ت. س. إليوت - أغنية حب لـ ج. ألفرد بروفروك.. ترجمة: أنس طريف الحوراني

لو أني اعتقدت أن إجابتي كانت لشخص سيعود إلى الدنيا يوما ما، لبقيت هذه الشعلة دون أن ترتج؛ و لكن لمّا لم يكن قد رجع أبداً من هذا العمق إنسان حيّ، إذا صح ما أسمع، فإني أجيبك دون أن أخشى سوء السمعة.
(دانتي أليجييري).
*
لنمضِ إذاً، أنت و أنا،
حين ينتشر المساء في السماء
كمريض مخدر و ممدد على طاولة؛
لنمضِ في بعض الشوارع نصف الخالية،
تتراجع همهمات
الليالي القلقة في فنادق الهوى الرخيصة
و المطاعم المُغبرة بمحاراتها:
شوارعٌ تلاحقك كجدالٍ مضجر
سيء النية
لتقودك إلى سؤال يغمرك...
آه، لا تسأل، 'ما الأمر؟'
لنمضِ و نقم بزيارتنا.
في الغرفة حيث تروح النساء و تجيء
يتحدثن عن مايكل آنجلو.
الضباب الأصفر الذي يحك ظهره بزجاج النوافذ،
الضباب الأصفر الذي يحك خطمه بزجاج النوافذ،
لحس بلسانه زوايا المساء،
و توقف عند البرك المتشكلة في المجاري،
و ترك سواد الدخان المتساقط من المداخن يحط على ظهره،
و مر من الشرفة، و قام بقفزة مفاجئة،
ثم تكوّم، لكونها ليلة أكتوبرية رقيقة،
حول المنزل، و نام.
و بالفعل سيكون هناك وقت
للأفعى الصفراء المنزلقة على طول الشوارع،
التي تحك ظهرها بزجاج النوافذ؛
سيكون هناك وقت، سيكون هناك وقت
لتحضير وجه يواجه الأوجه التي تقابلها؛
سيكون هناك وقت للقتل و للخلق،
و وقت لكل الأعمال و أيام الأنامل
التي ترفع و تدني سؤالاً على طبقك؛
وقت لك و وقت لي،
و وقت أيضاً لمئات الحيرات،
و لمئات الرؤى و المراجعات،
قبل تناول الكعك و الشاي.
في الغرفة حيث تروح النساء و تجيء
يتحدثن عن مايكل آنجلو.
و بالفعل سيكون هناك وقت،
لتسأل، 'أأجرؤ؟' و، 'أأجرؤ؟'
وقت للاستدارة و نزول السلالم،
و بقعة صلع تتوسط شعري -
]سيقولون: 'كم يتساقط شعره!' [
و معطفي الصباحي، و ياقتي التي تصل ذقني،
و ربطة عنقي، غنية و متواضعة، لكن دبوساً بسيطاً يثبتها، -
]سيقولون: 'لكن كم نحيلة هما ذراعاه و ساقاه!' [
أأجرؤ على
تعكير صفو الكون؟
في الدقيقة الواحدة هناك وقت
للقرارات و المراجعات التي ستعكسها دقيقة واحدة.
قد عرفتها كلها سلفاً، عرفتها كلها -
عرفت الليالي، و الأصباح، و الآصال،
و قست حياتي بملاعق القهوة؛
أعرف الأصوات المحتضرة بسقطة محتضرة
تحت الموسيقى الصادرة عن غرفة أبعد.
كيف لي إذاً أن أجرؤ؟
و قد عرفت الأعين سلفاً، عرفتها كلها -
الأعين التي تثبتك في عبارة مُحكمة،
و عندما أثبت، ممدداً على دبوس،
عندما أثبت، متذبذباً على الجدار،
كيف لي أن أبدأ
بصقَ أعقاب الأيام و الطرقات؟
و كيف لي أن أجرؤ؟
و قد عرفت الأذرع سلفاً، عرفتها كلها -
الأذرع البيضاء، العارية، المرتدية للأساور
]لكن التي تزينها، تحت ضوء المصباح، شعيرات بينة فاتحة![
أهو عطرٌ يفوح من فستان
هذا الذي يجعلني أسرح؟
ذراعان تستلقيان على طاولة، أو تغطيان بشال.
أو علي حينئذ أن أجرؤ؟
و كيف لي أن أبدأ؟
أعلي أن أقول، مضيت عند الغسق إلى الشوارع الضيقة
و رأيت الدخان المتصاعد من غلايين
الرجال الوحيدين المرتدين قمصاناً بنصف كم، و هم يميلون خارج النوافذ؟...
كان عليّ أن أكون زوج مخالب غير مشذبة
تجوب قاع البحار الصامتة.
و الأصيل، المساء، ينام بكل سلام!
و قد مسدته أنامل طويلة،
نائماً... متعباً... أو متمارضاً،
ممدداً على الأرض، هنا بالقرب مني و منك.
أعليّ، بعد الشاي و الكعك و قطع الثلج،
أن أستجمع قواي و أدفع باللحظة إلى أزمتها؟
لكن رغم أنني قد بكيت و صمت، و بكيت و صليت،
و رغم أنني قد رأيت رأسي ]يزداد صلعاً قليلاً[
و قد جيء به على طبق،
لست نبياً – و ليس هذا بالشأن العظيم؛
رأيت لحظة عظمتي تتلألأ،
و رأيت الخادم الأزليّ يحمل معطفي،
و يشخر،
و باختصار، كنت خائفاً.
ثم أسيكون حسناً، في نهاية المطاف،
بعد الكؤوس، و المرملاد، و الشاي،
بين الخزف، في خضم حديث بيني و بينك،
أسيكون حسناً،
العض على المسألة بابتسامة،
و عصر الكون في كرة
تُدحرج باتجاه سؤال غامر،
و القول: 'أنا لعازر، قم من الموت،
ارجع لأخبرك بكل شيء، سأخبرك بكل شيء' -
لو كان على المرء، واضعاً مخدة قرب رأسها،
القول: 'ذلك لم يكن ما عنيته بالمرة.
ذلك لم يكنه بالمرة.'
ثم أسيكون حسناً، في نهاية المطاف،
أسيكون حسناً،
بعد المغيب و الأفنية و الشوارع
المبتلة،
بعد الروايات، بعد كؤوس الشاي، بعد التنانير التي
تجر وراءها أثراً على الأرض -
و هذا، و أكثر منه بكثير؟ -
محالٌ عليّ أن أقول ما أعنيه!
لكن لو أن فانوساً سحرياً فضفض الأعصاب بأنماط
على شاشة:
أسيكون حسناً
لو أن المرء، واضعاً مخدة أو رامياً بشال،
و متجهاً نحو النافذة، قد قال:
'ذلك لم يكنه بالمرة،
ذلك لم يكن ما عنيته بالمرة.'

لا! لست الأمير هاملِت، و لم يكن مقدراً لي أن أكونه؛
أنا ملازم مستعد لأن يتسبب،
كي يحرز تقدماً، بمشكلة أو اثنتين،
انصحوا الأمير؛ أنا، لا شك، أداة رخية،
مراعية، سعيدة بكونها ذات فائدة،
سياسية، حذرة، و موسوسة؛
فصيحة اللسان، و في ذات الوقت متبلدة؛
و في بعض الأحيان، بالفعل، تافهة -
و في أحيان أخرى، أكاد أكون غبية.
أكبر في العمر... أكبر في العمر...
سأصير أرتدي بنطالي مطويّ الأسفل.
أعليّ أن أفرق شعري في الخلف؟ أأجرؤ على أكل خوخة؟
سأصير أرتدي بناطيل فانيلية بيضاء، و أتمشى على
الشاطئ.
قد سمعت الحوريات تغني، بعضها لبعض.
لا أحسبها ستغني لي.
رأيتها تتجه نحو البحر على الأمواج
تمشط شعر الموج الأبيض إلى الوراء
كلما هب الهواء على المياه بيضاء و سوداء.
بقينا في حجرات البحر
بجانب فتيات البحر المكللات بأعشاب بحرية حمراء و بنية
حتى توقظنا الأصوات البشرية، و نغرق.

-------
ترجمة: أنس طريف الحوراني
قراءة الممثل الإنكليزي توم هيدلستون، Tom Hiddleston التي فضلتها عن قراءة الممثل المخضرم أنتوني هوبكنز. مع أنها تستغرق /9/ دقائق، أي ما يزيد عن مدة قراءة هوبكنز ب/3/ دقائق.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...