الحبيب الدايم ربي - دكتاتورية العنوان

بين عنوان الكتاب والاسم الشخصي أكثر من وشيجة، فكلاهما وسمان تعيينيان، وكلاهما يحيلان إلى كينونة متحققة على التخصيص. ولئن كان اختيار الاسم الشخصي يخضع لشروط عديدة، منها إكراهات شجرة النسب ونسق القرابة ومقتضيات الزمان والمكان والأهواء وهلمّ حيثيات، فإن عنوان الكتاب تمليه اعتبارات معرفية وجمالية، بل وتسويقية. لأنه، رغم قيمته الرمزية المفترضة، يبقى في النهاية، “بضاعة” أو مايشبه البضاعة.

ومعلوم أن العلاقة بين الاسم الشخصي وصاحبه تظل اعتباطية. ذلك أن شخصا يحمل اسم “سعيد” لن يكون سعيدا بالضرورة، ولو أن بعض الفرضيات تزعم بكون الاسم الشخصي قدر قد يحدّد شخصية الفرد ويتحكم في مصيرها، فــ”عمرو” لن يكون، في تفكيره ومسلكه وإحساسه سوى “عمرو”. ولا يمكن لـ”عمرو” أن يتصرّف على غرار أنه “زيد” والعكس بالعكس.

وتبعا لهذا الطرح فإن للأسماء سلطتها القاهرة على المسميات. إلا أن عنوان الكتاب يبقى قصديا في الغالب الأعم. وعادة ما يكشف العنوان عن محتوى الكتاب، أو يهيّئ القارئ لهذا الكشف بشكل من الأشكال. إنه “أمير المدلولات” حسب توصيف رولان بارت. والواقع أن عناوين كثير من الكتب تظل وافية بالغرض، من حيث ترجمة المظهر للمخبر. والمشكلة ليست في مدى صدقية العناوين، وفي مدى ما تحققه للقارئ من حسن ظن أو خيبة أمل. وإنما في كون بعضها لا يدل إلا على جزء من محتوى الكتاب، في إقصاء مدبّر لأجزاء أخرى مهمّة.

صحيح أن هذا لا يحدث، إلا نادرا، في عناوين المسرحيات والروايات والكتب الواصفة في ميدان العلوم والإنسانيات والقانون وعلوم الآلة وما إليها. لكنه حاصل، لا محالة، في عناوين الدواوين الشعرية والأضاميم القصصية، في تغليب لا مبرّر للجزء على الكل، وللأقلية على الأغلبية. رغم أن “التغليب” في النحو والصرف واللغة والحياة ينتصر للأقوى والأرجح والأضخم. وإلا فما معنى أن يصادر نص واحد حق نصوص كثيرة في التسميات، فيحتكر بعنوانه عنوان الديوان أو المجموعة بكاملهما؟ رغم أن لكل نص في الديوان استقلاليته وعالمه الخاص.

ولعل أبسط أعراف الديمقراطية تقضي بأن تخضع الأقلية لحكم الأغلبية لا العكس، وإلا فأيّ منطق سيتعلل به ديوان شعري أو مجموعة قصصية، حين تدّعي لنفسها “النضال” من أجل الحريات والحقوق، فيما هما يهضمانها، شكليا،على الأقل؟ علما بأن “العيوب الشكلية” هي أخطر العيوب القانونية ومن دون تلافيها لا مجال للحديث عن “الجوهر”.


الحبيب الدايم ربي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى