على موعده الدائم "الخميس من كل أسبوع" تنتظره نساء قريتنا، ضعيف البنية، قصير، دقيق ملامح الوجه، له صوت جهوري، تتعجب حين تسمعه ، كيف لهذا الصوت أن يخرج من هذا البدن الهزيل! عباراته قاطعة لها قفلات محكمة، لو سمعت نداءه دون أن تراه لخيل إليك أنه قائد جيش ينادي على جنده ليتجمعوا في ساحة المعركة، تحول نداؤه لأغنية لنا، ظلت معنا حتى كبرنا ( ولا في الدنيا ولا في الدين إلا بضاعة الحاج حسين يلّا يا بت يلّا يا ست, خدي أطباق وحِلل البت ) ما إن نسمع هذا النداء حتى نترك ما نحن فيه من لعب لنصحب أمهاتنا في عملية المقايضة التي تتم في مثل هذا اليوم من كل أسبوع .
حملت أمي البيض وأنا أمسك بجلبابها و توجهت حيث يقف الحاج حسين على ناصية الشارع,قد أحاط نفسه بأجولة البضاعة, تدفع النساء إليه البيض ويأخذون بدلا منه أطقم الشربات وأكواب الشاي ومفارش السرير والفوط وأيضا الصابون وبعض الأغراض المنزلية . كان وجوده فرصة لتجمع نساء الحي وتبادل الكلمات والضحكات والأخبار، وهو بينهن كالأب الحنون يشتمهن فيضحكن، مهما اشتد غضبه عليهن لا يغضبن منه, يعرفن أنه سريع الغضب سريع الفيء، فقد كانت نظراته الباسمة وسماحته تنسيهن الحدة التي تكون فيه أحيانا .
كان حرصي على مصاحبة أمي يعود إلى القرش الذي يمنحه عم الحاج حسين لي ولكل طفل يصحب أمه في هذه المقايضة، فلم تكن الأمهات وحدهن اللاتي يفرحن بمَقدِمه ولكن الأطفال أيضا.
المكان الذي يضع فيه البيض عجيب جدا، فقد جعل من عبِّهِ مخزنا للبيض الذي يجمعه من النساء، يشد وسطه بحزام عريض ويرفع جلبابه لأعلى ويبقي منه ما يغطي نصف ساقيه ويملأ هذا العبَّ بالبيض يضعه بحرص الواحدة بجانب الأخرى حتى يمتلئ عن آخره فيبدو كحامل في شهرها التاسع، تضحك النساء منه ويقلن له ربنا يقوّمك بالسلامة يا عم الحاج حسين يشتمهن فيضحكن.
وقفت أمي تنتظر دورها لتدفع له بالبيض وتحصل على طقم شربات "الشيخ علي وأولاده" ولا أدري كيف طاشت يدي فأوقعت طبق البيض من يدها فسقط على الأرض محطما، خمسا وعشرون بيضة لم تسلم منهابيضة.
انحنت أمي علها تجد بيضة نجت من هذه الكارثة فلم تجد، انهالت عليّ ضربا وقرصا وتوبيخا، أيها المائل الخائب حطمت في ثانية ما جمعته في أسبوع كامل؟ جعلتني أعود دون سائر النساء بأيدٍ خالية ؟ أوجعني الضرب, لكن ليس هو الذى أحزنني؛ وإنما عودتي دون القرش الذي أنتظره من الأسبوع الفائت، أمسك عم الحاج حسين يدها عنّي وصرخ فيها: بت اتركي الولد"ضربة في بطنك" هذا البيض لا نصيب لنا فيه وانقطع رزقك منه. ودس يده في صدره وأخرج محفظته وقد علقها في رقبته بحبل وأخرج لي القرش وقل لي بحنو: خد يا ولد اشترِ كرملة وسيبك من البت دي .
استدارت أمي مغادرة وقد كسا الحزن ملامحها، مضت خطوات فجاءها صوت عم حسين بت يا سناء: يكفي عشرين بيضة المرة القادمة وسأعطيك طقم الشربات، ابتسمت أمي ابتسامة ممزوجة بالحزن ومضت، سمعتُ همسات النساء يدعون له : ربنا يطول لنا في عمرك يا عم الحاج حسين، لم نكن لنستطيع أن نجمع شوار البنات لو لم تطاولنا وتصبر علينا.
جلَسْتُ على سلم جارتنا ألتهم الحلاوة السمسمية وأنا أفكر: هل سيعطيني قرشا في المرة القادمة أم أني أخذته مقدما ؟
وداد معروف. من مجموعة (همس الملائكة)
حملت أمي البيض وأنا أمسك بجلبابها و توجهت حيث يقف الحاج حسين على ناصية الشارع,قد أحاط نفسه بأجولة البضاعة, تدفع النساء إليه البيض ويأخذون بدلا منه أطقم الشربات وأكواب الشاي ومفارش السرير والفوط وأيضا الصابون وبعض الأغراض المنزلية . كان وجوده فرصة لتجمع نساء الحي وتبادل الكلمات والضحكات والأخبار، وهو بينهن كالأب الحنون يشتمهن فيضحكن، مهما اشتد غضبه عليهن لا يغضبن منه, يعرفن أنه سريع الغضب سريع الفيء، فقد كانت نظراته الباسمة وسماحته تنسيهن الحدة التي تكون فيه أحيانا .
كان حرصي على مصاحبة أمي يعود إلى القرش الذي يمنحه عم الحاج حسين لي ولكل طفل يصحب أمه في هذه المقايضة، فلم تكن الأمهات وحدهن اللاتي يفرحن بمَقدِمه ولكن الأطفال أيضا.
المكان الذي يضع فيه البيض عجيب جدا، فقد جعل من عبِّهِ مخزنا للبيض الذي يجمعه من النساء، يشد وسطه بحزام عريض ويرفع جلبابه لأعلى ويبقي منه ما يغطي نصف ساقيه ويملأ هذا العبَّ بالبيض يضعه بحرص الواحدة بجانب الأخرى حتى يمتلئ عن آخره فيبدو كحامل في شهرها التاسع، تضحك النساء منه ويقلن له ربنا يقوّمك بالسلامة يا عم الحاج حسين يشتمهن فيضحكن.
وقفت أمي تنتظر دورها لتدفع له بالبيض وتحصل على طقم شربات "الشيخ علي وأولاده" ولا أدري كيف طاشت يدي فأوقعت طبق البيض من يدها فسقط على الأرض محطما، خمسا وعشرون بيضة لم تسلم منهابيضة.
انحنت أمي علها تجد بيضة نجت من هذه الكارثة فلم تجد، انهالت عليّ ضربا وقرصا وتوبيخا، أيها المائل الخائب حطمت في ثانية ما جمعته في أسبوع كامل؟ جعلتني أعود دون سائر النساء بأيدٍ خالية ؟ أوجعني الضرب, لكن ليس هو الذى أحزنني؛ وإنما عودتي دون القرش الذي أنتظره من الأسبوع الفائت، أمسك عم الحاج حسين يدها عنّي وصرخ فيها: بت اتركي الولد"ضربة في بطنك" هذا البيض لا نصيب لنا فيه وانقطع رزقك منه. ودس يده في صدره وأخرج محفظته وقد علقها في رقبته بحبل وأخرج لي القرش وقل لي بحنو: خد يا ولد اشترِ كرملة وسيبك من البت دي .
استدارت أمي مغادرة وقد كسا الحزن ملامحها، مضت خطوات فجاءها صوت عم حسين بت يا سناء: يكفي عشرين بيضة المرة القادمة وسأعطيك طقم الشربات، ابتسمت أمي ابتسامة ممزوجة بالحزن ومضت، سمعتُ همسات النساء يدعون له : ربنا يطول لنا في عمرك يا عم الحاج حسين، لم نكن لنستطيع أن نجمع شوار البنات لو لم تطاولنا وتصبر علينا.
جلَسْتُ على سلم جارتنا ألتهم الحلاوة السمسمية وأنا أفكر: هل سيعطيني قرشا في المرة القادمة أم أني أخذته مقدما ؟
وداد معروف. من مجموعة (همس الملائكة)