كان يجلس على الكنبة يتفرج على التليفزيون وهو يريح ظهره إلى المسند الخلفى، ساقه اليمنى مدلاة وفى نهايتها فردة الشبشب، وساقه اليسرى مطوية تحته. كان يبدو مشغول البال وشعر دماغه الأبيض منكوش ويتحدث مع نفسه قليلا. وفى ذلك الوقت بالضبط كانت هى تدفع ستارة البلكونة وتدخل مختفية تحتها. ثم بدأت تظهر فى قلب الصالة وهى تضم كومة الهدوم الملمومة بينما الستارة تتراجع فوق رأسها وتقع وراء ظهرها. ولما وقفت أمام مدخل الحجرة الجانبية وسألته إن كان يريد أن تضع له الطعام الآن أو ينتظر حتى تنتهى من ترتيب الغسيل؟ فكر قليلا وقال: «عموما، أنا مش جعان قوى، وإن كنت أعتقد..». وهى قاطعته: «هو انت لسه حتعتقد؟». «إزاى يعنى؟». «يعنى ما زهقتش من الكلمة دى؟». وحاولت حتى تمكنت من الدخول بحملها من باب الحجرة المفتوح. فى البداية استغرب بينه وبين نفسه من هذه الطريقة غير الودية فى الكلام وفكر أن شيئا ما قد حدث. ثم رجع فكر أن هذه التقلبات من الأشياء المعروفة عنها. وتساءل إن كان يقول هذه الكلمة فعلا أكثر من اللازم؟ ولم يستطع أن يمنع نفسه من الغضب وهو يجيب قائلا: وافرض يا أخى؟ افرض أنها على المستوى الشخصى عندها ضيق من «أنا أعتقد»؟ ألم يكن واجبا عليها أن تلفت نظره بطريقة ألطف، خصوصا أنه عندما قال أنا أعتقد كان يقولها هذه المرة للتليفزيون وليس لها؟ وأنزل ساقه المثنية وبحث بها عن فردة الشبشب ولبسها واتجه إلى مدخل الحجرة الجانبية ووقف. كانت تطوى قطع الغسيل الجافة وترصها على السرير ناحية اليمين بينما كومة الغسيل ناحية اليسار، وبينهما رأى نصفه تقريبا فى مرآة الدولاب المفتوح وراءها من الجنب، وتحرك ناحية اليسار قليلا حتى يرى نفسه كله ولكن من دون ساقيه. وسألها إن كانت غاضبة من كلمة: «أنا أعتقد». وهى تركت ما بيدها وقالت إنه ليس معقولا أن يظل طول النهار وهو عمال يعتقد. قال: «هو انا باقولها كتير والا إيه؟» «كتير. إنت كل كلامك أعتقد. كل حاجة لازم تعتقد. قدام التليفزيون أعتقد. فلوس الإيجار أعتقد. العيش أعتقد. فاتورة الكهرباء أعتقد. التليفون أعتقد. نور السلم أعتقد. الزبال أعتقد. البواب أعتقد. يعنى مفيش حاجة تحصل إلا وانت أعتقد». وهو سمعها حتى انتهت من كلامها وشعر بنوع معين من الحرج وبأن قلبها أسود وقال: «يا ساتر؟ دا أنتِ فاكره كل حاجة». وأخبرها أن أى إنسان فى الدنيا يفعل مثل هذا، ويقول أعتقد دون أن ينتبه تأكدى أنه يفعله بسلامة نية، ولا يقصد شيئا سيئا أبدا. وهى قالت فيما يشبه الاعتذار إنها لا تقول هذا الكلام من أجل نفسها أبدا وإنها يا ما تحملت، ولكنها تقوله من أجله هو، لأنها أثناء وجود أى ضيوف: «با بقى قاعدة فى نص هدومى». قال وهو مازال يرى نفسه من دون ساقين فى مرآة الدولاب المفتوح وراءها: «معاكى حق طبعا». واستدار عائدا إلى مكانه. وبعدما قعد تجاهل الناحية التى فيها باب الحجرة الجانبية المفتوح، ورفع ساقه اليسرى وطواها تحته. وانشغل بالفرجة على صورة زفاف سليمان وهى معلقة على الجدار.