منذ فترة طويلة اعتكف تمامًا على قراءة وهضم تراث العميد "طه حسين".
إنني أجده أعظم ما قدمت مصر إلى العالم في القرن العشرين، بلا منازع على الإطلاق في مجالي الفكر والأدب.
كان أحدث ما قرأت هو كتاب "معك" للسيدة سوزان طه حسين، إصدار دار المعارف - الطبعة الأولى ٢٠٢٣.
السيدة سوزان طه حسين؛ تلك السيدة التي لولاها ما بلغ العميد مكانته المذهلة تلك أبدًا. هي سيدة عشقت زوجها، تعلم تمامًا تبعات ما وقع على كاهلها نحو زوجها وأمته والتاريخ!
هذه السيدة العظيمة استطاعت تقدير هذا الدور، بل عملت بكل طاقاتها لدفع زوجها الكفيف كي يصبح دائمًا في المقدمة، بكل ما تعنيه - المقدمة- من معانٍ
قالت السيدة سوزان طه حسين عن رامتان صفحة ٢٩٩:
رامتان - مايو ١٩٧٦
"كان لابد من حضور مؤنس -ابن طه حسين- كي أعجل في إعادة النظر في إقامة جديدة أرغب فيها أكثر فأكثر. فثمة مشروع لجعل "رامتان" متحفًا.
وقد قبلت بالمبدأ وسط بلبلة الأسابيع الأولى، وبعد الصدمة العنيفة إثر حادث سطو مذهل على الدار.
لقد وجدت في هذا المشروع تقديرًا لطه، وكان هذا تقديرًا حقًا، فكثير من الناس يتمسكون بالمجئ إلى هذا البيت. وعندما أقيمت احتفالات فبراير أراد كافة المشتركين الأجانب الحضور إليه لزيارته. وكنت في منتهى التأثر حينما قمت باصطحابهم عبر الغرفة والحديقة. وكانوا هم أيضًا متأثرين مثلي.
غير أن الإجراءات التي لا تنتهي أتعبتني. فقد باتت الحالة المحزنة التي آل إليها البيت لا تطاق، وقد أصبح مغمورًا بالمياه مهملًا، خاصة أنني أعلم أنه إذا تحول إلى متحف فإنه لن يشبه الحالة التي كان عليها. ولسوف تختفي الحياة الحقيقية التي دارت فيه بذهاب وإياب الموظفين الذين لم يعرفوا عنها شيئًا، وفي الوقت نفسه سوف تسيطر على كل شيء إدارة باردة الجمود.
لا أريد ذلك؛ فذات يوم سوف تسحب منه كل حياة، ونصف الموت هذا سيكون طبيعيًا. ولكني ما دمت أستطيع أن أجعله يواصل حياته فسوف أفعل ذلك."
تلك هي خواطر السيدة "سوزان طه حسين" بل رهبتها وقلقها.
وإنها لمحقة في ذلك؛ فهي امرأة عشقت زوجها، عشقت البيت الذي جمع بينهما، الذي قضت فيه سنوات طويلة منذ عام ١٩٥٦ وحتى وفاة العميد في ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣.
لهذا القلق؛ وتحديدًا لمعرفة مدى صدق شكوك هذه السيدة العظيمة المحبة لزوجها العظيم ورغبتها في تخليد ذكراه، ذهبت إلى المتحف، ذهبت وفي القلب رهبة، لقد خشيت أن يكون عند السيدة "سوزان" الحق في هذه الرهبة. فكان كل شيئ مغاير لتخوفاتها، لكن الشيئ المحزن والمؤلم فعلا ألا أحد من المشاة أو سكان حي "دكرور" بمنطقة فيصل يعرف طه حسين! لا أحد يعرف رامتان!
في المتحف؛ تم استقبالي بشكل رائع، وتحديدًا، حين علم القائمون على المتحف أني أعمل على تراث العميد. وأني أعد كتابًا عنه. قدموا كل ما لديهم من إمكانات.
كان ترحيبًا رائعًا، مع تحفظ رضيت به وقبلته.
ألا أستخدم الكاميرا في تصوير فوتوغرافي أو فيديو.
وأن المسموح به هو التقاط صورتين فقط، بكاميرا الموبايل.
خلال الساعتين؛ عشت في رحاب أعظم من أنجبت مصر، وفي ضيافة سيدة بلغت من العظمة والقدرة على تقدير مكانتها كزوجة لرجل يقف التاريخ أمامه دهورًا وعقودًا طويلة، وأسرة بكاملها. لقد استطاع العميد أن يختار الطرف الثاني الذي سوف يرتبط به بصلة المصاهرة!
الابنة أمينة.. هي زوجة الدكتور محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر، وهو ابن العظيم أحمد حسن الزيان.
الابن مؤنس.. هو زوج حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي، ابنة الأستاذ حامد العلايلي.
أدعوكم بكل إخلاص إلى قراءة كتاب معك" تأليف السيدة سوزان طه حسين، ترجمها عن الفرنسية الأستاذ بدر الدين عرودكي، وراجعه الأستاذ محمود أمين العالم.
علي حسن
إنني أجده أعظم ما قدمت مصر إلى العالم في القرن العشرين، بلا منازع على الإطلاق في مجالي الفكر والأدب.
كان أحدث ما قرأت هو كتاب "معك" للسيدة سوزان طه حسين، إصدار دار المعارف - الطبعة الأولى ٢٠٢٣.
السيدة سوزان طه حسين؛ تلك السيدة التي لولاها ما بلغ العميد مكانته المذهلة تلك أبدًا. هي سيدة عشقت زوجها، تعلم تمامًا تبعات ما وقع على كاهلها نحو زوجها وأمته والتاريخ!
هذه السيدة العظيمة استطاعت تقدير هذا الدور، بل عملت بكل طاقاتها لدفع زوجها الكفيف كي يصبح دائمًا في المقدمة، بكل ما تعنيه - المقدمة- من معانٍ
قالت السيدة سوزان طه حسين عن رامتان صفحة ٢٩٩:
رامتان - مايو ١٩٧٦
"كان لابد من حضور مؤنس -ابن طه حسين- كي أعجل في إعادة النظر في إقامة جديدة أرغب فيها أكثر فأكثر. فثمة مشروع لجعل "رامتان" متحفًا.
وقد قبلت بالمبدأ وسط بلبلة الأسابيع الأولى، وبعد الصدمة العنيفة إثر حادث سطو مذهل على الدار.
لقد وجدت في هذا المشروع تقديرًا لطه، وكان هذا تقديرًا حقًا، فكثير من الناس يتمسكون بالمجئ إلى هذا البيت. وعندما أقيمت احتفالات فبراير أراد كافة المشتركين الأجانب الحضور إليه لزيارته. وكنت في منتهى التأثر حينما قمت باصطحابهم عبر الغرفة والحديقة. وكانوا هم أيضًا متأثرين مثلي.
غير أن الإجراءات التي لا تنتهي أتعبتني. فقد باتت الحالة المحزنة التي آل إليها البيت لا تطاق، وقد أصبح مغمورًا بالمياه مهملًا، خاصة أنني أعلم أنه إذا تحول إلى متحف فإنه لن يشبه الحالة التي كان عليها. ولسوف تختفي الحياة الحقيقية التي دارت فيه بذهاب وإياب الموظفين الذين لم يعرفوا عنها شيئًا، وفي الوقت نفسه سوف تسيطر على كل شيء إدارة باردة الجمود.
لا أريد ذلك؛ فذات يوم سوف تسحب منه كل حياة، ونصف الموت هذا سيكون طبيعيًا. ولكني ما دمت أستطيع أن أجعله يواصل حياته فسوف أفعل ذلك."
تلك هي خواطر السيدة "سوزان طه حسين" بل رهبتها وقلقها.
وإنها لمحقة في ذلك؛ فهي امرأة عشقت زوجها، عشقت البيت الذي جمع بينهما، الذي قضت فيه سنوات طويلة منذ عام ١٩٥٦ وحتى وفاة العميد في ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣.
لهذا القلق؛ وتحديدًا لمعرفة مدى صدق شكوك هذه السيدة العظيمة المحبة لزوجها العظيم ورغبتها في تخليد ذكراه، ذهبت إلى المتحف، ذهبت وفي القلب رهبة، لقد خشيت أن يكون عند السيدة "سوزان" الحق في هذه الرهبة. فكان كل شيئ مغاير لتخوفاتها، لكن الشيئ المحزن والمؤلم فعلا ألا أحد من المشاة أو سكان حي "دكرور" بمنطقة فيصل يعرف طه حسين! لا أحد يعرف رامتان!
في المتحف؛ تم استقبالي بشكل رائع، وتحديدًا، حين علم القائمون على المتحف أني أعمل على تراث العميد. وأني أعد كتابًا عنه. قدموا كل ما لديهم من إمكانات.
كان ترحيبًا رائعًا، مع تحفظ رضيت به وقبلته.
ألا أستخدم الكاميرا في تصوير فوتوغرافي أو فيديو.
وأن المسموح به هو التقاط صورتين فقط، بكاميرا الموبايل.
خلال الساعتين؛ عشت في رحاب أعظم من أنجبت مصر، وفي ضيافة سيدة بلغت من العظمة والقدرة على تقدير مكانتها كزوجة لرجل يقف التاريخ أمامه دهورًا وعقودًا طويلة، وأسرة بكاملها. لقد استطاع العميد أن يختار الطرف الثاني الذي سوف يرتبط به بصلة المصاهرة!
الابنة أمينة.. هي زوجة الدكتور محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر، وهو ابن العظيم أحمد حسن الزيان.
الابن مؤنس.. هو زوج حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقي، ابنة الأستاذ حامد العلايلي.
أدعوكم بكل إخلاص إلى قراءة كتاب معك" تأليف السيدة سوزان طه حسين، ترجمها عن الفرنسية الأستاذ بدر الدين عرودكي، وراجعه الأستاذ محمود أمين العالم.
علي حسن
