تلقيتُ دعوةً كريمة من سيدة تسكن مدينة ميرسين الساحلية، تقع هذه المدينة التركية، على ساحل البحر الابيض المتوسط، قبالة جزيرة قبرص، كنتُ قد ظننتُ أن الدعوة فيها مزحة، فهي صديقة على الفيسبوك، وليس كل أصدقاء هذا العالم الأفتراضي الأزرق، هم صادقون، فشكرتها، معرباً عن أسفي من تلبية الدعوة .
غير إنها في رسالة صوتية، أقنعتني بدعوتها، إذ عبّر صوتها عن ثقة عالية بالنفس، وكبرياء امرأة لم تمّرغ أنفها التجارب الصعبة التي مرت بها، عرفتُ إنها سيدة عراقية عصامية، أستاذة في عالم البحار، حصلت على الدكتوراه من جامعة ايرجيس في مدينة قيصري، حيث أسكن، رسالتها الجامعية كانت تبحت في الاصداف التي تلفظها البحار على الشاطئ، قالت بنبرة صوتها الساحر "إنها تعيش في هذه المدينة ميرسين منذ سبع سنوات، بعد أن قتل زوجها في العراق، اثناء الحرب الطائفية عام 2005 ، لديها شاليه تؤجره للمصطافين، في أيام الحر الشديد، حيث يزور المدينة أكثر من مليون سائح سنويا"، وقالت في الرسالة الصوتية، "لا تهتم للسكن والطعام، وهي فرصة لاخبرك عن نوارس عاشقات كهف كالفينو، في أحد الجبال المتاخمة للبحر وسترى العجائب وربما ستكتب عنه مجلدات" .
أقنعتُ زوجتي بأن صديقاً لي في ميرسين دعاني لزيارته بضعة أيام، فذهبتُ بالقطار بعد منتصف الليل، حسب توجيهاتها، وفي صباح اليوم التالي، وجدتها كاتبة أسمي على كارتون، فأبتسمت لها، قالت لي " عندما أقبلت عليّ، رف قلبي على طريقة مشيتك، فأنا أعرف التائهين أمثالك على مسافة أميال. أخذتني الى الشاليه، وأعدت لي فطور الصباح، عبارة عن سمك سلمون مقليا بالزبد مع قدح من الشاي والصمون الحار، تناولت الفطور وأنا اتمعن بالصور المعلقة على جدار الصالة، فاستوقفتني صورة فتاة ترتدي ملابس البحر، بين يديها تنثر جناحي نورس، ثم سألتني السيدة " هل نمت جيداً في القطار أم إنك تحتاج الى قليل من الراحة ؟ " .. لم أخبركم عن صفات المرأة، فهي بيضاء الوجه، ممتلئة الجسم برشاقة، تسريحة شعرها على شكل كاريه، خصلاته تصل الى اذنيها، ترتدي تشيرتا أبيض، طبعت عليه صورة رجل، عرفت أن هذا الرجل هو كالفينو، ترتدي بنطلون جينز مخرما من فخذيها ، قلت لها" رسالتك في البصمة الصوتية لايشبهه في الواقع" فضحكت وسألتني "هل أن صوتي أقبح أم أجمل ؟ قلت بلا تردد " صوتك ساحر في البصمة وفي الواقع " تصابيت قليلا، فقلت لها " يجب على النساء الا تتحدث مع الرجال، لان أصواتهن ستهز دعامات إي رجل، وسيكون مدخلا الى قلبه الحزين " فقالت " عرفتك من كتاباتك إنك ضائع في متاهات كثيرة، وكنت أريد إنقاذك مما أنت فيه " ثم أمرتني " هيا الى مكان الكهف".
لديها دراجة نارية خاصة بالساحل من أربعة اطارات، أجلستني بجانبها، بعد أن ارتدت ملابس البحر، وأنطلقت بي، ترعد الدراجة بصوتها المدوي على ساحل رملي، تعرف هي كل التواءاته، أستغرق وقت رحلتنا، بحدود نصف ساعة، كنا قد أبتعدنا عن اجواء المصطافين الذين نهضوا من نومهم، باتجاه البحر، ولما وصلنا الى مكان جبل شاهق، يطل على ساحل البحر، توقفت، قادتني من يدي الى فوهات كثيرة تشبه الكهوف، بينما يزمجر خلفنا البحر، أشارت باصبعها " هذا كهف الرجال الحزانى، وهذا كهف النساء الثكالى، كهف الامهات اللواتي فقدن ابنائهن في البحر، وهذا كهف الارامل اللواتي فقدن ازواجهن، وهذا كهف العاشقات المهجورات، كنت استمتع بشروحاتها الموجزة الغزيرة، وبطريقتها الايضاحية المدرسية عالية الاتقان، حتى وصلنا الى كهف كبير ، فوهته مظلمة، توقفت، حينئذ تذكرت صورة الفتاة التي تحمل نورسا بين ذراعيها، كما لو كانت تعرف بماذا أفكر ، قالت " هذا مدخل الكهف الذي رأيت صورة الفتاة معلقة في صالتي، وهي تحمل النورس" توقفت قليلا، ثم قالت "هذه الفتاة هي حبيبة كالفينو الساحر، هجرها حبيبها ورحل الى ايطاليا مسقط رأسه عبر جزيرة قبرص، في هذا المكان كانت الفتاة تحب أن تصبح نورسا بعد أن أخبرها رجل دين بذلك، كي تطير الى حبيبها، وتنتقم منه بسبب هجرانه، فقلت لها " هل تحولت الى نورس ؟ ضحكت " أنا أعرف بماذا تفكر ، نعم كالفينو قد مات قبل سنوات بعيدة، ولا يمكن أن تكون له حبيبة في الوقت الحاضر، أشارت لي بالجلوس في مقدمة الكهف، وظهرينا الى إعماقه المظلمة، قالت " استمع الان"، تناهت لنا أصوات من الداخل، عبارة عن زعيق نوارس، همست بأذني " الحياة عبارة عن كهف كبير مظلم، ونحن نعيش فيه حتى نتحول ذات يوم الى نوارس " لم يعجبني تفسيرها للحياة، ثم قالت " ستأتي بعد قليل فتاة الصورة، وستخبرك ما الذي فعلته عندما أصبحت نورسا". في تلك الاثناء، خرجت من الكهف، من خلفنا أسراب من النوارس، تتصايح، فأفزعني صراخها، وأتجهت على ما يبدو الى جزيرة قبرص، وقفت أمامنا فتاة الصورة، ثم قالت دامعة العينين "سأذهب الى حبيبي لعلي أعثر عليه، أعرف إنني لن ألقاه مثل كل مرة، لكنني سأحاول، ثم أفردت ذراعيها، وتحولت الى نورس... وبعدها طارت.
غير إنها في رسالة صوتية، أقنعتني بدعوتها، إذ عبّر صوتها عن ثقة عالية بالنفس، وكبرياء امرأة لم تمّرغ أنفها التجارب الصعبة التي مرت بها، عرفتُ إنها سيدة عراقية عصامية، أستاذة في عالم البحار، حصلت على الدكتوراه من جامعة ايرجيس في مدينة قيصري، حيث أسكن، رسالتها الجامعية كانت تبحت في الاصداف التي تلفظها البحار على الشاطئ، قالت بنبرة صوتها الساحر "إنها تعيش في هذه المدينة ميرسين منذ سبع سنوات، بعد أن قتل زوجها في العراق، اثناء الحرب الطائفية عام 2005 ، لديها شاليه تؤجره للمصطافين، في أيام الحر الشديد، حيث يزور المدينة أكثر من مليون سائح سنويا"، وقالت في الرسالة الصوتية، "لا تهتم للسكن والطعام، وهي فرصة لاخبرك عن نوارس عاشقات كهف كالفينو، في أحد الجبال المتاخمة للبحر وسترى العجائب وربما ستكتب عنه مجلدات" .
أقنعتُ زوجتي بأن صديقاً لي في ميرسين دعاني لزيارته بضعة أيام، فذهبتُ بالقطار بعد منتصف الليل، حسب توجيهاتها، وفي صباح اليوم التالي، وجدتها كاتبة أسمي على كارتون، فأبتسمت لها، قالت لي " عندما أقبلت عليّ، رف قلبي على طريقة مشيتك، فأنا أعرف التائهين أمثالك على مسافة أميال. أخذتني الى الشاليه، وأعدت لي فطور الصباح، عبارة عن سمك سلمون مقليا بالزبد مع قدح من الشاي والصمون الحار، تناولت الفطور وأنا اتمعن بالصور المعلقة على جدار الصالة، فاستوقفتني صورة فتاة ترتدي ملابس البحر، بين يديها تنثر جناحي نورس، ثم سألتني السيدة " هل نمت جيداً في القطار أم إنك تحتاج الى قليل من الراحة ؟ " .. لم أخبركم عن صفات المرأة، فهي بيضاء الوجه، ممتلئة الجسم برشاقة، تسريحة شعرها على شكل كاريه، خصلاته تصل الى اذنيها، ترتدي تشيرتا أبيض، طبعت عليه صورة رجل، عرفت أن هذا الرجل هو كالفينو، ترتدي بنطلون جينز مخرما من فخذيها ، قلت لها" رسالتك في البصمة الصوتية لايشبهه في الواقع" فضحكت وسألتني "هل أن صوتي أقبح أم أجمل ؟ قلت بلا تردد " صوتك ساحر في البصمة وفي الواقع " تصابيت قليلا، فقلت لها " يجب على النساء الا تتحدث مع الرجال، لان أصواتهن ستهز دعامات إي رجل، وسيكون مدخلا الى قلبه الحزين " فقالت " عرفتك من كتاباتك إنك ضائع في متاهات كثيرة، وكنت أريد إنقاذك مما أنت فيه " ثم أمرتني " هيا الى مكان الكهف".
لديها دراجة نارية خاصة بالساحل من أربعة اطارات، أجلستني بجانبها، بعد أن ارتدت ملابس البحر، وأنطلقت بي، ترعد الدراجة بصوتها المدوي على ساحل رملي، تعرف هي كل التواءاته، أستغرق وقت رحلتنا، بحدود نصف ساعة، كنا قد أبتعدنا عن اجواء المصطافين الذين نهضوا من نومهم، باتجاه البحر، ولما وصلنا الى مكان جبل شاهق، يطل على ساحل البحر، توقفت، قادتني من يدي الى فوهات كثيرة تشبه الكهوف، بينما يزمجر خلفنا البحر، أشارت باصبعها " هذا كهف الرجال الحزانى، وهذا كهف النساء الثكالى، كهف الامهات اللواتي فقدن ابنائهن في البحر، وهذا كهف الارامل اللواتي فقدن ازواجهن، وهذا كهف العاشقات المهجورات، كنت استمتع بشروحاتها الموجزة الغزيرة، وبطريقتها الايضاحية المدرسية عالية الاتقان، حتى وصلنا الى كهف كبير ، فوهته مظلمة، توقفت، حينئذ تذكرت صورة الفتاة التي تحمل نورسا بين ذراعيها، كما لو كانت تعرف بماذا أفكر ، قالت " هذا مدخل الكهف الذي رأيت صورة الفتاة معلقة في صالتي، وهي تحمل النورس" توقفت قليلا، ثم قالت "هذه الفتاة هي حبيبة كالفينو الساحر، هجرها حبيبها ورحل الى ايطاليا مسقط رأسه عبر جزيرة قبرص، في هذا المكان كانت الفتاة تحب أن تصبح نورسا بعد أن أخبرها رجل دين بذلك، كي تطير الى حبيبها، وتنتقم منه بسبب هجرانه، فقلت لها " هل تحولت الى نورس ؟ ضحكت " أنا أعرف بماذا تفكر ، نعم كالفينو قد مات قبل سنوات بعيدة، ولا يمكن أن تكون له حبيبة في الوقت الحاضر، أشارت لي بالجلوس في مقدمة الكهف، وظهرينا الى إعماقه المظلمة، قالت " استمع الان"، تناهت لنا أصوات من الداخل، عبارة عن زعيق نوارس، همست بأذني " الحياة عبارة عن كهف كبير مظلم، ونحن نعيش فيه حتى نتحول ذات يوم الى نوارس " لم يعجبني تفسيرها للحياة، ثم قالت " ستأتي بعد قليل فتاة الصورة، وستخبرك ما الذي فعلته عندما أصبحت نورسا". في تلك الاثناء، خرجت من الكهف، من خلفنا أسراب من النوارس، تتصايح، فأفزعني صراخها، وأتجهت على ما يبدو الى جزيرة قبرص، وقفت أمامنا فتاة الصورة، ثم قالت دامعة العينين "سأذهب الى حبيبي لعلي أعثر عليه، أعرف إنني لن ألقاه مثل كل مرة، لكنني سأحاول، ثم أفردت ذراعيها، وتحولت الى نورس... وبعدها طارت.