“حمد الله ع السلامة”
تأتي إلى مسامعها؛ فتدرك عودتها من جديد، جسدها ثقيل مستسلم، رأسها مستلقي على الوسادة مسلوب الإرادة، تفتح عينيها ببطء، فيمنعها التصاق جفنيها المرتعشين، كوليد انتزع لتوه من عالمه، تعي الحركة والضجيج من حولها، لكنها لا تميز الوجوه والأصوات بعد، تبلل شفتيها، علها تخفف من جفاف حلقها، تتلعثم كطفل يتعلم الكلام، قائلة بخفوت وصوت متقطع:
“الحمد لله..”
ذراعها موصول بالمحاليل والمسكنات، يأخذها المخدر في سبات عميق، لتستفيق بعدها وقد استعادت وعيها تماما، فتنحدر دمعتان صامتتان على جانبي خديها، يساعدهما ذاك المسار الإجباري على التواري عن الأنظار، لا تدري أكانت دموع سلامة أم فراق؟
تزدحم الحجرة بالزائرين، تجرحها نظرات الشفقة في عيونهم، تكاد تنفذ إلى ذاك الجسد المسجي تحت الأغطية البيضاء، تغالب تلك الغصة بينما تبحث عن عينيه بينهم..
لم تلتق عيوننا منذ أفقت، ترى هل يتهرب من مواجهتي؟! أم أنه لا يستطيع تخيل زوجته الحسناء، وقد سلبت بعض من أنوثتها؟!
هل سيتمادى في هذا الصمت، الذي يلازمه منذ بداية المحنة؟! لست في حاجة إلى صمته الآن، أحتاج فقط أن أسمع صوت قلبه، أكثر من أي وقت مضى.
أفاقت من شرودها على صوت الممرضة، تستأذنهم في إخلاء الحجرة، لتساعدها في تبديل ملابسها، لم تجهز نفسها لتلك اللحظة، لحظة أن تقف وجها لوجه أمام جسدها المسكين، تتساءل:
هل أرميه بسهام الشفقة التي أنكرتها عليهم؟ أم أحتضنه وأحتوي حزنه وألمه؟ لم تكن واثقة من ردة فعلها، لذا قررت أن تؤجل المواجهة، فأشاحت بوجهها وسرحت بنظرها بعيدا عنه.
تهللت أساريرهم فرحة بعودتها إلى البيت سالمة، ولكن أحقا عادت سالمة؟! بل ماذا تعني لهم السلامة؟! إنهم لا يصغون إلى أنات المرأة داخلها، لا يرون جرح أنوثتها النازف بلا دم، لا يعرفون شيئا عن وابل الأسئلة التي تعصف بعقلها، أو ربما هكذا يتظاهرون.
ما زالت تتحاشى لقاء جسدها، بالأمس تحججت بتعليمات الطبيب، بعدم تعريض الجرح للماء، فأجلت فكرة الاستحمام، واليوم هاجمها صداع شديد، أرغمها أن تغمض عينيها أثناء الغيار على الجرح، وأول أمس آثرت الانتقال إلى حجرة بعيدة عن صخب الشارع، ولكنها أيضا بلا مرايا.
تعلم أنه كلما طال الوقت، ازدادت صعوبة اللقاء..
تقول في نفسها:
لم أعهد نفسي ضعيفة هكذا من قبل، ربما لأن الأحداث جاءت متلاحقة، فلم آخذ وقتي لاستيعاب الصدمة، قد تصيبني نفحة من شجاعة، إن أخبرتني عيناه أنني ما زلت أجمل نساء العالم في نظره، إن وقف خلفي يحوطني بذراعيه بينما نتحدى المرآة سويا،..
انقطع حبل الأمنيات بزيارة جارتها الثرثارة، التي بادرتها قائلة بعد أن رمقتها بنظرة سخيفة متطفلة:
” ماشاء الله زي القمر، اللي يشوفك ولا ياخد باله.”
كان وقع كلماتها كجلدات سوط على جسد ممزق، زاد من لسعها حديثها الفج عن تجارب مماثلة لبعض قريباتها وصديقاتها، وعن طب التجميل الذي بات بارعا في علاج مثل تلك الحالات.
للمرة الأولى منذ عودتها إلى البيت، يجلس إليها، يربت على قلبها، ويضمد جرح روحها، عندما انخرطت في البكاء، تعاتبه عيناها..هل كان علي أن أنهار حتى تستشعر احتياجي إليك؟! ولكن لا بأس..المهم أنك معي الآن.
أخذها من يدها متوجها إلى حجرتهما، أخرج صندوقا صغيرا للهدايا من الدولاب، وضعه بين يديها مقبلا رأسها، أشرق وجهها بابتسامة ضلت طريقها إليها منذ بدأ هذا كله، همت تفتحه في حماس، بينما تحاول أن تحزر ما فيه، لتتجمد ملامحها، وتئد ابتسامتها في مهدها، يلاحظ تغير وجهها، فيتظاهر بالانشغال باجراء اتصال هاتفي، تتقدم بخطى ثابتة، تقف في مواجهة المرآة، تفتح أزرار ثوبها، تتطلع إلى جسدها، بينما تطأ قدماها هديته.. خمار رأس فضفاض يغطي الصدر.
تأتي إلى مسامعها؛ فتدرك عودتها من جديد، جسدها ثقيل مستسلم، رأسها مستلقي على الوسادة مسلوب الإرادة، تفتح عينيها ببطء، فيمنعها التصاق جفنيها المرتعشين، كوليد انتزع لتوه من عالمه، تعي الحركة والضجيج من حولها، لكنها لا تميز الوجوه والأصوات بعد، تبلل شفتيها، علها تخفف من جفاف حلقها، تتلعثم كطفل يتعلم الكلام، قائلة بخفوت وصوت متقطع:
“الحمد لله..”
ذراعها موصول بالمحاليل والمسكنات، يأخذها المخدر في سبات عميق، لتستفيق بعدها وقد استعادت وعيها تماما، فتنحدر دمعتان صامتتان على جانبي خديها، يساعدهما ذاك المسار الإجباري على التواري عن الأنظار، لا تدري أكانت دموع سلامة أم فراق؟
تزدحم الحجرة بالزائرين، تجرحها نظرات الشفقة في عيونهم، تكاد تنفذ إلى ذاك الجسد المسجي تحت الأغطية البيضاء، تغالب تلك الغصة بينما تبحث عن عينيه بينهم..
لم تلتق عيوننا منذ أفقت، ترى هل يتهرب من مواجهتي؟! أم أنه لا يستطيع تخيل زوجته الحسناء، وقد سلبت بعض من أنوثتها؟!
هل سيتمادى في هذا الصمت، الذي يلازمه منذ بداية المحنة؟! لست في حاجة إلى صمته الآن، أحتاج فقط أن أسمع صوت قلبه، أكثر من أي وقت مضى.
أفاقت من شرودها على صوت الممرضة، تستأذنهم في إخلاء الحجرة، لتساعدها في تبديل ملابسها، لم تجهز نفسها لتلك اللحظة، لحظة أن تقف وجها لوجه أمام جسدها المسكين، تتساءل:
هل أرميه بسهام الشفقة التي أنكرتها عليهم؟ أم أحتضنه وأحتوي حزنه وألمه؟ لم تكن واثقة من ردة فعلها، لذا قررت أن تؤجل المواجهة، فأشاحت بوجهها وسرحت بنظرها بعيدا عنه.
تهللت أساريرهم فرحة بعودتها إلى البيت سالمة، ولكن أحقا عادت سالمة؟! بل ماذا تعني لهم السلامة؟! إنهم لا يصغون إلى أنات المرأة داخلها، لا يرون جرح أنوثتها النازف بلا دم، لا يعرفون شيئا عن وابل الأسئلة التي تعصف بعقلها، أو ربما هكذا يتظاهرون.
ما زالت تتحاشى لقاء جسدها، بالأمس تحججت بتعليمات الطبيب، بعدم تعريض الجرح للماء، فأجلت فكرة الاستحمام، واليوم هاجمها صداع شديد، أرغمها أن تغمض عينيها أثناء الغيار على الجرح، وأول أمس آثرت الانتقال إلى حجرة بعيدة عن صخب الشارع، ولكنها أيضا بلا مرايا.
تعلم أنه كلما طال الوقت، ازدادت صعوبة اللقاء..
تقول في نفسها:
لم أعهد نفسي ضعيفة هكذا من قبل، ربما لأن الأحداث جاءت متلاحقة، فلم آخذ وقتي لاستيعاب الصدمة، قد تصيبني نفحة من شجاعة، إن أخبرتني عيناه أنني ما زلت أجمل نساء العالم في نظره، إن وقف خلفي يحوطني بذراعيه بينما نتحدى المرآة سويا،..
انقطع حبل الأمنيات بزيارة جارتها الثرثارة، التي بادرتها قائلة بعد أن رمقتها بنظرة سخيفة متطفلة:
” ماشاء الله زي القمر، اللي يشوفك ولا ياخد باله.”
كان وقع كلماتها كجلدات سوط على جسد ممزق، زاد من لسعها حديثها الفج عن تجارب مماثلة لبعض قريباتها وصديقاتها، وعن طب التجميل الذي بات بارعا في علاج مثل تلك الحالات.
للمرة الأولى منذ عودتها إلى البيت، يجلس إليها، يربت على قلبها، ويضمد جرح روحها، عندما انخرطت في البكاء، تعاتبه عيناها..هل كان علي أن أنهار حتى تستشعر احتياجي إليك؟! ولكن لا بأس..المهم أنك معي الآن.
أخذها من يدها متوجها إلى حجرتهما، أخرج صندوقا صغيرا للهدايا من الدولاب، وضعه بين يديها مقبلا رأسها، أشرق وجهها بابتسامة ضلت طريقها إليها منذ بدأ هذا كله، همت تفتحه في حماس، بينما تحاول أن تحزر ما فيه، لتتجمد ملامحها، وتئد ابتسامتها في مهدها، يلاحظ تغير وجهها، فيتظاهر بالانشغال باجراء اتصال هاتفي، تتقدم بخطى ثابتة، تقف في مواجهة المرآة، تفتح أزرار ثوبها، تتطلع إلى جسدها، بينما تطأ قدماها هديته.. خمار رأس فضفاض يغطي الصدر.
المرآة. قصة: نرمين دميس
“حمد الله ع السلامة” تأتي إلى مسامعها؛ فتدرك عودتها من جديد، جسدها ثقيل مستسلم، رأسها مستلقي على الوسادة مسلوب الإرادة، تفتح عينيها ببطء، فيمنعها التصاق جفنيها المرتعشين، كوليد انتزع لت…