مبارك وساط - سنقيم حفلا

ـ I ـ
نُنزِل قِرْميدًا من العربة ـ
نُنزِل قِرْميدًا من العربة فيما
على كُومَةِ الرَّمل القريبة
نَحلةٌ عَطُوف تُزْجِي لنا نصائحَ بالأزيز
إنْ نُطبِّقْها تتقوَّ عضلاتُنا بالتّأكيد
فنحنُ نريدُ أنْ نبنيَ مأوًى للعجوز
الَّتِي مرَّتْ بنا مترنّحةً في الشّتاء الماضي
واختفتْ في حَقْل العَدَس
مرّتْ بنا آهِ مرْرر…رَتْ
مرّت بنا مرْررر…رَتْ
هكذا غَنّينا لكِ يا من ترنّحْتِ في الشّتاء الماضي
وأنتَ أيّها الماضي، يا مُقَوَّسَ الظَّهْرِ، يا أَدْرَدُ
لقدْ أَتْرعْنا جيوبُكَ
صُوَرًا وأسْنانَ حليب
وأنتِ يا مُدَرِّسةً كان رأسُها يُؤلِمُها في الأصباح خاصَّةً
واسْمُها كان يبدأ بالجيم
تَرَكْنا لكِ ما تيسّر من هَأْهآت
ونَمَشًا كثيرا
كلُّ نمشة لها مفعولُ حبّة أسبرين
كِرامٌ نحن وأطفال وسعداء
ولم نعد مغروسين
بين نباتات الحُرَّيقة
كما كُنَّا عليهِ في واحدٍ من أوائل
أحلامي
نمدحكِ يا مُترنّحة وكم ودِدْنا
لو دغدغنا إبطك الأيمن
فقد عَرَفْنا أنَّكِ جدّتُنا بعد أن سمعناك ذاتَ ليلة
تُعلّمين رُضّعًا كيف يصطادون شُهبًا بالشِّباك
وقيل إنّكِ ذاتَ سهرة كنت تربّتين
على حدبة الرّاقصة
فيما كنّا نَنفخُ في الهَرْمونيكات
نَنفخُ ونَنْفخ
نَنفخ فيها لتبقى مُعزّزةً ولا تَصْدأ
فَيُلْقَى بها في غياهب السّجون
ننفخ ونُغَنّي: مرّتْ بنا آه مرْرر…رَتْ
مرّتْ بنا مرْرر…رَتْ
وهكذا إلى أنْ ننتهي من البناء وَوَقْتَها
سنُقيم حَفْلا
يحضره الباعة المتجوّلون والمساكين
وراقصة حدباء
وابنُ السّبيل والمُدَرّسة بِصُداعها
النّصفيّ
وكذلك الوجود والعدم
والتّلميذات اللواتي فتحنَ قلوبهنّ
لِلسَّيَّارات الصّغيرة الحزينة
التي وُلِدتْ بلا عجلات
ـ II ـ
في كلّ شوارع مدينتنا.. ـ
في كُلِّ شوارع مدينتنا
سُمِعتْ قرقعاتُ مفاصِلِ عابرين
فالشّتاء القارس سبّب الرّوماتيزم لظُهُور
وجعلها تتقوَّس في المقاهي والباصات
ولسيقانٍ أيضا وحتى لِلْقِطّ الذي كانتْ إحدى قوائمه قد قُطِعَتْ
في حادِثٍ بقيتْ تفاصيلُهُ مجهولةً بالنّسبة إلينا
أمّا ميرو الذي اكتسب هذه التّسميّة
من مقدراته المذهلة في فنّ الرّسم –
فيداهُ هما اللتان أُصيبتا
الآن يصعدُ ميرو سُلَّما لانهائيا يُطقطق تحت قدميه
مادًّا يديه المتألّمتين إلى الأعلى
وهما تطولان وتطولان
هذا ما يراه في الحُلم ميرو!..
لقد ابتعد الآن كثيرا عن الأرض
قدماه تصعدان بسرعة كبيرة وهو لا يتحكّم فيهما…
وفي لحظةٍ ما بَدَأَ قلقٌ حقيقيّ
يتنامى في نفسه: تُرى
هل سيستمرّ الحال على هذا المنوال
إلى أن يقضي نحبه على هذا السّلّم اللعين؟
آه! لو أنّي الآن في حديقة، قال في نفسه ميرو
أسمع أجنحةً تخفق
وأتخيّل أنّها عصافير تصفقُ أبوابا في الهواء!
آه! لو أنّي الآن في بيتي، قال في نفسه ميرو
مُسْتلقيا مَثَلا وواضِعًا قدمِي
على رُكبة زوجتي!
وفيما كان قلقُه يتعاظم، بدا، فجأةً، أنّ أمرًا مُستجدًّا
يَمحو الهمّ، في تُؤدة، عنْ تقاسيمه
بلْ ويبعثُ في نفسِه مَسَرّة غامضة!
فَهَا طيفُ ابتسامة يرتسِم، شيئًا فشيئًا
على مُحيّاه:
لقد فكّر أنّهُ قد يكونُ على وشك
أن يُحقِّق أمْرا خارِقا: أنْ تَقَعَ كفّاه
على كتفيْ قوسِ قُزَحٍ
ويلتفتَ هذا الأخير ويُطِلَّ مِنْ عَلُ فيتعرّفَ فيه
على أخ ضائع
وستعقِدُ الفَرْحةُ لسانيهما…
في تلك اللحظة بالضّبط أيْقَظتْهُ نسماتٌ لافحة
أجال الطَّرْفَ حواليه: بيداءُ شاسعة عليها
غِلالةٌ من ألق
تعــــبر دانيـــــةً فوقــــــها غيــــــومٌ مُختلجــــــــــــات!
يرغبُ ميرو في أن يتمطّى لكنْ يا لَلْهول
إنّه يكتشف أنَّ يَدَيْهِ بَقِيَتَا حتَّى بعد اليقظة
طويلتين طويلتين
وكفّاهما بقيتا بعيدتين بعيدتين
وممدودتين في الهواء
أمّه حزنتْ كثيرا
وزارتْها عجائزُ يحسب النّاظر إليهنَّ
أنّهن يُدَخنّ سجائرَ خفِيّة ويَنْفُثنَ دُخَانَها
من عيونهنّ
وفكّر ميرو في أن ينام من جديد
وأن يَشرع ثانيةً في حُلمه بالصّعود ولكنْ
بِمُجَرَّدِ ما يبدأ الحُلم، أيْ حينَ تكون يداه ما تزالان
في هيئتهما القديمة، يفتحُ
عينيه بلا تأخُّر!..
غير أنّهُ بعد أن أغفى
لمْ يَرَ في المنام سوى رجل نائم
في بيداء شاسعةٍ تعبر
دانيةً منها غُيوم
مختلجات



** نقلا عن موقع ثقافات

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...