ابراهيم خليل العلاف - ابراهيم ناجي 1898 - 1953 شاعر الرومانسية العربية المعاصرة

أحد الاحبة ، إقترح عليّ الكتابة عن الشاعر المصري الطبيب الدكتور براهيم ناجي الذي عرفه الكثيرون من خلال القصيدة الرائعة التي غنتها السيدة كوكب الشرق أم كلثوم ، واقصد قصيدة (الاطلال ) . في حياته لم يكن الدكتور ابراهيم ناجي يحظى بالإهتمام الذي حظي به بعد وفاته سنة 1953 رحمة الله عليه ، وتلك حظوظ لا يلقاها الا الذين صبروا ..في حياته لم يعترف به عميد الادب العربي الدكتور طه حسين وقال ما يكتبه هذا الرجل ليس بشعر ..سبحان الله . وجاءت قصيدة ( الاطلال) لترفع من مكانته في اعين الجماهير العربية في طول الوطن العربي وعرضه ، وتسمو بإسمه ليكون في سجل الخالدين من الشعراء .
اعماله الشعرية الكاملة نشرها وحققها ودرسها الاستاذ حسن توفيق . كما ان الاستاذة سامية محرز الفت عنه كتابا بعنوان : ( ابراهيم ناجي ..زيارة حميمة تأخرت كثيرا) . وكتبت الدكتورة بسمة خليفة كتابها الموسوم ( الالم في شعر ابراهيم ناجي ) . كما كتبت الدكتورة عبير ابو زيد كتابا عنه بعنوان (صورة المرأة في شعر ابراهيم ناجي) ، وكتب الاستاذ محمد رضوان كتابه ( ابراهيم ناجي ..شاعر الحب والعشق ) وكتب وكتب وكتب .
اقول ؛ اليوم يسميه الكثيرون (شاعر الاطلال ) . هو من مواليد سنة 1898 وهو خريج الكلية الطبية سنة 1922 ومنذ سنة 1926 وهو يكتب الشعر وكان من رموز الشعر الرومانسي ينتمي الى (مدرسة ابولو الشعرية) ، وهو قد قرأ لبودلير الشاعر الفرنسي وترجم من الفرنسية جانبا من ديوانه الشهير ( أزهار الشر) .وقد اولع بالترجمة ، ومن ترجماته عن الانكليزية رواية ديستوفسكي (الجريمة والعقاب ) ، وترجم عن الايطالية رواية (الموت في اجازة) ، وله كتب مؤلفة من قبيل كتابه (عالم الاسرة ) ، وكتابه (مدينة الاحلام) ومعنى هذا كله انه كان يتقن لغات اجنبية عديدة لا بل هو متمكن منها ومن لغته العربية .كما انه كان عنصرا فاعلا في مجتمعه ؛ فله ديوان شعر لا بل اكثر من ديوان وقصائده واعماله الشعرية والثقافية صدرت في مجلدات .ومن الطريف اننا ندندن قصيدته (الاطلال) لما فيها من حكم وخاصة عندما يقول :
يا حبيبي كل شئٍ بقضاء ..
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا ..
ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله ..
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته ..
لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء
ولهذه القصيدة قصة ملخصها انه كان يحب فتاة من جيرانه ،وسافر يدرس الطب وعاد ليجدها قد تزوجت فيتألم وبعد عقد ونصف شاءت الاقدار ان يستدعى لمعالجة امرأة في حالة ولادة متعسرة فيكتشف انها هي حبيبته وهكذا الاقدار تشاء ، والحظ يشاء لكن الحياة سارت في اتجاهات اخرى والحب ظل كما هو قويا ، وعارما ، وخالدا .
ما اعجبني ان المرحوم الشاعر والصحفي والكاتب الكبير الاستاذ سامي مهدي كتب عنه في صفحته الفيسبوكية يوم 28 يونيو -حزيران 2021 مقالة ملفتة للنظر قال فيها :" إبراهيم ناجي من شعراء الحقبة الرومانسية في الشعر العربي . إنضم إلى جماعة ( أبولو ) سنة 1932 . ولكنه لم يكن شاعراً مهماً ، كعلي محمود طه أو محمود حسن إسماعيل أو أحمد زكي أبو شادي . كان شاعراً فحسب ، بين العديد من الشعراء المصريين الرومانسيين . وتوفي أيام كانت الرومانسية قد بدأت تلفظ أنفاسها في أوائل خمسينيات القرن العشرين .
وكان من سوء حظ ناجي ، أن هاجمه الدكتور طه حسين عميد الادب العربي بقسوة لدى صدور ديوانه الأول ( وراء الغمام ) سنة 1934 . وسخر منه ومن شعره . فقال عن شعره إنه " شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه " . وقال عنه إنه " أديب بين الأطباء وطبيب بين الأدباء " وإنه " ذو جناح ضعيف لا يقوى على التحليق " ونشر ما قاله في كتابه الشهير ( حديث الأربعاء ) .
أما الاستاذ عباس محمود العقاد الكاتب الكبير ، الذي كان يتصدر جماعة ( الديوان) ، فقد وصف ناجي بالتصنع ، والمرض ، واتهمه فوق ذلك بالسرقة ! ويتفق مؤرخو الأدب على أن هجوم طه حسين عليه ، خاصة ، أصابه بخيبة أمل كبيرة ، وكانت سبباً في قلة إنتاجه الشعري ، وعزوفه عن نشره سنوات طويلة ، فلم يصدر ديوانه الثاني ( ليالي القاهرة ) إلا بعد عشر سنوات من صدور ديوانه الأول . صدر سنة 1944 .
وكان ناجي طبيباً ، زاول الطب في عيادة خاصة ، وشغل أكثر من وظيفة رسمية ، ويؤثر عنه أنه كان رفيقاً بمرضاه الفقراء ، يتنازل لهم عن أجرته بطيب خاطر ، ويشتري لهم الدواء إذا لزم الأمر ، وقد يمنحهم فوق ذلك بعض المال في بعض الحالات .
كان قصير القامة ، وجسمه ضئيل وغير متناسق في أعضائه ، ويقول عنه بعض من عرفه إنه " لم يكن يؤمن بشيء ويسخر من كل شيء " . والواقع أنه كان ظريفاً من الظرفاء ، تروى عن ظرفه حكايات كثيرة ، وكان ساخراً ، يسخر حتى من نفسه ، وكان في سخريته الكثير من المرارة . وقد مرض طويلاً في أخريات حياته [كان مريضا بمرض السكريٍِِ ] ، واستنزف علاجه مدخراته القليلة ، ومات أخيراً في عيادته ، سقط فجأة وهو يتلوى من الألم ، وفارق الحياة قبل أن يفلح أحد في إسعافه .
لناجي ديوانان آخران هما (في معبد الليل ) الصادر سنة 1948 و " الطائر الجريح " الصادر سنة 1953 . وله أيضاً عدة كتب في الترجمة ، وأظن أنه أول من ترجم للشاعر الفرنسي شارل بودلير مختارات من ديوانه ( أزهار الشر ) ، أي قبل خليل خوري وغيره بكثير " .
رحم الله الشاعر الدكتور ابراهيم ناجي ، وطيب ثراه ، وجزاه خيرا على ماقدم وقمين بشاباتنا وشبابنا ان يعيدوا قراءة شعره وسيرته . عرض أقل
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...