مع نهايات الخريف تعيث الرياح في الآفاق ؛ تلقي بأوراقها الأشجار ، تبلل دموع الغيم الطرقات في مدينته الساحلية التي كانت مثل اللوحات الفنية كلما نظر إليها تزداد جمالا في كل مرة فتحمل لوجدانه سيمفونية عشق ، على شطآن الذكريات لا يخط سوى اسمها على الرمال فتمحوه الأمواج وما بيديه حيلة ، كلما أبعدته الأسفار وجدها في أنفاسه ؛ تشعل نيران وجدانه ، وفيما كان يشق " نديم " بسيارته دروب مدينة العتيقة ؛ يفتش بين البقايا منه عنها . تائه في الشوارع والميادين . يهيم وجدانه مع طيور النورس . تمنعه جدران الحنين بلوغ طريق النسيان ، وفي أثناء العبور نحو ذاته يتسلل من نفسه إليها لتروي عينيه . من قوارير العطر الخاوية يستجدي عطر أنفاسها . تبكيه أشواقه لمدينة فاضت روحها حين فقدت ألوانها . وإذ فجأة يباغته ضوء إشارة المرور الأحمر ؛ يتوقف بينما تمر غيمة داكنة ؛ يتوارى خلفها نور السماء ، تهب الرياح تهز الأغصان بعنف ؛ تبعثر العصافير ، وفي الضوء الأحمر تغوص عيناه ، تغفو سيجارته بين شفتيه ، يمتطي ظهر الخيال ؛ أحلامه لا تسعها المسافات ، يعدو في مروج ذكرياته طفلا يلهو تحت زخات المطر ، على الكورنيش يفوح عطرها ينعش روحه ؛ فيهرول فوق غيمات الشتاء يغني على ألحان الصبا . يأتي غروب ترحل فيه الشمس ، يعقبه مساء يعانق القمر فيه السماء ، وعندما انتبه لدقات زمان شاخ ؛ يبكيها بعد أن تبدلت الأحوال ... لكن تظل هي لحنه الوحيد لم يعشق سواها .
مواء هرة مبتلة انزوت للرصيف ترتعد ؛ تنتشله من بحر الذكريات ، يلقي أرضا بكمامته الزرقاء ، يسلم ناظريه إلى السماء . ينبعث صخب آلات التنبيه ضجيجا يدق أبواب مسامعه يوقظه على صراخ :
- يا رجل .. الإشارة خضراء .
سمير لوبه
مواء هرة مبتلة انزوت للرصيف ترتعد ؛ تنتشله من بحر الذكريات ، يلقي أرضا بكمامته الزرقاء ، يسلم ناظريه إلى السماء . ينبعث صخب آلات التنبيه ضجيجا يدق أبواب مسامعه يوقظه على صراخ :
- يا رجل .. الإشارة خضراء .
سمير لوبه