المقدمــــة:
عرفت القصة القصيرة المغربية تراكما ملحوظا على صعيد الإنتاج كما وكيفا، فقد وصل عدد المجموعات القصصية القصيرة – حسب إحصائيات محمد يحيى قاسمي سنة 1999م- إلىثمان وأربعين ومائة (148) مجموعة قصصية، " منذ سنة 1947 إلى غاية بداية 1999م.أي: بنسبة تفوق أربع مجموعات في السنة الواحدة، لكنها ليست قارة، فقد بدأت منخفضة في العقودالأولى، وارتفعت في العقود الأخيرة.[1]"
ويعد المغرب - اليوم- أكثر إنتاجا في مجال القصة القصيرة مقارنة بدول المغرب العربي بأزيد من أربعمائة مجموعة قصصية. وبذلك، يكون في صدارة هذه الدول، ويحتل قصب السبق والريادة والتميز تجنيسا وتجريبا وتأصيلا [2].
هذا، وقد ظهرت القصة القصيرة المغربية لأول مرة في سنة 1947م مع مجموعة (وادي الدماء) لعبد المجيد بن جلون[3]. وبعد ذلك، تعاقبت المجاميع القصصية مع سنوات الخمسين والستين والسبعين والثمانين والتسعين من القرن الماضي حتى سنوات الألفية الثالثة.
ومن ناحية أخرى، فقد سارت القصة المغربية في اتجاهات عدة، مثل: الاتجاه التراثي، والاتجاه الوطني، والاتجاه الرومانسي، والاتجاه التاريخي، والاتجاه الواقعي، والاتجاه الرمزي، والاتجاه العجائبي، والاتجاه الأسطوري، والاتجاه الميتاسردي، والاتجاه الأوطوبيوغرافي...
وعلى العموم، يمكن القول بأن القصة القصيرة قد نحت ثلاثة مناح أساسية هي: المنحى الكلاسيكي، والمنحى التجريبي، والمنحى التأصيلي.
كما اهتمت القصة القصيرة المغربية بتشخيص الذات، وتشخيص الواقع، وتشخيص الكتابة الميتاسردية على حد سواء.
علاوة على ذلك، فقد تناول نقد القصة القصيرة مجموعة من القضايا الأساسية التي تتمثل في التجنيس، والتأريخ، والتوثيق، والأرشفة، وما يرتبط بالجوانب الدلالية والتداولية، وما يخص الجوانب الفنية والجمالية والأسلوبية، واستعراض البيانات القصصية.
كما تمثل هذا الجنس الأدبي مقاربات نقدية متنوعة، مثل: المقاربة التاريخية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الفنية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة النفسية، والمقاربة الببليوغرافية، والمقاربة البنيوية السردية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة السيميوطيقية، والمقاربة الجمالية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة البلاغية...
وللتنبيه، فإني أفضل استخدام مفهوم المقاربة بدل مصطلح المنهج؛ لأن المقاربة هي تقريب نسبي للحقيقة المراد دراستها. في حين، إن المنهج مصطلح عام يحيل على مجموعة من الخطوات العلمية الموضوعية الصارمة التي يلتزم بها البحث العلمي، ويشير كذلك إلى مجموعة من التقنيات والأدوات التي يجب اتباعها لضمان سير منهجي سليم. لذلك، سأستعمل المصطلحين معا من باب التجاوز ليس إلا.
إذاً، ما أهم المقاربات النقدية التي تمثلها نقاد القصة القصيرة في المغرب؟ وما أهم القضايا النقدية التي طرحتها كتاباتهم النقدية؟ وما مميزات هذه المقاربات النقدية قوة وضعفا؟ وما المنهجيات أو المقاربات البديلة لتحليل القصة القصيرة بنية ودلالة ووظيفة؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا.
بدايات الاهتمام بنقد القصة القصيرة:
بدأ الاهتمام بنقد القصة القصيرة منذ الستينيات من القرن العشرين، فكانت الدراسة الأولى في مجال القصة القصيرة ما كتبه الباحث المصري محمد صادق العفيفي تحت عنوان ( القصة المغربية الحديثة) سنة 1961م[4]. وقد اتبع فيها منهجا انطباعيا يعتمد على التلخيص والتعليق.
أما أول عمل نقدي مغربي اهتم بدراسة القصة القصيرة، فقد كان عبارة عن رسالة جامعية أعدها أحمد اليابوري تحت عنوان( الفن القصصي في المغرب من سنة 1914إلى سنة 1966م). وقد نوقشت في رحاب كلية الآداب بالرباط في شهر يونيو سنة 1967م. بيد أن هذه الرسالة الجامعية غير منشورة إلى يومنا هذا[5].
هذا، وقد انصب اهتمام الباحث فيها على دراسة القصة المغربية جردا، وتصنيفا، وتقييما. وقد جمع الكاتب بين المنهج النقدي الفني والمنهج التاريخي. وقد ذكر أحمد اليابوري نماذج قصصية، مثل: الصورة والمقامة والمناظرة، والقصة القصيرة المجتمعية، والأقصوصة الاستلابية، والأقصوصة السياسية، والأقصوصة التأملية، والأقصوصة الفلسفية.
وقد تحكمت مجموعة من الأسباب - حسب الباحث- في ظهور القصة القصيرة ونشأتها في المغرب، مثل: التأثر بالتراث العربي من جهة، والتأثر بالمد الوطني والمد القومي من جهة ثانية. كما اهتم الباحث بدراسة المكونات السردية المتنوعة في النص القصصي، خاصة الشخصيات، ودراسة أنماط الأسلوب التي حصرها في أنواع ثلاثة: أسلوب يتسم بالقوة والجزالة (علال الفاسي وعبد العزيز بن عبد الله)، وأسلوب ينحو منحى العذوبة والسلاسة (عبد الله إبراهيم، وعبد المجيد بنجلون، وعبد الكريم غلاب، وعبد الجبار السحيمي)، وأسلوب يتميز بالركاكة، وتكثر فيه الأخطاء الصرفية واللغوية والنحوية، وتختلط فيه العربية الفصحى بالدارجة على نحو غير سليم، ويمثله كثير من كتاب الجيل الجديد.
في حين، ناقش الباحث الإسباني فرناندو دي أغريدا بوريو (Fernando De Agreda Bório) رسالة جامعية تحت عنوان (القصة القصيرة في الأدب المغربي المعاصر) سنة 1969م، بكلية الفلسفة والأدب بجامعة مدريد، بغية نيل دبلوم الدراسات العليا، والرسالة غير منشورة .
كما اهتم الدارس المصري محمد صادق العفيفي مرة أخرى بدراسة القصة المغربية مضمونا وفنا، من خلال رصد اتجاهاتها الفنية في كتابه (الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي (1900-19651900-1965م))، وقد نشر هذا الكتاب سنة 1971م.
وبعد ذلك، نشر أحمد المديني رسالته الجامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا تحت عنوان (فن القصة القصيرة في المغرب)، وهي في الأصل رسالة جامعية أعدت لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله بفاس، تحت إشراف الدكتور محمد السرغيني[6].
وبعد ذلك، ظهرت مجموعة من الدراسات النقدية في مجال القصة القصيرة، إما في شكل دراسات منوغرافية خاصة ( دراسات أحمد زنيبر حول إدريس الخوري[7]، ودراسات نقدية أخرى حول أحمد بوزفور[8]، وحول أنيس الرافعي[9])، وإما في شكل دراسات عامة، تتناول قضايا أدبية مختلفة، تتعلق بالقصة القصيرة مضمونا وشكلا ورؤية وتاريخا ونقدا[10].
وعليه، فلقد تمثلت هذه الدراسات مقاربات نقدية متنوعة في تناول القصة المغربية، من خلال خلفيات نظرية ومعرفية مختلفة على المستوى التصور والتطبيق.إذاً، ما المقاربات النقدية التي استعان بها الباحثون والدارسون في تناول القصة القصيرة بالدرس والتحليل والتوثيق والتفكيك والتركيب والفهم والتفسير؟ هذا ماسوف نستعرضه في العنوان الموالي.
المناهـــج النقديــة:
اعتمد نقاد القصة القصيرة في المغرب على مجموعة من المناهج والمقاربات النقدية، ويمكن حصرها في: المقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة البويطيقية، والمقاربة السيميائية، والمقاربة الفنية، والمقاربة التاريخية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة البلاغية...وقد تتداخل هذه المقاربات النقدية، بحال من الأحوال، في النص الوصفي الواحد...
المقاربــــة التاريخيــــة:
يستند المنهج التاريخي إلى التحقيب، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف. كما يرصد مختلف المراحل التاريخية التي يعرفها الأدب في سيرورته التطورية، من خلال التشديد على التطور، والمراحل، والتعاقب، والبدايات، والنهايات. ويتم الرصد التاريخي إما بشكل متسلسل، وإما بشكل متقطع، وإما بشكل متداخل.
هذا، ويعد كتاب (فن القصة القصيرة بالمغرب) لأحمد المديني من أهم الدراسات النقدية التي تناولت القصة القصيرة في ضوء مقاربة تاريخية، تجمع بين التحقيب الزمني (النشأة والتطور والسيرورة)، والدراسة الفنية الجمالية التي تهدف إلى رصد الاتجاهات الفنية لجنس القصة القصيرة. وفي هذا السياق، يقول أحمد المديني:" اهتديت أخيرا إلى أن المنهج النقدي، يضاف إليه الاستعانة بالمنهج التاريخي، هو بالنسبة لي أوفق في تمكيني من دراسة المادة القصصية التي تجمعت لدي، وذلك بناء على أنني:
- أريد درس التجربة القصصية من الوجهة الفنية، أي أبين الفنية القصصية للقصة القصيرة بالمغرب، ومدى مراعاتها لمقاييس هذا الفن وطرق التعبير التي سلكت، وأرسم خطوات التطور الفني التي حققتها ابتداء من محاولات القص الأولى وقوفا عند الفترة التي انتهيت إليها.
- وأريد أن أقيم المادة القصصية من الوجهة المضمونية، أي أبرز المضامين، وأبحث عن خصائصها والرؤى التي بلورتها والهموم الفكرية التي شغلت كتاب القصة، كما أهدف إلى ضم ما تشابه من هذه المضامين، واتخذ سمتا فنيا وخطا فكريا واحدا أو متقاربا، وإدراجها في مسارات متدرجة محاولا بذلك تشكيل الاتجاهات التي تتفرع إليها القصة القصيرة بالمغرب.
أما الاستعانة بالمنهج التاريخي، فترجع، أولا، إلى ما أراه من أن القصة القصيرة أثرت فيها، كسائر الفنون الأدبية، طائفة من العوامل الموضوعية والأحداث التاريخية عملت على نشأتها، ورافقت سيرها وتطورها، وأثرت في مضامينها، وأعطت السيادة لاتجاه دون آخر."[11]
وهكذا، فقد تتبع الباحث القصة المغربية منذ نشأتها في الثلاثينيات حتى سنوات الستين من القرن العشرين، متحدثا عن أنواعها التي حصرها في: المقالة القصصية الرومانسية والاجتماعية، والصورة القصصية التاريخية والاجتماعية والنضالية، مع الإشارة إلى المضامين الوطنية والاجتماعية والواقعية، مع رصد مجموعة من الاتجاهات الفنية، مثل: الاتجاه القصصي الاجتماعي، والاتجاه الواقعي النقدي، واتجاه الواقعية الجديدة. ومن جهة أخرى، فقد تناول موضوع البطولة في القصة المغربية بالبحث والدرس والتحليل.
ويعني هذا أن الدراسة تهتم بنشأة القصة المغربية في تطورها، مع تحديد اتجاهاتها الفنية إلى غاية فترة الستينيات من القرن الماضي. وبذلك، تكون هذه الدراسة أولى دراسة نقدية منشورة حول القصة القصيرة المغربية.
المقاربــــة الانطباعيـــة:
يرتكز المنهج الانطباعي على استخدام الذوق الفني والجمالي، والانطلاق من معايير ومقاييس تأثرية مصدرها القلب والعاطفة والوجدان. ومن ثم، تتسم أحكام هذا النقد بالتعميم، والإطلاقية، والتسرع في إبداء الآراء الشخصية، والميل إلى الاختصار والابتسار في تحليل المعطى الأدبي والفني. ويرتبط النقد الانطباعي بالمقال الصحفي من جرائد ومجلات. وبالتالي، يتخذ طابعا تعريفيا مختزلا يقوم على تلخيص النص، بذكر مضمونه العام، ورصد جوانبه الدلالية والفنية، والابتعاد عن التحليل المفصل والمسهب، والاكتفاء ببعض الإشارات الفنية التي تتعلق باللغة، والحوار، والأسلوب، والتركيب، والإيقاع، والصورة البلاغية، أو بجوانب فنية سردية أو درامية أخرى...
ومن هنا، فقد تعاملت الصحافة النقدية، سواء أكانت جريدة أم مجلة، مع القصة القصيرة من منظور انطباعي تأثري وذوقي، يتسم بإصدار أحكام متسرعة وجزافية، تنقصها العلمية والموضوعية والتأني في التقويم. وفي هذا الصدد، يقول أحمد المديني:" وبما أن النقد الأدبي لم يول القصة القصيرة ما تستحقه من عناية وتمحيص، خلا ماهو مبعثر في الصحف والمجلات من كتابات انطباعية، ولم يأخذ بمهمة تأصيل هذا الفن الأدبي والبحث عن جذوره التي ستكبر وتينع، فيما بعد، لتقدم أنضج الثمار..."[12]
ولم يقتصر هذا النقد على الكتابات الصحفية في فترة الحماية، بل امتد إلى يومنا هذا، فمازال كثير من النقاد يأخذون بهذه المقاربة في دراسة النصوص القصصية، كما يبدو ذلك جليا في الملاحق الثقافية (العلم الثقافي، والمحرر، .....)، والمواقع الرقمية التي تنتشر هنا وهناك (دروب، والمثقف، والفوانيس القصصية مثلا).
ومن أهم الكتب النقدية التي تمثلت المقاربة الانطباعية كتاب (القصة المغربية الحديثة) لمحمد صادق العفيفي، حيث اعتمد فيه الكاتب على التلخيص والتعليق، وإصدار الأحكام الذوقية التأثرية :" ناولت فيه بعض القصص بالتعليق والتلخيص، مع التعقيب أحيانا بمناهج وقواعد القصة، واجتهدت أن تكون القصص التي اخترتها لقصاص لمست في أعمالهم، أو في بعضها سمات الفن القصصي الحقيقية، من قواعده الأساسية، ومن قوة الملاحظة، والقدرة على التحليل، والنفاذ إلى الأعماق، والاتجاه في خط فكري مستقيم..
وكان يهمني أن أعرض لإنتاجهم على طريقة الأكاديميين، فأحدد العمل الأدبي، وأعنى بتحليله من ناحية بنائه ونسجه، وتفسيره في ضوء الآراء والانطباعات التي أحاطت به، ومناقشة مظاهر التجربة البشرية والإنسانية، وعناصر الفن الجمالي العاملة على إنهاض هذا الوطن المغربي، وتحسين حظ المواطن المغربي، ولكن ضيق نطاق الكتاب من ناحية، وضن بعض القصاصين علينا من ناحية أخرى، لم يمكننا كل هذا من تصفح إنتاجهم، مما جعلني أختصر هذه الدراسات في نقدات خاطفة، لكن هذا الاختصار لم يمنعنا من وزن القصص التي يقف أصحابها عند حد تصوير الحالات والمواقف الحياتية كما في بعض صور بناني وزياد والطريس."[13]
ويعني هذا أن النقد القصصي المغربي بدأ انطباعيا وذوقيا وتأثريا في شكل مقالات صحفية، ودراسات تعريفية مختصرة.
المقاربـــة الفنيــــة:
يعتمد المنهج الفني على استكشاف الخصائص الفنية، وتبيان المقومات الجمالية التي تتسم بها الظواهر الأدبية. ويعني هذا أن الناقد الفني يركز كثيرا على المعطيات الشكلية من جهة، والمقومات اللغوية والأسلوبية والإيقاعية والتركيبية والبنائية من جهة أخرى، دون نسيان المضامين والقضايا والأحداث التاريخية.
ومن أهم الكتب النقدية التي تبنت المنهج الفني في دراسة القصة القصيرة نذكر (اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب) للباحث السوري محمد عزام الذي كان غرضه من الكتاب هو البحث عن الفنيات الجمالية واللغوية والأسلوبية، وتحديد الرؤى والاتجاهات الفنية. وفي هذا النطاق، يقول الباحث:" والبحث عن المنهج يبدو- هو الآخر إشكالا يضع الباحث في مأزق الاختيار الصعب، لكثرة المناهج، لا لقلتها: فهناك المنهج المضموني الذي يصنف الأدب في اتجاهات اجتماعية، ووطنية، وإنسانية...إلخ. وهناك المنهج البيوغرافي الذي يعنى بسير الكتاب، والمنهج النفسي، والاجتماعي، والبنيوي،..إلخ. وقد آثرت المنهج الفني الذي يصنف النتاج الأدبي حسب المذاهب الأدبية، الكلاسية، والرومانسية والواقعية، والرمزية. فمن المعلوم أن هذه المذاهب قد اصطرعت طويلا في أدبنا الحديث، وكان لها أتباع وممثلون.وقد مهدت لكل اتجاه أدبي بتعريف به، وبالعوامل التي ساعدت في نشوئه، ثم مثلت له بنتاج مبدعه."[14]
كما رصد الباحث مجموعة من الاتجاهات والرؤى الفنية في القصة المغربية، مثل: الرؤية التقليدية والرؤية الرومانسية في فترة الحماية، والرؤية الواقعية والرؤية الرمزية بعد الاستقلال.
وفي هذا المنحى نفسه، نستشهد بنموذج نقدي آخر لأحمد بوزفور عنوانه ( الزرافة المشتعلة: قراءات في القصة المغربية الحديثة)، فقد ضمنه دراسات نقدية وتجارب شخصية وحوارات أجريت مع الناقد المبدع. وتتميز هذه الدراسة بمرونة نقدية ومنهجية؛ لكونها تتأرجح بين المقاربة الفنية الجمالية، والقراءة العاشقة التي تتمرد عن القواعد وصرامة المنهج. بمعنى أن أحمد بوزفور يقرأ النصوص القصصية في ضوء قراءة إبداعية شاعرية عاشقة، تتخطى المبادئ المنهجية نحو استعمال لغة وصفية إنشائية وتأملية، تسقط صاحبها في الانطباعية والتأثرية الذوقية. وفي هذا السياق، يقول أحمد بوزفور:" هذه مجموعة من التأملات والقراءات والحوارات، كتبت على فترات متفرقة تمتد على مدى ربع قرن، ولكنها تشترك في أشياء تبرر جمعها في إضمامة واحدة.
من هذه الأشياء أنها تدور جميعها حول القصة القصيرة المغربية، وأعتقد أن قلة الدراسات في هذا المجال تسمح بإخراج هذا الكتيب، على ضآلة ما قد يفيد منه القراء والباحثون.
ومنها أنها تنطلق من منظور مرن متحرك، يتيح للقارئ فرصة تتبع تجربة الناظر (الكاتب/القارئ) وتطورها من جهة، وتتبع تجربة المنظور إليه (القصة القصيرة بالمغرب)، وتنوعها من جهة ثانية.
ويجد القارئ في هذه الإضمامة أن موادها موزعة على محورين كبيرين، سميت أحدهما :" عن الطريق".وتندرج فيه:
- تأملات شخصية في القصص التي كتبتها، مثل: " مراحل تجربة قصصية"... وبالطبع فإن تأملات من هذا النوع قابلة للنقاش، لأنها لاتقدم إلا قراءة واحدة من القراءات الممكنة.
- نظرات نقدية في مسار وملامح القصة المغربية، مثل" الدخول إلى فريواطو" أو " الزرافة المشتعلة"..."[15]
وهكذا، فقد كانت المقاربة الفنية حاضرة في المشهد النقدي القصصي بالمغرب؛ مادامت القصة، في جوهرها، تخييلا فنيا وجماليا ولغويا.
المقاربة الببليوغرافية:
تستند المقاربة الببليوغرافية إلى أرشفة الإنتاج الأدبي إبداعا ونقدا، مع تشغيل مفاهيم التأريخ، والتحقيب، والتوثيق، والتنظيم، والترتيب، والتنسيق، والأرشفة، والتصنيف، والتفسير. ومن ثم، تهدف المقاربة الببليوغرافية إلى تتبع الإنتاجات الأدبية بالجمع والتأريخ والتوثيق والتحقيق. ويعني هذا أن الببليوغرافيا تعنى باستعراض المنتوجات الأدبية والفكرية والنقدية، وذكر عناوينها، وعدد صفحاتها، وأجزائها، ومجلداتها، مع الإشارة إلى أماكن الطبع، وزمن النشر، والتعريف بالمؤلفين والمترجمين في شكل تراجم وفهارس بيوغرافية أو أوطوبيوغرافية. أي: تعتمد الببليوغرافيا على تجميع المعطيات المكتبية، وتصنيفها، وتحقيبها، وتفريغها في جداول ومبيانات إحصائية، ثم العمل على قراءة البيانات والمعطيات، وتحليلها، وتفسيرها، ونقدها، واستعمال لغة المقارنة والاستنتاج.
كما ترتكز المقاربة الببليوغرافية على القراءة الكمية والكيفية، واستعمال التحقيق والتوثيق. ويتضمن التوثيق بطبيعة الحال " ترتيب المعلومات وتنظيمها وتصنيفها، وتلخيص هذه المعلومات أو استخلاصها أحيانا، ثم نشرها وتوزيعها على المستفيدين، وتقديم مصادر المعلومات إلى من يريدها بشكل يلبي حاجات الباحثين. ومن هنا، يتضمن التوثيق كل خدمات المراجع، فهو يشمل عمل المستخلصات عن أحدث البحوث والدراسات والتقارير والاستكشافات، ثم توزيعها على المتخصصين في مراكز البحوث، ومحطات التجارب وغيرها من نقاط الدراسة المتعمقة الكاشفة- لأن هؤلاء بدورهم يتابعون بحوثا في المجال نفسه أو بوجه أصح في الموضوع نفسه، وللهدف نفسه."[16]
وتعد ببليوغرافية عبد الرحمن طنكول (الأدب المغربي الحديث: ببليوغرافية شاملة) أولى ببليوغرافية تظهر في المغرب سنة 1984م، وترصد جميع الأجناس الأدبية بما فيها الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، والنقد الأدبي.[17]
في حين، يتضمن كتاب (ببليوغرافيا القصة القصيرة) لمحمد يحيى قاسمي مقدمتين : مقدمة تقريضية للدكتور مصطفى رمضاني، ومقدمة نقدية تعريفية بعلم الببليوغرافيا للمؤلف نفسه .كما يحوي الكتاب قسمين: قسما خاصا بالمجموعات القصصية، وقسما آخر خاصا بالمبدعين القصاصين. وتمتد مرحلة الأرشفة من سنة 1947م مع المجموعة القصصية الأولى (وادي الدماء لعبد المجيد بن جلون)إلى سنة 1999م. وقد اعتمدت منهجية الباحث على ذكر عناوين المجموعات القصصية، واستعراض مؤلفيها، مع تحديد مكان الطبع وزمانه، وعدد الصفحات، ونوع الحجم، واستكشاف عدد قصصها الداخلية، مع ذكر عناوينها بشكل مفصل.
علاوة على ذلك، فقد استعمل الكاتب جداول إحصائية ببليومترية لقراءة الببليوغرافيا الإبداعية، مع الإشارة إلى قضايا وظواهر بارزة، ومناقشة إشكالية التصنيف والتجنيس الأدبي على مستوى مصطلحات القصة القصيرة. وبعد ذلك، فقد قدم الكاتب فهرسة أو كشافا أو دليلا خاصا بالمبدعين، يعتمد على إيراد سيرة كل قاص على حدة، بتحديد تاريخ الولادة ومكانها وتاريخ الوفاة في أحيان أخرى، مع استعراض أعماله القصصية بالترتيب.
وقد ذيل الكاتب عمله الببليوغرافي بخاتمة في شكل خلاصات ونتائج مهمة، تفيد الباحثين والدارسين والنقاد في مجال الدراسات الأدبية والتوثيقية. لكن يلاحظ أن الباحث قد أغفل القصة القصيرة جدا؛ ولم يهتم بها، لأنها- حسب رأيه- مجرد تنويع أو تقليعة من تقليعات القصة القصيرة[18].
ومن أهم الببليوغرافيات الأخرى التي تناولت السرد القصصي نذكر كتاب (السرد المغربي (1930-1980م) لمصطفى يعلى الذي درس فيه القصة القصيرة والرواية، كما تناول فيه إشكالية السطو في المجال الببليوغرافي، فقد تتبع الباحث القصص في الجرائد والمجلات المغربية والعربية بذكر اسم المبدع، ورصد سنة الصحيفة، وعددها، وصفحتها، وتاريخها. كما قدم مسحا شاملا للمجموعات القصصية التي صدرت في المغرب إلى غاية 1980م[19].
وهناك ببليوغرافية أخرى لحسن الوزاني عنوانها (الأدب المغربي الحديث)، وهي ببليوغرافية مسحية شاملة تستقري جميع الأجناس الأدبية من شعر، ورواية، وقصة، ومسرحية. وقد خصص للقصة القصيرة عشر صفحات. ومن ثم، تتميز ببليوغرافيته برؤية ببليومترية تفسيرية علمية رصينة[20].
المقاربـــة الاجتماعيـــة:
يرتكن المنهج الاجتماعي إلى تحليل الأدب في ضوء سياقه الواقعي بكل معطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والدينية والإيديولوجية، من خلال ربط الإبداع الأدبي والفني بواقعه الاجتماعي بطريقة مباشرة و آلية.
ومن أهم الذين تمثلوا المنهج الاجتماعي في دراسة القصة المغربية إدريس الناقوري في كتابيه( المصطلح المشترك) و(ضحك كالبكاء)، فقد تناول القصة المغربية في ضوء رؤية نقدية واقعية جدلية، تستقري الأوضاع الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية التي أفرزت مختلف التجارب القصصية المغربية عبر سيرورتها الزمنية. وفي هذا، يقول إدريس الناقوري :" ومعنى هذا أن التطور الحاصل في البنيات التحتية في العملية الاجتماعية برمتها وفي مختلف مجالاتها ترك أثره المباشر على الأقصوصة التي عبرت من خلال تجارب كتابها المعاصرين على قدرتها على مجاراة الفترات الاجتماعية القلقة نظرا لمرونتها وقابليتها للتكيف. أما الجانب التاريخي التطوري فيها، فتبرز أهميته انطلاقا من مسألة النشأة نفسها ابتداء من مرحلة الخبر والحكاية أو الخرافة إلى مرحلة الواقعية.ففي جميع هذه المراحل كانت القصة القصيرة تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية، وتعبق بتجربة الواقع الموضوعي مهما غالت في الخيال، وتوسلت بالأسطورة، والرمز، والفانتازيا، واللامنطق. وبهذا المعنى لايبقى هناك فرق بين القصة وتاريخها لأن تاريخ القصة هو حياتها، هو صيرورتها وحركة وعيها لذاتها وموضوعها.
وهذا يؤكد حقا حقيقة العلاقة الجدلية التي تصل الفكر بالواقع، وإذا كان من غير الصحيح أن نغمط كتاب الأقصوصة الأوائل حقهم في مساهمتهم في رسم الطريق، وتهييء الانطلاقة الأولى على الرغم مما يشوب تجاربهم من عيوب وعثرات.فليس من الإنصاف كذلك أن نطري إطراء ما عليه من مزيد كتابها الجدد لمجرد أنهم استطاعوا أن يطوروا، ويعمقوا تجارب غيرهم؛ لأن الفيصل في هذه المسألة يعود قبل كل شيء إلى الجانب الموضوعي بكل ما يعنيه من صراع وتناقض وحركة تاريخية متقدمة، وبهذا لايبقى للفرد من فضل سوى قدرته الشخصية على استيعاب مجمل عناصر اللحظة التاريخية، وارتفاعه إلى مستوى حركة سيرها وفهمه العميق لمختلف مراحلها، وأنها في سيرها تخضع لمنطق جدلي معقد، ولكنه يتجه دوما إلى الأمام، وإن سلك في اتجاهه هذا طريقا منعرجا ليس دائريا ولا مستقيما قد يواجه تعثرات وعراقيل، ولكنه لابد أن يجد منه إلى النصر والأمل."[21]
ويعني هذا أن إدريس الناقوري يربط القصة القصيرة المغربية بظروفها الواقعية ومرجعها الانعكاسي المباشر، مـتأثرا في ذلك بآراء ماركس، وبليخانوف، وأنجلز، وهيغل، وجورج لوكاش، ونقاد الواقعية من الدارسين العرب، مثل: سلامة موسى، ومحمد مندور، وعبد العظيم أنيس، ومحمود أمين العالم، وحسين مروة، وجورج طرابيشي، وغالي شكري، ومحمد برادة، وعبد الكبير الخطيبي، وغيرهم...
ويحضر هذا المنهج الجدلي الواقعي الانعكاسي في كتابه (المصطلح المشترك)، حيث يقول الدارس عن القصة القصيرة المغربية:"وكتاب الأقصوصة الذين ينتمون في معظمهم إلى البورجوازية الصغيرة، الطبقة التي تعاني حاليا من تمزق الذات وهول الاستغلال بشتى أصنافه وتجلياته، نتيجة لموقفها الوسط في علاقات الإنتاج والخصوصية التاريخية التي يتفرد بها واقعنا الاجتماعي، خير من يعبر عن هذه الإشكالية . فهم بوصفهم (عمالا غير منتجين)، ويملكون مع ذلك امتيازا طبقيا، يعكسون أزمة انتمائهم المادي.فليس بدعا، تأسيسا على هذا أن تأتي رؤاهم الفكرية تعبيرا عن مأساتهم الاجتماعية كأفراد، وكطبقة مقهورة تعاني الأمرين من جراء الضياع الطبقي الدموي. لهذا، كانت الرؤية المأساوية هي الخيط الخفي الذي ينتظم كتابات هؤلاء المثقفين."[22]
وهكذا، يتبين لنا بأن القصة القصيرة المغربية تعبير صادق عن الأوضاع الاجتماعية التي عرفتها البلاد إبان الحماية والاستقلال.
المقاربـــة النفسيــة:
تسعى المقاربة النفسية أو السيكولوجية إلى تحليل النص الأدبي في ضوء مفاهيم علم النفس الشعوري واللاشعوري أو السلوكي، بغية فهم المبدع ذاتيا، وتفسير كتاباته الفنية والجمالية.
ومن أهم الدراسات النقدية التي استعانت بعلم النفس نذكر دراسة (مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة ) لحسن المودن، فقد انصب هذا الكتاب على القصة القصيرة بالمغرب تحليلا وتشريحا وتفكيكا، من خلال التركيز على عالم الكتابة القصصية، بعد أن كان الاهتمام سابقا بالحكاية، ونقصد - هنا- كتابة التجريب والمغامرة والتأصيل.
ومن ثم، فالكتاب عبارة عن دراسات نقدية تطبيقية تستفيد من مكتسبات علم النفس.أي: الكتاب – يقول المؤلف- محاولة " في النقد القصصي التطبيقي الذي يتبنى التحليل النصي منهجا، جاعلا من النص بؤرة التحليل،مستعينا بالمفاهيم النفسانية الفرويدية، ومستحضرا السياق التاريخي والثقافي والأدبي، وغايته رصد أهم التحولات النوعية التي عرفتها الكتابة القصصية بالمغرب المعاصر، وذلك من خلال أسئلة أساس، من أهمها: هل عرف هذا الجنس الأدبي تحولات في طرائق الكتابة ومناهجها وأشكالها؟ ماذا عن هذا الشكل الجديد الذي يعرف ازدهارا اليوم: القصة القصيرة جدا؟ ماذا أضافت الكاتبات اللواتي يتزايد عددهن اليوم إلى جنس القصة القصيرة؟ إلى أي حد ساهم الكتاب والكاتبات في تأسيس مفهوم جديد للكتابة القصصية؟ما هي الشروط الموضوعية التي فرضت هذا التحول في مفهوم الكتابة؟"[23]
بهذا، فقد تناول الكتاب ملامح الكتابة القصصية عند مجموعة من الكتاب، مثل: محمد الأمين الخمليشي، ومحمد زفزاف، ومحمد عزالدين التازي، ومحمد غرناط، وأحمد بوزفور، وأنيس الرافعي، وسعيد منتسب، وعبد الله المتقي، ورجاء الطالبي، وسعاد الرغاي، ولطيفة لبصير، ومليكة مستظرف، ووفاء مليح، ورشيدة عدناوي، إلا أن الباحث لم يميز بين جنس القصة القصيرة وجنس القصة القصيرة جدا، والفرق بينهما جلي وواضح وبين.
المقاربــة البنيويـة السرديـة:
تستند المقاربة البنيوية السردية إلى دراسة القصة القصيرة جدا في ضوء شعريتها أومكوناتها البنيوية أو الإنشائية كما عند علماء السرد، أمثال: تودوروف (Todorov)،وجيرار جنيت (Gérard Genette)، ورولان بارت (R.Barthes)…وهنا، يتم التركيز على المكونات الأساسية للخطاب، كالمنظور أو الزمان أو الصيغة أو الوصف أو الفضاء، والانفتاح أيضا على الأحداث والشخصيات.
ويعد عبد الرحيم مودن من أهم النقاد المغاربة الذين طبقوا المنهج البنيوي السردي أو ما يسمى أيضا بالشكلانية، خاصة في كتابه ( الشكل القصصي في القصة المغربية)، معتمدا في ذلك على كتابات الشكلانيين أمثال: تودوروف(Todorov)، وأوزوالد دوكرو (O.Ducrot)، وفلاديمير بروب (V.Propp)، ونصوص الشكلانيين الروس، ورولان بارت (R.Barthes)، وكلود بريمون (C.Bremond)...
هذا، وقد درس عبد الرحيم مودن القصة المغربية من بداية الأربعينيات حتى سنوات الستين من القرن الماضي، باستجلاء البنى الشكلية. وفي هذا يقول الباحث:" وللخروج من هذا التعارض استقر الرأي أخيرا على التعامل مع مفهوم البنية التي يشف شكلها عن مضمونها، ومضمونها عن شكلها.والبنية- كما هو معلوم- " كتلة من المتناقضات" تجمع بين المجرد والمحسوس، بين الملموس والهلامي، بين المجهول والمعلوم، المعياري والمتمرد على كل المعايير، الثابت والتغير...ويصبح الحديث عن الشكل حديثا عن وحدة المتناقضات في جدلها الدائم بين الثوابت والمتغيرات. كما أن الحديث عن الشكل حديث عن المضمون أيضا مادام الفنان صانع أشكال."[24]
ويعني هذا أن الدارس يبحث عن أشكال القصة في المتن السردي المغربي من خلال التوقف عند الأشكال الحكائية المتجددة، والشكل في القصة التاريخية، والشكل في القصة البوليسية، والشكل في قصة المغامرات، والشكل في قصة السيرة، وشكل القصة الواقعية أو الوقائعية...
وفي الاتجاه نفسه، نستحضر دراسة حسن لشكر تحت عنوان (الخصائص النوعية للقصة القصيرة )، حيث تناول فيها الباحث القصة التجريبية أو الحساسية الجديدة، من خلال التوقف عند مكوناتها الشعرية والبنيوية، باستقراء بناها السردية، مثل: الحبكة السردية، والشخصيات، والفضاء، والوصف، والمنظور، والزمن السردي، والصيغة اللغوية والأسلوبية. أي:يدرس حسن لشكر الخصائص الفنية والجمالية التي تتميز بها القصة التجريبية المعاصرة في المغرب، كما يحضر ذلك بينا في قصة (الزمن المقيت) لمحمد زفزاف، وقصص أدباء القنيطرة، خاصة عبد الرحيم مودن، وإدريس الصغير، ومصطفى يعلى...والتوقف أيضا عند بيان رابطة القصة القصيرة المغربية الجديدة. ويقول حسن لشكر في مقدمة الكتاب:"هذه الدراسة عمل تحليلي يتوخى رصد بعض مستويات اشتغال الخطاب القصصي الجديد الذي احتل حيزا مهما في المشهد السردي الحديث بالمغرب. وهي عبارة عن مباحث مترابطة، تبين لنا وجود خيط رابط بين وحداتها وموضوعاتها. فالمنطق المحرك لسيرورة الحكي وعناصر التخييل في المتون المدروسة يندرج في إطار عملية التحديث القصصي.كما أن طريقة الرصد والاستقراء تنتمي لشبكة منهجية موحدة، وتنهل من معين مرجعية واحدة. لذلك جمعناها في مؤلف واحد، وحافظنا على صيغتها الأصلية دون إضافة أو تعديل.
تسعى المقاربة الأولى لإبراز خصوصيات ومكونات المعمار النصي في القصة التجريبية. في حين يبرز المبحث الثاني مدى مساهمة أدباء مدينة القنيطرة في إثراء الإبداع القصصي الجديد.
أما المبحثان الثالث والرابع، فيركزان على تجربتين دالتين في المشهد القصصي المغربي ذي التوجه التحديثي لاتنفصلان عن مجمل خصائصه، إلا أنهما تحملان إضافتهما الخاصة. ويتعلق الأمر بعبد الرحيم مودن وإدريس الصغير اللذين بادرا ( في شهر فبراير سنة 1995 بمساهمة كاتب هذه السطور بتأسيس رابطة القصة القصيرة المغربية الجديدة التي أصدرت بيانا هاما، ونظمت عدة لقاءات ثقافية.لكنها- مع الأسف- غابت عن المشهد الثقافي المغربي لعدة أسباب ذاتية وموضوعية[25]."
وفي هذا السياق كذلك، نستحضر إبراهيم الكراوي في كتابه ( خطاب الحداثة في القصة العربية: مكوناته وآليات اشتغاله)، لكن الباحث لم يقتصر في كتابه على القصة العربية فحسب، بل درس القصة المغربية الحديثة من خلال نموذج قصصي لجمال بوطيب بعنوان ( برتقالة للزواج..برتقالة للطلاق!).
وقد ركز الباحث على المقاربة البنيوية السردية أو ما يسمى كذلك بالشعرية السردية، باستجلاء مكونات الحداثة في قصص جمال بوطيب، وتبيان آلياتها السردية والشكلية والبلاغية والجمالية واللسانية. وفي هذا الإطار، يقول الباحث:" وستحاول مقاربتنا لمفهوم خطاب الحداثة أن تحقق الانفتاح على مستوى التصور والمنهج، وذلك من خلال استلهام الروح العلمية للمنجز اللساني، وبالتالي اكتشاف الخصائص النوعية للخطاب وأنساقه التي تشتغل عبرها القصة القصيرة في خطاب الحداثة، وبالخصوص إذا علمنا أن كل نوع أدبي ينفرد ببنيات خطابية تميزه. سننطلق إذن من مفهومين إستراتيجيين يتمظهران باعتبارهما أقطابا دينامية تبنين الشكل الذي يمكن أن نتصوره لمفهوم الخطاب وهما " الملاءمة" و" الانسجام". ولكي نكتشف كيف يتأتى لهذه القضية أن تمارس وظائفها داخل عالم الخطاب. سنتوقف عند المفهوم في الحقل اللساني ومختلف تمظهراته في مستوى التجديد والتجليات داخل الحقل السردي."[26]
ومن هنا، فقد توقف الدارس عند مجموعة من المكونات الشعرية في قصص جمال بوطيب، بغية البحث عن مظاهر الحداثة الفنية والإبداعية، من خلال قراءة مكون الاستهلال، ومكون التجنيس، ومكون البلاغة، ومكون السخرية.
وهناك كتاب آخر يتناول قضية التجنيس في القصة القصيرة المغربية على غرار كتابات جان ماري شيفر (Jean –Marie schaeffer)، وهو كتاب(لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية ) لمحمد برادة[27]. وقد ركز فيه الناقد على تيمتي الطفولة والحلم من خلال قراءة سردية تجنيسية وتيماتيكية،مع تتبع الموضوعتين في مختلف النصوص الإبداعية القصصية، خاصة قصص محمد الأمين الخمليشي.
هذا، وقد ألف أحمد زنيبر كتابا مونوغرافيا عنوانه ( جمالية المكان في قصص إدريس الخوري)، تتبع فيه نظريات المكان وآلياته التطبيقية في قصص إدريس الخوري. وفي هذا الصدد، يقول أحمد زنيبر:" قسمنا رحلتنا، عبر فضاء هذه المجموعة إلى رحلتين.رحلة نظرية وتشمل تتبعا واستقراء لأهم التحديدات المفاهيمية التي أنجزت حول مصطلح المكان، تلاه رصد لمختلف العلاقات التي تجمع هذا المكون القصصي بالإنسان، من جهة، وبالعمل الإبداعي، من جهة ثانية. ثم رحلة عملية تطبيقية، حاولت أن تحيط بأنواع وأنماط الأفضية المكانية التي وردت في المجموعة، انطلاقا من فضاء المدينة، ووصولا إلى فضاء البادية."[28]
ونجد هذا المنهج، بشكل من الأشكال، في كتاب (في معرفة القصة المغربية المعاصرة) لمحمد يوب، حيث يجمع الباحث بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، ويوفق بين المنهج البنيوي السردي والمنهج السيميائي، مع الانفتاح النسبي على جمالية التلقي[29].
ولا ننسى كتابا قيما آخر لعمر العسري تحت عنوان ( القصة والتجريب)[30]، فقد طبق فيه آليات المقاربة البنيوية السردية على قصص أنيس الرافعي وأعماله السردية، من خلال التوقف عند مقومات الكتابة السردية التجريبية، بمساءلة العتبات والنص الموازي، وتصنيف أنواع الحكي ( الحكي بالاستنتاج، والحكي بالتكرار، والحكي بالتجريد، والحكي بالتناسب)، ودراسة الصورة المرئية، والهندسة المعمارية، واستكناه الشخصيات، واستجلاء البعد التخييلي والواقعي، واستكشاف آليات التصوير الفني .
المقاربــة البنيويــة التكوينيــة:
ينطلق نجيب العوفي في كتابه(مقاربة الواقع في القصة القصيرة)[31] أو في مقاله( القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)[32] من التصور البنيوي التكويني . وفي هذا السياق، يصرح الباحث: " وبموازاة هذا التفكيك أو ضمنه كنا نقوم بتفكيك البنى الذهنية ذاتها الثاوية في طيات البنى السردية والمنتجة لها . كنا نقرأ الأسئلة المضمرة من خلال الأسئلة المظهرة . نقرأ واقعية النصوص من خلال قصصيتها وقصصيتها من خلال واقعيتها . كنا نقرأ بعبارة واقع القصة المغربية وقصة الواقع المغربي .
يمكن أن نعتبر العملية الأولى( تفكيك البنى السردية) حسب المصطلح الـﮔولدماني فهما ... كما يمكن أن نعتبر العملية الثانية (تفكيك البنى الذهنية) وحسب المصطلح الكولدماني (تفسيرا)".[1]
يقسم نجيب العوفي رسالته الجامعية إلى بابين : الباب الأول خاص بالبحث عن الهوية (التأسيس)، والباب الثاني متعلق بإثبات الهوية (التجنيس). ويركز نجيب العوفي في بحثه على أهمية القصة القصيرة في عصرنا، ويطرح هذا الجنس- على الرغم من قصر حجمه- أسئلة وقضايا كبرى . وبعد ذلك، ينتقل لتحديد مراحل القصة المغربية، فيحصرها في مرحلتين أساسيتين:
- القصة القصيرة بين التأسيس والبحث عن الهوية والهم الوطني.
- القصة القصيرة بين التجنيس وإثبات الهوية والهم الاجتماعي .
إذاً، يستجلي نجيب العوفي نشأة القصة القصيرة بالمغرب، ويبرز مراحلها وتطوراتها على غرار أحمد اليابوري وأحمد المديني في رسالتيهما الجامعيتين حول الجنس نفسه.
وتمتاز القصة المغربية القصيرة - حسب نجيب العوفي- بميزتين أساسيتين : التأسيس والتجنيس. فقد كان الصراع في مرحلة الحماية حادا بين المغاربة والمستعمر في إطار ثنائية ( نحن ـ الآخر )، وامتدت هذه الفترة ما بين 1940ـ 1956. وكان سؤال القصة القصيرة آنذاك هو سؤال الوطن، والبحث عن الهوية، وأصبحت الوطنية طابعا مميزا لتلك القصة. وكان البطل بالضرورة وطنيا . ولا يعني هذا أن السؤال الاجتماعي مغيب، بل كان ثانويا مقارنة بالسؤال الوطني . ولم يتبلور بعد مفهوم الطبقة الاجتماعية بشكل جلي؛ لأن الأمة كانت هي المبتغى والرهان الأساس. ويعني هذا أن القصة الغالبة في مرحلة الحماية هي القصة الوطنية . فقد انتقدت الاستعمار بكل تجلياته، ونددت بكل أشكال الظلم الاستعماري حتى الاجتماعي منه. وكان أبطال القصة يحلمون بالحرية، ويعملون على تحقيقها . لذلك، كان الوعي عند الشخصيات وطنيا، والرؤية للعالم رؤية وطنية، قوامها الكفاح والتحرر من الاستعمار. أما البطل، فكان بطلا بروميثيوسا يقارع الاستعمار قصد تحقيق الحرية لأبناء وطنه .
هذا، ويتجلى الهاجس الوطني عبر فعل الدفاع عن الهوية ( البطل البرومثيوسي الوطني )، وفعل الهجوم على الهوية ( البطل الاستعماري المضاد). وقد نتج عن هذا الصراع الوطني صدع اجتماعي كان يؤجج الصراع الداخلي لطرد المستعمر من البلاد. ويمكن تفسير هذا المتن القصصي بما كانت تقوم به الحركة الوطنية من دفاع عن الهوية الوطنية، ونشر الوعي الوطني بين أبناء هذا الوطن، وتأطير الطبقة الاجتماعية الكادحة لتنسيق المواقف لمواجهة المستعمر . لذلك، كان الوعي الوطني ـ في طابعه السلمي والعسكري ـ مهيمنا على هذه المرحلة.
ويمثل هذه الفترة كل من: عبد المجيد بن جلون، و عبد الرحمن الفاسي، وأحمد بناني، وعبد الكريم غلاب، وأحمد عبد السلام البقالي، ومحمد الخضير الريسوني .
إذاً، لقد انطلق نجيب العوفي من عملية التفسير لتبيان العوامل التي أفرزت القصة القصيرة الوطنية إبان المرحلة الاستعمارية، فحصرها في عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبين أن الهاجس الغالب على هذه المرحلة هو الهاجس الوطني الذي يتمثل في البحث عن الاستقلال، وبناء مغرب جديد متحرر ومستقل . و يتماثل هذا مع مكونات عملية الفهم، إذ استخلص بنية دالة هي البحث عن الهوية، والشروع في تأسيسها. وبعد ذلك، استكشف نمط الوعي لدى الشخصيات الذي يكمن في الوعي الوطني؛ لأن رؤية الشخصيات إلى العالم رؤية وطنية محضة.
وإذا كانت الدلالة القصصية مبنية على تيمة الوطن /الهوية، فإن البنية الشكلية تتسم بالحفاظ على البنية التقليدية الموبسانية ( البداية و الوسط والنهاية)، وعدم الاهتمام باللغة القصصية، وغلبة أسئلة المضمون على الشكل تماثلا مع هيمنة السياسي على الثقافي على مستوى التـفسير .
هذا، وتبتدئ المرحلة الثانية من أعقاب الاستقلال إلى غاية 1970، وسيمتاز الظرف التاريخي بالصراع الاجتماعي والطبقي (نحن ــ نحن )، ويمثل هذه المرحلة مجموعة من القصاصين المغاربة، أمثال: محمد إبراهيم بوعلو، ومحمد بيدي، ومبارك ربيع، وعبد الجبار السحيمي، ورفيقة الطبيعة، ومحمد زفزاف، وإدريس الخوري، ومحمد شكري، والأمين الخمليشي، ومحمد زنيبر، ومحمد برادة، ومحمد القطيب التناني، ومحمد عزيز الحبابي، وخناتة بنونة، ومحمد أحمد شماعو، وحميد البلغيثي، ومحمد التازي، ومحمد الصباغ .
وفي هذه المرحلة، أصبح السؤال الاجتماعي يطرح نفسه بإلحاح، بعد أن تغير مغرب الاستقلال تاريخيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، إذ حلت الطبقة محل الأمة، فاتخذ الصراع طابعا طبقيا واجتماعيا بين المغاربة أنفسهم، خاصة بين الطبقة الكادحة والطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج والثراء المادي.
أما عن شخصيات القصة، فهي عادية، يمكن حصرها في شخصية الكادح ( الفلاح والعامل)، وشخصية المثقف اللتين تعانيان القــهر الاجتماعي والقهر الروحي. ومن سمات شخصيات هذه القصة الاجتماعية أنها كائنات إشكالية مهمشة تعبر عن مجتمع مشتت .
علاوة على هذا، يبدأ العوفي هذه المرحلة الثانية بعملية التفسير، إذ يحدد العوامل التي تحكمت في متن التجنيس، ويحصرها في ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي . وإذا كان الواقع يعج بالصراع الطبقي والاجتماعي، فإن هذا يتناظر مع الصراع الذي نجده في المتن القصصي، حيث تهيمن تيمة المجتمع / الهوية التي تتمثل دلاليا في السعي الجاد نحو إثبات الهوية الاجتماعية، وتأسيس المغرب الاجتماعي . ويعني هذا أن تطور القصة القصيرة المغربية متواشج ومتفاعل مع تطور البرجوازية الصغيرة، وتطور الأحداث المرجعية. أي: كانت القصة المغربية، في بعديها الوطني والاجتماعي، مرآة عاكسة للواقع المغربي، لكن بطريقة غير مباشرة أو غير آلية.
وإذا كانت دلالة القصة في المرحلة الثانية دلالة اجتماعية، فإن بنية الشكل تشير إلى بطولة هامشية مقهورة، و اختلاف في المنظورات الواقعية لدى القصاصين، والمحافظة، إلى حد كبير، على بنية السرد الكلاسيكي، مع تنويع البنى والأعاريض السردية، واستخدام مكثف للمنولوج، والميل نحو الاقتصاد في توظيف الشخصيات، والفضاءات، واللغة القصصية.
المقاربــة الموضوعاتيــة:
تعد المقاربة الموضوعاتية من أهم المقاربات النقدية في التعامل مع النص الأدبي شعرا ونثرا، فقد ظهرت في أوربا إبان ستينيات القرن العشرين مع موجة النقد الجديد . كما ظهرت في العالم العربي متأخرة عن نظيرتها الأوربية بعقد من السنوات، مع تصاعد النقد المضموني، وانتشار القراءات التأويلية و الإيديولوجية، وولادة التحليل الوصفي البنيوي واللساني.
ويهدف النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية الواعية واللاواعية للنصوص الإبداعية المتميزة، وتحديد محاورها الدلالية المتكررة والمتواترة، واستخلاص بنياتها العنوانية المدارية تفكيكا وتشريحا وتحليلا، عبر عمليات التجميع المعجمي والإحصاء الدلالي لكل القيم والسمات المعنوية المهيمنة التي تتحكم في البنى المضمونية للنصوص الإبداعية.
ويعتبر كتاب (أسئلة القصة القصيرة بالمغرب) لمحمد رمصيص من أهم الكتب التي تمثلت هذه المقاربة، من خلال التوقف عند التيمات الكبرى. وفي هذا النطاق، يقول الدارس:" يكتسي المنهج في مجال الدراسات الأدبية أهمية بالغة، نظرا لكونه يمثل من جهة الخيط الناظم لمسار البحث، ومن جهة ثانية يسمح للأطروحة بتحقيق الانسجام بين الافتراض والاستنتاج.وعلى خلفية هذا التصور، يمكن توصيف المنهج الموضوعاتي بكونه مسارا نظريا يركز على جزئية مطردة ومتواترة في متن معين. سواء أكانت دلالية أم شكلية، إنه محاولة لالتقاط الملمح المهيمن على العمل الأدبي، ورصد للجانب البارز فيه، فالبحث في الموضوعاتي هو بحث في النقاط الأساسية التي يتكون منها معنى العمل الأدبي، ومقاربة الكشف عن هذه النقاط الحساسة التي تجعلنا نلمس تحولاتها، وتدرك روابطها في انتقالها من مستوى تجربة معينة إلى أخرى شاسعة.
وبذلك يمكننا القول بأن المنهج الموضوعاتي يقدم نوعا من المسح الأفقي للظاهرة المدروسة، مع النزول العمودي لدلالتها، دفعا لكل تجميع كمي عرضي. إنه منهج يبحث عن تشكل الدلالة تماما كما يرصد سمات الشكل. إن التأويل الموضوعاتي في نظرنا تأويل جمالي وليس مضمونيا البتة.إنه تأويل متكامل لأنه يوظف، ضرورة، مجموع المعطيات النظرية والشعرية والبنائية وتحويلها إلى دينامية موضوعاتية، تتواشج فيها العلاقات بالرموز، والدوال بالمدلولات، والمعنى بالمبنى."[33]
وعليه، تركز هذه الدراسة على استجلاء الأسئلة والقضايا الدلالية والأسلوبية في ضوء المقاربة الموضوعاتية، سواء أكانت مضمونية أم شكلية، بتحليل مجموعة من المتون والمجاميع القصصية، عبر أجيال متعاقبة، تبدأ من الواقعية النقدية حتى القصة التجريبية، مرورا بالقصة الرمزية. ومن ثم، ترصد هذه الدراسة بعض التحولات الفنية والجمالية والشكلية والدلالية التي تزخر بها القصة المغربية عبر تطورها التاريخي.
كما توقف الكاتب عند مجموعة من الأسئلة المؤرقة التي طرحتها القصة المغربية، مثل: سؤال الكتابة، وسؤال المتخيل، وسؤال الاختلاف، مع التوقف أيضا عند تيمات متنوعة أخرى، مثل: الجنون، والموت، والقلق، والقهر، والجسد، والعجائبية، والخيبة، والسقوط، والسخرية، والتمرد،وصراع المثقف والسلطة...
المقاربـــة السيميائيــة:
من المعروف، أن المقاربة السيميائية تعنى بدراسة العلامات التخييلية والشكلية قصد بناء الدلالة أو المعنى، والبحث عن البنى العميقة التي تولد النصوص والبنى السطحية، من خلال التركيز على شكل المضمون، وتمثل مبدإ المحايثة، والالتجاء إلى التحليل البنيوي، ودراسة الخطاب، ورصد الثابت والمتحول في النص .
ومن الدراسات السيميائية التي تناولت القصة المغربية كتاب (القصص الشعبي بالمغرب) لمصطفى يعلى، حيث طبق فيه منهجا مورفولوجيا على غرار كتابات فلاديمير بروب(Vladimir Propp)، من خلال التركيز على الوظائف الثابتة والمتغيرة في القصص الشعبية المغربية، مثل: الحكاية الخرافية، والحكاية العجيبة، والحكاية الشعبية، والحكاية المرحة. وفي هذا الشأن، يقول الباحث:" وبالفعل أمكننا بواسطة هذا المنهج [المورفولوجي] أن نحدد الوحدات الوظيفية للنصوص المدروسة، فضلا عن نوعية أبطالها ومستويات أفعال شخصياتها.لكننا لم نتوقف أين توقف غيرنا من الدارسين العرب، بل سعينا إلى استكشاف التشكلات الكبرى المهيمنة على كل نوع من أنواع قصصنا الشعبي، انطلاقا من الوحدات الوظيفية ومن علاقاتها فيما بينها، وفيما بينها وبين مجموع المتن الذي ينتمي إليه كل نوع من تلك الأنواع القصصية الشعبية، بحيث لم نتوقف عند تفكيك النصوص إلى أجزائها المكونة وحسب.وهذا ما أوضح التشكلات المختلفة التي تتكئ على بعضها الحكاية العجيبة لبناء عوالمها المدهشة، وسمح بالوقوف على الأسرار البنيوية التي تلجأ إليها الحكاية الشعبية بالمغرب لأسلبة مظاهر الحياة المختلفة، كما مكن من استشفاف السبل التي تتبعها حكايتنا الخرافية للاضطلاع بمهمتها التعليمية والترويحية، وأتاح أخيرا إمكانية بلورة الأبعاد الوظيفية والبنيوية والبطولية التي تصنع مفارقات الحكاية المرحة بالمغرب."[34]
ويلاحظ أن مصطفى يعلى يسقط منهجية فلاديمير بروب على الحكاية الشعبية المغربية بالطرائق السيميائية والبنيوية نفسها التي طبقها بروب على الحكاية الشعبية الروسية. أي: برصد المتغير والثابت في القصة الشعبية المغربية.
جمالية التقبــــل:
تستند منهجية التلقي إلى استحضار القارئ أو المتلقي في العمل الأدبي، فالقارئ هو الذي يعيد بناء النص الأدبي وتأويله من جديد في ضوء مجموعة من العمليات والآليات التقبلية التي أشار إليها مجموعة من المنظرين، مثل: إيزر (Izer) ويوس (Jauss)، وفيش(Fish)....
ومن الذين درسوا القصة المغربية في ضوء جمالية القراءة أو التقبل نذكر حميد لحمداني في كتابه ( القراءة وتوليد الدلالة)، فقد درس قصة (الجرادة) لمحمد زفزاف من خلال رؤية جمالية، تتبنى مفاهيم يوس(Yauss)، وإيزر(Izer)، وجوناتان كولر(Jonathan Kuller)، وبيير ماشري(P.Machery)، وأمبرطو إيكو(U.Eco)، وجوليا كريستيفا(J.Krestiva)، وميشيل ريفاتير(M.Rifaterre)...
ويعني هذا كله أن النص الأدبي لايحيا إلا بفعل القراءة سيما إذا كانت تأويلية وسياقية، وأكثر من هذا أن المعنى الأدبي ليس ثابتا ومحددا، بل يتغير بتغير العصور المتعاقبة. والمتعة في هذا أن تأويل النص قرائيا يتغير من قارئ إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، وهذا ما يضفي الجودة على النص. وفي هذا، يقول حميد لحمداني:" ما يهدف إليه هذا الكتاب هو محاولة إعادة النظر في علاقتنا بالنصوص الأدبية، وخاصة تلك الفكرة التي تتعامل مع النص الأدبي باعتباره حاضنا لمضمون محدد وثابت عبر العصور.هذا الموقف يسوي من حيث لايدري ين الخطاب الأدبي من جهة والخطاب اليومي أو العلمي باعتبارهما يتميزان بالقصدية المباشرة، في حين إن الخطاب الأدبي يميل على الدوام إلى خلق أبعاد تتجاوز المظهر التعبيري، للإيحاء بدلالات أخرى نحس بوجودها على وجه الاحتمال لا على وجه التصريح.ثم إن فكرة هذه النصوص لها خاصية جوهرية وهي قابليتها على الدوام لأن تقرأ في كل العصور بشكل عام.هذا فضلا عن أن قراءتها حتى في العصر الواحد تشهد اختلافا بينا بين الجماعات والشرائح الثقافية، وهو ما يدعونا إذن إلى ضرورة استبدال علاقة القراءة بالفهم بعلاقة القراءة بالتأويل.
لهذا كانت الحاجة ماسة إلى محاولة وضع تمييز نسبي بين النصوص الإخبارية والنصوص التخييلية، دون إغفال التداخل الحاصل بينها غالبا في معظم النماذج النصية المتداولة.ذلك أن فعل القراءة يتدرج عادة من فهم النصوص التي لها ارتباط بتلبية الحاجيات التواصلية اليومية إلى تأويل النصوص التي يتجاوز بناؤها وإستراتيجيتها تلبية هذه الحاجيات، لأنها تنقلنا إلى مستويات أرقى من التفاعل لتعبر عن ردود أفعالنا النفسية وعن آرائنا ومواقفنا واقتراحاتنا باعتبارنا قراء."[35]
وهكذا، ينطلق حميد لحمداني من جمالية التقبل في دراسة القصة المغربية، بغية تبيان طبيعة العلاقات التي يفرضها العمل القصصي مع المتلقي.
المقاربـــة البلاغيـــة:
تستند المقاربة البلاغية إلى دراسة مكونات البلاغة في النص الإبداعي السردي، بدراسة الصورة الفنية المجازية، ودراسة الأسلوب إخبارا وإنشاء، وتقريرا ومجازا، وإيحاء وانزياحا. وهناك من يوسع مفهوم الصورة السردية ليصبح مشروعا فنيا وجماليا مستقلا بنفسه، يمتاز بخصائص أسلوبية خاصة، ومكونات فنية ومنهجية محددة، وسمات معينة.
هذا، وتستند المقاربة البلاغية السردية إلى مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الإجرائية التي تتمثل في: الطاقة البلاغية، والطاقة اللغوية، والسياق الذهني، وسلطة الجنس، ودينامية التخييل، وصورة الموضوع، والتصوير، ومفهوم الامتداد، ومفهوم التدرج، ومفهوم الصورة، ومفهوم السمة المهيمنة، والسمات النوعية، والتصوير البلاغي، وصورة اللغة، والاستعارة السردية، والصورة الجزئية، والصورة الكلية، والصورة الاستهلالية، والصورة الحكائية، والصورة الهزلية، والصورة الأسطورية، والصورة الواقعية، وصورة المفارقة، والبناء الجمالي، ومفهوم المكونات، والتشكيل الجمالي، والصورة بين التوازن والاختلال، ومفهوم الهجنة، وصورة البطل، والصورة الوصفية، وكثافة الفضاء، وصورة الفعل، والخطة التصويرية، وصورة الشخصية، والتصوير الاستدراجي، وبلاغة التواطؤ، والنسيج الدرامي للنص، والانزياح التركيبي، وسياق النص، والتصوير الموضوعي، وصورة الراوي والمتلقي، والبنية الذهنية للمتلقي، والغاية الجمالية، والحوار الاستفزازي، ومفهوم الإيقاع والتوتر، والصوت السردي، والتشكيل اللغوي، وصورة الانشطار النوعي، وإيقاع المفارقة، ...[36]
ومن أهم الدارسين للقصة المغربية في ضوء المقاربة البلاغية نستحضر جميل حمداوي في كتابه (بلاغــــة الصـــورة السرديـــة في القصـة القصيــرة)، حيث تناول فيه الباحث مجموعة من الصور البلاغية السردية، ثم درس القصة المغربية من خلال التوقف عند نموذج محمد صوف، ثم قصص لمبدعين سعوديين، ثم التوقف عند الكتابة الميتاسردية في القصة المغربية.
ويعني هذا أن الباحث يدرس النصوص السردية، سيما القصصية منها، في ضوء الصورة البلاغية الموسعة. ويعني هذا أن الدارس لايدرس القصص في ضوء الصور البلاغية التقليدية التي اعتمدت في دراسة النصوص الشعرية القديمة أو الحديثة أو المعاصرة، كما هي مثبتة بكل جلاء في كتب البلاغة الكلاسيكية. بل تعتمد الصورة السردية الموسعة، علاوة على صور أخرى مستنبطة من داخل النصوص الفنية والجمالية، وقد تتخذ هذه الصور بعدا فنيا وجماليا، أو بعدا تصويريا موضوعيا، أو بعدا تصويريا وظيفيا.
وعليه، فلقد اقترح الدارس، في كتابه، تصنيفا جديدا فيما يخص الصور البلاغية، ورتبها ترتيبا بطريقة خاصة، يأخذ بعين الاعتبار مستجدات الصورة في الحقل الثقافي الغربي.
وبعد ذلك، درس الباحث مجموعة من الصور السردية في القصة القصيرة المغربية من خلال نموذج محمد صوف من جهة، والقصة السعودية من خلال مجموعة من النماذج القصصية المنشورة في مجلة (الجوبة ) من جهة أخرى. ولم يكتف بهذا، فقد درس الصورة الميتاسردية في مجموعة من القصص المغربية القصيرة على المستوى الدلالي والفني والجمالي. علاوة على ذلك، فقد استعرض الباحث فرشا تاريخيا فيما يتعلق بالصورة الميتاسردية، سواء أكان ذلك في الحقل الثقافي الغربي أم في الحقل الثقافي العربي. وبعد ذلك، ذكر تجليات الصورة السردية التي حصرها في صورة التضمين، وصورة التلقي، وصورة فضح اللعبة السردية، وصورة صراع البطل مع الشخصية، وصورة العتبة...
أما فيما يخص القصة السعودية، فقد أثبت بأن هذه القصة لم توظف صورا سردية جديدة، بل وظفت صورا بلاغية بالمفهوم الشعري، لا تتجاوز الاستعارة والتشبيه والكناية والمحسنات البديعية الأخرى.أي: لم تنفتح على صور سردية جديدة أكثر ديناميكية وفعالية وتخييلا.
ويبقى هذا الكتاب نموذجا نقديا أدبيا جديدا في كيفية التعامل مع الصور السردية في القصة القصيرة، وإن لم يلتزم بتعاليم منهجية أستاذه الدكتور محمد أنقار، كما استعرضها في أطروحته الجامعية (صورة المغرب في الرواية الاسبانية)[37]، بل تصرف فيها إبداعا وتجديدا وإضافة.
الخاتمــــة:
وخلاصة القول، لقد تمثل النقد القصصي المنصب على النصوص القصصية القصيرة في المغرب مجموعة من المقاربات النقدية التي حصرناها في المقاربة التاريخية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الفنية، والمقاربة الببليوغرافية، والمقاربة النفسية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية السردية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة السيميوطيقية، وجمالية القراءة والتقبل، والمقاربة البلاغية...
ويلاحظ أن النقد القصصي المغربي مازال في حاجة إلى تجديد تصوراته النظرية وأدواته الإجرائية قراءة وتفكيكا وتركيبا، كأن نتمثل مقاربات نقدية جديدة منها: المقاربة السيميائية بأنواعها الحديثة، والمقاربة البلاغية في شتى نظرياتها التصويرية، والمقاربة التداولية في مختلف مدارسها، والمقاربة الحجاجية في أبعادها الحداثية، والمقاربة الأسلوبية في مناحيها المعاصرة، دون أن ننسى الاستفادة من مقاربات ونظريات وتصورات نقد ما بعد الحداثة، كالنقد البيئي، والنقد الثقافي، والجمالية المعاصرة، والتاريخانية الجديدة، والتفكيكية، وسيميوطيقا التأويل، ونظريات العرق والجنس والجنوسة...
[1]- د. محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا القصة المغربية، دار النشر جسور، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1999م، ص:109.
[2]- انظر كذلك: د. محمد يحيى قاسمي: الكتاب الأدبي الأول، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م، صص: 103-127.
[3]- د. محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا القصة المغربية، ص:15.
[4]- محمد صادق العفيفي: القصة المغربية الحديثة، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1961م.299 صفحة من الحجم الكبير.
[5]- د. أحمد اليابوري: الفن القصصي في المغرب (1914-1966م)، رسالة جامعية مقدمة لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب، الرباط، المغرب، رقم الترتيب بخزانة الكلية 5، غير منشورة.
[6]- د. أحمد المديني: فن القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة بيروت، لبنان، بدون تاريخ للطبعة.
[7]- د.أحمد زنيبر: قبعة الساحر : قراءات في القصة القصيرة بالمغرب، مطبعة التوحيدي، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م؛ وجمالية المكان في قصص إدريس الخوري، منشورات التنوخي للطباعة،الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م.
[8]- مجموعة من الباحثين: أحمد بوزفور: مسار، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، المغرب، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 19، الطبعة الأولى سنة 2006م.
[9]- عمر لعسري: القصة والتجريب : دراسات في أعمال أنيس الرافعي، منشورات أثر، مطبعة التيسير، الطبعة الأولى سنة 2013م.
[10]- مجموعة من الباحثين: القصة المغربية، منشورات الشعلة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2006م؛ ومخاضات تجديد القصة القصيرة بالمغرب، منشورات أفروديت، مراكش، المغرب، الطبعة الأولى 2006م؛ والقصة القصيرة بين التجريب والتأويل، منشورات الشعلة، مطبعة نور سافي، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ وأسئلة النقد القصصي بالمغرب، منشورات الشعلة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2006م؛ وتحولات القصة الحديثة بالمغرب، منشورات مختبرات كية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ ود.عبد الرحمن تمارة: جمالية النص القصصي المغربي الراهن، منشورات وزارة الثقافة المغربية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ ومحمد آيت حنا: القصة والتشكيل: نماذج مغربية، منشورات وزارة الثقافة المغربية وجمعية الفكر التشكيلي، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2012م؛ ومحمد الدوهو: جدل الاستمرار والتجاوز: قراءات في القصة القصيرة المغربية الجديدة، منشورات جذور، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م؛ ود. جمال بوطيب: القصة القصيرة بالمغرب: دراسات في المنجز النصي، مؤسسة التنوخي، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م.
[11]- د. أحمد المديني: فن القصة بالمغرب، ص:9.
[12]- د. أحمد المديني: نفسه، ص:6.
[13]- محمد صادق العفيفي: القصة المغربية الحديثة، ص:10-11.
[14]- محمد عزام: اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1987م.
[15]- أحمد بوزفور: الزرافة المشتعلة: قراءات في القصة المغربية الحديثة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2000م، ص:5-6.
[16]- أبو بكر محمود الهوش: المدخل إلى علم الببليوغرافيا، منشورات الكتاب والتوزيع والإعلان والمطابع، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:17.
[17]- د.عبد الرحمن طنكول: الأدب المغربي الحديث: ببليوغرافية شاملة، منشورات الجامعة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1984م.
[18]- د.محمد يحيى قاسمي: نفسه، ص:109.
[19]- د.مصطفى يعلى: السرد المغربي، شركة النشر والتوزيع، المدارس الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م، صص:15-114.
[20]- حسن الوزاني: الأدب المغربي الحديث (1929-1999م)، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م، صص:211-220.
[21]- د.إدريس الناقوري: ضحك كالبكاء، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:51-52.
[22]- د.إدريس الناقوري: المصطلح المشترك، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 1977م، ص:143.
[23]- د.حسن المودن: مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة (القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا)، منشورات إتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2013م، ص:4.
[24]- د.عبد الرحيم مودن: الشكل القصصي في القصة المغربية، منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:7.
[25]- د.حسن لشكر: الخصائص النوعية للقصة القصيرة، مطبعة ناداكوم، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:5-6.
[26]- إبراهيم الكراوي: خطاب الحداثة في القصة العربية: مكوناته وآليات اشتغاله، مؤسسة الديوان، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:16-17.
[27]- محمد برادة: لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية، الشركة المغربيةللناشرين المتحدين، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م.
[28]- د.أحمد زنيبر: جمالية المكان في قصص إدريس الخوري، التنوخي للطباعة والنشر، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:13.
[29]- محمد يوب: في معرفة القصة المغربية المعاصرة، سلسلة دفاتر الاختلاف، مكناس، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م.
[30]- انظر: عمر العسري: القصة والتجريب: دراسة في أعمال أنيس الرافعي، مطبعة التيسير، الطبعة الأولى سنة 2013م.
[31]- نجيب العوفي:مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م.
[32]- نجيب العوفي:(القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)، الملحق الثقافي، الاتحاد الاشتراكي، المغرب، عدد 303، ص:65؛ وظواهر نصية، نشر عيون مقالات،المغرب، الطبعة الأولى سنة 1992م، ص: 115-117.
[33]- محمد رمصيص: أسئلة القصة القصيرة بالمغرب، طوب بريس، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:09-10.
[34]- د.مصطفى يعلى: القصص الشعبي بالمغرب، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2001مم، ص:11.
[35]- د.حميد لحمداني: القراءة وتوليد الدلالة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2003م، ص:7.
[36]- د. جميل حمداوي : بلاغــــة الصـــورة السرديـــة في القصـة القصيــرة، كتاب قيد الطبع.
[37]- د.محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م.
عرفت القصة القصيرة المغربية تراكما ملحوظا على صعيد الإنتاج كما وكيفا، فقد وصل عدد المجموعات القصصية القصيرة – حسب إحصائيات محمد يحيى قاسمي سنة 1999م- إلىثمان وأربعين ومائة (148) مجموعة قصصية، " منذ سنة 1947 إلى غاية بداية 1999م.أي: بنسبة تفوق أربع مجموعات في السنة الواحدة، لكنها ليست قارة، فقد بدأت منخفضة في العقودالأولى، وارتفعت في العقود الأخيرة.[1]"
ويعد المغرب - اليوم- أكثر إنتاجا في مجال القصة القصيرة مقارنة بدول المغرب العربي بأزيد من أربعمائة مجموعة قصصية. وبذلك، يكون في صدارة هذه الدول، ويحتل قصب السبق والريادة والتميز تجنيسا وتجريبا وتأصيلا [2].
هذا، وقد ظهرت القصة القصيرة المغربية لأول مرة في سنة 1947م مع مجموعة (وادي الدماء) لعبد المجيد بن جلون[3]. وبعد ذلك، تعاقبت المجاميع القصصية مع سنوات الخمسين والستين والسبعين والثمانين والتسعين من القرن الماضي حتى سنوات الألفية الثالثة.
ومن ناحية أخرى، فقد سارت القصة المغربية في اتجاهات عدة، مثل: الاتجاه التراثي، والاتجاه الوطني، والاتجاه الرومانسي، والاتجاه التاريخي، والاتجاه الواقعي، والاتجاه الرمزي، والاتجاه العجائبي، والاتجاه الأسطوري، والاتجاه الميتاسردي، والاتجاه الأوطوبيوغرافي...
وعلى العموم، يمكن القول بأن القصة القصيرة قد نحت ثلاثة مناح أساسية هي: المنحى الكلاسيكي، والمنحى التجريبي، والمنحى التأصيلي.
كما اهتمت القصة القصيرة المغربية بتشخيص الذات، وتشخيص الواقع، وتشخيص الكتابة الميتاسردية على حد سواء.
علاوة على ذلك، فقد تناول نقد القصة القصيرة مجموعة من القضايا الأساسية التي تتمثل في التجنيس، والتأريخ، والتوثيق، والأرشفة، وما يرتبط بالجوانب الدلالية والتداولية، وما يخص الجوانب الفنية والجمالية والأسلوبية، واستعراض البيانات القصصية.
كما تمثل هذا الجنس الأدبي مقاربات نقدية متنوعة، مثل: المقاربة التاريخية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الفنية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة النفسية، والمقاربة الببليوغرافية، والمقاربة البنيوية السردية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة السيميوطيقية، والمقاربة الجمالية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة البلاغية...
وللتنبيه، فإني أفضل استخدام مفهوم المقاربة بدل مصطلح المنهج؛ لأن المقاربة هي تقريب نسبي للحقيقة المراد دراستها. في حين، إن المنهج مصطلح عام يحيل على مجموعة من الخطوات العلمية الموضوعية الصارمة التي يلتزم بها البحث العلمي، ويشير كذلك إلى مجموعة من التقنيات والأدوات التي يجب اتباعها لضمان سير منهجي سليم. لذلك، سأستعمل المصطلحين معا من باب التجاوز ليس إلا.
إذاً، ما أهم المقاربات النقدية التي تمثلها نقاد القصة القصيرة في المغرب؟ وما أهم القضايا النقدية التي طرحتها كتاباتهم النقدية؟ وما مميزات هذه المقاربات النقدية قوة وضعفا؟ وما المنهجيات أو المقاربات البديلة لتحليل القصة القصيرة بنية ودلالة ووظيفة؟ هذا ما سوف نرصده في موضوعنا هذا.
بدايات الاهتمام بنقد القصة القصيرة:
بدأ الاهتمام بنقد القصة القصيرة منذ الستينيات من القرن العشرين، فكانت الدراسة الأولى في مجال القصة القصيرة ما كتبه الباحث المصري محمد صادق العفيفي تحت عنوان ( القصة المغربية الحديثة) سنة 1961م[4]. وقد اتبع فيها منهجا انطباعيا يعتمد على التلخيص والتعليق.
أما أول عمل نقدي مغربي اهتم بدراسة القصة القصيرة، فقد كان عبارة عن رسالة جامعية أعدها أحمد اليابوري تحت عنوان( الفن القصصي في المغرب من سنة 1914إلى سنة 1966م). وقد نوقشت في رحاب كلية الآداب بالرباط في شهر يونيو سنة 1967م. بيد أن هذه الرسالة الجامعية غير منشورة إلى يومنا هذا[5].
هذا، وقد انصب اهتمام الباحث فيها على دراسة القصة المغربية جردا، وتصنيفا، وتقييما. وقد جمع الكاتب بين المنهج النقدي الفني والمنهج التاريخي. وقد ذكر أحمد اليابوري نماذج قصصية، مثل: الصورة والمقامة والمناظرة، والقصة القصيرة المجتمعية، والأقصوصة الاستلابية، والأقصوصة السياسية، والأقصوصة التأملية، والأقصوصة الفلسفية.
وقد تحكمت مجموعة من الأسباب - حسب الباحث- في ظهور القصة القصيرة ونشأتها في المغرب، مثل: التأثر بالتراث العربي من جهة، والتأثر بالمد الوطني والمد القومي من جهة ثانية. كما اهتم الباحث بدراسة المكونات السردية المتنوعة في النص القصصي، خاصة الشخصيات، ودراسة أنماط الأسلوب التي حصرها في أنواع ثلاثة: أسلوب يتسم بالقوة والجزالة (علال الفاسي وعبد العزيز بن عبد الله)، وأسلوب ينحو منحى العذوبة والسلاسة (عبد الله إبراهيم، وعبد المجيد بنجلون، وعبد الكريم غلاب، وعبد الجبار السحيمي)، وأسلوب يتميز بالركاكة، وتكثر فيه الأخطاء الصرفية واللغوية والنحوية، وتختلط فيه العربية الفصحى بالدارجة على نحو غير سليم، ويمثله كثير من كتاب الجيل الجديد.
في حين، ناقش الباحث الإسباني فرناندو دي أغريدا بوريو (Fernando De Agreda Bório) رسالة جامعية تحت عنوان (القصة القصيرة في الأدب المغربي المعاصر) سنة 1969م، بكلية الفلسفة والأدب بجامعة مدريد، بغية نيل دبلوم الدراسات العليا، والرسالة غير منشورة .
كما اهتم الدارس المصري محمد صادق العفيفي مرة أخرى بدراسة القصة المغربية مضمونا وفنا، من خلال رصد اتجاهاتها الفنية في كتابه (الفن القصصي والمسرحي في المغرب العربي (1900-19651900-1965م))، وقد نشر هذا الكتاب سنة 1971م.
وبعد ذلك، نشر أحمد المديني رسالته الجامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا تحت عنوان (فن القصة القصيرة في المغرب)، وهي في الأصل رسالة جامعية أعدت لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله بفاس، تحت إشراف الدكتور محمد السرغيني[6].
وبعد ذلك، ظهرت مجموعة من الدراسات النقدية في مجال القصة القصيرة، إما في شكل دراسات منوغرافية خاصة ( دراسات أحمد زنيبر حول إدريس الخوري[7]، ودراسات نقدية أخرى حول أحمد بوزفور[8]، وحول أنيس الرافعي[9])، وإما في شكل دراسات عامة، تتناول قضايا أدبية مختلفة، تتعلق بالقصة القصيرة مضمونا وشكلا ورؤية وتاريخا ونقدا[10].
وعليه، فلقد تمثلت هذه الدراسات مقاربات نقدية متنوعة في تناول القصة المغربية، من خلال خلفيات نظرية ومعرفية مختلفة على المستوى التصور والتطبيق.إذاً، ما المقاربات النقدية التي استعان بها الباحثون والدارسون في تناول القصة القصيرة بالدرس والتحليل والتوثيق والتفكيك والتركيب والفهم والتفسير؟ هذا ماسوف نستعرضه في العنوان الموالي.
المناهـــج النقديــة:
اعتمد نقاد القصة القصيرة في المغرب على مجموعة من المناهج والمقاربات النقدية، ويمكن حصرها في: المقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة البويطيقية، والمقاربة السيميائية، والمقاربة الفنية، والمقاربة التاريخية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة البلاغية...وقد تتداخل هذه المقاربات النقدية، بحال من الأحوال، في النص الوصفي الواحد...
المقاربــــة التاريخيــــة:
يستند المنهج التاريخي إلى التحقيب، والتوثيق، والأرشفة، والتصنيف. كما يرصد مختلف المراحل التاريخية التي يعرفها الأدب في سيرورته التطورية، من خلال التشديد على التطور، والمراحل، والتعاقب، والبدايات، والنهايات. ويتم الرصد التاريخي إما بشكل متسلسل، وإما بشكل متقطع، وإما بشكل متداخل.
هذا، ويعد كتاب (فن القصة القصيرة بالمغرب) لأحمد المديني من أهم الدراسات النقدية التي تناولت القصة القصيرة في ضوء مقاربة تاريخية، تجمع بين التحقيب الزمني (النشأة والتطور والسيرورة)، والدراسة الفنية الجمالية التي تهدف إلى رصد الاتجاهات الفنية لجنس القصة القصيرة. وفي هذا السياق، يقول أحمد المديني:" اهتديت أخيرا إلى أن المنهج النقدي، يضاف إليه الاستعانة بالمنهج التاريخي، هو بالنسبة لي أوفق في تمكيني من دراسة المادة القصصية التي تجمعت لدي، وذلك بناء على أنني:
- أريد درس التجربة القصصية من الوجهة الفنية، أي أبين الفنية القصصية للقصة القصيرة بالمغرب، ومدى مراعاتها لمقاييس هذا الفن وطرق التعبير التي سلكت، وأرسم خطوات التطور الفني التي حققتها ابتداء من محاولات القص الأولى وقوفا عند الفترة التي انتهيت إليها.
- وأريد أن أقيم المادة القصصية من الوجهة المضمونية، أي أبرز المضامين، وأبحث عن خصائصها والرؤى التي بلورتها والهموم الفكرية التي شغلت كتاب القصة، كما أهدف إلى ضم ما تشابه من هذه المضامين، واتخذ سمتا فنيا وخطا فكريا واحدا أو متقاربا، وإدراجها في مسارات متدرجة محاولا بذلك تشكيل الاتجاهات التي تتفرع إليها القصة القصيرة بالمغرب.
أما الاستعانة بالمنهج التاريخي، فترجع، أولا، إلى ما أراه من أن القصة القصيرة أثرت فيها، كسائر الفنون الأدبية، طائفة من العوامل الموضوعية والأحداث التاريخية عملت على نشأتها، ورافقت سيرها وتطورها، وأثرت في مضامينها، وأعطت السيادة لاتجاه دون آخر."[11]
وهكذا، فقد تتبع الباحث القصة المغربية منذ نشأتها في الثلاثينيات حتى سنوات الستين من القرن العشرين، متحدثا عن أنواعها التي حصرها في: المقالة القصصية الرومانسية والاجتماعية، والصورة القصصية التاريخية والاجتماعية والنضالية، مع الإشارة إلى المضامين الوطنية والاجتماعية والواقعية، مع رصد مجموعة من الاتجاهات الفنية، مثل: الاتجاه القصصي الاجتماعي، والاتجاه الواقعي النقدي، واتجاه الواقعية الجديدة. ومن جهة أخرى، فقد تناول موضوع البطولة في القصة المغربية بالبحث والدرس والتحليل.
ويعني هذا أن الدراسة تهتم بنشأة القصة المغربية في تطورها، مع تحديد اتجاهاتها الفنية إلى غاية فترة الستينيات من القرن الماضي. وبذلك، تكون هذه الدراسة أولى دراسة نقدية منشورة حول القصة القصيرة المغربية.
المقاربــــة الانطباعيـــة:
يرتكز المنهج الانطباعي على استخدام الذوق الفني والجمالي، والانطلاق من معايير ومقاييس تأثرية مصدرها القلب والعاطفة والوجدان. ومن ثم، تتسم أحكام هذا النقد بالتعميم، والإطلاقية، والتسرع في إبداء الآراء الشخصية، والميل إلى الاختصار والابتسار في تحليل المعطى الأدبي والفني. ويرتبط النقد الانطباعي بالمقال الصحفي من جرائد ومجلات. وبالتالي، يتخذ طابعا تعريفيا مختزلا يقوم على تلخيص النص، بذكر مضمونه العام، ورصد جوانبه الدلالية والفنية، والابتعاد عن التحليل المفصل والمسهب، والاكتفاء ببعض الإشارات الفنية التي تتعلق باللغة، والحوار، والأسلوب، والتركيب، والإيقاع، والصورة البلاغية، أو بجوانب فنية سردية أو درامية أخرى...
ومن هنا، فقد تعاملت الصحافة النقدية، سواء أكانت جريدة أم مجلة، مع القصة القصيرة من منظور انطباعي تأثري وذوقي، يتسم بإصدار أحكام متسرعة وجزافية، تنقصها العلمية والموضوعية والتأني في التقويم. وفي هذا الصدد، يقول أحمد المديني:" وبما أن النقد الأدبي لم يول القصة القصيرة ما تستحقه من عناية وتمحيص، خلا ماهو مبعثر في الصحف والمجلات من كتابات انطباعية، ولم يأخذ بمهمة تأصيل هذا الفن الأدبي والبحث عن جذوره التي ستكبر وتينع، فيما بعد، لتقدم أنضج الثمار..."[12]
ولم يقتصر هذا النقد على الكتابات الصحفية في فترة الحماية، بل امتد إلى يومنا هذا، فمازال كثير من النقاد يأخذون بهذه المقاربة في دراسة النصوص القصصية، كما يبدو ذلك جليا في الملاحق الثقافية (العلم الثقافي، والمحرر، .....)، والمواقع الرقمية التي تنتشر هنا وهناك (دروب، والمثقف، والفوانيس القصصية مثلا).
ومن أهم الكتب النقدية التي تمثلت المقاربة الانطباعية كتاب (القصة المغربية الحديثة) لمحمد صادق العفيفي، حيث اعتمد فيه الكاتب على التلخيص والتعليق، وإصدار الأحكام الذوقية التأثرية :" ناولت فيه بعض القصص بالتعليق والتلخيص، مع التعقيب أحيانا بمناهج وقواعد القصة، واجتهدت أن تكون القصص التي اخترتها لقصاص لمست في أعمالهم، أو في بعضها سمات الفن القصصي الحقيقية، من قواعده الأساسية، ومن قوة الملاحظة، والقدرة على التحليل، والنفاذ إلى الأعماق، والاتجاه في خط فكري مستقيم..
وكان يهمني أن أعرض لإنتاجهم على طريقة الأكاديميين، فأحدد العمل الأدبي، وأعنى بتحليله من ناحية بنائه ونسجه، وتفسيره في ضوء الآراء والانطباعات التي أحاطت به، ومناقشة مظاهر التجربة البشرية والإنسانية، وعناصر الفن الجمالي العاملة على إنهاض هذا الوطن المغربي، وتحسين حظ المواطن المغربي، ولكن ضيق نطاق الكتاب من ناحية، وضن بعض القصاصين علينا من ناحية أخرى، لم يمكننا كل هذا من تصفح إنتاجهم، مما جعلني أختصر هذه الدراسات في نقدات خاطفة، لكن هذا الاختصار لم يمنعنا من وزن القصص التي يقف أصحابها عند حد تصوير الحالات والمواقف الحياتية كما في بعض صور بناني وزياد والطريس."[13]
ويعني هذا أن النقد القصصي المغربي بدأ انطباعيا وذوقيا وتأثريا في شكل مقالات صحفية، ودراسات تعريفية مختصرة.
المقاربـــة الفنيــــة:
يعتمد المنهج الفني على استكشاف الخصائص الفنية، وتبيان المقومات الجمالية التي تتسم بها الظواهر الأدبية. ويعني هذا أن الناقد الفني يركز كثيرا على المعطيات الشكلية من جهة، والمقومات اللغوية والأسلوبية والإيقاعية والتركيبية والبنائية من جهة أخرى، دون نسيان المضامين والقضايا والأحداث التاريخية.
ومن أهم الكتب النقدية التي تبنت المنهج الفني في دراسة القصة القصيرة نذكر (اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب) للباحث السوري محمد عزام الذي كان غرضه من الكتاب هو البحث عن الفنيات الجمالية واللغوية والأسلوبية، وتحديد الرؤى والاتجاهات الفنية. وفي هذا النطاق، يقول الباحث:" والبحث عن المنهج يبدو- هو الآخر إشكالا يضع الباحث في مأزق الاختيار الصعب، لكثرة المناهج، لا لقلتها: فهناك المنهج المضموني الذي يصنف الأدب في اتجاهات اجتماعية، ووطنية، وإنسانية...إلخ. وهناك المنهج البيوغرافي الذي يعنى بسير الكتاب، والمنهج النفسي، والاجتماعي، والبنيوي،..إلخ. وقد آثرت المنهج الفني الذي يصنف النتاج الأدبي حسب المذاهب الأدبية، الكلاسية، والرومانسية والواقعية، والرمزية. فمن المعلوم أن هذه المذاهب قد اصطرعت طويلا في أدبنا الحديث، وكان لها أتباع وممثلون.وقد مهدت لكل اتجاه أدبي بتعريف به، وبالعوامل التي ساعدت في نشوئه، ثم مثلت له بنتاج مبدعه."[14]
كما رصد الباحث مجموعة من الاتجاهات والرؤى الفنية في القصة المغربية، مثل: الرؤية التقليدية والرؤية الرومانسية في فترة الحماية، والرؤية الواقعية والرؤية الرمزية بعد الاستقلال.
وفي هذا المنحى نفسه، نستشهد بنموذج نقدي آخر لأحمد بوزفور عنوانه ( الزرافة المشتعلة: قراءات في القصة المغربية الحديثة)، فقد ضمنه دراسات نقدية وتجارب شخصية وحوارات أجريت مع الناقد المبدع. وتتميز هذه الدراسة بمرونة نقدية ومنهجية؛ لكونها تتأرجح بين المقاربة الفنية الجمالية، والقراءة العاشقة التي تتمرد عن القواعد وصرامة المنهج. بمعنى أن أحمد بوزفور يقرأ النصوص القصصية في ضوء قراءة إبداعية شاعرية عاشقة، تتخطى المبادئ المنهجية نحو استعمال لغة وصفية إنشائية وتأملية، تسقط صاحبها في الانطباعية والتأثرية الذوقية. وفي هذا السياق، يقول أحمد بوزفور:" هذه مجموعة من التأملات والقراءات والحوارات، كتبت على فترات متفرقة تمتد على مدى ربع قرن، ولكنها تشترك في أشياء تبرر جمعها في إضمامة واحدة.
من هذه الأشياء أنها تدور جميعها حول القصة القصيرة المغربية، وأعتقد أن قلة الدراسات في هذا المجال تسمح بإخراج هذا الكتيب، على ضآلة ما قد يفيد منه القراء والباحثون.
ومنها أنها تنطلق من منظور مرن متحرك، يتيح للقارئ فرصة تتبع تجربة الناظر (الكاتب/القارئ) وتطورها من جهة، وتتبع تجربة المنظور إليه (القصة القصيرة بالمغرب)، وتنوعها من جهة ثانية.
ويجد القارئ في هذه الإضمامة أن موادها موزعة على محورين كبيرين، سميت أحدهما :" عن الطريق".وتندرج فيه:
- تأملات شخصية في القصص التي كتبتها، مثل: " مراحل تجربة قصصية"... وبالطبع فإن تأملات من هذا النوع قابلة للنقاش، لأنها لاتقدم إلا قراءة واحدة من القراءات الممكنة.
- نظرات نقدية في مسار وملامح القصة المغربية، مثل" الدخول إلى فريواطو" أو " الزرافة المشتعلة"..."[15]
وهكذا، فقد كانت المقاربة الفنية حاضرة في المشهد النقدي القصصي بالمغرب؛ مادامت القصة، في جوهرها، تخييلا فنيا وجماليا ولغويا.
المقاربة الببليوغرافية:
تستند المقاربة الببليوغرافية إلى أرشفة الإنتاج الأدبي إبداعا ونقدا، مع تشغيل مفاهيم التأريخ، والتحقيب، والتوثيق، والتنظيم، والترتيب، والتنسيق، والأرشفة، والتصنيف، والتفسير. ومن ثم، تهدف المقاربة الببليوغرافية إلى تتبع الإنتاجات الأدبية بالجمع والتأريخ والتوثيق والتحقيق. ويعني هذا أن الببليوغرافيا تعنى باستعراض المنتوجات الأدبية والفكرية والنقدية، وذكر عناوينها، وعدد صفحاتها، وأجزائها، ومجلداتها، مع الإشارة إلى أماكن الطبع، وزمن النشر، والتعريف بالمؤلفين والمترجمين في شكل تراجم وفهارس بيوغرافية أو أوطوبيوغرافية. أي: تعتمد الببليوغرافيا على تجميع المعطيات المكتبية، وتصنيفها، وتحقيبها، وتفريغها في جداول ومبيانات إحصائية، ثم العمل على قراءة البيانات والمعطيات، وتحليلها، وتفسيرها، ونقدها، واستعمال لغة المقارنة والاستنتاج.
كما ترتكز المقاربة الببليوغرافية على القراءة الكمية والكيفية، واستعمال التحقيق والتوثيق. ويتضمن التوثيق بطبيعة الحال " ترتيب المعلومات وتنظيمها وتصنيفها، وتلخيص هذه المعلومات أو استخلاصها أحيانا، ثم نشرها وتوزيعها على المستفيدين، وتقديم مصادر المعلومات إلى من يريدها بشكل يلبي حاجات الباحثين. ومن هنا، يتضمن التوثيق كل خدمات المراجع، فهو يشمل عمل المستخلصات عن أحدث البحوث والدراسات والتقارير والاستكشافات، ثم توزيعها على المتخصصين في مراكز البحوث، ومحطات التجارب وغيرها من نقاط الدراسة المتعمقة الكاشفة- لأن هؤلاء بدورهم يتابعون بحوثا في المجال نفسه أو بوجه أصح في الموضوع نفسه، وللهدف نفسه."[16]
وتعد ببليوغرافية عبد الرحمن طنكول (الأدب المغربي الحديث: ببليوغرافية شاملة) أولى ببليوغرافية تظهر في المغرب سنة 1984م، وترصد جميع الأجناس الأدبية بما فيها الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، والنقد الأدبي.[17]
في حين، يتضمن كتاب (ببليوغرافيا القصة القصيرة) لمحمد يحيى قاسمي مقدمتين : مقدمة تقريضية للدكتور مصطفى رمضاني، ومقدمة نقدية تعريفية بعلم الببليوغرافيا للمؤلف نفسه .كما يحوي الكتاب قسمين: قسما خاصا بالمجموعات القصصية، وقسما آخر خاصا بالمبدعين القصاصين. وتمتد مرحلة الأرشفة من سنة 1947م مع المجموعة القصصية الأولى (وادي الدماء لعبد المجيد بن جلون)إلى سنة 1999م. وقد اعتمدت منهجية الباحث على ذكر عناوين المجموعات القصصية، واستعراض مؤلفيها، مع تحديد مكان الطبع وزمانه، وعدد الصفحات، ونوع الحجم، واستكشاف عدد قصصها الداخلية، مع ذكر عناوينها بشكل مفصل.
علاوة على ذلك، فقد استعمل الكاتب جداول إحصائية ببليومترية لقراءة الببليوغرافيا الإبداعية، مع الإشارة إلى قضايا وظواهر بارزة، ومناقشة إشكالية التصنيف والتجنيس الأدبي على مستوى مصطلحات القصة القصيرة. وبعد ذلك، فقد قدم الكاتب فهرسة أو كشافا أو دليلا خاصا بالمبدعين، يعتمد على إيراد سيرة كل قاص على حدة، بتحديد تاريخ الولادة ومكانها وتاريخ الوفاة في أحيان أخرى، مع استعراض أعماله القصصية بالترتيب.
وقد ذيل الكاتب عمله الببليوغرافي بخاتمة في شكل خلاصات ونتائج مهمة، تفيد الباحثين والدارسين والنقاد في مجال الدراسات الأدبية والتوثيقية. لكن يلاحظ أن الباحث قد أغفل القصة القصيرة جدا؛ ولم يهتم بها، لأنها- حسب رأيه- مجرد تنويع أو تقليعة من تقليعات القصة القصيرة[18].
ومن أهم الببليوغرافيات الأخرى التي تناولت السرد القصصي نذكر كتاب (السرد المغربي (1930-1980م) لمصطفى يعلى الذي درس فيه القصة القصيرة والرواية، كما تناول فيه إشكالية السطو في المجال الببليوغرافي، فقد تتبع الباحث القصص في الجرائد والمجلات المغربية والعربية بذكر اسم المبدع، ورصد سنة الصحيفة، وعددها، وصفحتها، وتاريخها. كما قدم مسحا شاملا للمجموعات القصصية التي صدرت في المغرب إلى غاية 1980م[19].
وهناك ببليوغرافية أخرى لحسن الوزاني عنوانها (الأدب المغربي الحديث)، وهي ببليوغرافية مسحية شاملة تستقري جميع الأجناس الأدبية من شعر، ورواية، وقصة، ومسرحية. وقد خصص للقصة القصيرة عشر صفحات. ومن ثم، تتميز ببليوغرافيته برؤية ببليومترية تفسيرية علمية رصينة[20].
المقاربـــة الاجتماعيـــة:
يرتكن المنهج الاجتماعي إلى تحليل الأدب في ضوء سياقه الواقعي بكل معطياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والدينية والإيديولوجية، من خلال ربط الإبداع الأدبي والفني بواقعه الاجتماعي بطريقة مباشرة و آلية.
ومن أهم الذين تمثلوا المنهج الاجتماعي في دراسة القصة المغربية إدريس الناقوري في كتابيه( المصطلح المشترك) و(ضحك كالبكاء)، فقد تناول القصة المغربية في ضوء رؤية نقدية واقعية جدلية، تستقري الأوضاع الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية التي أفرزت مختلف التجارب القصصية المغربية عبر سيرورتها الزمنية. وفي هذا، يقول إدريس الناقوري :" ومعنى هذا أن التطور الحاصل في البنيات التحتية في العملية الاجتماعية برمتها وفي مختلف مجالاتها ترك أثره المباشر على الأقصوصة التي عبرت من خلال تجارب كتابها المعاصرين على قدرتها على مجاراة الفترات الاجتماعية القلقة نظرا لمرونتها وقابليتها للتكيف. أما الجانب التاريخي التطوري فيها، فتبرز أهميته انطلاقا من مسألة النشأة نفسها ابتداء من مرحلة الخبر والحكاية أو الخرافة إلى مرحلة الواقعية.ففي جميع هذه المراحل كانت القصة القصيرة تعكس التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية، وتعبق بتجربة الواقع الموضوعي مهما غالت في الخيال، وتوسلت بالأسطورة، والرمز، والفانتازيا، واللامنطق. وبهذا المعنى لايبقى هناك فرق بين القصة وتاريخها لأن تاريخ القصة هو حياتها، هو صيرورتها وحركة وعيها لذاتها وموضوعها.
وهذا يؤكد حقا حقيقة العلاقة الجدلية التي تصل الفكر بالواقع، وإذا كان من غير الصحيح أن نغمط كتاب الأقصوصة الأوائل حقهم في مساهمتهم في رسم الطريق، وتهييء الانطلاقة الأولى على الرغم مما يشوب تجاربهم من عيوب وعثرات.فليس من الإنصاف كذلك أن نطري إطراء ما عليه من مزيد كتابها الجدد لمجرد أنهم استطاعوا أن يطوروا، ويعمقوا تجارب غيرهم؛ لأن الفيصل في هذه المسألة يعود قبل كل شيء إلى الجانب الموضوعي بكل ما يعنيه من صراع وتناقض وحركة تاريخية متقدمة، وبهذا لايبقى للفرد من فضل سوى قدرته الشخصية على استيعاب مجمل عناصر اللحظة التاريخية، وارتفاعه إلى مستوى حركة سيرها وفهمه العميق لمختلف مراحلها، وأنها في سيرها تخضع لمنطق جدلي معقد، ولكنه يتجه دوما إلى الأمام، وإن سلك في اتجاهه هذا طريقا منعرجا ليس دائريا ولا مستقيما قد يواجه تعثرات وعراقيل، ولكنه لابد أن يجد منه إلى النصر والأمل."[21]
ويعني هذا أن إدريس الناقوري يربط القصة القصيرة المغربية بظروفها الواقعية ومرجعها الانعكاسي المباشر، مـتأثرا في ذلك بآراء ماركس، وبليخانوف، وأنجلز، وهيغل، وجورج لوكاش، ونقاد الواقعية من الدارسين العرب، مثل: سلامة موسى، ومحمد مندور، وعبد العظيم أنيس، ومحمود أمين العالم، وحسين مروة، وجورج طرابيشي، وغالي شكري، ومحمد برادة، وعبد الكبير الخطيبي، وغيرهم...
ويحضر هذا المنهج الجدلي الواقعي الانعكاسي في كتابه (المصطلح المشترك)، حيث يقول الدارس عن القصة القصيرة المغربية:"وكتاب الأقصوصة الذين ينتمون في معظمهم إلى البورجوازية الصغيرة، الطبقة التي تعاني حاليا من تمزق الذات وهول الاستغلال بشتى أصنافه وتجلياته، نتيجة لموقفها الوسط في علاقات الإنتاج والخصوصية التاريخية التي يتفرد بها واقعنا الاجتماعي، خير من يعبر عن هذه الإشكالية . فهم بوصفهم (عمالا غير منتجين)، ويملكون مع ذلك امتيازا طبقيا، يعكسون أزمة انتمائهم المادي.فليس بدعا، تأسيسا على هذا أن تأتي رؤاهم الفكرية تعبيرا عن مأساتهم الاجتماعية كأفراد، وكطبقة مقهورة تعاني الأمرين من جراء الضياع الطبقي الدموي. لهذا، كانت الرؤية المأساوية هي الخيط الخفي الذي ينتظم كتابات هؤلاء المثقفين."[22]
وهكذا، يتبين لنا بأن القصة القصيرة المغربية تعبير صادق عن الأوضاع الاجتماعية التي عرفتها البلاد إبان الحماية والاستقلال.
المقاربـــة النفسيــة:
تسعى المقاربة النفسية أو السيكولوجية إلى تحليل النص الأدبي في ضوء مفاهيم علم النفس الشعوري واللاشعوري أو السلوكي، بغية فهم المبدع ذاتيا، وتفسير كتاباته الفنية والجمالية.
ومن أهم الدراسات النقدية التي استعانت بعلم النفس نذكر دراسة (مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة ) لحسن المودن، فقد انصب هذا الكتاب على القصة القصيرة بالمغرب تحليلا وتشريحا وتفكيكا، من خلال التركيز على عالم الكتابة القصصية، بعد أن كان الاهتمام سابقا بالحكاية، ونقصد - هنا- كتابة التجريب والمغامرة والتأصيل.
ومن ثم، فالكتاب عبارة عن دراسات نقدية تطبيقية تستفيد من مكتسبات علم النفس.أي: الكتاب – يقول المؤلف- محاولة " في النقد القصصي التطبيقي الذي يتبنى التحليل النصي منهجا، جاعلا من النص بؤرة التحليل،مستعينا بالمفاهيم النفسانية الفرويدية، ومستحضرا السياق التاريخي والثقافي والأدبي، وغايته رصد أهم التحولات النوعية التي عرفتها الكتابة القصصية بالمغرب المعاصر، وذلك من خلال أسئلة أساس، من أهمها: هل عرف هذا الجنس الأدبي تحولات في طرائق الكتابة ومناهجها وأشكالها؟ ماذا عن هذا الشكل الجديد الذي يعرف ازدهارا اليوم: القصة القصيرة جدا؟ ماذا أضافت الكاتبات اللواتي يتزايد عددهن اليوم إلى جنس القصة القصيرة؟ إلى أي حد ساهم الكتاب والكاتبات في تأسيس مفهوم جديد للكتابة القصصية؟ما هي الشروط الموضوعية التي فرضت هذا التحول في مفهوم الكتابة؟"[23]
بهذا، فقد تناول الكتاب ملامح الكتابة القصصية عند مجموعة من الكتاب، مثل: محمد الأمين الخمليشي، ومحمد زفزاف، ومحمد عزالدين التازي، ومحمد غرناط، وأحمد بوزفور، وأنيس الرافعي، وسعيد منتسب، وعبد الله المتقي، ورجاء الطالبي، وسعاد الرغاي، ولطيفة لبصير، ومليكة مستظرف، ووفاء مليح، ورشيدة عدناوي، إلا أن الباحث لم يميز بين جنس القصة القصيرة وجنس القصة القصيرة جدا، والفرق بينهما جلي وواضح وبين.
المقاربــة البنيويـة السرديـة:
تستند المقاربة البنيوية السردية إلى دراسة القصة القصيرة جدا في ضوء شعريتها أومكوناتها البنيوية أو الإنشائية كما عند علماء السرد، أمثال: تودوروف (Todorov)،وجيرار جنيت (Gérard Genette)، ورولان بارت (R.Barthes)…وهنا، يتم التركيز على المكونات الأساسية للخطاب، كالمنظور أو الزمان أو الصيغة أو الوصف أو الفضاء، والانفتاح أيضا على الأحداث والشخصيات.
ويعد عبد الرحيم مودن من أهم النقاد المغاربة الذين طبقوا المنهج البنيوي السردي أو ما يسمى أيضا بالشكلانية، خاصة في كتابه ( الشكل القصصي في القصة المغربية)، معتمدا في ذلك على كتابات الشكلانيين أمثال: تودوروف(Todorov)، وأوزوالد دوكرو (O.Ducrot)، وفلاديمير بروب (V.Propp)، ونصوص الشكلانيين الروس، ورولان بارت (R.Barthes)، وكلود بريمون (C.Bremond)...
هذا، وقد درس عبد الرحيم مودن القصة المغربية من بداية الأربعينيات حتى سنوات الستين من القرن الماضي، باستجلاء البنى الشكلية. وفي هذا يقول الباحث:" وللخروج من هذا التعارض استقر الرأي أخيرا على التعامل مع مفهوم البنية التي يشف شكلها عن مضمونها، ومضمونها عن شكلها.والبنية- كما هو معلوم- " كتلة من المتناقضات" تجمع بين المجرد والمحسوس، بين الملموس والهلامي، بين المجهول والمعلوم، المعياري والمتمرد على كل المعايير، الثابت والتغير...ويصبح الحديث عن الشكل حديثا عن وحدة المتناقضات في جدلها الدائم بين الثوابت والمتغيرات. كما أن الحديث عن الشكل حديث عن المضمون أيضا مادام الفنان صانع أشكال."[24]
ويعني هذا أن الدارس يبحث عن أشكال القصة في المتن السردي المغربي من خلال التوقف عند الأشكال الحكائية المتجددة، والشكل في القصة التاريخية، والشكل في القصة البوليسية، والشكل في قصة المغامرات، والشكل في قصة السيرة، وشكل القصة الواقعية أو الوقائعية...
وفي الاتجاه نفسه، نستحضر دراسة حسن لشكر تحت عنوان (الخصائص النوعية للقصة القصيرة )، حيث تناول فيها الباحث القصة التجريبية أو الحساسية الجديدة، من خلال التوقف عند مكوناتها الشعرية والبنيوية، باستقراء بناها السردية، مثل: الحبكة السردية، والشخصيات، والفضاء، والوصف، والمنظور، والزمن السردي، والصيغة اللغوية والأسلوبية. أي:يدرس حسن لشكر الخصائص الفنية والجمالية التي تتميز بها القصة التجريبية المعاصرة في المغرب، كما يحضر ذلك بينا في قصة (الزمن المقيت) لمحمد زفزاف، وقصص أدباء القنيطرة، خاصة عبد الرحيم مودن، وإدريس الصغير، ومصطفى يعلى...والتوقف أيضا عند بيان رابطة القصة القصيرة المغربية الجديدة. ويقول حسن لشكر في مقدمة الكتاب:"هذه الدراسة عمل تحليلي يتوخى رصد بعض مستويات اشتغال الخطاب القصصي الجديد الذي احتل حيزا مهما في المشهد السردي الحديث بالمغرب. وهي عبارة عن مباحث مترابطة، تبين لنا وجود خيط رابط بين وحداتها وموضوعاتها. فالمنطق المحرك لسيرورة الحكي وعناصر التخييل في المتون المدروسة يندرج في إطار عملية التحديث القصصي.كما أن طريقة الرصد والاستقراء تنتمي لشبكة منهجية موحدة، وتنهل من معين مرجعية واحدة. لذلك جمعناها في مؤلف واحد، وحافظنا على صيغتها الأصلية دون إضافة أو تعديل.
تسعى المقاربة الأولى لإبراز خصوصيات ومكونات المعمار النصي في القصة التجريبية. في حين يبرز المبحث الثاني مدى مساهمة أدباء مدينة القنيطرة في إثراء الإبداع القصصي الجديد.
أما المبحثان الثالث والرابع، فيركزان على تجربتين دالتين في المشهد القصصي المغربي ذي التوجه التحديثي لاتنفصلان عن مجمل خصائصه، إلا أنهما تحملان إضافتهما الخاصة. ويتعلق الأمر بعبد الرحيم مودن وإدريس الصغير اللذين بادرا ( في شهر فبراير سنة 1995 بمساهمة كاتب هذه السطور بتأسيس رابطة القصة القصيرة المغربية الجديدة التي أصدرت بيانا هاما، ونظمت عدة لقاءات ثقافية.لكنها- مع الأسف- غابت عن المشهد الثقافي المغربي لعدة أسباب ذاتية وموضوعية[25]."
وفي هذا السياق كذلك، نستحضر إبراهيم الكراوي في كتابه ( خطاب الحداثة في القصة العربية: مكوناته وآليات اشتغاله)، لكن الباحث لم يقتصر في كتابه على القصة العربية فحسب، بل درس القصة المغربية الحديثة من خلال نموذج قصصي لجمال بوطيب بعنوان ( برتقالة للزواج..برتقالة للطلاق!).
وقد ركز الباحث على المقاربة البنيوية السردية أو ما يسمى كذلك بالشعرية السردية، باستجلاء مكونات الحداثة في قصص جمال بوطيب، وتبيان آلياتها السردية والشكلية والبلاغية والجمالية واللسانية. وفي هذا الإطار، يقول الباحث:" وستحاول مقاربتنا لمفهوم خطاب الحداثة أن تحقق الانفتاح على مستوى التصور والمنهج، وذلك من خلال استلهام الروح العلمية للمنجز اللساني، وبالتالي اكتشاف الخصائص النوعية للخطاب وأنساقه التي تشتغل عبرها القصة القصيرة في خطاب الحداثة، وبالخصوص إذا علمنا أن كل نوع أدبي ينفرد ببنيات خطابية تميزه. سننطلق إذن من مفهومين إستراتيجيين يتمظهران باعتبارهما أقطابا دينامية تبنين الشكل الذي يمكن أن نتصوره لمفهوم الخطاب وهما " الملاءمة" و" الانسجام". ولكي نكتشف كيف يتأتى لهذه القضية أن تمارس وظائفها داخل عالم الخطاب. سنتوقف عند المفهوم في الحقل اللساني ومختلف تمظهراته في مستوى التجديد والتجليات داخل الحقل السردي."[26]
ومن هنا، فقد توقف الدارس عند مجموعة من المكونات الشعرية في قصص جمال بوطيب، بغية البحث عن مظاهر الحداثة الفنية والإبداعية، من خلال قراءة مكون الاستهلال، ومكون التجنيس، ومكون البلاغة، ومكون السخرية.
وهناك كتاب آخر يتناول قضية التجنيس في القصة القصيرة المغربية على غرار كتابات جان ماري شيفر (Jean –Marie schaeffer)، وهو كتاب(لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية ) لمحمد برادة[27]. وقد ركز فيه الناقد على تيمتي الطفولة والحلم من خلال قراءة سردية تجنيسية وتيماتيكية،مع تتبع الموضوعتين في مختلف النصوص الإبداعية القصصية، خاصة قصص محمد الأمين الخمليشي.
هذا، وقد ألف أحمد زنيبر كتابا مونوغرافيا عنوانه ( جمالية المكان في قصص إدريس الخوري)، تتبع فيه نظريات المكان وآلياته التطبيقية في قصص إدريس الخوري. وفي هذا الصدد، يقول أحمد زنيبر:" قسمنا رحلتنا، عبر فضاء هذه المجموعة إلى رحلتين.رحلة نظرية وتشمل تتبعا واستقراء لأهم التحديدات المفاهيمية التي أنجزت حول مصطلح المكان، تلاه رصد لمختلف العلاقات التي تجمع هذا المكون القصصي بالإنسان، من جهة، وبالعمل الإبداعي، من جهة ثانية. ثم رحلة عملية تطبيقية، حاولت أن تحيط بأنواع وأنماط الأفضية المكانية التي وردت في المجموعة، انطلاقا من فضاء المدينة، ووصولا إلى فضاء البادية."[28]
ونجد هذا المنهج، بشكل من الأشكال، في كتاب (في معرفة القصة المغربية المعاصرة) لمحمد يوب، حيث يجمع الباحث بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، ويوفق بين المنهج البنيوي السردي والمنهج السيميائي، مع الانفتاح النسبي على جمالية التلقي[29].
ولا ننسى كتابا قيما آخر لعمر العسري تحت عنوان ( القصة والتجريب)[30]، فقد طبق فيه آليات المقاربة البنيوية السردية على قصص أنيس الرافعي وأعماله السردية، من خلال التوقف عند مقومات الكتابة السردية التجريبية، بمساءلة العتبات والنص الموازي، وتصنيف أنواع الحكي ( الحكي بالاستنتاج، والحكي بالتكرار، والحكي بالتجريد، والحكي بالتناسب)، ودراسة الصورة المرئية، والهندسة المعمارية، واستكناه الشخصيات، واستجلاء البعد التخييلي والواقعي، واستكشاف آليات التصوير الفني .
المقاربــة البنيويــة التكوينيــة:
ينطلق نجيب العوفي في كتابه(مقاربة الواقع في القصة القصيرة)[31] أو في مقاله( القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)[32] من التصور البنيوي التكويني . وفي هذا السياق، يصرح الباحث: " وبموازاة هذا التفكيك أو ضمنه كنا نقوم بتفكيك البنى الذهنية ذاتها الثاوية في طيات البنى السردية والمنتجة لها . كنا نقرأ الأسئلة المضمرة من خلال الأسئلة المظهرة . نقرأ واقعية النصوص من خلال قصصيتها وقصصيتها من خلال واقعيتها . كنا نقرأ بعبارة واقع القصة المغربية وقصة الواقع المغربي .
يمكن أن نعتبر العملية الأولى( تفكيك البنى السردية) حسب المصطلح الـﮔولدماني فهما ... كما يمكن أن نعتبر العملية الثانية (تفكيك البنى الذهنية) وحسب المصطلح الكولدماني (تفسيرا)".[1]
يقسم نجيب العوفي رسالته الجامعية إلى بابين : الباب الأول خاص بالبحث عن الهوية (التأسيس)، والباب الثاني متعلق بإثبات الهوية (التجنيس). ويركز نجيب العوفي في بحثه على أهمية القصة القصيرة في عصرنا، ويطرح هذا الجنس- على الرغم من قصر حجمه- أسئلة وقضايا كبرى . وبعد ذلك، ينتقل لتحديد مراحل القصة المغربية، فيحصرها في مرحلتين أساسيتين:
- القصة القصيرة بين التأسيس والبحث عن الهوية والهم الوطني.
- القصة القصيرة بين التجنيس وإثبات الهوية والهم الاجتماعي .
إذاً، يستجلي نجيب العوفي نشأة القصة القصيرة بالمغرب، ويبرز مراحلها وتطوراتها على غرار أحمد اليابوري وأحمد المديني في رسالتيهما الجامعيتين حول الجنس نفسه.
وتمتاز القصة المغربية القصيرة - حسب نجيب العوفي- بميزتين أساسيتين : التأسيس والتجنيس. فقد كان الصراع في مرحلة الحماية حادا بين المغاربة والمستعمر في إطار ثنائية ( نحن ـ الآخر )، وامتدت هذه الفترة ما بين 1940ـ 1956. وكان سؤال القصة القصيرة آنذاك هو سؤال الوطن، والبحث عن الهوية، وأصبحت الوطنية طابعا مميزا لتلك القصة. وكان البطل بالضرورة وطنيا . ولا يعني هذا أن السؤال الاجتماعي مغيب، بل كان ثانويا مقارنة بالسؤال الوطني . ولم يتبلور بعد مفهوم الطبقة الاجتماعية بشكل جلي؛ لأن الأمة كانت هي المبتغى والرهان الأساس. ويعني هذا أن القصة الغالبة في مرحلة الحماية هي القصة الوطنية . فقد انتقدت الاستعمار بكل تجلياته، ونددت بكل أشكال الظلم الاستعماري حتى الاجتماعي منه. وكان أبطال القصة يحلمون بالحرية، ويعملون على تحقيقها . لذلك، كان الوعي عند الشخصيات وطنيا، والرؤية للعالم رؤية وطنية، قوامها الكفاح والتحرر من الاستعمار. أما البطل، فكان بطلا بروميثيوسا يقارع الاستعمار قصد تحقيق الحرية لأبناء وطنه .
هذا، ويتجلى الهاجس الوطني عبر فعل الدفاع عن الهوية ( البطل البرومثيوسي الوطني )، وفعل الهجوم على الهوية ( البطل الاستعماري المضاد). وقد نتج عن هذا الصراع الوطني صدع اجتماعي كان يؤجج الصراع الداخلي لطرد المستعمر من البلاد. ويمكن تفسير هذا المتن القصصي بما كانت تقوم به الحركة الوطنية من دفاع عن الهوية الوطنية، ونشر الوعي الوطني بين أبناء هذا الوطن، وتأطير الطبقة الاجتماعية الكادحة لتنسيق المواقف لمواجهة المستعمر . لذلك، كان الوعي الوطني ـ في طابعه السلمي والعسكري ـ مهيمنا على هذه المرحلة.
ويمثل هذه الفترة كل من: عبد المجيد بن جلون، و عبد الرحمن الفاسي، وأحمد بناني، وعبد الكريم غلاب، وأحمد عبد السلام البقالي، ومحمد الخضير الريسوني .
إذاً، لقد انطلق نجيب العوفي من عملية التفسير لتبيان العوامل التي أفرزت القصة القصيرة الوطنية إبان المرحلة الاستعمارية، فحصرها في عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وبين أن الهاجس الغالب على هذه المرحلة هو الهاجس الوطني الذي يتمثل في البحث عن الاستقلال، وبناء مغرب جديد متحرر ومستقل . و يتماثل هذا مع مكونات عملية الفهم، إذ استخلص بنية دالة هي البحث عن الهوية، والشروع في تأسيسها. وبعد ذلك، استكشف نمط الوعي لدى الشخصيات الذي يكمن في الوعي الوطني؛ لأن رؤية الشخصيات إلى العالم رؤية وطنية محضة.
وإذا كانت الدلالة القصصية مبنية على تيمة الوطن /الهوية، فإن البنية الشكلية تتسم بالحفاظ على البنية التقليدية الموبسانية ( البداية و الوسط والنهاية)، وعدم الاهتمام باللغة القصصية، وغلبة أسئلة المضمون على الشكل تماثلا مع هيمنة السياسي على الثقافي على مستوى التـفسير .
هذا، وتبتدئ المرحلة الثانية من أعقاب الاستقلال إلى غاية 1970، وسيمتاز الظرف التاريخي بالصراع الاجتماعي والطبقي (نحن ــ نحن )، ويمثل هذه المرحلة مجموعة من القصاصين المغاربة، أمثال: محمد إبراهيم بوعلو، ومحمد بيدي، ومبارك ربيع، وعبد الجبار السحيمي، ورفيقة الطبيعة، ومحمد زفزاف، وإدريس الخوري، ومحمد شكري، والأمين الخمليشي، ومحمد زنيبر، ومحمد برادة، ومحمد القطيب التناني، ومحمد عزيز الحبابي، وخناتة بنونة، ومحمد أحمد شماعو، وحميد البلغيثي، ومحمد التازي، ومحمد الصباغ .
وفي هذه المرحلة، أصبح السؤال الاجتماعي يطرح نفسه بإلحاح، بعد أن تغير مغرب الاستقلال تاريخيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا، إذ حلت الطبقة محل الأمة، فاتخذ الصراع طابعا طبقيا واجتماعيا بين المغاربة أنفسهم، خاصة بين الطبقة الكادحة والطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج والثراء المادي.
أما عن شخصيات القصة، فهي عادية، يمكن حصرها في شخصية الكادح ( الفلاح والعامل)، وشخصية المثقف اللتين تعانيان القــهر الاجتماعي والقهر الروحي. ومن سمات شخصيات هذه القصة الاجتماعية أنها كائنات إشكالية مهمشة تعبر عن مجتمع مشتت .
علاوة على هذا، يبدأ العوفي هذه المرحلة الثانية بعملية التفسير، إذ يحدد العوامل التي تحكمت في متن التجنيس، ويحصرها في ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي . وإذا كان الواقع يعج بالصراع الطبقي والاجتماعي، فإن هذا يتناظر مع الصراع الذي نجده في المتن القصصي، حيث تهيمن تيمة المجتمع / الهوية التي تتمثل دلاليا في السعي الجاد نحو إثبات الهوية الاجتماعية، وتأسيس المغرب الاجتماعي . ويعني هذا أن تطور القصة القصيرة المغربية متواشج ومتفاعل مع تطور البرجوازية الصغيرة، وتطور الأحداث المرجعية. أي: كانت القصة المغربية، في بعديها الوطني والاجتماعي، مرآة عاكسة للواقع المغربي، لكن بطريقة غير مباشرة أو غير آلية.
وإذا كانت دلالة القصة في المرحلة الثانية دلالة اجتماعية، فإن بنية الشكل تشير إلى بطولة هامشية مقهورة، و اختلاف في المنظورات الواقعية لدى القصاصين، والمحافظة، إلى حد كبير، على بنية السرد الكلاسيكي، مع تنويع البنى والأعاريض السردية، واستخدام مكثف للمنولوج، والميل نحو الاقتصاد في توظيف الشخصيات، والفضاءات، واللغة القصصية.
المقاربــة الموضوعاتيــة:
تعد المقاربة الموضوعاتية من أهم المقاربات النقدية في التعامل مع النص الأدبي شعرا ونثرا، فقد ظهرت في أوربا إبان ستينيات القرن العشرين مع موجة النقد الجديد . كما ظهرت في العالم العربي متأخرة عن نظيرتها الأوربية بعقد من السنوات، مع تصاعد النقد المضموني، وانتشار القراءات التأويلية و الإيديولوجية، وولادة التحليل الوصفي البنيوي واللساني.
ويهدف النقد الموضوعاتي إلى استقراء التيمات الأساسية الواعية واللاواعية للنصوص الإبداعية المتميزة، وتحديد محاورها الدلالية المتكررة والمتواترة، واستخلاص بنياتها العنوانية المدارية تفكيكا وتشريحا وتحليلا، عبر عمليات التجميع المعجمي والإحصاء الدلالي لكل القيم والسمات المعنوية المهيمنة التي تتحكم في البنى المضمونية للنصوص الإبداعية.
ويعتبر كتاب (أسئلة القصة القصيرة بالمغرب) لمحمد رمصيص من أهم الكتب التي تمثلت هذه المقاربة، من خلال التوقف عند التيمات الكبرى. وفي هذا النطاق، يقول الدارس:" يكتسي المنهج في مجال الدراسات الأدبية أهمية بالغة، نظرا لكونه يمثل من جهة الخيط الناظم لمسار البحث، ومن جهة ثانية يسمح للأطروحة بتحقيق الانسجام بين الافتراض والاستنتاج.وعلى خلفية هذا التصور، يمكن توصيف المنهج الموضوعاتي بكونه مسارا نظريا يركز على جزئية مطردة ومتواترة في متن معين. سواء أكانت دلالية أم شكلية، إنه محاولة لالتقاط الملمح المهيمن على العمل الأدبي، ورصد للجانب البارز فيه، فالبحث في الموضوعاتي هو بحث في النقاط الأساسية التي يتكون منها معنى العمل الأدبي، ومقاربة الكشف عن هذه النقاط الحساسة التي تجعلنا نلمس تحولاتها، وتدرك روابطها في انتقالها من مستوى تجربة معينة إلى أخرى شاسعة.
وبذلك يمكننا القول بأن المنهج الموضوعاتي يقدم نوعا من المسح الأفقي للظاهرة المدروسة، مع النزول العمودي لدلالتها، دفعا لكل تجميع كمي عرضي. إنه منهج يبحث عن تشكل الدلالة تماما كما يرصد سمات الشكل. إن التأويل الموضوعاتي في نظرنا تأويل جمالي وليس مضمونيا البتة.إنه تأويل متكامل لأنه يوظف، ضرورة، مجموع المعطيات النظرية والشعرية والبنائية وتحويلها إلى دينامية موضوعاتية، تتواشج فيها العلاقات بالرموز، والدوال بالمدلولات، والمعنى بالمبنى."[33]
وعليه، تركز هذه الدراسة على استجلاء الأسئلة والقضايا الدلالية والأسلوبية في ضوء المقاربة الموضوعاتية، سواء أكانت مضمونية أم شكلية، بتحليل مجموعة من المتون والمجاميع القصصية، عبر أجيال متعاقبة، تبدأ من الواقعية النقدية حتى القصة التجريبية، مرورا بالقصة الرمزية. ومن ثم، ترصد هذه الدراسة بعض التحولات الفنية والجمالية والشكلية والدلالية التي تزخر بها القصة المغربية عبر تطورها التاريخي.
كما توقف الكاتب عند مجموعة من الأسئلة المؤرقة التي طرحتها القصة المغربية، مثل: سؤال الكتابة، وسؤال المتخيل، وسؤال الاختلاف، مع التوقف أيضا عند تيمات متنوعة أخرى، مثل: الجنون، والموت، والقلق، والقهر، والجسد، والعجائبية، والخيبة، والسقوط، والسخرية، والتمرد،وصراع المثقف والسلطة...
المقاربـــة السيميائيــة:
من المعروف، أن المقاربة السيميائية تعنى بدراسة العلامات التخييلية والشكلية قصد بناء الدلالة أو المعنى، والبحث عن البنى العميقة التي تولد النصوص والبنى السطحية، من خلال التركيز على شكل المضمون، وتمثل مبدإ المحايثة، والالتجاء إلى التحليل البنيوي، ودراسة الخطاب، ورصد الثابت والمتحول في النص .
ومن الدراسات السيميائية التي تناولت القصة المغربية كتاب (القصص الشعبي بالمغرب) لمصطفى يعلى، حيث طبق فيه منهجا مورفولوجيا على غرار كتابات فلاديمير بروب(Vladimir Propp)، من خلال التركيز على الوظائف الثابتة والمتغيرة في القصص الشعبية المغربية، مثل: الحكاية الخرافية، والحكاية العجيبة، والحكاية الشعبية، والحكاية المرحة. وفي هذا الشأن، يقول الباحث:" وبالفعل أمكننا بواسطة هذا المنهج [المورفولوجي] أن نحدد الوحدات الوظيفية للنصوص المدروسة، فضلا عن نوعية أبطالها ومستويات أفعال شخصياتها.لكننا لم نتوقف أين توقف غيرنا من الدارسين العرب، بل سعينا إلى استكشاف التشكلات الكبرى المهيمنة على كل نوع من أنواع قصصنا الشعبي، انطلاقا من الوحدات الوظيفية ومن علاقاتها فيما بينها، وفيما بينها وبين مجموع المتن الذي ينتمي إليه كل نوع من تلك الأنواع القصصية الشعبية، بحيث لم نتوقف عند تفكيك النصوص إلى أجزائها المكونة وحسب.وهذا ما أوضح التشكلات المختلفة التي تتكئ على بعضها الحكاية العجيبة لبناء عوالمها المدهشة، وسمح بالوقوف على الأسرار البنيوية التي تلجأ إليها الحكاية الشعبية بالمغرب لأسلبة مظاهر الحياة المختلفة، كما مكن من استشفاف السبل التي تتبعها حكايتنا الخرافية للاضطلاع بمهمتها التعليمية والترويحية، وأتاح أخيرا إمكانية بلورة الأبعاد الوظيفية والبنيوية والبطولية التي تصنع مفارقات الحكاية المرحة بالمغرب."[34]
ويلاحظ أن مصطفى يعلى يسقط منهجية فلاديمير بروب على الحكاية الشعبية المغربية بالطرائق السيميائية والبنيوية نفسها التي طبقها بروب على الحكاية الشعبية الروسية. أي: برصد المتغير والثابت في القصة الشعبية المغربية.
جمالية التقبــــل:
تستند منهجية التلقي إلى استحضار القارئ أو المتلقي في العمل الأدبي، فالقارئ هو الذي يعيد بناء النص الأدبي وتأويله من جديد في ضوء مجموعة من العمليات والآليات التقبلية التي أشار إليها مجموعة من المنظرين، مثل: إيزر (Izer) ويوس (Jauss)، وفيش(Fish)....
ومن الذين درسوا القصة المغربية في ضوء جمالية القراءة أو التقبل نذكر حميد لحمداني في كتابه ( القراءة وتوليد الدلالة)، فقد درس قصة (الجرادة) لمحمد زفزاف من خلال رؤية جمالية، تتبنى مفاهيم يوس(Yauss)، وإيزر(Izer)، وجوناتان كولر(Jonathan Kuller)، وبيير ماشري(P.Machery)، وأمبرطو إيكو(U.Eco)، وجوليا كريستيفا(J.Krestiva)، وميشيل ريفاتير(M.Rifaterre)...
ويعني هذا كله أن النص الأدبي لايحيا إلا بفعل القراءة سيما إذا كانت تأويلية وسياقية، وأكثر من هذا أن المعنى الأدبي ليس ثابتا ومحددا، بل يتغير بتغير العصور المتعاقبة. والمتعة في هذا أن تأويل النص قرائيا يتغير من قارئ إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، وهذا ما يضفي الجودة على النص. وفي هذا، يقول حميد لحمداني:" ما يهدف إليه هذا الكتاب هو محاولة إعادة النظر في علاقتنا بالنصوص الأدبية، وخاصة تلك الفكرة التي تتعامل مع النص الأدبي باعتباره حاضنا لمضمون محدد وثابت عبر العصور.هذا الموقف يسوي من حيث لايدري ين الخطاب الأدبي من جهة والخطاب اليومي أو العلمي باعتبارهما يتميزان بالقصدية المباشرة، في حين إن الخطاب الأدبي يميل على الدوام إلى خلق أبعاد تتجاوز المظهر التعبيري، للإيحاء بدلالات أخرى نحس بوجودها على وجه الاحتمال لا على وجه التصريح.ثم إن فكرة هذه النصوص لها خاصية جوهرية وهي قابليتها على الدوام لأن تقرأ في كل العصور بشكل عام.هذا فضلا عن أن قراءتها حتى في العصر الواحد تشهد اختلافا بينا بين الجماعات والشرائح الثقافية، وهو ما يدعونا إذن إلى ضرورة استبدال علاقة القراءة بالفهم بعلاقة القراءة بالتأويل.
لهذا كانت الحاجة ماسة إلى محاولة وضع تمييز نسبي بين النصوص الإخبارية والنصوص التخييلية، دون إغفال التداخل الحاصل بينها غالبا في معظم النماذج النصية المتداولة.ذلك أن فعل القراءة يتدرج عادة من فهم النصوص التي لها ارتباط بتلبية الحاجيات التواصلية اليومية إلى تأويل النصوص التي يتجاوز بناؤها وإستراتيجيتها تلبية هذه الحاجيات، لأنها تنقلنا إلى مستويات أرقى من التفاعل لتعبر عن ردود أفعالنا النفسية وعن آرائنا ومواقفنا واقتراحاتنا باعتبارنا قراء."[35]
وهكذا، ينطلق حميد لحمداني من جمالية التقبل في دراسة القصة المغربية، بغية تبيان طبيعة العلاقات التي يفرضها العمل القصصي مع المتلقي.
المقاربـــة البلاغيـــة:
تستند المقاربة البلاغية إلى دراسة مكونات البلاغة في النص الإبداعي السردي، بدراسة الصورة الفنية المجازية، ودراسة الأسلوب إخبارا وإنشاء، وتقريرا ومجازا، وإيحاء وانزياحا. وهناك من يوسع مفهوم الصورة السردية ليصبح مشروعا فنيا وجماليا مستقلا بنفسه، يمتاز بخصائص أسلوبية خاصة، ومكونات فنية ومنهجية محددة، وسمات معينة.
هذا، وتستند المقاربة البلاغية السردية إلى مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الإجرائية التي تتمثل في: الطاقة البلاغية، والطاقة اللغوية، والسياق الذهني، وسلطة الجنس، ودينامية التخييل، وصورة الموضوع، والتصوير، ومفهوم الامتداد، ومفهوم التدرج، ومفهوم الصورة، ومفهوم السمة المهيمنة، والسمات النوعية، والتصوير البلاغي، وصورة اللغة، والاستعارة السردية، والصورة الجزئية، والصورة الكلية، والصورة الاستهلالية، والصورة الحكائية، والصورة الهزلية، والصورة الأسطورية، والصورة الواقعية، وصورة المفارقة، والبناء الجمالي، ومفهوم المكونات، والتشكيل الجمالي، والصورة بين التوازن والاختلال، ومفهوم الهجنة، وصورة البطل، والصورة الوصفية، وكثافة الفضاء، وصورة الفعل، والخطة التصويرية، وصورة الشخصية، والتصوير الاستدراجي، وبلاغة التواطؤ، والنسيج الدرامي للنص، والانزياح التركيبي، وسياق النص، والتصوير الموضوعي، وصورة الراوي والمتلقي، والبنية الذهنية للمتلقي، والغاية الجمالية، والحوار الاستفزازي، ومفهوم الإيقاع والتوتر، والصوت السردي، والتشكيل اللغوي، وصورة الانشطار النوعي، وإيقاع المفارقة، ...[36]
ومن أهم الدارسين للقصة المغربية في ضوء المقاربة البلاغية نستحضر جميل حمداوي في كتابه (بلاغــــة الصـــورة السرديـــة في القصـة القصيــرة)، حيث تناول فيه الباحث مجموعة من الصور البلاغية السردية، ثم درس القصة المغربية من خلال التوقف عند نموذج محمد صوف، ثم قصص لمبدعين سعوديين، ثم التوقف عند الكتابة الميتاسردية في القصة المغربية.
ويعني هذا أن الباحث يدرس النصوص السردية، سيما القصصية منها، في ضوء الصورة البلاغية الموسعة. ويعني هذا أن الدارس لايدرس القصص في ضوء الصور البلاغية التقليدية التي اعتمدت في دراسة النصوص الشعرية القديمة أو الحديثة أو المعاصرة، كما هي مثبتة بكل جلاء في كتب البلاغة الكلاسيكية. بل تعتمد الصورة السردية الموسعة، علاوة على صور أخرى مستنبطة من داخل النصوص الفنية والجمالية، وقد تتخذ هذه الصور بعدا فنيا وجماليا، أو بعدا تصويريا موضوعيا، أو بعدا تصويريا وظيفيا.
وعليه، فلقد اقترح الدارس، في كتابه، تصنيفا جديدا فيما يخص الصور البلاغية، ورتبها ترتيبا بطريقة خاصة، يأخذ بعين الاعتبار مستجدات الصورة في الحقل الثقافي الغربي.
وبعد ذلك، درس الباحث مجموعة من الصور السردية في القصة القصيرة المغربية من خلال نموذج محمد صوف من جهة، والقصة السعودية من خلال مجموعة من النماذج القصصية المنشورة في مجلة (الجوبة ) من جهة أخرى. ولم يكتف بهذا، فقد درس الصورة الميتاسردية في مجموعة من القصص المغربية القصيرة على المستوى الدلالي والفني والجمالي. علاوة على ذلك، فقد استعرض الباحث فرشا تاريخيا فيما يتعلق بالصورة الميتاسردية، سواء أكان ذلك في الحقل الثقافي الغربي أم في الحقل الثقافي العربي. وبعد ذلك، ذكر تجليات الصورة السردية التي حصرها في صورة التضمين، وصورة التلقي، وصورة فضح اللعبة السردية، وصورة صراع البطل مع الشخصية، وصورة العتبة...
أما فيما يخص القصة السعودية، فقد أثبت بأن هذه القصة لم توظف صورا سردية جديدة، بل وظفت صورا بلاغية بالمفهوم الشعري، لا تتجاوز الاستعارة والتشبيه والكناية والمحسنات البديعية الأخرى.أي: لم تنفتح على صور سردية جديدة أكثر ديناميكية وفعالية وتخييلا.
ويبقى هذا الكتاب نموذجا نقديا أدبيا جديدا في كيفية التعامل مع الصور السردية في القصة القصيرة، وإن لم يلتزم بتعاليم منهجية أستاذه الدكتور محمد أنقار، كما استعرضها في أطروحته الجامعية (صورة المغرب في الرواية الاسبانية)[37]، بل تصرف فيها إبداعا وتجديدا وإضافة.
الخاتمــــة:
وخلاصة القول، لقد تمثل النقد القصصي المنصب على النصوص القصصية القصيرة في المغرب مجموعة من المقاربات النقدية التي حصرناها في المقاربة التاريخية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الفنية، والمقاربة الببليوغرافية، والمقاربة النفسية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية السردية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة السيميوطيقية، وجمالية القراءة والتقبل، والمقاربة البلاغية...
ويلاحظ أن النقد القصصي المغربي مازال في حاجة إلى تجديد تصوراته النظرية وأدواته الإجرائية قراءة وتفكيكا وتركيبا، كأن نتمثل مقاربات نقدية جديدة منها: المقاربة السيميائية بأنواعها الحديثة، والمقاربة البلاغية في شتى نظرياتها التصويرية، والمقاربة التداولية في مختلف مدارسها، والمقاربة الحجاجية في أبعادها الحداثية، والمقاربة الأسلوبية في مناحيها المعاصرة، دون أن ننسى الاستفادة من مقاربات ونظريات وتصورات نقد ما بعد الحداثة، كالنقد البيئي، والنقد الثقافي، والجمالية المعاصرة، والتاريخانية الجديدة، والتفكيكية، وسيميوطيقا التأويل، ونظريات العرق والجنس والجنوسة...
[1]- د. محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا القصة المغربية، دار النشر جسور، وجدة، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1999م، ص:109.
[2]- انظر كذلك: د. محمد يحيى قاسمي: الكتاب الأدبي الأول، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2012م، صص: 103-127.
[3]- د. محمد يحيى قاسمي: ببليوغرافيا القصة المغربية، ص:15.
[4]- محمد صادق العفيفي: القصة المغربية الحديثة، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1961م.299 صفحة من الحجم الكبير.
[5]- د. أحمد اليابوري: الفن القصصي في المغرب (1914-1966م)، رسالة جامعية مقدمة لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الآداب، الرباط، المغرب، رقم الترتيب بخزانة الكلية 5، غير منشورة.
[6]- د. أحمد المديني: فن القصة القصيرة بالمغرب في النشأة والتطور والاتجاهات، دار العودة بيروت، لبنان، بدون تاريخ للطبعة.
[7]- د.أحمد زنيبر: قبعة الساحر : قراءات في القصة القصيرة بالمغرب، مطبعة التوحيدي، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م؛ وجمالية المكان في قصص إدريس الخوري، منشورات التنوخي للطباعة،الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م.
[8]- مجموعة من الباحثين: أحمد بوزفور: مسار، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، المغرب، سلسلة ندوات ومناظرات رقم 19، الطبعة الأولى سنة 2006م.
[9]- عمر لعسري: القصة والتجريب : دراسات في أعمال أنيس الرافعي، منشورات أثر، مطبعة التيسير، الطبعة الأولى سنة 2013م.
[10]- مجموعة من الباحثين: القصة المغربية، منشورات الشعلة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2006م؛ ومخاضات تجديد القصة القصيرة بالمغرب، منشورات أفروديت، مراكش، المغرب، الطبعة الأولى 2006م؛ والقصة القصيرة بين التجريب والتأويل، منشورات الشعلة، مطبعة نور سافي، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ وأسئلة النقد القصصي بالمغرب، منشورات الشعلة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2006م؛ وتحولات القصة الحديثة بالمغرب، منشورات مختبرات كية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ ود.عبد الرحمن تمارة: جمالية النص القصصي المغربي الراهن، منشورات وزارة الثقافة المغربية، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2010م؛ ومحمد آيت حنا: القصة والتشكيل: نماذج مغربية، منشورات وزارة الثقافة المغربية وجمعية الفكر التشكيلي، الرباط، الطبعة الأولى سنة 2012م؛ ومحمد الدوهو: جدل الاستمرار والتجاوز: قراءات في القصة القصيرة المغربية الجديدة، منشورات جذور، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م؛ ود. جمال بوطيب: القصة القصيرة بالمغرب: دراسات في المنجز النصي، مؤسسة التنوخي، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2008م.
[11]- د. أحمد المديني: فن القصة بالمغرب، ص:9.
[12]- د. أحمد المديني: نفسه، ص:6.
[13]- محمد صادق العفيفي: القصة المغربية الحديثة، ص:10-11.
[14]- محمد عزام: اتجاهات القصة المعاصرة في المغرب، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سورية، الطبعة الأولى سنة 1987م.
[15]- أحمد بوزفور: الزرافة المشتعلة: قراءات في القصة المغربية الحديثة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى 2000م، ص:5-6.
[16]- أبو بكر محمود الهوش: المدخل إلى علم الببليوغرافيا، منشورات الكتاب والتوزيع والإعلان والمطابع، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى سنة 1981م، ص:17.
[17]- د.عبد الرحمن طنكول: الأدب المغربي الحديث: ببليوغرافية شاملة، منشورات الجامعة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1984م.
[18]- د.محمد يحيى قاسمي: نفسه، ص:109.
[19]- د.مصطفى يعلى: السرد المغربي، شركة النشر والتوزيع، المدارس الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م، صص:15-114.
[20]- حسن الوزاني: الأدب المغربي الحديث (1929-1999م)، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2002م، صص:211-220.
[21]- د.إدريس الناقوري: ضحك كالبكاء، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1985م، ص:51-52.
[22]- د.إدريس الناقوري: المصطلح المشترك، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثالثة، 1977م، ص:143.
[23]- د.حسن المودن: مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة (القصة القصيرة بالمغرب أنموذجا)، منشورات إتحاد كتاب المغرب، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2013م، ص:4.
[24]- د.عبد الرحيم مودن: الشكل القصصي في القصة المغربية، منشورات دار الأطفال، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:7.
[25]- د.حسن لشكر: الخصائص النوعية للقصة القصيرة، مطبعة ناداكوم، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:5-6.
[26]- إبراهيم الكراوي: خطاب الحداثة في القصة العربية: مكوناته وآليات اشتغاله، مؤسسة الديوان، آسفي، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:16-17.
[27]- محمد برادة: لغة الطفولة والحلم: قراءة في ذاكرة القصة المغربية، الشركة المغربيةللناشرين المتحدين، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م.
[28]- د.أحمد زنيبر: جمالية المكان في قصص إدريس الخوري، التنوخي للطباعة والنشر، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2009م، ص:13.
[29]- محمد يوب: في معرفة القصة المغربية المعاصرة، سلسلة دفاتر الاختلاف، مكناس، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2011م.
[30]- انظر: عمر العسري: القصة والتجريب: دراسة في أعمال أنيس الرافعي، مطبعة التيسير، الطبعة الأولى سنة 2013م.
[31]- نجيب العوفي:مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1987م.
[32]- نجيب العوفي:(القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة)، الملحق الثقافي، الاتحاد الاشتراكي، المغرب، عدد 303، ص:65؛ وظواهر نصية، نشر عيون مقالات،المغرب، الطبعة الأولى سنة 1992م، ص: 115-117.
[33]- محمد رمصيص: أسئلة القصة القصيرة بالمغرب، طوب بريس، الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:09-10.
[34]- د.مصطفى يعلى: القصص الشعبي بالمغرب، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2001مم، ص:11.
[35]- د.حميد لحمداني: القراءة وتوليد الدلالة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2003م، ص:7.
[36]- د. جميل حمداوي : بلاغــــة الصـــورة السرديـــة في القصـة القصيــرة، كتاب قيد الطبع.
[37]- د.محمد أنقار: صورة المغرب في الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1994م.