذه تفكيره الذي لامس الجنون إلى إصطحاب جهاز قياس مسجات الأشعة إلى المدفن،لينصبه هناك، لعله يكتشف شيئا في القبر أو حوله ، طاقة ما، شعاع ما،تجعل قلوب البشر ومشاعرها لا تنهي العلاقة بينهم حتى لو دخل بعضهم العالم الآخر، وبقي آخرون في عالم الدنيا، وفعلا نفذ فكرته ونصب آلته فوق القبر الصامت، وأنتظر الليل حتى يحل....
كان أول الليل، ينقل أصوات بعض الحركة من حوله، أبواق سيارات،صخب احتفالات، لهو شبان،فلم يستطع ملاحظة أو اكتشاف أي شيء، لكن بعد أن حل السجى،ونامت المدينة وهدأ روعها، ونزلت الملائكة تحفظ أطفالها النائمين،وتنشر أحلامها السعيدة على الخلائق،دقق النظر في عدسة جهازه، لاحظ إبنعاث حزم خضراء من بعض القبور وإليها، شده الأمر،فألصق عينه أكثر بالعدسة، وكتم أنفاسه ليزيد من حالة الصمت،فتراءت له الحزم الخضراء الجملية العذبة الرقيقة أكثر،، يا الهي ما أجمل هذا... قال في نفسه... وكأنها الخيوط التي غزل فيها لون الجنة... ضغط بإبهامه على قسم التصوير التوثيقي في الجهاز، ليسجل هذا الاكتشاف العظيم، ثم أعاد عينيه لتلتصقان بالعدسة من جديد،فرأى الحزم الخضراء تزداد توهجها وانبعاثا ذهابا وإيابا، من التراب واليه....فمزق صمت الليل بصرخة قالت:-
يا الله..اكتشاف باهر... اكتشاف غير مسبوق....سأدخل التاريخ... يا الله....
ثم سكت وعاد وتماسك من جديد بالرغم من حالة الانفعال الشديد التي تعتريه، أخذ يفكر كيف سيحل هذا اللغز؟، وكيف سينقله للناس؟، وما الذي يمكن أن يبنى عليه مستقبلا من تواصل بين الباقين والراحلين...؟؟
لملم عدته، وقبل تراب حبيبته،وقفل عائدا إلي بيته الذي اشتاق إليه، فقطع الطرقات والشوارع بسرعة الخائف المذهول حتى وصل، فتح الباب، وخلع معطفه، وانكب على جهاز الحاسوب المحمول الذي يمتلكه ليبحث في كل الفلسفات والديانات والمعتقدات والأساطير والبحوث والنشرات لعله يحد طرف خيط لما شاهده هذه الليلة في المقبرة...
أشهر أمضاها الخبير الحائر في البحث حتى قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ).. أعاد قراءته عدة مرات، ذهب عاجلا لكتب تفاسير الأحاديث، قرأ كل الروايات التي جاءت في الحديث، أمسكها في حانة الحفظ على حاسوبة ، ثم تنفس الصعداء، أعاد نفسه وهو يجلس على مقعده إلى الخلف، وكأنه يعبر عن وصوله لاستكمال اكتشافه،واخذ يفكر كيف سيطلق هذا الاكتشاف، ويقدمه للبشرية من أجل كسر بعض من أحزانها.... لا بد من الإعلام هو سيوصلني إلى كل ناحية ذات اختصاص تهتم بهذا الانجاز
التقط الهاتف المحمول، لمس زجاجه ألدالة على رقم ذلك الصحفي المعروف، وقال:
مرحبا صديقي
ــــــــــــ
أنا البروفسور نابغ
ـــــــــــ
عفوا على الإزعاج بداية... لكن أريد أن التقيك بأقرب وقت.... عندي سبق إعلامي بالغ الأهمية... وسيكون حديث الموسم... بل حديث الدنيا...
ـــــــــــ
أهلا بك، اكتب عنواني عندك.......
لم يمض أربع وعشرون ساعة على نشر الخبر، حتى ضجت المدينة بالذهول، وتسارع الكثيرون منهم لمشاهدة المقابلة على القنوات وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف،لكن المتشددين أثيروا بشكل كبير من وقع الخبر، وتابعوه بعصبية مفرطة،وتحشدوا وجباههم تقطر غضبا، وقرروا السير إلى بيت البروفسور نابغ مع حلول المساء، وفعلا انطلقوا والتحق بهم بعض الحانقين وبعض المتطفلين، فوصلوا البيت، وشرعوا بالصراخ وضرب الباب..
لم يكن البروفسور جبانا، بل كان إلى جانب علمه ونبوغه شجاعا واعيا، فخرج عليهم ورفع يده ليهدأ من روعهم لعله يجد حكيما منهم ليكلمه ويتحاور معه أمامهم، لكنهم رفضوا واستمروا في ضوضائهم..
صرخ أحدهم:- تُب أيها الأحمق وعد إلى رشدك..... لقد صبأت
حاول الرد عليهم لكن صوتهم المتصاعد حال دون ذلك.. فأدرك أن التفاهم معهم صعب إن لم يكن مستحيلا.. فعاد للخلف ليدخل المنزل من أجل أن يتصل بالشرطة حتى لا يرتكبوا أية حماقة، لكن صوتهم تعالى أكثر وهاجموه قبل أن يغلق الباب وانهالوا عليه ضربا بالعصي والأدوات الحادة حتى سقط بينهم مضرجا بدمه، ولم ينفضوا من حوله حتى جاءت سيارات الشرطة والإسعاف التي نقلت الدكتور الى قسم العناية المركزة في المشفى الذي توفيت فيها طالبته...
كانت إصابتة حرجة، أدخلته في غيبوبة عميقة لعدة أيام،جعلت من المشفى مِحَجَاً لآلاف الطلاب والأصدقاء والمسؤولين وبعض من تعاطف مع أحداث وتطورات القضية، واكتملت صورة التضامن عندما ذهب بعض طلابه الذين كانوا يحبونه ويؤيدونه إلى بيته، واستأذنوا من أهله إصطحاب آلته التي قادته للاكتشاف الجديد ، ووضعها في زاوية بارزة في المشفى، قريبة من قسم العناية المركزة للتعبير عن تضامنهم مع أستاذهم الجامعيّ..
في اليوم الخامس من الحادث، وبعد عدة عمليات جراحية، حدث تدهور خطير على حالة البرفوسور،حصل على أثره ارتباك وتوتر في طاقم العمل الطبي خوفا على مصير هذا القامة العلمية، لكن القدر قال كلمته في الأجل المحدد، ففاضت روحه الى بارئها...
كانت مسيرة تشييعه إلى مثواه الأخير قرب طالبته مهيبة وعلى مد البصر بعضهم يبكيه،وبعضهم يصمت عن القول فيه ، أما طلابه فقد حملوا ألته وأقسموا أن يوصلوا بحثه واكتشافه لكل مراكز العلم في الوطن والعالم، و وتعاهدوا أن يتناوبوا على مشاهدة الحزم الروحية الخضراء التي تشع من المراقد وإليها...
أرجوك لا ترحل....
أسابيع مضت،على الرحيل،والحزن قد أكل من جسمه الكثير،حتى نَحَلْ،وهَجَرَ العمل، وأصبح دائم الحج لتربتها صباح مساء،يعالج دمعه المتصبب بمنديلٍ بيمينه، ويتحسس تراب قبرها بيساره المُتَغَيِر، حتى ينام، ثم يصحوا، ثم ينام، ثم يعود ويستفيق ثانية وقد كاد العطش والجوع أن يهلكه..
وذات يوم،وعلى وقع حال العزلة والكأبة والحزن الشديد الذي يعيش،أخذه تفكيره الذي لامس الجنون إلى إصطحاب جهاز قياس مسجات الأشعة إلى المدفن،لينصبه هناك، لعله يكتشف شيئا في القبر أو حوله ، طاقة ما، شعاع ما،تجعل قلوب البشر ومشاعرها لا تنهي العلاقة بينهم حتى لو دخل بعضهم العالم الآخر، وبقي آخرون في عالم الدنيا، وفعلا نفذ فكرته ونصب آلته فوق القبر الصامت، وأنتظر الليل حتى يحل....
كان أول الليل، ينقل أصوات بعض الحركة من حوله، أبواق سيارات،صخب احتفالات، لهو شبان،فلم يستطع ملاحظة أو اكتشاف أي شيء، لكن بعد أن حل السجى،ونامت المدينة وهدأ روعها، ونزلت الملائكة تحفظ أطفالها النائمين،وتنشر أحلامها السعيدة على الخلائق،دقق النظر في عدسة جهازه، لاحظ إبنعاث حزم خضراء من بعض القبور وإليها، شده الأمر،فألصق عينه أكثر بالعدسة، وكتم أنفاسه ليزيد من حالة الصمت،فتراءت له الحزم الخضراء الجملية العذبة الرقيقة أكثر،، يا الهي ما أجمل هذا... قال في نفسه... وكأنها الخيوط التي غزل فيها لون الجنة... ضغط بإبهامه على قسم التصوير التوثيقي في الجهاز، ليسجل هذا الاكتشاف العظيم، ثم أعاد عينيه لتلتصقان بالعدسة من جديد،فرأى الحزم الخضراء تزداد توهجها وانبعاثا ذهابا وإيابا، من التراب واليه....فمزق صمت الليل بصرخة قالت:-
يا الله..اكتشاف باهر... اكتشاف غير مسبوق....سأدخل التاريخ... يا الله....
ثم سكت وعاد وتماسك من جديد بالرغم من حالة الانفعال الشديد التي تعتريه، أخذ يفكر كيف سيحل هذا اللغز؟، وكيف سينقله للناس؟، وما الذي يمكن أن يبنى عليه مستقبلا من تواصل بين الباقين والراحلين...؟؟
لملم عدته، وقبل تراب حبيبته،وقفل عائدا إلي بيته الذي اشتاق إليه، فقطع الطرقات والشوارع بسرعة الخائف المذهول حتى وصل، فتح الباب، وخلع معطفه، وانكب على جهاز الحاسوب المحمول الذي يمتلكه ليبحث في كل الفلسفات والديانات والمعتقدات والأساطير والبحوث والنشرات لعله يحد طرف خيط لما شاهده هذه الليلة في المقبرة...
أشهر أمضاها الخبير الحائر في البحث حتى قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ).. أعاد قراءته عدة مرات، ذهب عاجلا لكتب تفاسير الأحاديث، قرأ كل الروايات التي جاءت في الحديث، أمسكها في حانة الحفظ على حاسوبة ، ثم تنفس الصعداء، أعاد نفسه وهو يجلس على مقعده إلى الخلف، وكأنه يعبر عن وصوله لاستكمال اكتشافه،واخذ يفكر كيف سيطلق هذا الاكتشاف، ويقدمه للبشرية من أجل كسر بعض من أحزانها.... لا بد من الإعلام هو سيوصلني إلى كل ناحية ذات اختصاص تهتم بهذا الانجاز
التقط الهاتف المحمول، لمس زجاجه ألدالة على رقم ذلك الصحفي المعروف، وقال:
مرحبا صديقي
ــــــــــــ
أنا البروفسور نابغ
ـــــــــــ
عفوا على الإزعاج بداية... لكن أريد أن التقيك بأقرب وقت.... عندي سبق إعلامي بالغ الأهمية... وسيكون حديث الموسم... بل حديث الدنيا...
ـــــــــــ
أهلا بك، اكتب عنواني عندك.......
لم يمض أربع وعشرون ساعة على نشر الخبر، حتى ضجت المدينة بالذهول، وتسارع الكثيرون منهم لمشاهدة المقابلة على القنوات وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف،لكن المتشددين أثيروا بشكل كبير من وقع الخبر، وتابعوه بعصبية مفرطة،وتحشدوا وجباههم تقطر غضبا، وقرروا السير إلى بيت البروفسور نابغ مع حلول المساء، وفعلا انطلقوا والتحق بهم بعض الحانقين وبعض المتطفلين، فوصلوا البيت، وشرعوا بالصراخ وضرب الباب..
لم يكن البروفسور جبانا، بل كان إلى جانب علمه ونبوغه شجاعا واعيا، فخرج عليهم ورفع يده ليهدأ من روعهم لعله يجد حكيما منهم ليكلمه ويتحاور معه أمامهم، لكنهم رفضوا واستمروا في ضوضائهم..
صرخ أحدهم:- تُب أيها الأحمق وعد إلى رشدك..... لقد صبأت
حاول الرد عليهم لكن صوتهم المتصاعد حال دون ذلك.. فأدرك أن التفاهم معهم صعب إن لم يكن مستحيلا.. فعاد للخلف ليدخل المنزل من أجل أن يتصل بالشرطة حتى لا يرتكبوا أية حماقة، لكن صوتهم تعالى أكثر وهاجموه قبل أن يغلق الباب وانهالوا عليه ضربا بالعصي والأدوات الحادة حتى سقط بينهم مضرجا بدمه، ولم ينفضوا من حوله حتى جاءت سيارات الشرطة والإسعاف التي نقلت الدكتور الى قسم العناية المركزة في المشفى الذي توفيت فيها طالبته...
كانت إصابتة حرجة، أدخلته في غيبوبة عميقة لعدة أيام،جعلت من المشفى مِحَجَاً لآلاف الطلاب والأصدقاء والمسؤولين وبعض من تعاطف مع أحداث وتطورات القضية، واكتملت صورة التضامن عندما ذهب بعض طلابه الذين كانوا يحبونه ويؤيدونه إلى بيته، واستأذنوا من أهله إصطحاب آلته التي قادته للاكتشاف الجديد ، ووضعها في زاوية بارزة في المشفى، قريبة من قسم العناية المركزة للتعبير عن تضامنهم مع أستاذهم الجامعيّ..
في اليوم الخامس من الحادث، وبعد عدة عمليات جراحية، حدث تدهور خطير على حالة البرفوسور،حصل على أثره ارتباك وتوتر في طاقم العمل الطبي خوفا على مصير هذا القامة العلمية، لكن القدر قال كلمته في الأجل المحدد، ففاضت روحه الى بارئها...
كانت مسيرة تشييعه إلى مثواه الأخير قرب طالبته مهيبة وعلى مد البصر بعضهم يبكيه،وبعضهم يصمت عن القول فيه ، أما طلابه فقد حملوا ألته وأقسموا أن يوصلوا بحثه واكتشافه لكل مراكز العلم في الوطن والعالم، و وتعاهدوا أن يتناوبوا على مشاهدة الحزم الروحية الخضراء التي تشع من المراقد وإليها...