(5)
فاتني أن أحدّثكم عمّا لحقني من الرهق وأنا أستعدّ لطبخ الكسكسيّ. هذا المطبخ على صغر حجمه كثير الأدراج والمخازن، بعضها لترصيف الكؤوس وبعضها للصحون وبعضها لأواني الطبخ الأخرى. ولا أدري على أيّ نظام تمّ توزيع كلّ هذه الأواني. حتّى العلب المخصّصة لتخزين البهارات كثيرة جدّا وليس عليها علامات تشير إلى أسماء ما فيها. هل تكفي الألوان لتمييز بعضها من بعض؟ أفتح الدرج بعد الدرج وأظلّ أقلّب البصر فيه لعلّي أعثر على ما أطلبه. أخطأت مرات عديدة. والتبست عليّ علبة الملح بعلبة السكّر وعلب أخرى كثيرة متشابهة الأحجام والألوان. لو كانت زجاجية لتبيّنت ما فيها بمجرد النظر إليها ولكنّها للأسف كانت علبا من مادّة أقرب إلى الفخّار بلون واحد وأغطيتها كلّها متشابهة. كيف كنتِ يا عزيزتي تميّزين هذا من ذاك وذاك من ذيّاك؟ لا بدّ أنّك تتصرّفين معها بحكم العادة. أمّا أنا فلم أعتد على ذلك. هل يجب أن أقضي شهرا أو شهرين حتّى أكتشف نظام هذا المطبخ غير المكتوب؟ ووجدت نفسي أسأل في كلّ دقيقة عن موضع هذه العلبة أو تلك، أرفع صوتي من المطبخ أين التابل والكرويّة فيأتيني الجواب من غرفة النوم حيث تستلقي ربّة البيت المستقيلة: أرأيت الدرج المحاذي للثلاجة؟ هي في الطابق الثاني منه من جهة اليسار. وأحيانا أنادي فلا يأتيني الجواب. لم تسمع ندائي؟ أرفع عقيرتي بالصياح: بجاه ربّي العزيز أين علبة التوابل ؟ فيأتيني الجواب وفيه شيء من التهكّم. التوابل؟ هكذا بصيغة الجمع؟ أترك الجواب وأعود إلى البحث. ها أنا أقع على علبة فيها مادّة بيضاء في شكل حبيبات تفوق حبيبات السكر وحبيبات الملح. قلّبت النظر فيها فلم أدرك حقيقتها. لم يكن ما فيها من التوابل. هذا واضح ومع ذلك استفزني الفضول فتناولت حبيبات منها ووضعتها في فمي. لعنة الله على الشيطان. ما هذا؟ وأصابني جرح عميق في الشفتين واللسان. ما هذا بسكّر ولا ملح، إنّها مادّة لتسريح المجاري المسدودة. خرجت من المطبخ متوجعا في صمت. شفتاي مشققتان ولساني لا أكاد أحرّكه. ومع ذلك عدت إلى المطبخ لاستئناف مهمّتي. ولعلّ ذلك ممّا جعلني أفشل في إعداد ما عزمت عليه، فتركت المطبخ وغادرت.
فاتني أن أحدّثكم عمّا لحقني من الرهق وأنا أستعدّ لطبخ الكسكسيّ. هذا المطبخ على صغر حجمه كثير الأدراج والمخازن، بعضها لترصيف الكؤوس وبعضها للصحون وبعضها لأواني الطبخ الأخرى. ولا أدري على أيّ نظام تمّ توزيع كلّ هذه الأواني. حتّى العلب المخصّصة لتخزين البهارات كثيرة جدّا وليس عليها علامات تشير إلى أسماء ما فيها. هل تكفي الألوان لتمييز بعضها من بعض؟ أفتح الدرج بعد الدرج وأظلّ أقلّب البصر فيه لعلّي أعثر على ما أطلبه. أخطأت مرات عديدة. والتبست عليّ علبة الملح بعلبة السكّر وعلب أخرى كثيرة متشابهة الأحجام والألوان. لو كانت زجاجية لتبيّنت ما فيها بمجرد النظر إليها ولكنّها للأسف كانت علبا من مادّة أقرب إلى الفخّار بلون واحد وأغطيتها كلّها متشابهة. كيف كنتِ يا عزيزتي تميّزين هذا من ذاك وذاك من ذيّاك؟ لا بدّ أنّك تتصرّفين معها بحكم العادة. أمّا أنا فلم أعتد على ذلك. هل يجب أن أقضي شهرا أو شهرين حتّى أكتشف نظام هذا المطبخ غير المكتوب؟ ووجدت نفسي أسأل في كلّ دقيقة عن موضع هذه العلبة أو تلك، أرفع صوتي من المطبخ أين التابل والكرويّة فيأتيني الجواب من غرفة النوم حيث تستلقي ربّة البيت المستقيلة: أرأيت الدرج المحاذي للثلاجة؟ هي في الطابق الثاني منه من جهة اليسار. وأحيانا أنادي فلا يأتيني الجواب. لم تسمع ندائي؟ أرفع عقيرتي بالصياح: بجاه ربّي العزيز أين علبة التوابل ؟ فيأتيني الجواب وفيه شيء من التهكّم. التوابل؟ هكذا بصيغة الجمع؟ أترك الجواب وأعود إلى البحث. ها أنا أقع على علبة فيها مادّة بيضاء في شكل حبيبات تفوق حبيبات السكر وحبيبات الملح. قلّبت النظر فيها فلم أدرك حقيقتها. لم يكن ما فيها من التوابل. هذا واضح ومع ذلك استفزني الفضول فتناولت حبيبات منها ووضعتها في فمي. لعنة الله على الشيطان. ما هذا؟ وأصابني جرح عميق في الشفتين واللسان. ما هذا بسكّر ولا ملح، إنّها مادّة لتسريح المجاري المسدودة. خرجت من المطبخ متوجعا في صمت. شفتاي مشققتان ولساني لا أكاد أحرّكه. ومع ذلك عدت إلى المطبخ لاستئناف مهمّتي. ولعلّ ذلك ممّا جعلني أفشل في إعداد ما عزمت عليه، فتركت المطبخ وغادرت.