ميَّادة مهنَّا سليمان - يوميَّاتُ طالبةٍ مظلومةٍ.. قصة قصيرة

كانَ مُدرِّسُ الجغرافيا قصيرَ القامةِ، أبيضَ الشّعر، ذا أسلوبٍ جميلٍ في الشّرحِ، ولكنّهُ لم يكنْ يستَحي على شيبتِهِ؛ وقفتُ مرّةً أمامَهُ، لأجيبَ عن سؤالٍ طرحَهُ، شعرتُ أنّ عينيهِ الصّغيرَتينِ مليئتانِ بالخُبثِ، بدلًا من الحنانِ، وضِقتُ ذرعًا بنظراتِهِ المُقتحمةِ عالمَ أنوثتي.
تفقّدتُ على الفورِ أزرارَ سُترتي المدرسيّةِ، ظنًّا منّي أنَّ هناكَ شيئًا ما غيرُ صحيحٍ فيها، حينَ اطمأنّيتُ أنّ كلّ شيءٍ على ما يُرام، كدتُ أختنقُ من تصرُّفهِ، ونظراتِهِ، تساءَلتُ:
ألا يُفترضُ أن يكونَ المُدرِّسُ أخًا كبيرًا، أوأبًا لنا؟
مابالهُ إذًا، هل نسيَ أنّنا في عُمرِ بناتِهِ، وأنَّنا أمانةٌ في عُنُقهِ، فيمَ عيناهُ تنهشانِ براءَتي؟
تمرَّدْتُ مرَّةً على درسِهِ التّقليديِّ، قلتُ لهُ:
- إنَّ هناكَ جبلًا -لا يعرِفُهُ- اسمُهُ (جبلُ الوفاءِ)
يقعُ بينَ قلبَينِ عاشِقَينِ!
- وأنَّ أجملَ نهرٍ في العالمِ هو (نهرُ الحُبِّ) الَّذي
روافدُهُ الإخلاصُ، والاهتِمامُ، والصِّدقُ، والنُّبلُ!
يومَها اتّهمني بالتّقليلِ من شأنهِ، وثقافتِهِ.
اقتادَني كمُجرمةِ حُبٍّ إلى غرفةِ المديرِ الّذي
فصلَني ثلاثةَ أيّامٍ ظُلمًا.
من يومِها لم أعدْ أُشارِكُ في حصَّتِهِ، وبدأتُ اكتفي بالاستِماعِ، وعندما كان ينتابُني المللُ كنتُ أهربُ إلى عالَمي الشِّعريِّ، دونَ أن أجعلَهُ يراني.
لكنِ اليومَ، وهوَ يشرحُ درسَ(السُّدودِ في الوطنِ العربيِّ)
وقعتُ فريسةَ انتباههِ، انقضَّتْ يداهُ المُجعّدتانِ على دفتري، ومزَّقَتَاهُ بِوحشيَّةٍ حينَ قرأََ:
أَفِيْضُ شَوْقًا..
هَلَّاْ أَقَمْتَ
سَدَّ حُبٍّ عَلَىْ قَلْبِيْ!


ميَّادة مهنَّا سليمان

تعليقات

ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...