فوز حمزة - أنا وبلي..

خرجت من المنزل بسرعة أحمل حقيبتي في يدي وفي الأخرى هاتفي النقال بعدما جاءتني رسالة من تطبيق بلي مكتوب فيها: السائق في انتظارك!
بدأت أبحث عن لوحة سيارة نهايتها الرقم 256 ، كما ظهر في التطبيق لكني لم أعثر، تلفتُ يمينًا، وشمالًا، دون فائدة، مشيتُ خطوات منعطفة نحو الزقاق الآخر لعله يقف عند ناصية الرصيف كما قلت لنفسي، دون جدوى، شعرت بالامتعاض، وأنا عائدة إلى البيت وكنت على وشك إلغاء الرحلة، وطلب أخرى، فإذا بشاب يجلس داخل سيارة حمراء اللون يلوح لي بهاتفه!
اقتربت من السيارة واستدرت من الناحية الثانية وقلت له:
- مرحبا، أنت بلي؟
أجاب وكان ملتحيًا في العشرينيات من عمره:
- أي، وهذا اسمي مثل ما مكتوب بالتطبيق!
ثم قرب الهاتف من نافذة السيارة كي اقرأ، وكان بالفعل الاسم ذاته.
- بس الأرقام مختلفة! قلت له بعد ركوبي في الخلف.
- أي صحيح، مو بدلتْ السيارة ..
- بس ميصير تكتبولي رقم ويجي واحد ثاني، يعني أني أشلون أعرف؟!
- مو أني آشرتلج، بس إنتي ما شفتيني، دگيتلج هورن ما سمعتيني، حتى گلت ويه نفسي: هاي أشبيها الحجية؟ متسمع لو متشوف؟!
كنت هادئة قبل أن يقول جملته الأخيرة، ضربتان في وقت واحد؟ هاي أشبيها والحجية؟ الأمر موجع!
لكني كسيدة مهذبة تجيد السّيطرة على ردة فعلها، قلت له:
- يعني هسه أني الغلطانة؟!
- لا، مو هذا قصدي، قصدي لو أشوية منتبهة جان شفتيني!
هنا بدأ صراع الأجيال، فقلت وكنت أعتقد أنني بسؤالي قد أوقد شمعة بدل لعن الظلام:
- زين وأني شمدريني أنت مبدل السيارة؟!
- وهنا، تجلى لي الظلام الذي لن تنيره شموع الكرة الأرضية كلها، فقال:
- حجية الشغلة سهلة...
شعرت بغصة في قلبي وهو يعيد كلمة حجية.
- حجية ترة الشغلة سهلة، إنتي لو بس سائلة سواق السيارات الواكفة جان عرفتي أنو أني السايق..
كنت أظنه يمزح، نظرت إليه في مرآة السيارة، فسألته، لكن هذه المرة بجدية أكثر:
- يعني أنت قصدك أروح أدگدگ على أصحاب السيارات الواكفة أسألهم منو بيكم سايق بلي؟!
ظننته لم يسمعني إذ انشغل بشراء قنينة ماء من بائع بعد توقفه عند الإشارة وبعد أن شرب، قال:
- أي شكو بيها حجية، تره هو سؤال!
نظرت عبر النافذة، أحاول هضم ما سمعته قبل قليل، سألته وكنت متلهفة لسماع إجابته:
- بس هذي السيارات الواگفة سيارات جيرانه، يعني أعرفهم...
قاطعني بعدما غير من نبرة صوته التي علت قليلاً متحدثًا كأنه صاحب حق:
- ترة ما صار شيء، لا تكبرين الموضوع، هسه توصلين. تريدين تروحين لمقهى گهوة وكتاب؟
لم أرد عليه لأني تلقيت اتصالا من صديقتي التي تنتظرني تسألني عن سبب تأخري.
- وكأنه لم يكتفِ بتعذيبي، فقال وهو يضع يده وراء رأسه:
- ما گلتيلي حجية، إنتي رايحة لگهوة وكتاب؟
كانت الثالثة هي القاضية، فقلت بصوت بيّنت فيه أنني لا أريد الحديث معه:
- أي..
يبدو أنه فهم ما أريد، فلم يتحدث طوال المسافة الباقية إلا بعد وصولنا، قال:
- ها آها، وصلنا، ترة ما انگلبت الدنيا، بس أنتن الحجيات تسون من الحباية كباية، تريدن كلشي ع النظام!
أحيانًا الصمت يكسبك المعارك أفضل من أي سلاح، أقنعت نفسي بهذا الكلام وأنا أترجل من السيارة متوجهة إلى باب المقهى، فصاح:
- وين حجية، ترة أنتي ما دفعتي الكروة!
رجعت وأنحيت كي أستطيع إدخال رأسي من النافذة، وقلت له:
- شوف، أني راح أدخل المقهى وأنت بعد خمس دقايق بالضبط، بعد خمس دقايق ها مو أقل تعال وراية وأسأل الگاعدين، منو منكم يعرف الحجية التي جانت راكبة ويايه، من ايدلوك عليّ انطيك الفلوس، نسيت أكلك ترة المقهى طابقين!
دخلت المقهى وتركته يغني بلي يا بلبول بلي، ما شفت عصفور بلي!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...