عبدالواحد السويح - احذروا الرِّتّ

(نص ممنوع على أقلّ من تسعين سنة)


لستُ سعيدًا ولستُ حزينًا
لا أفكّرُ كثيرًا بالأكلِ أو الشّربِ أو المضاجعةِ
لا أهتمّ مطلقًا بنظافةِ جسمي أو ملابسي ولا أعتني بتحليقِ شعري
لا أكترثُ بطريقةِ الأداءِ في عملي
لم أعد أشغل نفسي لا بالدّين ولا بالسّياسة ولا بالشّعر
قريبًا ربّما أنسى بلدي
وأنسى الشّارعَ الّذي أقطنُهُ والعطّارَ الّذي أبتاعُ منه حاجاتي.
قد أعجزُ مثلاً عن العودةِ إلى بيتي
وقد لا أتعرّف على هذا الّذي يهرولُ نحوي بكلّ ثقةٍ
وقد أتعجّبُ من أحد يناديني بابا أو يا أستاذ
لست معنيًّا كثيرًا بمن هم حولي
لست معنيًّا بهذا العالم كلّهِ
لست معنيًّا حتّى بهذا الجسد الذي هو جسدي
بدأت أضجرُ من لساني الّذي يردّ غالبا على تلك التّحيّات البائسة
وأضجرُ من عينيّ اللّتين تخشيان أحيانًا مرور سيّارةٍ مجنونةٍ
ومن قدميّ الرّوتينيّتين
ومن قضيبي البوّال
ماذا لو كنت فراشة؟
لن يستغرق أمري سوى أيّام (لست بارعاً في العلوم الطّبيعيّة، كنت تلميذًا عدوًّا للحفظ لذلك بإمكانكم إصلاح أيّام بيوم أو يومين. حقًّا لا أعرف كم تعيش الفراشة) جميلة
ماذا لو كنت كلبا؟ قد أفعلها يوما وأنقضّ على تلك العجوز الّتي تمشي بحذر مبالغ خشيةَ الدّهس وأريحها من غباء خوفِها من الموتِ
ماذا لو كنت مومسًا؟ سأقطع قضبان جميع الرّجال الّذين يخونونَ نساءهم خلسة.
ولكنّي معاقٌ فقدتُ (لا أعرف بالتّحديد متى) نفسي وذاكرتي وإلهي
اسمي يتكوّنُ من كلمنين: عبد وواحد هههه والواحد من أسماء اللّه الحسنى وبالعاميّة التونسية يعني مضاجعة
إنّي إذن عبد ومنيوك في آنٍ
لا يهمّ
لا تتوهّموا أنّي أعيش مأساةً فهذه الكلمةُ كفرتُ بدين ربّها مذ قالها محمود المسعدي
لا يا سيّد محمود لن أصدّقك فأنتَ بكتابيك أو بثلاثة كتبك قضّيتَ حياةً كاملةً "تحشي فيه" حينئذ فالأدب ليس كما ذكرتَ. الأدبُ "حشيولوجيا" أو لا يكون.
دعنا من المسعدي الآن ومن الأصنام الأخرى ولنتحدّث قليلا عن "الرّتّ"
عل تعرفون الرّتّ؟
نعم هو ذاك "إلِّي دَزُّو وافْلِتْ"
في الدّين والسّياسة والأدب. الرّتّ في كلّ قطعةٍ على هذه الأرض، في الشّارع وداخل البيوت الضّيّقة
في البرلمان وفي مؤسّسات الدّولة
في الأسواق وفي المعامل والشّركات
دعه ينكح دعه يمرّ، ذاك شعار المرحلة
أنا يا سادتي منكوح كغيري من مواطني البلد ولم نتّفق إلى حدّ هذه اللّحظة على تحديد كم من "رتّ" تعاقب علينا.
لسنا حزانى ولسنا سعداء...
لقد غادرت هذه المشاعر أجسادنا وعلى اللّغويين أن يراجعوا مفاهيم عديدة فقدت معانيها.
-----------------------
التفاعلات: عبد الأحد بودريقة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...