النشئة والتكوين
ولد إدوار قلتة فلتس الخراط في 16 مارس 1926 في الإسكندرية، لأب من مدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وبأخميم آثار فرعونية مهمة ومشهورة، وعند زيارتنا لها مع وفد هيئة الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية بالإسكندرية، قال لي أديب سوهاجي ونحن نسير فيها:
- لاحظ وجوه سكان أخميم، تجدها قريبة الشبه بوجوه الفراعنة.
وشردت وقتها وأنا أتذكر وجه إدوار الخراط، ووجه عبد العال الحمامصي فهما من أخميم.
جاء والد إدوار إلى الإسكندرية، تزوج وسكن حي غيط العنب الممتلئ بالمسيحيين.
وحي غيط العنب يبدأ من بعد كوبري راغب باشا، وينتهي عند الملاحة. في آخره خط السكة الحديد الذي يصل إلى غرب البلاد. وتوجد عربات السكة الحديد الحمراء المخصصة لنقل البضائع، هي واقفة طوال الوقت، وكنا نمر من تحتها لكي نصل للملاحة.
كانت الإسكندرية كلها تذهب إلى غيط العنب لتقضي يوم شم النسيم هناك، حيث المياه الممتدة من ترعة المحمودة وأشجار الفاكهة في كل مكان.
يذكر إدوار الخراط حي غيط العنب في الكثير من أعماله، خاصة روايتيه " يا بنات الإسكندرية " و" ترابها زعفران " فالروايتان عبارة عن نصوص أدبية يجمعها المكان.
وينتقل إدوار الخراط للسكن في شارع ابن زهر. وهو يبدأ من شارع الزمزمي بحي كرموز وينتهي في شارع أبوان التابع الآن لحي محرم بك، قاطعا شوارع الشيخ خفاجة وشارع راغب باشا، ثم شارع إيزيس، ثم شارع الأقحوان ( الذي أسكنه الآن ) ثم شارع الشيخ بيرم، حتى شارع أبوان.
يدرس إدوار في مدرسة النيل بحي غيط العنب، ويلتحق بمدرسة العباسية الثانوية، بحي محرم بك، ومكانها الآن كلية العلوم، وعدد كبير جدا من المدارس الابتدائية والإعدادية والصناعية. مدرسة محاطة بتلال من الجبال. وكل من درس فيها، يذكرها بفخر وزهو. ثم ألتحق إدوار الخراط بكلية الحقوق – جامعة الإسكندرية، ويموت والده في عام 1943. فيضطر أن يعمل أمينا لمخازن القوات الإنجليزية وقت الحرب العالمية الثانية. ويتخرج في كلية الحقوق عام 1946.
علاقتي بإدوار الخراط
إنني قرأت للعديد من القصاصين والروائين العرب، أكثر مما قرأت لأدوار الخراط، رغم ذلك، فهناك وشائج كثيرة تجمعني به، فهو من أخميم، وأنا من المراغة - المدينة القريبة جدا منها -وجاء والدي أيضا إلى الإسكندرية. ويترك إدوار غيط العنب ويقترب أكثر من بيتي، وسألته:
- شارع ابن زهر من ناحية كرموز، او محرم بك؟
فقال: من ناحية محرم بك.
يعني قريبا جدا من بيتي.
00
يذكر إدوار في روايته " يا بنات الإسكندرية " إن " منى " تخرج في الصباح من حارة الجلنار بغيط العنب، ولا تعود من مشغل روزا الخياطة الشامية في غيط العنب- أيضا – إلا على العصرية.
وبعدها بقليل تعود جمالات – أختها الكبيرة – من فابريقة الغزل بكرموز.
وأنا أعرف حارة الجلنار جيدا، أما عن فابريقة الغزل في كرموز فقد دخلتها أكثر من مرة وأنا صغير، كنت أحمل عمود الأكل لفتاة، جارة لنا في البيت، لتفطر به في شهر رمضان عندما تعمل في وردية الساعة الثالثة، حيث تبقى في الفابريقة حتى الحادية عشر.
يصعد إدوار إلى سطح البيت، يقتحم مملكة البط، يتابع " منى " وهي تضع دكر البط تحت فخذها برفق، وتمسك المنقار المفلطح بيد وتقطر الماء، وباليد الأخرى تزج بأقراص الردة المعجونة بالذرة العويجة.
يطلب إدوار مقابلة " منى " بعد أن أخلفت موعدين، غير مؤكدين مع ذلك. مرة في الشلالات، ومرة على قمة حارتنا وشارع راغب باشا.
وشارع راغب باشا هو الشارع الرئيسي في حينا، والمنطقة كلها متسمية على اسمه، وهو الشارع الخلفي لشارعنا، يعني ممكن اسمع من بيتي أصوات نفير السيارات العالية فيه.
وذكر إدوار إن " منى " ترفع وجهها إلى محروس – ابن خالتها – الطويل، الغليظ الشفتين الذي يسكن بيتا ملك على البياصة بعد شارع 12.
وشارع 12 قريب من بيتي، واسمه شارع يوسف الحكيم، واشتهر باسم شارع 12، لأن عرضه 12 متر، أيام كانوا يسمون الشوارع بعرضها، شارع 8 وشارع 12.
لكن البياصة ليست بعد شارع 12. وإنما هي في نهاية شارع الروضة، المعروف هناك باسم جبل ناعسة، وهو في منتصف شارع 12 تقريبا.
00
في قصة من قصص إدوار، يتحدث عن عمله أيام كان أمين مخازن الإنجليز وقت الحرب العالمية الثانية، فقد جاءت سفينة محملة بالبضائع، ولابد من تعتيقها وإدخالها المخازن، فيذهب إلى حي اللبان، وفي شارع متفرع من شارع الفراهدة الكبير والمشهور هناك، يدخل شارع القاضي الفاضل، هذه المنطقة جزء من الكومبكير هناك، شارع الجنينة وشارع ابن بطوطة وشارع النجع وشارع النخل، مكان الدعارة الفقيرة في الإسكندرية، وإنما مكان الدعارة الراقية في شارع الهماميل الذي يذهب إليه الضباط الإنجليز، لذا أقاموا هناك نقطة شرطة الهماميل لحمايتهم.
يدخل شارع القاضي الفاضل، يعرف رقم البيت الذي لم يدخله من قبل، لابد من أن يأتي بمقاول التعتيق لنقل البضائع، هو مضطر لمقابلته، يصعد درجات السلم، يصل للدور الأول العلوي، نساء شبه عرايا تقفن أمام الشقة، يدعونه للدخول، وهو مكسوف، لا يجيبهم بشيء، يضع قدمه على أول درجة لتصل به إلى الدور الثاني العلوي، فتضحك امرأة في خلاعة، قائلة:
- هو أنت منهم؟!
وتكمل الأخرى السخرية منه، أمام الشقة الثانية صبي ينام في إغراء، ورجل يدعو إدوار للدخول. وهو لا يجيبهم بشيء، في المكان كل أنواع الدعارة.
يكمل الصعود إلى سطح البيت، حيث حجرة المقاول الصعيدي الذي اختلف مع زوجته، وجاء إلى هذا البيت ليسكن حجرة فوق السطوح. يرتدي المقاول ملابسه مسرعا، وينزل معه، يقول له إدوار:
- إيه إللي يسكنك مع دول؟!
فيقول له باستخفاف:
- دول غلابة.
إنني أعرف حي اللبان جيدا، فشارع الفراهدة تحول الآن إلى منطقة صناعية فيها ورش الحديد والمسابك، وورش الخشب التي عمل أقاربي فيها، وزرتهم كثيرا هناك.
00
اختلاف رأي البعض مع إدوار الخراط
إدوار جمع بين نقاء اللغة العربية وجذالتها، فلغته حساسة وشاعرية، وأتقن اللغتين الفرنسة والإنجليزية، وبعض أعماله تتصف بالغموض والضبابية، وفي ندوة بقصر ثقافة الحرية تحدث الناقد عبد الرحمن أبو عوف في ذلك، وهو يناقش صديقنا سعيد بكر الذي انتهج نهج إدوار ومحمود عوض عبد العال ومحمد إبراهيم مبروك في كتابة القصص، فقال له أبو عوف:
- الطريق الذي تمشي فيه لا يؤدي للطريق العام، بل هو مسدود، وكل من مشى فيه لم يكمل طريقه، واذكروا لي كاتب واحد مازال مستمرا في هذا الغموض.
فقلت له: إدوار الخراط.
فقال في استخفاف: هو فيه حد بيقرا لإدوار؟!
وفي لقاء أدبي في الإسماعيلية، قابلت مجموعة من الأدباء، بعضهم كان متحمسا ومبهورا بإدوار الخراط. فقلت لهم:
- إنني اقرأ لاستمتع بالقراءة، وهذا ما لا أجده في بعض أعمال إدوار.
فقال أحدهم بحماس شديد وقد غلبني برأيه:
- المتعة نسبية، ونحن نجدها في أعمال إدوار أكثر من غيره.
ولد إدوار قلتة فلتس الخراط في 16 مارس 1926 في الإسكندرية، لأب من مدينة أخميم التابعة لمحافظة سوهاج بصعيد مصر، وبأخميم آثار فرعونية مهمة ومشهورة، وعند زيارتنا لها مع وفد هيئة الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية بالإسكندرية، قال لي أديب سوهاجي ونحن نسير فيها:
- لاحظ وجوه سكان أخميم، تجدها قريبة الشبه بوجوه الفراعنة.
وشردت وقتها وأنا أتذكر وجه إدوار الخراط، ووجه عبد العال الحمامصي فهما من أخميم.
جاء والد إدوار إلى الإسكندرية، تزوج وسكن حي غيط العنب الممتلئ بالمسيحيين.
وحي غيط العنب يبدأ من بعد كوبري راغب باشا، وينتهي عند الملاحة. في آخره خط السكة الحديد الذي يصل إلى غرب البلاد. وتوجد عربات السكة الحديد الحمراء المخصصة لنقل البضائع، هي واقفة طوال الوقت، وكنا نمر من تحتها لكي نصل للملاحة.
كانت الإسكندرية كلها تذهب إلى غيط العنب لتقضي يوم شم النسيم هناك، حيث المياه الممتدة من ترعة المحمودة وأشجار الفاكهة في كل مكان.
يذكر إدوار الخراط حي غيط العنب في الكثير من أعماله، خاصة روايتيه " يا بنات الإسكندرية " و" ترابها زعفران " فالروايتان عبارة عن نصوص أدبية يجمعها المكان.
وينتقل إدوار الخراط للسكن في شارع ابن زهر. وهو يبدأ من شارع الزمزمي بحي كرموز وينتهي في شارع أبوان التابع الآن لحي محرم بك، قاطعا شوارع الشيخ خفاجة وشارع راغب باشا، ثم شارع إيزيس، ثم شارع الأقحوان ( الذي أسكنه الآن ) ثم شارع الشيخ بيرم، حتى شارع أبوان.
يدرس إدوار في مدرسة النيل بحي غيط العنب، ويلتحق بمدرسة العباسية الثانوية، بحي محرم بك، ومكانها الآن كلية العلوم، وعدد كبير جدا من المدارس الابتدائية والإعدادية والصناعية. مدرسة محاطة بتلال من الجبال. وكل من درس فيها، يذكرها بفخر وزهو. ثم ألتحق إدوار الخراط بكلية الحقوق – جامعة الإسكندرية، ويموت والده في عام 1943. فيضطر أن يعمل أمينا لمخازن القوات الإنجليزية وقت الحرب العالمية الثانية. ويتخرج في كلية الحقوق عام 1946.
علاقتي بإدوار الخراط
إنني قرأت للعديد من القصاصين والروائين العرب، أكثر مما قرأت لأدوار الخراط، رغم ذلك، فهناك وشائج كثيرة تجمعني به، فهو من أخميم، وأنا من المراغة - المدينة القريبة جدا منها -وجاء والدي أيضا إلى الإسكندرية. ويترك إدوار غيط العنب ويقترب أكثر من بيتي، وسألته:
- شارع ابن زهر من ناحية كرموز، او محرم بك؟
فقال: من ناحية محرم بك.
يعني قريبا جدا من بيتي.
00
يذكر إدوار في روايته " يا بنات الإسكندرية " إن " منى " تخرج في الصباح من حارة الجلنار بغيط العنب، ولا تعود من مشغل روزا الخياطة الشامية في غيط العنب- أيضا – إلا على العصرية.
وبعدها بقليل تعود جمالات – أختها الكبيرة – من فابريقة الغزل بكرموز.
وأنا أعرف حارة الجلنار جيدا، أما عن فابريقة الغزل في كرموز فقد دخلتها أكثر من مرة وأنا صغير، كنت أحمل عمود الأكل لفتاة، جارة لنا في البيت، لتفطر به في شهر رمضان عندما تعمل في وردية الساعة الثالثة، حيث تبقى في الفابريقة حتى الحادية عشر.
يصعد إدوار إلى سطح البيت، يقتحم مملكة البط، يتابع " منى " وهي تضع دكر البط تحت فخذها برفق، وتمسك المنقار المفلطح بيد وتقطر الماء، وباليد الأخرى تزج بأقراص الردة المعجونة بالذرة العويجة.
يطلب إدوار مقابلة " منى " بعد أن أخلفت موعدين، غير مؤكدين مع ذلك. مرة في الشلالات، ومرة على قمة حارتنا وشارع راغب باشا.
وشارع راغب باشا هو الشارع الرئيسي في حينا، والمنطقة كلها متسمية على اسمه، وهو الشارع الخلفي لشارعنا، يعني ممكن اسمع من بيتي أصوات نفير السيارات العالية فيه.
وذكر إدوار إن " منى " ترفع وجهها إلى محروس – ابن خالتها – الطويل، الغليظ الشفتين الذي يسكن بيتا ملك على البياصة بعد شارع 12.
وشارع 12 قريب من بيتي، واسمه شارع يوسف الحكيم، واشتهر باسم شارع 12، لأن عرضه 12 متر، أيام كانوا يسمون الشوارع بعرضها، شارع 8 وشارع 12.
لكن البياصة ليست بعد شارع 12. وإنما هي في نهاية شارع الروضة، المعروف هناك باسم جبل ناعسة، وهو في منتصف شارع 12 تقريبا.
00
في قصة من قصص إدوار، يتحدث عن عمله أيام كان أمين مخازن الإنجليز وقت الحرب العالمية الثانية، فقد جاءت سفينة محملة بالبضائع، ولابد من تعتيقها وإدخالها المخازن، فيذهب إلى حي اللبان، وفي شارع متفرع من شارع الفراهدة الكبير والمشهور هناك، يدخل شارع القاضي الفاضل، هذه المنطقة جزء من الكومبكير هناك، شارع الجنينة وشارع ابن بطوطة وشارع النجع وشارع النخل، مكان الدعارة الفقيرة في الإسكندرية، وإنما مكان الدعارة الراقية في شارع الهماميل الذي يذهب إليه الضباط الإنجليز، لذا أقاموا هناك نقطة شرطة الهماميل لحمايتهم.
يدخل شارع القاضي الفاضل، يعرف رقم البيت الذي لم يدخله من قبل، لابد من أن يأتي بمقاول التعتيق لنقل البضائع، هو مضطر لمقابلته، يصعد درجات السلم، يصل للدور الأول العلوي، نساء شبه عرايا تقفن أمام الشقة، يدعونه للدخول، وهو مكسوف، لا يجيبهم بشيء، يضع قدمه على أول درجة لتصل به إلى الدور الثاني العلوي، فتضحك امرأة في خلاعة، قائلة:
- هو أنت منهم؟!
وتكمل الأخرى السخرية منه، أمام الشقة الثانية صبي ينام في إغراء، ورجل يدعو إدوار للدخول. وهو لا يجيبهم بشيء، في المكان كل أنواع الدعارة.
يكمل الصعود إلى سطح البيت، حيث حجرة المقاول الصعيدي الذي اختلف مع زوجته، وجاء إلى هذا البيت ليسكن حجرة فوق السطوح. يرتدي المقاول ملابسه مسرعا، وينزل معه، يقول له إدوار:
- إيه إللي يسكنك مع دول؟!
فيقول له باستخفاف:
- دول غلابة.
إنني أعرف حي اللبان جيدا، فشارع الفراهدة تحول الآن إلى منطقة صناعية فيها ورش الحديد والمسابك، وورش الخشب التي عمل أقاربي فيها، وزرتهم كثيرا هناك.
00
اختلاف رأي البعض مع إدوار الخراط
إدوار جمع بين نقاء اللغة العربية وجذالتها، فلغته حساسة وشاعرية، وأتقن اللغتين الفرنسة والإنجليزية، وبعض أعماله تتصف بالغموض والضبابية، وفي ندوة بقصر ثقافة الحرية تحدث الناقد عبد الرحمن أبو عوف في ذلك، وهو يناقش صديقنا سعيد بكر الذي انتهج نهج إدوار ومحمود عوض عبد العال ومحمد إبراهيم مبروك في كتابة القصص، فقال له أبو عوف:
- الطريق الذي تمشي فيه لا يؤدي للطريق العام، بل هو مسدود، وكل من مشى فيه لم يكمل طريقه، واذكروا لي كاتب واحد مازال مستمرا في هذا الغموض.
فقلت له: إدوار الخراط.
فقال في استخفاف: هو فيه حد بيقرا لإدوار؟!
وفي لقاء أدبي في الإسماعيلية، قابلت مجموعة من الأدباء، بعضهم كان متحمسا ومبهورا بإدوار الخراط. فقلت لهم:
- إنني اقرأ لاستمتع بالقراءة، وهذا ما لا أجده في بعض أعمال إدوار.
فقال أحدهم بحماس شديد وقد غلبني برأيه:
- المتعة نسبية، ونحن نجدها في أعمال إدوار أكثر من غيره.