مناف كاظم محسن - محاولة انقاذ..

لم يزل القنّاص مختبئاً فوق سطح البناية قاتلاً الكثير من الجنود والأهالي. أصبحتْ ساحة السّوق خالية، إلّا من الجثث التي إصطادها بطلقاته التي تثقب الرؤوس وتترك الرّعب مخيماً عليها. من خلف السّيارة المحترقة كان الأب مختبئاً، خائفاً يتربص إنتشال ابنه الذي كان قبل قليل معه، مسروراً بالأقلام والدّفاتر والحقيبة المدرسيّة المعلّقة على ظهره، والتي اشتراها له أبوه استعداداً للعام الدراسيّ الجديد. رغم خوف إمّه التي قالت: -
- لا أريد أن أفقد ابني.. فلتذهب المدرسة للجحيم.
لكنّه أقنعها أخيراً، بعد أنْ أكّد لها بأنّ ابنهما سوف يكون بخير طالما أنّه يعرف سائق باص المدرسة، وقد أوّصاه أن يعتني به عناية خاصّة. لكنّه الآن ينظر الى ابنه المرميّ على الاسفلت دون حركة، يملؤه الحزن والحيّرى، يتلفت يميناً ويساراً فلا يرى غير شبح الموت جاثماً على سماء قلبه، شاعراً بثقل أنفاسه، منصتاً لدَّمْدَمَة الريح الموبوءة برائحة الدماء المتخثرة والمنتشرة على اسفلت الشارع. لم يعرف كم مرَ عليه من الوقت، منتظراً الفرصة المناسبة للانقضاض.
عندما رأى الكلاب تنقض على مرأى من القناص على الجثث المتناثرة. ركض على أربعة بكل ما أوتي من قوة، محاولاً أن يحضن ابنه المرميّ هناك مثقوب الرأس. لكنّ طلقة القنّاص كانت هي الأسرع. هربت الكلاب مفزوعة تعوي تاركة جثة الأب تتدحرج قرب جثة ابنه.

مناف كاظم محسن
العراق – البصرة



------------------------
* محاولة إنقاذ - مناف كاظم محسن - النص الحائز على المرتبة الرابعة في مسابقة الأقصوصة دورة ثانية الهراديبية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...