من المؤكد أننا أمة لا تقرأ، باعترافنا ومن وجهة نظر من يعادينا، ومن يحبنا، ولعل هذا أحد أسباب ما آلت إليه أوضاعنا من بؤس وتهالك.
ماذا يعني أن ندلي بتصاريح، ونطلق أحكاماً، ونتباهى بحضورنا أمام الكاميرات في مواقع ومناسبات لا علاقة لها باختصاصنا، وكل ذلك من أجل التباهي فقط، الأدهى أن نطلق أحكاماً في أشياء لا نعرف عنها شيئاً سوى العنوان، نطأطئ رؤوسنا كالببغاوات، منتصرين لإرادة الغرور في ذواتنا، وإرادة الظهور.
أفردت إحدى الفضائيات الغنائية العربية حيزاً ليس بالقليل للحديث عن إطلاق مطبوعة جديدة تنضم إلى قافلة المطبوعات الفنية، عرّفت القناة المطبوعة بأنها فتح جديد في الإعلام الخاص والمتخصص، وأن لها التفرد في كونها الوحيدة التي تمرح في سوق اختصاصها، وأنها تسعى لإيجاد مكان حقيقي لها في سوق الإعلام الحقيقي، وأنها على حد رأي أحد مسؤوليها ستضيف ولو حرفاً في حقل الثقافة والأدب.. رغم أنها في غير هذا الاختصاص!.
أكثر ما يثير الامتعاض في الدقائق التي بثتها الغنائية العربية هي اللقاءات التي تناولت الاحتفال بصدور المجلة، الفنانون الذين أبدوا آراءهم بعد أن شبعت منهم البطون مما لذ وطاب، وتخدرت الأطراف وثقلت الرؤوس مما شربوا، الآراء التي جاءت على استحياء وفق المثل الدارج (طعمي الفم) كانت مدعاة للعار.
أليس من العار أن تمدح ما لا يستحق، أن تشارك في خلق انطباع غير حقيقي لمن يسمعك، أن تخدع نفسك الممتلئة بالطعام والشراب أولاً، ثم تخدع من وثقوا برأيك بهذا الرأي؟.
أليس مخجلاً أن تحضر كل هذه الوجوه الثقافية والفنية والإعلامية حفلاً تتوج فيه مسخاً جديداً أسفر عن وجهه القبيح في العدد الثاني، أليس من غير اللائق بهذه الجموع أن تتقلد وسام مطبوعة ترى النجم من باب كم يدفع، وترى في المواد المنشورة عن التجميل، وصناعة المشروبات الساخنة، والعطور للهروب من مؤسسة الإعلان عملاً صحفياً، مطبوعة تنشر صفحات توازي ثلث العدد عن أعراس وليال ملاح، وفي الوقت نفسه ترى هذه الجموع فيها فتحاً جديداً، وتتحدث القناة عن الرؤية الناقدة لها وليس فيها مقال يعنى بما تخصصت به، أو خبر عن أهل الفن الحقيقيين.
إننا أمة لا تقرأ، وعندما تقرأ لا تنتقد، ولا يأتي الرأي مما قرأت، ومما رأت، بل مما أكلت وشربت، والكارثة في أنها لا تخفي وجهة نظرها بل تعلنها، ولا تدرك كم من مستفيد ومرتزق وانتهازي سيستغل هذا الرأي المغمس بالموائد ليجمع منه مئات الألوف، ثم يدور بآرائها دورة الارتزاق.
هل فكر هؤلاء كيف ستكون وجهة نظر من سيرى ما قد أشادوا به أقل مما قالوا، ألن يعتبر القراء أن شهادة هؤلاء مجرد خديعة، أم أنهم أيضاً مخدوعون، لكن ما لا يبرر فعلتهم أنهم النخبة، أهل الفن والثقافة والإعلام والمجتمع، وأن الأمانة الواقعة عليهم في قول الحقيقة أكبر من عشاء في فندق دون النجمة الخامسة، ومن كأس أرخص من ماركة مسجلة، أو ماركة وطنية مزورة، ومن تكريم لا يضيف أي قيمة لهم.
لا بد من أن نعترف أننا دخلنا في العالم المزيف من بابه الواسع، باب التملق على حساب القيم.. أهم ما في الأمر أن تلمّعنا الصور والكاميرات، أن نبتسم مخادعين لمجرد أننا صنفنا من النجوم، أن نبدو كالبلهاء في سلامنا، حديثنا، تلويحتنا، أن نسقط صرعى التأهيل والتسهيل، والطبل والزمر، وحفلات مطربي (الدبكة)، دبكة الثقافة والفن الرديء.
المسؤولية الكبرى هناك، عند من يقفون أمام كلمة حق، عبارة ساخطة لصحفي، يشطبونها ويمررون في الوقت ذاته السقطات التي لا تليق بنا كأمة وكنخبة.
أيها السادة الذين تحملون شرف الكلمة، وحمّلكم الناس شرف العدل فيها، أدعوكم للقراءة قبل القول، ولقول الحقيقة حتى بعد عشاء بسيط وكريم وغير محرج..
ماذا يعني أن ندلي بتصاريح، ونطلق أحكاماً، ونتباهى بحضورنا أمام الكاميرات في مواقع ومناسبات لا علاقة لها باختصاصنا، وكل ذلك من أجل التباهي فقط، الأدهى أن نطلق أحكاماً في أشياء لا نعرف عنها شيئاً سوى العنوان، نطأطئ رؤوسنا كالببغاوات، منتصرين لإرادة الغرور في ذواتنا، وإرادة الظهور.
أفردت إحدى الفضائيات الغنائية العربية حيزاً ليس بالقليل للحديث عن إطلاق مطبوعة جديدة تنضم إلى قافلة المطبوعات الفنية، عرّفت القناة المطبوعة بأنها فتح جديد في الإعلام الخاص والمتخصص، وأن لها التفرد في كونها الوحيدة التي تمرح في سوق اختصاصها، وأنها تسعى لإيجاد مكان حقيقي لها في سوق الإعلام الحقيقي، وأنها على حد رأي أحد مسؤوليها ستضيف ولو حرفاً في حقل الثقافة والأدب.. رغم أنها في غير هذا الاختصاص!.
أكثر ما يثير الامتعاض في الدقائق التي بثتها الغنائية العربية هي اللقاءات التي تناولت الاحتفال بصدور المجلة، الفنانون الذين أبدوا آراءهم بعد أن شبعت منهم البطون مما لذ وطاب، وتخدرت الأطراف وثقلت الرؤوس مما شربوا، الآراء التي جاءت على استحياء وفق المثل الدارج (طعمي الفم) كانت مدعاة للعار.
أليس من العار أن تمدح ما لا يستحق، أن تشارك في خلق انطباع غير حقيقي لمن يسمعك، أن تخدع نفسك الممتلئة بالطعام والشراب أولاً، ثم تخدع من وثقوا برأيك بهذا الرأي؟.
أليس مخجلاً أن تحضر كل هذه الوجوه الثقافية والفنية والإعلامية حفلاً تتوج فيه مسخاً جديداً أسفر عن وجهه القبيح في العدد الثاني، أليس من غير اللائق بهذه الجموع أن تتقلد وسام مطبوعة ترى النجم من باب كم يدفع، وترى في المواد المنشورة عن التجميل، وصناعة المشروبات الساخنة، والعطور للهروب من مؤسسة الإعلان عملاً صحفياً، مطبوعة تنشر صفحات توازي ثلث العدد عن أعراس وليال ملاح، وفي الوقت نفسه ترى هذه الجموع فيها فتحاً جديداً، وتتحدث القناة عن الرؤية الناقدة لها وليس فيها مقال يعنى بما تخصصت به، أو خبر عن أهل الفن الحقيقيين.
إننا أمة لا تقرأ، وعندما تقرأ لا تنتقد، ولا يأتي الرأي مما قرأت، ومما رأت، بل مما أكلت وشربت، والكارثة في أنها لا تخفي وجهة نظرها بل تعلنها، ولا تدرك كم من مستفيد ومرتزق وانتهازي سيستغل هذا الرأي المغمس بالموائد ليجمع منه مئات الألوف، ثم يدور بآرائها دورة الارتزاق.
هل فكر هؤلاء كيف ستكون وجهة نظر من سيرى ما قد أشادوا به أقل مما قالوا، ألن يعتبر القراء أن شهادة هؤلاء مجرد خديعة، أم أنهم أيضاً مخدوعون، لكن ما لا يبرر فعلتهم أنهم النخبة، أهل الفن والثقافة والإعلام والمجتمع، وأن الأمانة الواقعة عليهم في قول الحقيقة أكبر من عشاء في فندق دون النجمة الخامسة، ومن كأس أرخص من ماركة مسجلة، أو ماركة وطنية مزورة، ومن تكريم لا يضيف أي قيمة لهم.
لا بد من أن نعترف أننا دخلنا في العالم المزيف من بابه الواسع، باب التملق على حساب القيم.. أهم ما في الأمر أن تلمّعنا الصور والكاميرات، أن نبتسم مخادعين لمجرد أننا صنفنا من النجوم، أن نبدو كالبلهاء في سلامنا، حديثنا، تلويحتنا، أن نسقط صرعى التأهيل والتسهيل، والطبل والزمر، وحفلات مطربي (الدبكة)، دبكة الثقافة والفن الرديء.
المسؤولية الكبرى هناك، عند من يقفون أمام كلمة حق، عبارة ساخطة لصحفي، يشطبونها ويمررون في الوقت ذاته السقطات التي لا تليق بنا كأمة وكنخبة.
أيها السادة الذين تحملون شرف الكلمة، وحمّلكم الناس شرف العدل فيها، أدعوكم للقراءة قبل القول، ولقول الحقيقة حتى بعد عشاء بسيط وكريم وغير محرج..
