حين مرّ قطارنا مترنّحًا، منهوكًا، ينكح الأرض بحديده وثقله القاسي وسكة الحديد الموطوءة تصارع بضلوعها ثقله الفاحش/ كان هنالك نهر تطلّ عليه صفصافة وحيدة، رفيعة مقوّسة الجذع وغصونها يشرّها الهواء العليل/ حين صحوتُ في مقعدي تحسستُ الغيوم ترقد في جيوبي، نهضتُ أوجّه أنظاري من النافذة إلى المدى الخالي البعيد، حيث الكلاب هناك تمدّ خطومها وترسم أفقًا دائريًّا وتطلق نباحًا مفعمًا بالحزن/ في أول محطة توقف فيها القطار نزلتُ مع المسافرين ووقفتُ أمام كشك يبيع الصحف والسجائر والحاجات/ ثمة رجل غريب يرتدي ثيابًا بسيطة: قميص من الكتّان القهوائي وسترة سوداء، وسروال أسود قال لي كمْ غيمة تحمل في جيبك؟ لم استجب لندائه.. وقبل أنْ يتحرّك القطار بدقائق همس بأذني ناشدتك بالله أنْ لا تصعد بذلك القطار ففي انتظارك مصير أسود، أعطني غيماتك وانتظر القطار الثاني الذي سيأتي بعد ساعة. أخرجت الغيمة الأولى والثانية من جيبي الأيمن ووضعتها في كفّه ثم أخرجتُ الغيمات الثلاث من جيبي الأيسر ووضعتها في كفّه/ صات القطار وصعد الركاب وصعد الرجل معهم وارتحل/ بقيتُ وحدي في المحطة الخالية، قضيتُ الوقت بقراءة الصحف/ وجاء القطار الثاني وتوقف في المحطة وترجّل الركاب لقضاء الحاجات/ وحين انطلقنا كان الوقت منتصف الليل. كنتُ أغفو حين توقف في المحطة الجديدة/ مسحتُ عيوني وترجلّتُ مع الركاب، فوجدت الرجل نفسه ينتظرني/ قال لي أربع غيمات تركتها ترحل وتذوب في السماء إلا هذه الغيمة العصيّة على الطيران، خذها ولتباركك السماء بالسلامة/ وضعتُ الغيمة في جيبي، وحين تحرّك القطار ظلّ واقفًا في المحطة يلوّح لي بالوداع في ذلك الليل الأسود حيث النجوم ترصّع السماء الفسيحة، بعد ساعات وجدتُ نفسي أنقذف وأخرج من النافذة وقبل أن أسقط على أرض السكة صرتُ فوق الغيمة البيضاء، مثل البرق البهيّ، وعندما أطلّ الفجر الجميل، ترجلّتُ من قاطرتي تفعمني أعذب الأحلام.
**********
من مجموعته " قط البر الوحشي" التي تنتظر طباعتها ونشرها من قبل اتحاد الادباء .
**********
من مجموعته " قط البر الوحشي" التي تنتظر طباعتها ونشرها من قبل اتحاد الادباء .