جالسة علي سريرها الحديدي القديم - ســرير عــرسها كما اعتادت أن تقول لنا كلما حاولنا تجديد غرفة نومها -، كل شىء حولها تغير إلا ذلك السرير، سريرآ وصندوقآ مطعما بالفضة كانا مشتملات غرفة نومها، استبدلت الصندوق بدولاب لكنها أبت أن تستبدل السرير بأخر أحدث وعلي الموضة كما نقول، تصرخ فينا سرير عرسي ياولاد ....... تحت السرير ثلاث درجات من الخشب تصعد عليهم لتصل اليه بمساعدتنا، أمشط لها خصلات شعرها الذي تصبغه بالحناء في شهر سبتمبر من كل عام،عادة اعتادتها منذ بدأ الشيب يغزو شعرها لم تتوقف غير هذه السنة عندما اشتد عليها المرض, أمشط شعرها بمشطها الخشبي الحاد الأسنان، ورثت منها شعرها الأسود الحريري الكثيف الذي لم أكن أستطيع يومآ تمشيطه بمفردي فلما صرت فتاة بدأت أستخدم المقص لتقصيره حتي لم أعد أذكر طوله الحقيقي إلا من صور الأبيض والاسود،عندما كانت تضفره جديلة في نهايتها شريط ملون تصل لأخر الظهر، تتأوه قليلا فأربت علي ظهرها لتهدآ حتي انتهيت وبدأت أجدلهما كانت تضع منديلها الأسود وشالها الملون وتنساب من تحتهما جديلتيها كخيطين من حرير تتحدث عنها النسوة وتتغامزن كلما مرت من أمامهن وعيونهن مملوءة بالغيرة والحقد فلم تكن فقط جدائلها جميلة بل كانت تملك وجها مشرقآ وعيونا خضراء وبشرة ناصعة البياض جمال الأتراك كما كانوا يصفونها دائمآ، لم أكن أطيل الجلوس بجوارها فلم تكن تخلو أحاديثنا من الجدال والمشاحنات،كلما ذهبت لأرتمي في حضنها لم تكن تسمع، انما لسان حالها فقط يردد كلمة واحدة النصيب.... النصيب ...النصيب، أصرخ في وجهها فتباغتني بقولها كلنا نتحمل ...نــصيب 0 تلك الكلمة نبرر بها قسوة البعض أحيانآ ونقنع أنفسنا بالخنوع والاستسلام دائمآ، أصبحت جلساتنا يخيم عليها الصمت، ولم تعد هناك أي حورارات تجمعنا، أزورها زيارات قصيرة وانصرف سريعآ، حتي اشتد عليها المرض، فبدأت ألازمها، أصبحت ذاكرتها مشوشة، تتذكر طفولتها كثيرآ،تذكر والدها الذي حرمها من تكملة تعليمها لأن القرية كانت تخلو من المدارس الالزامية وقتها، وسيتطلب تعليمها الاقامة في المدينة، فوجدت نفسها زوجة لعجوز في عمره، تتحدث كثيرآ، تتألم أكثر، تتأوه مرارآ ...... ....كأننا توحدنا في تلك اللحظــة 0 كمخمورة ذهب الخمر بعقلها أباحت بما اختزنته لسنوات وسنوات، تبكي أحيانآ، وتدندن بأبيات شعر ترثي حالها أحيانا أخرى، لم تعد تصمت ولم يعد لتلك الكلمة في قاموسها وجود .