كاظم حسن سعيد - مقابر يصنعها الصغار

سدرة قزمية واحدة تختبيء خلف شجيرات واطئة وقصب حي ونبتات شوكية واعشاب استطالت , خلفها حاجز بستان من الاسلاك الشائكة .. نادرا ما يقصدها احد .. كانت تسلية لنا ايام حصار الكورونا .. اقصدها مع حفيدي قبيل اذان الافطار في رمضان نلتقط قليلا من ثمرها ونعود ..
( انت افضل من سواك ) قال جارنا الفلاح حين شكوت من الحصار الذي فرضه الوباء .. لم افهم ما قصد الا بعد اشهر ( تتسلى ببقايا بستان وتصطاد في النهر ).
آثار لنهيرات طمرت وبقايا احجار من بنكلات الهنود ايام الاحتلال البريطاني مطلع القرن العشرين .
هناك رايت طابوقا رتب بشكل مربعات وشواهد قبور من الورق المقوى كتب عليها اسماء الشهداء واعلام العراق صغيرة .. وهناك على حجر كتب بخط بدائي ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا ..)
بعد استقصاء لايام عرفت من اسس هذه المقبرة الطفولية واجابني بن جارنا المؤسس في الخامس الابتدائي ( انهم شهداء العراق ضد داعش ).
بعد ايام سمعت هذا الطفل يحدث اقرانه عن معركة الجمل وجيشي يزيد والامام الحسين ويشرح لهم من كان على حق من الجيشين .
انه عنيد هذا بن عمتي الصغيرة بدات تحدث جدها عن الحكاية قرب قفص كبير لطيور الحب في اول صبح من سبتمبر ..الرياح شمالية راكدة لكنها رحمة من جحيم صيف تخطى نصف درجة الغليان .
نادرا ما وقفت استطلعه فلم يكن وجودهن وصخبهن يثيرني خلافا لاهتمامي بجراء الكلاب الصغيرة والقطط .
لكني وقفت ذات يوم لنصف ساعة اراقبهن تلك طيور الكناري حيث يبذل الذكر كل جهد ويستكشف طرقا للاغراء لاجل حيازة انثى .. يمشط ريشها بمنقاره حتى يدنيها من النعاس يطاردها حتى تتخلى عن اسلحتها الدفاعية .
حدثتني حفيدتي عن عناده ان اراد شيئا .
وحين وجد طير حب ميتا اراد دفنه فاخرجوه من القفص ووضعوه بتابوت من الورق المقوى وشيّعوه مطلقين ( لا اله الا الله ) وهم يحملونه ثم اودعوه في القفص فاحاطت به الطيور وصوتت ووقفت على التابوت .. بعدها اخرجوه من القفص ومضوا به لحديقة خلف المنزل وحفروا له قبرا ..
كل ذلك جرى وهم يصورون عملية التشييع والدفن بهواتفهم والطفل العنيد يمثل دور النائح الباكي ويعدل من نظارته السوداء وكوفية الحزن التي اخذها من خاله .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...