سي حاميد اليوسفي - شامة..

أفرشت قطعة من جلد الماعز فوق الصخرة. كل يوم تأتي لنفس المكان. الجو معتدل لا داعي لأن ترتدي ثيابا صوفية. صور جميلة من حياتها الماضية تنعكس مع ضوء القمر على سطح مياه الوادي.
قلبها مليء بالمسرات والجروح. الناس لا تفهم معنى أن يكون الإنسان سعيدا. الجميع يلومها بأنها لم تتزوج، وتجمع المال. وكان بإمكانها أن تحصل على الكثير منه لو شاءت.
يقرع محمد باب بيتها في واضحة النهار، ويخاطبها بصوته العذب:
ـ شامة تلقيت بالأمس دعوة لتكريمي في قناة التلفزيون. أخيرا افتكروني. وأحب أن أصاحبك معي. اخترت ضابطي إيقاع، ويطو بنت الحو، وأنت. ما رأيك؟
طلبت منه أن يعيد عليها ما قاله. قبلت يديه ورأسه وجبينه. تصرفت مثل مجنونة. لم تصدق أذنيها.
هدأ من روعها، وأخبرها بأنه سيمر عليها بعد ثلاثة أيام.
لم تنس تلك الأيام الجميلة التي قضتها معه في الغناء. محمد فنان كبير لا يشبههم. دائما يثني على جمال وقوة صوتها. الغناء معه في المرحلة الأخيرة من مشواره الفني شرف ما بعده شرف لأي فنانة أمازيغية. هي الآن في الاربعينات من عمرها، وصوتها في أوج العطاء.
في الليل جلست هنا فوق نفس الصخرة. كان الجو باردا، لكنها شعرت بدفيء غريب. غنت لنفسها. أحست بأنها تتسلق أعالي جبال الأطلس بحبالها الصوتية.
عندما تغني مع محمد تشعر وكأنها في ليلة عرسها. يتملكها فرح طفولي غريب يظهر على ملامحها، ولا تستطيع إخفاءه، ويعطي لصوتها دفعة قوية.
قالت لنفسها:
ـ أنت تحبينه أيتها الشيطانة؟! لماذا يخفق قلبك كلما خطر اسمه ببالك؟!
بقي السؤال معلقا بلا جواب. أيقظ جرحا لا يريد أن يلتئم.
أغمضت عينيها، وأحست أنها تطير بجناحين أبيضين بين هذه القمم المحيطة بقريتها.
محمد يفتح لك طريق المجد. غدا ستذهبين معه إلى المدينة، وتغنين أمام حشد من جمهور الاستوديو. وخلف الشاشة يتابعك الملايين من المشاهدين. تحلقين بهم بين هذه القمم التي تضرب بجذورها في التاريخ. الله يلعن أبو المال أمام لحظة تنضح بكل هذا الجمال والفرح.
لو تزوجت في العشرينات من عمرك، كما أرادوا لك، لكنت الآن أما لسبعة، أو ثمانية أطفال. تقضين كل حياتك بين المطبخ والسوق، ورعاية قطيع الماعز، وفي الليل ترفعين ساقيك لزوجك مثل بقية نساء القرية.
صور متناقضة تأتي وتروح مثل وميض البرق.
فكرت في الفستان الذي ستحيي به السهرة. الفستان الأزرق الذي خاطته منذ شهرين يليق بالمقام، والعقد الذي تحتفظ به للأيام السوداء، والساعة التي أهداها محمد في أحد الأعراس. هذا كل ما تملك. تعرف أنها ستتزين، وتشد إليها الأنظار بصوتها، وليس بهندامها.
قالت لنفسها:
ـ أنت لا تغني من أجل المال. أنت تغني لتداوي جراحك.. ولإسعاد الآخرين.

مراكش 25 يونيو 2023
حاميد اليوسفي
حاميد
حاميد اليوسفي
شامة
سي حاميد اليوسفي
قصة قصيرة

أفرشت قطعة من جلد الماعز فوق الصخرة. كل يوم تأتي لنفس المكان. الجو معتدل لا داعي لأن ترتدي ثيابا صوفية. صور جميلة من حياتها الماضية تنعكس مع ضوء القمر على سطح مياه الوادي.
قلبها مليء بالمسرات والجروح. الناس لا تفهم معنى أن يكون الإنسان سعيدا. الجميع يلومها بأنها لم تتزوج، وتجمع المال. وكان بإمكانها أن تحصل على الكثير منه لو شاءت.
يقرع محمد باب بيتها في واضحة النهار، ويخاطبها بصوته العذب:
ـ شامة تلقيت بالأمس دعوة لتكريمي في قناة التلفزيون. أخيرا تفكروني. وأحب أن أصاحبك معي. اخترت ضابطي إيقاع، ويطو بنت الحو، وأنت. ما رأيك؟
طلبت منه أن يعيد عليها ما قاله. قبلت يديه ورأسه وجبينه. تصرفت مثل مجنونة. لم تصدق أذنيها.
هدأ من روعها، وأخبرها بأنه سيمر عليها بعد ثلاثة أيام.
لم تنس تلك الأيام الجميلة التي قضتها معه في الغناء. محمد فنان كبير لا يشبههم. دائما يثني على جمال وقوة صوتها. الغناء معه في المرحلة الأخيرة من مشواره الفني شرف ما بعده شرف لأي فنانة أمازيغية. هي الآن في الاربعينات من عمرها، وصوتها في أوج العطاء.
في الليل جلست هنا فوق نفس الصخرة. كان الجو باردا، لكنها شعرت بدفيء غريب. غنت لنفسها. أحست بأنها تتسلق أعالي جبال الأطلس بحبالها الصوتية.
عندما تغني مع محمد تشعر وكأنها في ليلة عرسها. يتملكها فرح طفولي غريب يظهر على ملامحها، ولا تستطيع إخفاءه، ويعطي لصوتها دفعة قوية.
قالت لنفسها:
ـ أنت تحبينه أيتها الشيطانة؟! لماذا يخفق قلبك كلما خطر اسمه ببالك؟!
بقي السؤال معلقا بلا جواب. أيقظ جرحا لا يريد أن يلتئم.
أغمضت عينيها، وأحست أنها تطير بجناحين أبيضين بين هذه القمم المحيطة بقريتها.
محمد يفتح لك طريق المجد. غدا ستذهبين معه إلى المدينة، وتغنين أمام حشد من جمهور الاستوديو. وخلف الشاشة يتابعك الملايين من المشاهدين. تحلقين بهم بين هذه القمم التي تضرب بجذورها في التاريخ. الله يلعن أبو المال أمام لحظة تنضح بكل هذا الجمال والفرح.
لو تزوجت في العشرينات من عمرك، كما أرادوا لك، لكنت الآن أما لسبعة، أو ثمانية أطفال. تقضين كل حياتك بين المطبخ والسوق، ورعاية قطيع الماعز، وفي الليل ترفعين ساقيك لزوجك مثل بقية نساء القرية.
صور متناقضة تأتي وتروح مثل وميض البرق.
فكرت في الفستان الذي ستحيي به السهرة. الفستان الأزرق الذي خاطته منذ شهرين يليق بالمقام، والعقد الذي تحتفظ به للأيام السوداء، والساعة التي أهداها محمد في أحد الأعراس. هذا كل ما تملك. تعرف أنها ستتزين، وتشد إليها الأنظار بصوتها، وليس بهندامها.
قالت لنفسها:
ـ أنت لا تغني من أجل المال. أنت تغني لتداوي جراحك.. ولإسعاد الآخرين.

مراكش 25 يونيو 2023
A

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...