الذكريات تتكلم..
-----------------
عندما كنت أزور أختي في القرية قبل ان تنتقل الى مسكنها الجديد ، و بعد الإنتهاء من اشغال البيت أصعد إلى النافذة و أجلس، تقابلني الجبال و البساتين و الصخور الكبيرة، كنا نشعر بالمتعة و نحن نسير ما بين الصخور تحت أشعة الشمس المحرقة، و العصافير تمتع آذاننا بصوتها العذب، في القرية لا يوجد سوى النساء و الأطفال، لأن الرجال في مكان عملهم خارج القرية، و تخشى النساء الخروج إلا في وقت إحضار الماء من الينبوع، أو لنشر الغسيل، ساحة واسعة لا ترى سوى الدجاج يتبعه الكتاكيت في صف منتظم
أمام الينبوع تجتمع النسوة و الفتيات، يبدأن في الحديث و ماهو الطعام الذي يُحَضِّرْنَهُ في رمضان و أنواع الحلوى و المقبلات، بأمتار عن القرية يوجد بعض شباب القرية يمثلون حراس القرية و هم يرعون الغنم، و حين تنبح الكلاب تدرك النسوة أن هناك دخيل على القرية ، يهرولن بالعودة الى بيوتهن حتى لا يراهن غريب.
الحياة في القرية أو الريف تختلف عن الحياة في المدينة ، رغم غياب المدنية فيها ، إلا أنها حياة أجمل ممّا يكون ، فيها نعانق الطبيعة ، و نعيش الحياة البسيطة ، النافذة تعلو بمترين على الأرضية، و مساحتها تكفي لجلوس شخصين ، أصعد و أجلس متكأة على جدار النافذة و آخذ قلمي و أوراقي
مازلت أتذكر كلام أختي و هي تسالني:
ماذا تكتبين؟..
أرد : لا شيئ و أحيانا أقول لها إني أرسم
ثم أجدها تبتسم و تقول: راكي تخربشي..
كنتُ أكتب كل ما يرد في ذهني ..عن طفولتنتا و الوقت الذي قضيناه و نحن صغار، نبكي معا و نفرح معا ، نرقص و أحيانا نتشاجر ثم ما نلبث و أن ننفجر بالضحك ، و نحن نسترجع ذكريات الماضي لما كنا نلعب و بنات الجيران في حينا القديم، اللحظات الممتعة التي نقضي فيها أيام رمضان و الإحتفال بالمولد النبوي،..
كنا نستذكر كل شيئ ، حتى لما كنا نهرب حين تريد أمّي تأديبنا ، كانت جارتنا امرأة طاعنة في السن و لم يكن لها اولاد، خالتي فطيمة رحمها الله كانت تعتبرنا مثل ابنائها، و كلما ضاق صدر أمي ، كنا نهرب عندها و تبدأ في البحث عنا، ثم تدكر مكاننا، تصعد إلى بيت الخالة و تجدنا نأكل الحلوى التي تقدمها لنا أمنا الثانية ، كانت طفولة شقية، نعم كنا اشقياء ، لكنها كانت ايام ممتعة جدا
الحياة اليوم تختلف عن تلك التي عشناها، بعد وفاة أختي حزنت أمي حزنا كبيرا يشبه حزن سيدنا يعقوب عليه السلام على فراق قرة عيته يوسف عليه السلام ، ظلت أمي حزينة طيلة 23 سنة من وفاة أختي إلى أن فارقت هي الأخرى الحياة، أنا الأن أعيش على ذكرياتهما و اقف على الأطلال في كل زاوية من زاوية بيتنا لما كنا نجلس على مائدة الطعام و نغرق في الدردشة و الضحك و الملعقة في يدنا، إلى أن تصرخ أمي في وجهنا لتهذيبنا وهي تردد : لا يجب الكلام وقت الأكل
الفتاة التي في الصورة ليست أنا و لكنها تشيهني في نحافة جسمها و طريقة جلوسها و حتى في تسريحة شعرها، ما بقي الآن سوى دموع أذرفها رغما عني ، و أنا أسترجع الذكريات، دموع أغسل بها وجهي لأزيل عنه ألوان الكآبة، ليت الجدران تتكلم فأحكي لها ما حدث ، و كيف فارقني الجميع ، تحول البيت الى سجن أو قبر لا روح فيه و لا حياة، هي الأقدار تفرقنا و قد تجمعنا من جديد، متى؟ و كيف؟ لست أدري..
علجية عيش
-----------------
عندما كنت أزور أختي في القرية قبل ان تنتقل الى مسكنها الجديد ، و بعد الإنتهاء من اشغال البيت أصعد إلى النافذة و أجلس، تقابلني الجبال و البساتين و الصخور الكبيرة، كنا نشعر بالمتعة و نحن نسير ما بين الصخور تحت أشعة الشمس المحرقة، و العصافير تمتع آذاننا بصوتها العذب، في القرية لا يوجد سوى النساء و الأطفال، لأن الرجال في مكان عملهم خارج القرية، و تخشى النساء الخروج إلا في وقت إحضار الماء من الينبوع، أو لنشر الغسيل، ساحة واسعة لا ترى سوى الدجاج يتبعه الكتاكيت في صف منتظم
أمام الينبوع تجتمع النسوة و الفتيات، يبدأن في الحديث و ماهو الطعام الذي يُحَضِّرْنَهُ في رمضان و أنواع الحلوى و المقبلات، بأمتار عن القرية يوجد بعض شباب القرية يمثلون حراس القرية و هم يرعون الغنم، و حين تنبح الكلاب تدرك النسوة أن هناك دخيل على القرية ، يهرولن بالعودة الى بيوتهن حتى لا يراهن غريب.
الحياة في القرية أو الريف تختلف عن الحياة في المدينة ، رغم غياب المدنية فيها ، إلا أنها حياة أجمل ممّا يكون ، فيها نعانق الطبيعة ، و نعيش الحياة البسيطة ، النافذة تعلو بمترين على الأرضية، و مساحتها تكفي لجلوس شخصين ، أصعد و أجلس متكأة على جدار النافذة و آخذ قلمي و أوراقي
مازلت أتذكر كلام أختي و هي تسالني:
ماذا تكتبين؟..
أرد : لا شيئ و أحيانا أقول لها إني أرسم
ثم أجدها تبتسم و تقول: راكي تخربشي..
كنتُ أكتب كل ما يرد في ذهني ..عن طفولتنتا و الوقت الذي قضيناه و نحن صغار، نبكي معا و نفرح معا ، نرقص و أحيانا نتشاجر ثم ما نلبث و أن ننفجر بالضحك ، و نحن نسترجع ذكريات الماضي لما كنا نلعب و بنات الجيران في حينا القديم، اللحظات الممتعة التي نقضي فيها أيام رمضان و الإحتفال بالمولد النبوي،..
كنا نستذكر كل شيئ ، حتى لما كنا نهرب حين تريد أمّي تأديبنا ، كانت جارتنا امرأة طاعنة في السن و لم يكن لها اولاد، خالتي فطيمة رحمها الله كانت تعتبرنا مثل ابنائها، و كلما ضاق صدر أمي ، كنا نهرب عندها و تبدأ في البحث عنا، ثم تدكر مكاننا، تصعد إلى بيت الخالة و تجدنا نأكل الحلوى التي تقدمها لنا أمنا الثانية ، كانت طفولة شقية، نعم كنا اشقياء ، لكنها كانت ايام ممتعة جدا
الحياة اليوم تختلف عن تلك التي عشناها، بعد وفاة أختي حزنت أمي حزنا كبيرا يشبه حزن سيدنا يعقوب عليه السلام على فراق قرة عيته يوسف عليه السلام ، ظلت أمي حزينة طيلة 23 سنة من وفاة أختي إلى أن فارقت هي الأخرى الحياة، أنا الأن أعيش على ذكرياتهما و اقف على الأطلال في كل زاوية من زاوية بيتنا لما كنا نجلس على مائدة الطعام و نغرق في الدردشة و الضحك و الملعقة في يدنا، إلى أن تصرخ أمي في وجهنا لتهذيبنا وهي تردد : لا يجب الكلام وقت الأكل
الفتاة التي في الصورة ليست أنا و لكنها تشيهني في نحافة جسمها و طريقة جلوسها و حتى في تسريحة شعرها، ما بقي الآن سوى دموع أذرفها رغما عني ، و أنا أسترجع الذكريات، دموع أغسل بها وجهي لأزيل عنه ألوان الكآبة، ليت الجدران تتكلم فأحكي لها ما حدث ، و كيف فارقني الجميع ، تحول البيت الى سجن أو قبر لا روح فيه و لا حياة، هي الأقدار تفرقنا و قد تجمعنا من جديد، متى؟ و كيف؟ لست أدري..
علجية عيش