محمد العارف - الليلة تمطرُ..

الليلة تمطر
أيُّ حواديت ستلقيها يا قمر على المارةِ
وصبي يغمس ماضيه في الوحل ويقذفه للأعلى
أبلت معطفهُ يا قمر الأيام
وأغواه مذاق السهر ليخبر صورته في المرآة:
«خرابٌ قلبي
يشبه بيتاً طينياً هجرته مغنية الحي
وجرّب فيه الأصحابُ معاولهم»
يتمشى كالسيرة في ذاكرة الراوي
عيناه تصيران دخانا إن أعطى الشارع سيجارته الآخرة
أو ابتسم لعابرة.
يسخر من أبناء العالم:
«إن أباكم سكران فلماذا يا حمقى لم يلمع خنجركم»
من زمن فات
وفي بلد عارفةٍ بمزاج الموتى
رباه الجبل
وأفهمه الأزميل اللغة الأولى
فغنى للصخرة والشجرة والنفس الخطاءة
كان إذا مرَّ عليه الليل كشحاذٍ
فرَّ من الدار
وغنى:
«ياخمار
افتح باب الخمارة
فالجبل أبونا أشعلت الحكمة في لحيته النار
وملَّ الدنيا
فليدر الكأس
ونعبر بمراكبنا الورقية هذا النهر
إلى أرضٍ عطرها البسطاء بموسيقاهم
أرض عاصرةٍ للعنب
وخازنة للتمر
وكاشفةٍ لنهود صباياها
أرضٍ تشبه خمرتنا
يا خمار افتح باب الخمارة
للناس تماثيلهم البالية
ونحن لنا أن نسخر من خطأ النحات..»
صبيٌ يا قمر
إذا مرَّ عليه الليل كشحاذٍ
أشعل شمعته للبسطاء وذاب….
الآن كصياد نسي الشبكة
ينسى الأنسان
ويغسل شعر الأرض
يزينها
ويعطرها بالمسك
يعلمها الرقص وفي الليل يقصُّ عليها
أن عجوزا ألقت في المدفأة التذكار
لكي لا تنسى
يرسم بالحناء على كفيها غزلانا ترعى
وعلى ساقيها نمرا يغوي أنثاه
ويزوجها فاتنة للموت
أو البلوى
يتمشي في حلكٍ كسبتها يده
ما منَّ الزمن بقنية خمر أو ذكرى
تمطر
فيحدق في قطرة ماء شاردة
يبصر محبوبته ترقص مع صاحبها
يبتسمان لشجرة كافور
ويقولان:
«العالم أحلى من نظرة هذي الشجرة للزمن
وما في بؤجته إلا الحلوى..»
الدنيا تقطف لهما التفاحة وتقول:
«مباركة هذي الليلة يا طفلي
فكونا ضحكتها...»
محبوبتُهُ ترقص
واللحظة عازفة كمان رائعة
والليل البائس هذا أرقى صالات الرقص
فأي حواديت ستلقيها يا قمر
اجلس فوق أريكتك السوداء وغازل عاقدة الحاجب
سل لفتتها عن رقة حالك
وتوسل للشاي الأخضر كي يسكرها
خذ يدك بيدها وتذكر أن نعومتها تجرح وتذكر
أن ذات مساء مرت
وهو على المقهى يتسآل:
«لم لم ينس الحكّاء حكايته السيئة
ويتأمل وجه الماء؟!»
ولم تبصره على المقهى
كالحجر إذا يبكي لم تبصره
فأفلت من يده النرد
وأمسى بئراً تلقي فيه الأشياء خسارتها
يصرخ من وهنٍ في وجه القهوة
فيخوِّفه النادل من زعل القهوة
وهو غريب يتكئ على ما يخشى
ويدخِّنُ حتى ينسى
ويقول كرسام يغرق في الدهشة:
إن الليلة تمطر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...