سؤال لا نطرحه على أنفسنا ونحن نكتب إبداعاتنا ودراساتنا الأدبية والفكرية.. فما دمنا نكتب باللغة العربية فنحن نتوجه إلى قارئ يعرف العربية، وتوجهنا إلى هذا القارئ بعينه يدل على أننا نخاطب لديه ما هو مشترك بيننا من قضايا ومشاكل، عاملين بذلك إما على إقناعه بصحة ما نرمي إليه، أو تقديم معلومات نتصور أنه لا يملكها، أو الارتقاء بوعيه إلى مستوى يفوق ما هو عليه.
إن ما دفعني إلى طرح هذا السؤال، يتصل بي بصورة مباشرة. فأنا لا أفكر في قارئ غير العربي، لأن همومنا الثقافية والاجتماعية واحدة. لكنني عندما كتبت دراسة حول تاريخ السرديات وجدتني أنخرط من خلالها في مناقشة القارئ الأجنبي، والمقصود به كل المنشغلين بالدراسات السردية على المستوى العالمي. وبدا لي أن توجيهها إلى القارئ العربي هو من باب «الإخبار» بما يجري في هذا الاختصاص، لذلك فكرت في ترجمتها إلى الإنكليزية للتعبير عن رأي عربي في ما يناقش عالميا. وكان أن بدأ هذا السؤال يراودني: إلى متى سنظل نكتب للقارئ العــــربي، ولا ننخــــرط في ما يجـــري عالميا، من خـــلال التوجه إلى القارئ الأجنبي، في أي اختصاص، أو مجال علمي، أو سياسي، أو ثقافي؟
قد يقول قائل: إننا عندما نكتب بالعربية، فنحن نتوجه إلى من يعرف لغتنا. ولكي نتوجه إلى قارئ أجنبي علينا أن نكتب بلغته، أو نترجم إليها ما نكتبه. وفي الحالتين معا ثمة عوائق موضوعية. ضعف الترجمة من جهة، ومن جهة أخرى انعدام القدرة على الكتابة بإحدى اللغات الأجنبية، لمن لم يتمرس بها، لأن امتلاك أي لغة وكتابتها يستدعي تاريخا طويلا من الممارسة. إذا كانت الجهة الثانية واقعية، فإن السؤال عن الترجمة يطرح سؤالا كبيرا حول أقسام اللغات في كلياتنا العربية، ودورها في حياتنا الثقافية؟ وبما أن الإنكليزية صارت الآن لغة النشر العلمي، لماذا لا يكون التوجه إليها بدل أي لغة أخرى، على الأقل لترجمة الدراسات العربية من قبل عرب يمتلكون هذه اللغة، إلى جانب تمثلهم لما ينجز في المجالات الثقافية والمعرفية العربية، التي يمكن من خلالها الانخراط في القضايا ذات البعد العالمي. قد يعترض آخر بالقول: وهل عندنا في العربية ما يستأهل أن ينقل إلى القارئ الأجنبي؟ ويعلل ذلك بقوله: إننا في مختلف القضايا الفكرية والأدبية عالة على ما ينتج عالميا. وإذا ما اطلع القارئ الأجنبي على ما نكتب سيقول في أحسن الأحوال: بضاعتنا ردت إلينا، وفي الحالة الأسوأ: بضاعتنا ردت، ولكن بطريقة مشوهة؟ هذا صحيح إلى حد بعيد جدا. وفي مختلف كتاباتي حول ما ينجز لدينا أعبر بمرارة عن هذا الرأي. لا يعني هذا أن بعض الكتابات العربية لا تستأهل أن يكون لها حضور عالمي، ولكنها قليلة ونادرة جدا، لكن هذا لا يمنع من أن يكون لنا طموح في أن نسهم في المعرفة الإنسانية.
حين نقرأ دراسة مطولة تتصل بموضوع جديد، أو بعرض نظريات معاصرة، وهي أجنبية طبعا، في مقدمتها، ولا تجد فيها مرجـــعا واحدا بلغـــة أجنبية، كيف لنا أن نجزم بأنها فعلا مساهمة في فهم تلك النظريات؟
إن من العوائق التي تحول دون أن تكون لنا تلك المساهمة، تكمن في أننا اعتدنا على الاختزال والتبسيط، والاكتفاء بما هو موجود، ولكي لا أخوض في التفاصيل المتعلقة بهذه القضية أسجل، على سبيل التمثيل فقط، أن الأستاذ الذي يظل يقدم دروسه بالطريقة نفسها عدة سنوات، ويرى نفسه فارس الميدان، وأن ما يقدمه هو الكبريت الأحمر، لا يمكنه أن يواكب ما يجري، أو يطلع على ما ينتج خارج فضائه الثقافي. كما أن من ينشر دراساته «المحكمة»، ويشارك في مؤتمرات «دولية» بمداخلات بسيطة لم يبذل فيها أي جهد، يصبح يرى أن ما يقدمه هو «رأس السوق»، وعليه أن يواصل أبحاثه بالطريقة نفسها، ما دامت مقبولة لدى زملائه، الذين يشتركون معه في الفعل نفسه، ويعتبرون أنفسهم جميعا رواد الثقافة العربية المعاصرة. وكل من حاول الاعتراض على ما يُقدم، أو الاحتجاج على الاختزال والتبسيط، عد «جاهلا»، أو بعيدا عن الموضوع، وعلينا أن نعزله في «أنشطتنا» المستقبلية، وأن نحاصره في المنابر التي نشرف عليها، في أحسن الأحوال، وفي أسوئها نتهمه بأنه مستلب للغرب، وأنه لا يلتزم بالقضايا العربية، ولا بمشاكلنا التي نتخبط فيها.
حين نقرأ دراسة مطولة تتصل بموضوع جديد، أو بعرض نظريات معاصرة، وهي أجنبية طبعا، في مقدمتها، ولا تجد فيها مرجـــعا واحدا بلغـــة أجنبية، كيف لنا أن نجزم بأنها فعلا مساهمة في فهم تلك النظريات، أو قابلة لأن تكون في مستوى مناقشتها، أو أن تكون مؤهلة لأن يتعرف عليها قارئ أجنبي؟
عندما نصبح نفكر حين نكتب في قارئ يعرف كل شيء، من الناحية النظرية والإبستيمولوجية، عن الموضوع الذي نبحث فيه، وفي قارئ لا يعرف أي شيء، وفي القارئ الأجنبي، ستعرف كتاباتنا وأبحاثنا مستوى آخر من النضج، يعبر عن أن بإمكاننا الانخراط في العصر الذي نعيش فيه. وما دمنا نشتغل وفق الطريقة السائدة ستظل كتاباتنا وأبحاثنا غير ذات قيمة، ولا تصبح في تطوير معرفتنا بله، المشاركة في المعرفة الإنسانية.
٭ كاتب مغربي
إن ما دفعني إلى طرح هذا السؤال، يتصل بي بصورة مباشرة. فأنا لا أفكر في قارئ غير العربي، لأن همومنا الثقافية والاجتماعية واحدة. لكنني عندما كتبت دراسة حول تاريخ السرديات وجدتني أنخرط من خلالها في مناقشة القارئ الأجنبي، والمقصود به كل المنشغلين بالدراسات السردية على المستوى العالمي. وبدا لي أن توجيهها إلى القارئ العربي هو من باب «الإخبار» بما يجري في هذا الاختصاص، لذلك فكرت في ترجمتها إلى الإنكليزية للتعبير عن رأي عربي في ما يناقش عالميا. وكان أن بدأ هذا السؤال يراودني: إلى متى سنظل نكتب للقارئ العــــربي، ولا ننخــــرط في ما يجـــري عالميا، من خـــلال التوجه إلى القارئ الأجنبي، في أي اختصاص، أو مجال علمي، أو سياسي، أو ثقافي؟
قد يقول قائل: إننا عندما نكتب بالعربية، فنحن نتوجه إلى من يعرف لغتنا. ولكي نتوجه إلى قارئ أجنبي علينا أن نكتب بلغته، أو نترجم إليها ما نكتبه. وفي الحالتين معا ثمة عوائق موضوعية. ضعف الترجمة من جهة، ومن جهة أخرى انعدام القدرة على الكتابة بإحدى اللغات الأجنبية، لمن لم يتمرس بها، لأن امتلاك أي لغة وكتابتها يستدعي تاريخا طويلا من الممارسة. إذا كانت الجهة الثانية واقعية، فإن السؤال عن الترجمة يطرح سؤالا كبيرا حول أقسام اللغات في كلياتنا العربية، ودورها في حياتنا الثقافية؟ وبما أن الإنكليزية صارت الآن لغة النشر العلمي، لماذا لا يكون التوجه إليها بدل أي لغة أخرى، على الأقل لترجمة الدراسات العربية من قبل عرب يمتلكون هذه اللغة، إلى جانب تمثلهم لما ينجز في المجالات الثقافية والمعرفية العربية، التي يمكن من خلالها الانخراط في القضايا ذات البعد العالمي. قد يعترض آخر بالقول: وهل عندنا في العربية ما يستأهل أن ينقل إلى القارئ الأجنبي؟ ويعلل ذلك بقوله: إننا في مختلف القضايا الفكرية والأدبية عالة على ما ينتج عالميا. وإذا ما اطلع القارئ الأجنبي على ما نكتب سيقول في أحسن الأحوال: بضاعتنا ردت إلينا، وفي الحالة الأسوأ: بضاعتنا ردت، ولكن بطريقة مشوهة؟ هذا صحيح إلى حد بعيد جدا. وفي مختلف كتاباتي حول ما ينجز لدينا أعبر بمرارة عن هذا الرأي. لا يعني هذا أن بعض الكتابات العربية لا تستأهل أن يكون لها حضور عالمي، ولكنها قليلة ونادرة جدا، لكن هذا لا يمنع من أن يكون لنا طموح في أن نسهم في المعرفة الإنسانية.
حين نقرأ دراسة مطولة تتصل بموضوع جديد، أو بعرض نظريات معاصرة، وهي أجنبية طبعا، في مقدمتها، ولا تجد فيها مرجـــعا واحدا بلغـــة أجنبية، كيف لنا أن نجزم بأنها فعلا مساهمة في فهم تلك النظريات؟
إن من العوائق التي تحول دون أن تكون لنا تلك المساهمة، تكمن في أننا اعتدنا على الاختزال والتبسيط، والاكتفاء بما هو موجود، ولكي لا أخوض في التفاصيل المتعلقة بهذه القضية أسجل، على سبيل التمثيل فقط، أن الأستاذ الذي يظل يقدم دروسه بالطريقة نفسها عدة سنوات، ويرى نفسه فارس الميدان، وأن ما يقدمه هو الكبريت الأحمر، لا يمكنه أن يواكب ما يجري، أو يطلع على ما ينتج خارج فضائه الثقافي. كما أن من ينشر دراساته «المحكمة»، ويشارك في مؤتمرات «دولية» بمداخلات بسيطة لم يبذل فيها أي جهد، يصبح يرى أن ما يقدمه هو «رأس السوق»، وعليه أن يواصل أبحاثه بالطريقة نفسها، ما دامت مقبولة لدى زملائه، الذين يشتركون معه في الفعل نفسه، ويعتبرون أنفسهم جميعا رواد الثقافة العربية المعاصرة. وكل من حاول الاعتراض على ما يُقدم، أو الاحتجاج على الاختزال والتبسيط، عد «جاهلا»، أو بعيدا عن الموضوع، وعلينا أن نعزله في «أنشطتنا» المستقبلية، وأن نحاصره في المنابر التي نشرف عليها، في أحسن الأحوال، وفي أسوئها نتهمه بأنه مستلب للغرب، وأنه لا يلتزم بالقضايا العربية، ولا بمشاكلنا التي نتخبط فيها.
حين نقرأ دراسة مطولة تتصل بموضوع جديد، أو بعرض نظريات معاصرة، وهي أجنبية طبعا، في مقدمتها، ولا تجد فيها مرجـــعا واحدا بلغـــة أجنبية، كيف لنا أن نجزم بأنها فعلا مساهمة في فهم تلك النظريات، أو قابلة لأن تكون في مستوى مناقشتها، أو أن تكون مؤهلة لأن يتعرف عليها قارئ أجنبي؟
عندما نصبح نفكر حين نكتب في قارئ يعرف كل شيء، من الناحية النظرية والإبستيمولوجية، عن الموضوع الذي نبحث فيه، وفي قارئ لا يعرف أي شيء، وفي القارئ الأجنبي، ستعرف كتاباتنا وأبحاثنا مستوى آخر من النضج، يعبر عن أن بإمكاننا الانخراط في العصر الذي نعيش فيه. وما دمنا نشتغل وفق الطريقة السائدة ستظل كتاباتنا وأبحاثنا غير ذات قيمة، ولا تصبح في تطوير معرفتنا بله، المشاركة في المعرفة الإنسانية.
٭ كاتب مغربي