في منتصف الثمانينات
قرر الجمال أن يتواجد بشكل مختلف
فتزوج رجل لبناني من امرأة لبنانية
وجئتي إلى الحياة
بعدها مباشرةً
صار جنوب لبنان أكثر هدوءاً
وتخلى حسن نصر الله عن فكرة الحرب التي في رأسه
أُبرمت معاهدات عديدة للسلام
وفي سابقة تاريخية لم تحدث من قبل
تصالحت اليابان مع أمريكا
توصل الفيزيائيون إلى نظرية "أثر الفراشة"
تم العثور على أكثر من مليون سبيكة ذهب في العالم
سقط الاتحاد السوڤيتي وأنتِ في الثانية عشرة من عمرك
مات ميلان كونديرا دون أن يحصل على نوبل
رغم أن هذه المسألة لم تكن تشغله كثيراً
مضى على حدوثك إذن أربعين عاماً.
عندما التقينا منذ عشر سنوات
تعلمت قواعد النحو والصرف من جديد
تأكدت أن المُضاف إليه يكون في الأصل مجروراً
وبأن الفعل الماضي يمكن تحريكه في النحو
والمضارع يمكن إعرابه
لهذا السبب
كنت كلما مررت من أمام مكتبك، سألتك:
"رامحة: إزيك؟"
وكنتِ تردين: "منيحة، كيفك إنت؟"
صدقيني
المرور على مكتبك في الصباح
كان أشبه بالقيام بعملية فدائية
الآن، بعد غيابٍ طويل
فهمت أن "إزيك؟" لم تكن "إزيك؟"
و"منيحة" لم تكن "منيحة"
و"كيفك إنت؟" لم تكن "كيفك إنت؟"
لذلك
ولأجل المسافة الجغرافية بنت الكلب التي بيننا
تعالي نكرر اللعبة:
"رامحة: إزيك؟"
طوال السنوات الفائتة
كنتي ترددين بعين العارفة:
"أنت في المكان الخطأ من الحياة"
وكنت أكذبك
الآن،
أعض على شفتي السفلى
وعلى أصابعي العشرة من فرط حماقتي
أعرف أن هذه الحماقة كانت ضرورية
الحماقة مجانية ولا تحتاج إلى مجهود
أتعرفين؟
كل هذه الحماقة لا تهُم
المهم أنني جئت
لكنني على الأقل، على الأقل،
تعلمت كيف أشحن نفسي بحبة ليمون واحدة
كيف أضع الطعام للعصفورة
كيف أشم رائحة المطر في الصباح
وكيف أشم رائحة اليود القادمة من قاع البحر.
بطبيعة الحال، لا أنسى نصيحتك البريئة:
"عليك أن تعتني بصحتك هذه الأيام يا عزيزي"
وردي الاعتباطي عليها:
"صحتي ستتحسن لو توقفت عن التفكير بكِ كل يوم لمدة ساعة واحدة فقط"
ثم تضحكين بعدها
في الحقيقة، كان ردي ماكراً
لأنني قصدت أن تضحكي
لأنكِ عندما تضحكين،
تضحك الأسماك في البحر وتقفز في الهواء.
يا الللللللللله على حكمتك
وأنا أحكي لكِ عن كل ما حدث في السنوات السابقة
بصوت دافئ، قلتي:
"لا تكبر المسألة، المهم أنك جئت
كل ما عدا ذلك خسائر جانبية
بلل إصبعك، وأقلب الصفحة
عليك أن تكون خفيفاً من أجل أن تكون حركتك أسرع"
تمت عملية شفائي بنجاح وكأنكِ جراحة ماهرة
دون قفازات، ودون مخدر،
ودون مشرط حاد، ودون قطرة دم واحدة
العظام المتهشمة في الداخل التئمت في أقل من ساعة.
من أين جئتِ بكل هذه الحكمة؟
هل تعرفين هذا الشاعر، ويليام بتلر ييتس؟
انظري كيف يقول كل شيء بلغة حكيمة وبالغة التكثيف:
"لكنني فقير، لا أملك سوى أحلامي
وها قد فرشتها تحت قدميكِ
فرفقاً بأحلامي إذ تعبرين".
الليلة، خطر ببالي سؤالين:
كم عدد حبات التوت الأحمر التي سقطت من شجرة صوتك في آخر مكالمة؟
ومن هذا الرسام الماهر الذي يقف خلف أناقة أنفك؟
أنفك
أنفك
أنفك
إلى ما لا نهاية.
بالمناسبة
فكرت في كتابة اسمك على ورقة
وإلصاقها على بوابات كل الحدائق العامة في العالم
بما فيهم كوريا الشمالية رغماً عن أنف كيم جونغ أون
رغم أنني أعرف أن التفاوض معه على موضوع كهذا
سيكون ثمنه حياتي.
على أي حال،
الشيء الوحيد الذي أرغب فيه في هذه الحياة
هو أن أتناول معك آيس كريم
أنتِ تحبينه بالفانيلا
أليس كذلك؟
الآن، سيكون جيداً لو تمكن شخص،
أي شخص،
من وضعي في صندوق وإرسالي إلى الدوحة عبر DHL
لنتناول معاً آيس كريم بالفانيلا.
محمود الباجوري
قرر الجمال أن يتواجد بشكل مختلف
فتزوج رجل لبناني من امرأة لبنانية
وجئتي إلى الحياة
بعدها مباشرةً
صار جنوب لبنان أكثر هدوءاً
وتخلى حسن نصر الله عن فكرة الحرب التي في رأسه
أُبرمت معاهدات عديدة للسلام
وفي سابقة تاريخية لم تحدث من قبل
تصالحت اليابان مع أمريكا
توصل الفيزيائيون إلى نظرية "أثر الفراشة"
تم العثور على أكثر من مليون سبيكة ذهب في العالم
سقط الاتحاد السوڤيتي وأنتِ في الثانية عشرة من عمرك
مات ميلان كونديرا دون أن يحصل على نوبل
رغم أن هذه المسألة لم تكن تشغله كثيراً
مضى على حدوثك إذن أربعين عاماً.
عندما التقينا منذ عشر سنوات
تعلمت قواعد النحو والصرف من جديد
تأكدت أن المُضاف إليه يكون في الأصل مجروراً
وبأن الفعل الماضي يمكن تحريكه في النحو
والمضارع يمكن إعرابه
لهذا السبب
كنت كلما مررت من أمام مكتبك، سألتك:
"رامحة: إزيك؟"
وكنتِ تردين: "منيحة، كيفك إنت؟"
صدقيني
المرور على مكتبك في الصباح
كان أشبه بالقيام بعملية فدائية
الآن، بعد غيابٍ طويل
فهمت أن "إزيك؟" لم تكن "إزيك؟"
و"منيحة" لم تكن "منيحة"
و"كيفك إنت؟" لم تكن "كيفك إنت؟"
لذلك
ولأجل المسافة الجغرافية بنت الكلب التي بيننا
تعالي نكرر اللعبة:
"رامحة: إزيك؟"
طوال السنوات الفائتة
كنتي ترددين بعين العارفة:
"أنت في المكان الخطأ من الحياة"
وكنت أكذبك
الآن،
أعض على شفتي السفلى
وعلى أصابعي العشرة من فرط حماقتي
أعرف أن هذه الحماقة كانت ضرورية
الحماقة مجانية ولا تحتاج إلى مجهود
أتعرفين؟
كل هذه الحماقة لا تهُم
المهم أنني جئت
لكنني على الأقل، على الأقل،
تعلمت كيف أشحن نفسي بحبة ليمون واحدة
كيف أضع الطعام للعصفورة
كيف أشم رائحة المطر في الصباح
وكيف أشم رائحة اليود القادمة من قاع البحر.
بطبيعة الحال، لا أنسى نصيحتك البريئة:
"عليك أن تعتني بصحتك هذه الأيام يا عزيزي"
وردي الاعتباطي عليها:
"صحتي ستتحسن لو توقفت عن التفكير بكِ كل يوم لمدة ساعة واحدة فقط"
ثم تضحكين بعدها
في الحقيقة، كان ردي ماكراً
لأنني قصدت أن تضحكي
لأنكِ عندما تضحكين،
تضحك الأسماك في البحر وتقفز في الهواء.
يا الللللللللله على حكمتك
وأنا أحكي لكِ عن كل ما حدث في السنوات السابقة
بصوت دافئ، قلتي:
"لا تكبر المسألة، المهم أنك جئت
كل ما عدا ذلك خسائر جانبية
بلل إصبعك، وأقلب الصفحة
عليك أن تكون خفيفاً من أجل أن تكون حركتك أسرع"
تمت عملية شفائي بنجاح وكأنكِ جراحة ماهرة
دون قفازات، ودون مخدر،
ودون مشرط حاد، ودون قطرة دم واحدة
العظام المتهشمة في الداخل التئمت في أقل من ساعة.
من أين جئتِ بكل هذه الحكمة؟
هل تعرفين هذا الشاعر، ويليام بتلر ييتس؟
انظري كيف يقول كل شيء بلغة حكيمة وبالغة التكثيف:
"لكنني فقير، لا أملك سوى أحلامي
وها قد فرشتها تحت قدميكِ
فرفقاً بأحلامي إذ تعبرين".
الليلة، خطر ببالي سؤالين:
كم عدد حبات التوت الأحمر التي سقطت من شجرة صوتك في آخر مكالمة؟
ومن هذا الرسام الماهر الذي يقف خلف أناقة أنفك؟
أنفك
أنفك
أنفك
إلى ما لا نهاية.
بالمناسبة
فكرت في كتابة اسمك على ورقة
وإلصاقها على بوابات كل الحدائق العامة في العالم
بما فيهم كوريا الشمالية رغماً عن أنف كيم جونغ أون
رغم أنني أعرف أن التفاوض معه على موضوع كهذا
سيكون ثمنه حياتي.
على أي حال،
الشيء الوحيد الذي أرغب فيه في هذه الحياة
هو أن أتناول معك آيس كريم
أنتِ تحبينه بالفانيلا
أليس كذلك؟
الآن، سيكون جيداً لو تمكن شخص،
أي شخص،
من وضعي في صندوق وإرسالي إلى الدوحة عبر DHL
لنتناول معاً آيس كريم بالفانيلا.
محمود الباجوري