على الطاولة آثارُ شيءٍ دافئ، إحساسٌ غريبٌ يتسلل إليه، يخطف قلبه ، يُشعره بأنه في عالم آخر، ماسر هذا المكان؟ قال له أحد العاملين : كانت على المقعد الذي تجلس عليه امرأة طلبتْ مشروبًا ساخنًا، عندما شاهدتَك قادمًا لم تُكمل احتساءها له ، اكتفتْ بالنصف وغادرتْ وهي تنظر إليك، قال له: فهمتُ الآن، نظر باستغراب وهو يقول : فهمتَ ماذا؟ أجابه : لاشيء، ضرب بكفيه على الطاولة ليستدفئ من بقية الآثار ، الجو في المكان بارد ولم يَلبس معطفه في ذلك الصباح الذي ألهبَ فيه الدفءَ العجيب، نصفُ المشروب الذي أهرقه العامل في برميل المخلفاتِ الصغيرِ أشعره بالغيرةِ وجعله يمقتُ هذا العاملَ الذي أزهقَ روحَ الدفءِ في مكانٍ لايستحقه ولكن بعضَ الصباحاتِ الجميلةِ قد تفقد روعتها إذا طردتِ أشعةُ الشمسِ القطراتِ الرقراقةَ القادمةَ من وجه سحابٍ خجولٍ تائه ، لم يطلب شيئًا وبقيَ يتحسسُ مكانَ الدفء، عاد إليه العاملُ من جديدٍ يعرضُ عليه ما إن كان يريد شيئًا وبيده طبقٌ في وسطه كوبٌ فارغ ، اصطدم العامل بالطاولة التي أمامه ، سقط الكوبُ فتشظى وتناثر، وقعتْ بالقرب من كفيه شظيةٌ يبدو أنها الأكبر ، أراد العامل أن يأخذها وهو يرتجف ويعتذر ، رفع له يده كي يشعره بالأمان، منعه من أن يأخذ الشظية، كان ملمسها لايزال ساخنًا، يبدو أن الحرارة تضاعفت ، مرت من أمامه وهي تعجب من حاله ، قال العامل بهمس : هذه هي التي تركتْ نصفَ الكأس ، أراد أن يرمي قطعةَ الزجاجِ الدافئة ، لا يدري ماذا هو فاعل؟ حدَّثَ نفسه عن جنونه ويسألها : هل أنا مجنون؟ مسحَ ظاهرَ كفَّيه بمنديلٍ كان في جيبه من تورُّدِ شرايينها ، يقلب كفَّه اليمنى ويسألها عن الذنب الذي اقترفته؛ يبدو أن الشظيةَ جاءتْ لتحذره كي يحتسي مشروبه في أمانٍ ولا تجرفه الشظايا، رفع رأسه وهو غارقٌ في تفكيره وإذ بالعامل يقدم له كأسًا من عصيرِ التفاحِ، طلب منه أن يهدأ وأن ينسى الشظايا.