عبدالحميد شكيل - تحوّلات فاجعة الماء*..

*《إلى #حيدر_حيدر..في خلوته الأبدية..》
-1-
كان يأتيني كل صباح،
ملفوفا بشدو العليق الغامض..
مشمولاً بأصداف القلب الظامىء..
يومض كالبرق..
ثم يخبو في منحدر الرهات..
وبعشق طفولي مذهولا:
يتملى وجهي المسلوق..
يشرب صوت حزني المشنوق..
يصاعد حدّ نهايات الجرح المحروق..
وفي صخب الذاهب والآت:
يحتسي قهوته على عجل جدا،
يرتدي معطف جسده.
ويذوب في سرّ العتمة..!!
2
كان يأتيني كل صباح،
مشوبا بالحمرة القاتمة..
مغمورا باللذة والإشواق..
يقعي كالجرو الهارب من ظله.
يشوي حزنه الفاقع..
كيما يوزعه على العتبات..
يعشق:
ماء الزهر..
والنحر..
والبحر..
ما يتفصد من الحلمات..!
يلعن صوت صمت الماء..
بهرج اللغة المائعة..
ما جيء من قعر الآه!
يكرع حزن نفسه الملآى بالإشراق ..
يلملم ذاكرة الأشجار الهرمة..
كيما يعطي للمعنى شكله الرائق..
3
كان يأتيني كل صباح،
محفوفا:
بالضوء..
والفوق..
والأنحاء.
في عينيه اللوزيتين:
مشاتل من حناء..
وعصافير ترفل في دفء الزعتر، وعبير الماء..!
ولما يتناسل شكل الماء:
يمشي بخطوات منتظمة..
يبتسم بغموض خاص..
يفجع سر الجدول،
هسيس الآه..
يضبط دقات قلبه..
يشحذ بلور ذاكرته..
كيما يوسع لمواكب النور، والجلنار..
لتفيض بعقيق الكرز، والجمرات ..
ولما يربد الأفق الكابي،.
وتفيض فتحات الروح:
يهجس بصوت ناري مفجوع:
للروح أن تلبس شكل الموت..!!
4
كان يأتيني كل صباح،
مفجوعا بالفجر والعتمات..
ممهورا بصهد الماء..
يشاكس فاجعة الضوء والأشياء..
ولما يبلغ ذروة الحزن المأسور:
يصاعد مصابيح في نشيد الصوت المثقوب..
يتنزل رياحين معطرة،
قبرات من بهيج النور..
تغمرني بالعشق الإهليليجي..
وبذاكرتي تغور أشجار الفسفور..
5
كان يأتيني كل صباح،
معتمرا شكل البوح. .
مفتونا بالجسد العامر ببتلات الروح..
يسامرني حدّ انتعاظ غلمة الدم المقرور..
ولما تبلغ الروح بهجتها القصوى،
ويفيق من غفوته الرخ:
يغمرني بدخان الحبق المسحور..
وبذاكرتي العطشى..
تتشظى صوفية النساء الحور..
6
كان يأتيني كل صباح،
مرتديا شكل العصفور..
مسحورا أتبعه..
مقهورا بلذته الشهوية..
ولما يتواشج الدم الأقحواني بصفاء البلور:
البس
جبة نفسي وادور..

عنابة:27/05/1994


____________________________
* هذا النص كنت قد أهديته إلى الراحل في العام أعلاه، وقد نشر في مجلة" المدى" عندماكان الراحل" سعدي يوسف " يرأس تحريرها..والقصيدة موجودة في المجموعة الشعرية التي تحمل نفس عنوان القصيدة، والمجموعة نفسها كنت قد أهديتها للراحل بهذا المصوغ: إلى حيدر حيدر: صديقا قديما، ومبدعا كبير، وعاشقا لبونة لايجارى..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...