وجه مدور، عينان واسعتان تلتقط كلية المشاهد , لا يستقر كثيرا خلف مكتبه حيث يصدر التوجيهات مراقبا عماله والقادمين بمهارة , ماكنة شوي الدجاج تتقدم المطعم وسط السوق , وضعت اسفلها الدجاجة المشوية .. ما تزال ببخارها معتقلة باصابع من حديد.. يعالجها شاب وقور ملتحي..هاديء تتغلب حركات يديه على لسانه وعيناه في ركود .. اثر لسجود في جبينه .. وجهه مشرئب غالبا ..صاحب المطعم ذو العينين الناطقتين يوزع التحايا وجمل الترحيب بلا توقف..يظهر انه اعتادها وطور من قاموسه اللفظي , انه يقرا كل الزبائن , مهتم بكل احد منهم ... ولهذا ازدحم لديه معجمه حسب الانواع والمستويات (اهلا حاج . مراحب استاذ ... تأمري اختي ...احييك شيخ ..تدلل عمو .... ).. وهو يهديء من ضجر المنتظرين (لحظات ويصلك الطلب ) او لعامله بحدية (بسام تعطلوا وين خمسة تمن ). وهناك تأخذه سنة فيسند ظهره على الكرسي لحظة ويحدق بعينيه كذئب احس خطرا .. فينتفض كله بموجة الفاظ الترحيب يتابع زبونه متفحصا ويقصده ثم يصيح بعامله (3 نفر كباب )..سيظل هكذا حتى يرفس اول الظلمة شلال الحركة ويشل الاصوات ..لا ادري هل سيتمكن بعد وصوله منزله ان يلاطف اطفاله وقد تحول راسه لمرجل ..او يشعر زوجته بانوثتها .. ربما .. لكني اشك بذلك ..كان امامي رجل مسن يستقر خلف بسطته وتكاد دمية دب احمر ان تخفي اكثر حزنه فلم اتمكن من دراسة خلجاته وشعوره بالمرارة لتوالي الخيبات والصفعات , يضع طاقية على راسه ويهش الذباب بعصا ربطت بها باقة من ريش الطاووس ( في صباح اليوم الثاني سيعتلي درجات المطعم تحمله عكازتان يشد وسطه بذيل دشداشته ويبين منها سروال ابيض , يمسك بيده قنينة بلاستيكية صغيرة ويغادر بعد لحظات وقد ملأ البطل بالماء ...ان تعتلي درجات وانت شاب فتلك لحظة عابرة اما ان كنت معاقا واجتزت الستين فان صعود عتبة واحدة هي نزيف من القهر والمعاناة , ..جواره بائع الحلوى قال لنا (لحظات ترك دراجته فسرقت ... لا تتركوا دراجاتكم)..
غطست في السوق اتجنب عباءة فتدفعني اخرى ..صاح بائع (جوة السوك .. دجاج ) ففكرت بالمجاز (انقلبت مفردة تحت لمعنى التخفيض ) .. ورايت ذلك الصغير الذي دخل المطعم رثا وسخا واخذ كيسا من المطعم منتفخا وخرج .. كان يلهث خلف امه التي تحاول اللحاق بزوجها-قصير بدشداشته البيضاء ورقبته تدخل بين دفتيه - وتكشّف لي وجهها الضفدعي ووباء الفقر الذي نخرها وهي تحاول ان تعدل عباءتها على شبه حدبة اعلى ظهرها .. تمر محنكات- يسترن الحنك والفم بقطعة قماش سوداء -هؤلاء النسوة لا يضعن الكمامات ويحسبنها لعبة غربية - اذن هو لثام العفة القروية ...انت تفرزهن اتين من القرى النائية او الاهوار او المدن من خلال الوجوه والروائح والايادي والازياء .. بعض القرويات وبنات الاهوار ما يزلن يتمسكن بالحناء صبغة للشعر ولا يضعن من العطر سوى المسك والعنبر وامثاله .. تلتقط لون الكمون في ملابسهن والالوان المتناقضة ..ويثبتن الشيلات بكلّاب -جنكال وتخترق انوفهن خزّامة تتدلى :
(يابو محابس شذر يلشاد خزامات
يا ريل بالله بغنج من تجزي بام شامات
لا تمشي مشية قهر كلبي بعد ما مات ).
وتلتقط الوانا من الوشم الازرق -المثبت بغرز ابر ورش رماد عليه-على النحور والايادي والوجوه ... اما القلادات فهي من النوع الرخيص -خرز من البلاستك ينظم بخيط -.وماذا تنتظر من نساء تنتشي بالروث ورائحة البردي والاسماك الصغيرة تشوى على حطب حتى تتفحم.. حيث تضرب القبضات القوية رؤوس البصل حتى يدمع وياتي خبز التنور الطين الساخن وتبدأ معركة الالتهام ... ولكنهن غالبا فائقات الجمال .. مرة كنت في بيئتهم فاتى صغير يبيع السمك بصينية متبرما (امي انجبت طفلة وبقرتنا انجبت ولدا ).. حتى الصغار يتحيزون للرجل .ولا ينظرون للمرأة اكثر من آلة للكدح .هؤلاء النسوة ان هاجمت عشائرهم فينطلقن بالزغاريد وهوسات تشحذ الهمم .. لكنهن يطلقن عويلا يقطّع القلب على قتلاهن .. سالت امراة مرة لماذا تكدحين وانت مسنة اجابت (انا اكنز النقود لاجل الفصل -الدية , المفترضة .
ورايت في السوق اسماكا باحواض شحيحة الماء يحتضرن ...واخرى باحواض ,انبوب يصب عليهن الماء الدافق بعضها تهرب من مركز هبوطه واخرى يسبحن في قوة الماء .. اغلب المخضرات مستوردة في هذه البيئة الزراعية ... , اعتليت مدخل محل لبيع الملابس : صفان من الملكان .. يسارا نصب لصغيرات محدقات في الفراغ ولهن شعر مرسل مهمل يقابلهن صف من الملكان بلا رؤوس يتلفعن بالملابس المدرسية للصغيرات .. من المرتفع المبرد ارى السيل البشري يسح كتلته .. يحتلها الحزن والقلق ويسوّدها الرعب .. اسبوعان على بدء الدوام الرسمي ...موسم يشعر العوائل بالفزع .. بطالة وارتفاع الاسعار ..يجري السيل البشري متدافعا مفرغا من المعنى والبسمة والاحلام .. كانهم ينقلون في قطار الموت ... او ينقلون الى <قصر النهاية >..الباعة المسنون يتثاءبون وهم يتربعون امام بسطاتهم علب الكارتون .. خالية المحتوى الا من ازواج جوارب او علكة او بالونات صغيرة ودمى قماشية انهم ينظرون السيل يتخطاهم فلا يبالون به ولا يبالي .. تتخطاهم حركة الحياة ...وجدان مشغول برؤية التوابيت وعذاب القبر او الحسرات .. البسطات تحيطها اربع قوائم من حديد او خشب تتثبت عليها قطع من الجنفاز اتقاء لشمس تموز الصاهر.
بامكانك ان تقنع فأرا ان يغادر مخزن الملابس فيما تعجز عن اقناع امراة دخلت المحل لتختار ... عاجز انت عن معرفة كيف وماذا تنتقي .. هكذا غزتنا الظلمة قبل ان يتم الشراء.
غطست في السوق اتجنب عباءة فتدفعني اخرى ..صاح بائع (جوة السوك .. دجاج ) ففكرت بالمجاز (انقلبت مفردة تحت لمعنى التخفيض ) .. ورايت ذلك الصغير الذي دخل المطعم رثا وسخا واخذ كيسا من المطعم منتفخا وخرج .. كان يلهث خلف امه التي تحاول اللحاق بزوجها-قصير بدشداشته البيضاء ورقبته تدخل بين دفتيه - وتكشّف لي وجهها الضفدعي ووباء الفقر الذي نخرها وهي تحاول ان تعدل عباءتها على شبه حدبة اعلى ظهرها .. تمر محنكات- يسترن الحنك والفم بقطعة قماش سوداء -هؤلاء النسوة لا يضعن الكمامات ويحسبنها لعبة غربية - اذن هو لثام العفة القروية ...انت تفرزهن اتين من القرى النائية او الاهوار او المدن من خلال الوجوه والروائح والايادي والازياء .. بعض القرويات وبنات الاهوار ما يزلن يتمسكن بالحناء صبغة للشعر ولا يضعن من العطر سوى المسك والعنبر وامثاله .. تلتقط لون الكمون في ملابسهن والالوان المتناقضة ..ويثبتن الشيلات بكلّاب -جنكال وتخترق انوفهن خزّامة تتدلى :
(يابو محابس شذر يلشاد خزامات
يا ريل بالله بغنج من تجزي بام شامات
لا تمشي مشية قهر كلبي بعد ما مات ).
وتلتقط الوانا من الوشم الازرق -المثبت بغرز ابر ورش رماد عليه-على النحور والايادي والوجوه ... اما القلادات فهي من النوع الرخيص -خرز من البلاستك ينظم بخيط -.وماذا تنتظر من نساء تنتشي بالروث ورائحة البردي والاسماك الصغيرة تشوى على حطب حتى تتفحم.. حيث تضرب القبضات القوية رؤوس البصل حتى يدمع وياتي خبز التنور الطين الساخن وتبدأ معركة الالتهام ... ولكنهن غالبا فائقات الجمال .. مرة كنت في بيئتهم فاتى صغير يبيع السمك بصينية متبرما (امي انجبت طفلة وبقرتنا انجبت ولدا ).. حتى الصغار يتحيزون للرجل .ولا ينظرون للمرأة اكثر من آلة للكدح .هؤلاء النسوة ان هاجمت عشائرهم فينطلقن بالزغاريد وهوسات تشحذ الهمم .. لكنهن يطلقن عويلا يقطّع القلب على قتلاهن .. سالت امراة مرة لماذا تكدحين وانت مسنة اجابت (انا اكنز النقود لاجل الفصل -الدية , المفترضة .
ورايت في السوق اسماكا باحواض شحيحة الماء يحتضرن ...واخرى باحواض ,انبوب يصب عليهن الماء الدافق بعضها تهرب من مركز هبوطه واخرى يسبحن في قوة الماء .. اغلب المخضرات مستوردة في هذه البيئة الزراعية ... , اعتليت مدخل محل لبيع الملابس : صفان من الملكان .. يسارا نصب لصغيرات محدقات في الفراغ ولهن شعر مرسل مهمل يقابلهن صف من الملكان بلا رؤوس يتلفعن بالملابس المدرسية للصغيرات .. من المرتفع المبرد ارى السيل البشري يسح كتلته .. يحتلها الحزن والقلق ويسوّدها الرعب .. اسبوعان على بدء الدوام الرسمي ...موسم يشعر العوائل بالفزع .. بطالة وارتفاع الاسعار ..يجري السيل البشري متدافعا مفرغا من المعنى والبسمة والاحلام .. كانهم ينقلون في قطار الموت ... او ينقلون الى <قصر النهاية >..الباعة المسنون يتثاءبون وهم يتربعون امام بسطاتهم علب الكارتون .. خالية المحتوى الا من ازواج جوارب او علكة او بالونات صغيرة ودمى قماشية انهم ينظرون السيل يتخطاهم فلا يبالون به ولا يبالي .. تتخطاهم حركة الحياة ...وجدان مشغول برؤية التوابيت وعذاب القبر او الحسرات .. البسطات تحيطها اربع قوائم من حديد او خشب تتثبت عليها قطع من الجنفاز اتقاء لشمس تموز الصاهر.
بامكانك ان تقنع فأرا ان يغادر مخزن الملابس فيما تعجز عن اقناع امراة دخلت المحل لتختار ... عاجز انت عن معرفة كيف وماذا تنتقي .. هكذا غزتنا الظلمة قبل ان يتم الشراء.