(7)
لم يكن مطعم السيد محسن مطعما حقيقيّا. هو في الأصل دكان صغير لبيع السجائر الأجنبيّة المهرّبة أو السجائر التونسية المحتكرة، ولبيع المشروبات الغازية وكل أنواع المقشّرات. ولكنّه تطوّر شيئا فشيئا ليصبح محلاّ لبيع المأكولات الخفيفة والسندويتشات العصريّة، ثم توسّع فصار مطعما لإعداد الأطعمة الشعبيّة. دكّان صغير جدّا لا تتجاوز مساحته الجملية عشرة أمتار مربّعة، كان من قبل مقسوما إلى قسمين، قسم لبيع السجائر وما تعلّق بها وهو الكشك المعروف، وقسم يتّخذه السيد محسن محلاّ للسكن، فيه ينام وفيه يفعل ما يحلو له. وهذه في الأصل حرفة اختصّ بها الوافدون على الكاف من الجنوب الشرقيّ. ولكنّ السيّد محسن وهو الجنوبيّ الشرقيّ الوافد سرعان ما حوّل القسم الذي جعله مسكنا له إلى مطعم. كان من قبل يعدّ فيه غداءه وغداء من معه، ويأتي إليه الحرفاء فيشمّون روائح طعامه المتصاعدة فيسألونه: من أين تأتي هذه الرائحة الشهية فيقول: ذاك غدائي أو عشائي. ولا أدري كيف قفزت إلى رأسه فكرة الاستثمار في غدائه وعشائه. لابدّ أنه نظر وقدّر فرأى للتجارة وجها آخر. قال: كانت البداية ودّا وددت به رجلا يزوّدني بما أحتاج إليه من السجائر والمقشرات والياغورت. تشمّم رائحة غدائي وتشهّى أن يأكل منه فدعوته فلبّى الدعوة وقال وهو يشرب الشاي: لك أن تجعل هذا المسكن الضيّق مطعما. لا تخش على نفسك من الخسارة. أنت تعدّ طعامك وطعام هذا الذي يعينك. وقديما قالوا" طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الأربعة. وبعمليّة حسابية بسيطة ستجد طعام الخمسة يكفي العشرة وطعام المائة يكفي المائتين، الحقيقة يا أستاذ محمّد أنّ كلامه حقّ في حقّ. وها أنت ترى. قلت أمازحه: لا تنس أخلاقك السياحية فقد قضت بجلب الحرفاء إليك. بل أراها قد تجاوزت حدّها. ها أنت تسمح لحرفائك بالدخول إلى المطبخ حيث تقف تلك الفتاة فيقفون على ما في الطنجرة من طعام، وها إن بعضهم يجلس قرب الكانون ويتناول غداءه بارتياح دون تذمّر منك أو من الطبّاخة الشابّة. وها أن آخرين جاؤوا لشراء سيجارة أو ماء أو غير ذلك يدخلون الجناح الثاني فيأخذون حاجتهم بأيديهم ويضعون ثمنه في الدرج وأنت هنا تعدّ للشباب سندويتشات. يضحك السيد محسن ويشكر الله على الثقة المطلقة. لا حواجز في هذا الدكان بجناحيه الصغيرين. دكان ضيّق نعم ولكنّه يتّسع للكلّ. بل إن العلاقة بين صاحب الدكان وحرفائه تعدّت حدود العلاقة التجارية. هم هنا كأفراد عائلة واحدة. رأيت ذلك في وجوه الطلبة المغتربين عن عائلاتهم ورأيته في وجوه أطفال المدارس وهم ينادون: عمّي محسن، أريد سندويشا بدينار واحد، وبعضهم يقول: ليس معي سوى خمسمائة مليم، ومع ذلك ينال سندويشه وينقلب راكضا. وبمثل هذه الأخلاق نال دكان السيد محسن شهرته. أنا أيضا وقعت في حبال هذه الأخلاق السياحية. لقد وافقت طبعا من طباعي فلم أشعر طيلة مدة المرض التي عاشتها ربّة بيتنا بشيء مما يسمّيه الناس أكلات الشوارع .
لم يكن مطعم السيد محسن مطعما حقيقيّا. هو في الأصل دكان صغير لبيع السجائر الأجنبيّة المهرّبة أو السجائر التونسية المحتكرة، ولبيع المشروبات الغازية وكل أنواع المقشّرات. ولكنّه تطوّر شيئا فشيئا ليصبح محلاّ لبيع المأكولات الخفيفة والسندويتشات العصريّة، ثم توسّع فصار مطعما لإعداد الأطعمة الشعبيّة. دكّان صغير جدّا لا تتجاوز مساحته الجملية عشرة أمتار مربّعة، كان من قبل مقسوما إلى قسمين، قسم لبيع السجائر وما تعلّق بها وهو الكشك المعروف، وقسم يتّخذه السيد محسن محلاّ للسكن، فيه ينام وفيه يفعل ما يحلو له. وهذه في الأصل حرفة اختصّ بها الوافدون على الكاف من الجنوب الشرقيّ. ولكنّ السيّد محسن وهو الجنوبيّ الشرقيّ الوافد سرعان ما حوّل القسم الذي جعله مسكنا له إلى مطعم. كان من قبل يعدّ فيه غداءه وغداء من معه، ويأتي إليه الحرفاء فيشمّون روائح طعامه المتصاعدة فيسألونه: من أين تأتي هذه الرائحة الشهية فيقول: ذاك غدائي أو عشائي. ولا أدري كيف قفزت إلى رأسه فكرة الاستثمار في غدائه وعشائه. لابدّ أنه نظر وقدّر فرأى للتجارة وجها آخر. قال: كانت البداية ودّا وددت به رجلا يزوّدني بما أحتاج إليه من السجائر والمقشرات والياغورت. تشمّم رائحة غدائي وتشهّى أن يأكل منه فدعوته فلبّى الدعوة وقال وهو يشرب الشاي: لك أن تجعل هذا المسكن الضيّق مطعما. لا تخش على نفسك من الخسارة. أنت تعدّ طعامك وطعام هذا الذي يعينك. وقديما قالوا" طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الأربعة. وبعمليّة حسابية بسيطة ستجد طعام الخمسة يكفي العشرة وطعام المائة يكفي المائتين، الحقيقة يا أستاذ محمّد أنّ كلامه حقّ في حقّ. وها أنت ترى. قلت أمازحه: لا تنس أخلاقك السياحية فقد قضت بجلب الحرفاء إليك. بل أراها قد تجاوزت حدّها. ها أنت تسمح لحرفائك بالدخول إلى المطبخ حيث تقف تلك الفتاة فيقفون على ما في الطنجرة من طعام، وها إن بعضهم يجلس قرب الكانون ويتناول غداءه بارتياح دون تذمّر منك أو من الطبّاخة الشابّة. وها أن آخرين جاؤوا لشراء سيجارة أو ماء أو غير ذلك يدخلون الجناح الثاني فيأخذون حاجتهم بأيديهم ويضعون ثمنه في الدرج وأنت هنا تعدّ للشباب سندويتشات. يضحك السيد محسن ويشكر الله على الثقة المطلقة. لا حواجز في هذا الدكان بجناحيه الصغيرين. دكان ضيّق نعم ولكنّه يتّسع للكلّ. بل إن العلاقة بين صاحب الدكان وحرفائه تعدّت حدود العلاقة التجارية. هم هنا كأفراد عائلة واحدة. رأيت ذلك في وجوه الطلبة المغتربين عن عائلاتهم ورأيته في وجوه أطفال المدارس وهم ينادون: عمّي محسن، أريد سندويشا بدينار واحد، وبعضهم يقول: ليس معي سوى خمسمائة مليم، ومع ذلك ينال سندويشه وينقلب راكضا. وبمثل هذه الأخلاق نال دكان السيد محسن شهرته. أنا أيضا وقعت في حبال هذه الأخلاق السياحية. لقد وافقت طبعا من طباعي فلم أشعر طيلة مدة المرض التي عاشتها ربّة بيتنا بشيء مما يسمّيه الناس أكلات الشوارع .