تمددنا فوق تربة رطبة ، مليئة بالحصى ، مازلت أتذكر الألم الذي كان يعانيه جسدي وهي تنهش مثل دودة التفاح..
كنا نلبس الأبيض كأننا شرنقات في بداية الربيع ،حاولت أن اهمس للجثة التي كانت بجانبي لكن طرقات حفار القبور حالت دون بلوغ هدفي، انا لا أستطيع رفع صوتي أكثر ،لأنني ذبحت من الوريد الى الوريد ، رأسي يتهلهل كلما مر أحد الرجال من أمامي ، بعضهم كان يركل رأسي بلا رحمة ،
وأخيرا حان موعد قراءة القرآن ، أو ربما ترانيم مسيحية ، لا ادري ربما هذا طقس بوذي ...في هذا المكان لا فرق ،فهم غير متأكدين من هويتك ، بدأت أردد معهم دعواتهم لنا ، لكنني بكيت وقتها ، كنت أريد سماع سورة الفاتحة ، لأرى ذلك العالم الذي حدثني عنه شيخي ، رأيت صاحب الصليب يضحك من بعيد كان آخر جثة في الصف الأول ، يقول بصوت مرتفع جاء الخلاص! يرددها بلا توقف ،فكان جزاؤه أن ألقوه في أكبر حفرة ،وغطوه بالأتربة حتى إنقطع صوته المزعج...
مر وقت طويل ونحن هنا ،الشمس حارقة ،وتلك العقدة أعلى رأسي كأنها صخرة ضخمة ، تثقل أنفاسي ، إنه نفس شعوري وأنا طفل أحمل صينية الفطير فوق رأسي من بيتنا إلى بيت شيخي ، كانت أمي تصنعه له خصيصا ، لم أذق طعمه أبدا ، هذا أكثر شيء ندمت عليه في حياتي ، ندمت لأنني لم آخد ولو قضمة من ذاك الفطير الشهي ..
ها أنا ذا ممدد هنا ،يملأ فمي طعم الدم المتخثر ، هو يأكل الفطير في حضن أمي ،وأنا أحارب أفكاره في بلاد تبعد عن وطني آلاف الأميال ،هو يقرأ الفاتحة وأنا تغنى علي ترانيم الآب ...
لم تكن الحفرة الكبيرة قبر صاحب الخلاص ،لكنها كانت لنا جميعا ،لم أستوعب الأمر إلا حينما سمعت صوت الجرافة ،وهي تستعد لرمينا جميعا في نفس الحفرة..غروري لم يسمح لي أن أتقبل فكرة تواجدي مع أعداء الله ..لكن كيف ستأكل النار أجسادهم !؟،كيف لتلك الحية الكبيرة أن تظهر لهم دون أن أراها انا أيضا! كيف سيضرب على رؤوسهم بمطرقة من حديد دون أن تنفلت ضربة نحو رأسي !...
كنت أنتظر موعد الإحتفاء بي ،ونقلي الى قبر منفرد "روضة" لكن الوقت طال ..ولم يحضر أحد ،بدأت انزعج من ابتساماتهم ، وهدوئهم المريب..
هل كذب شيخي ؟ أم أن الزمن عندنا ليس كالزمن عندهم؟؟!..
روائح الجيفة ملأت القبر ،حتى التربة بدأت تنبث دودا بجميع الألوان ، الجميع بدأ يتحلل ، وأصبح أجسادنا كتلة واحدة منصهرة فيما بينها،قلب هذا مع كبد ذاك لحمي بدأ يتفتت ويندمج مع عظام صديقي صاحب الخلاص ، كأننا داخل طنجرة واحدة، لكن إلى متى ..
انقطع الكلام داخل الحفرة ، بدأنا نسمع فقط ضجيج الحياة فوقنا ،كلاب تنبح،رجل يتبول فوق القبر ، وطفل يقفز فوق رؤوسنا ويلهو...
نحن صامتون، بدأ بعضنا يفهم بعضا لأول مرة ..
سلوى ادريسي والي
كنا نلبس الأبيض كأننا شرنقات في بداية الربيع ،حاولت أن اهمس للجثة التي كانت بجانبي لكن طرقات حفار القبور حالت دون بلوغ هدفي، انا لا أستطيع رفع صوتي أكثر ،لأنني ذبحت من الوريد الى الوريد ، رأسي يتهلهل كلما مر أحد الرجال من أمامي ، بعضهم كان يركل رأسي بلا رحمة ،
وأخيرا حان موعد قراءة القرآن ، أو ربما ترانيم مسيحية ، لا ادري ربما هذا طقس بوذي ...في هذا المكان لا فرق ،فهم غير متأكدين من هويتك ، بدأت أردد معهم دعواتهم لنا ، لكنني بكيت وقتها ، كنت أريد سماع سورة الفاتحة ، لأرى ذلك العالم الذي حدثني عنه شيخي ، رأيت صاحب الصليب يضحك من بعيد كان آخر جثة في الصف الأول ، يقول بصوت مرتفع جاء الخلاص! يرددها بلا توقف ،فكان جزاؤه أن ألقوه في أكبر حفرة ،وغطوه بالأتربة حتى إنقطع صوته المزعج...
مر وقت طويل ونحن هنا ،الشمس حارقة ،وتلك العقدة أعلى رأسي كأنها صخرة ضخمة ، تثقل أنفاسي ، إنه نفس شعوري وأنا طفل أحمل صينية الفطير فوق رأسي من بيتنا إلى بيت شيخي ، كانت أمي تصنعه له خصيصا ، لم أذق طعمه أبدا ، هذا أكثر شيء ندمت عليه في حياتي ، ندمت لأنني لم آخد ولو قضمة من ذاك الفطير الشهي ..
ها أنا ذا ممدد هنا ،يملأ فمي طعم الدم المتخثر ، هو يأكل الفطير في حضن أمي ،وأنا أحارب أفكاره في بلاد تبعد عن وطني آلاف الأميال ،هو يقرأ الفاتحة وأنا تغنى علي ترانيم الآب ...
لم تكن الحفرة الكبيرة قبر صاحب الخلاص ،لكنها كانت لنا جميعا ،لم أستوعب الأمر إلا حينما سمعت صوت الجرافة ،وهي تستعد لرمينا جميعا في نفس الحفرة..غروري لم يسمح لي أن أتقبل فكرة تواجدي مع أعداء الله ..لكن كيف ستأكل النار أجسادهم !؟،كيف لتلك الحية الكبيرة أن تظهر لهم دون أن أراها انا أيضا! كيف سيضرب على رؤوسهم بمطرقة من حديد دون أن تنفلت ضربة نحو رأسي !...
كنت أنتظر موعد الإحتفاء بي ،ونقلي الى قبر منفرد "روضة" لكن الوقت طال ..ولم يحضر أحد ،بدأت انزعج من ابتساماتهم ، وهدوئهم المريب..
هل كذب شيخي ؟ أم أن الزمن عندنا ليس كالزمن عندهم؟؟!..
روائح الجيفة ملأت القبر ،حتى التربة بدأت تنبث دودا بجميع الألوان ، الجميع بدأ يتحلل ، وأصبح أجسادنا كتلة واحدة منصهرة فيما بينها،قلب هذا مع كبد ذاك لحمي بدأ يتفتت ويندمج مع عظام صديقي صاحب الخلاص ، كأننا داخل طنجرة واحدة، لكن إلى متى ..
انقطع الكلام داخل الحفرة ، بدأنا نسمع فقط ضجيج الحياة فوقنا ،كلاب تنبح،رجل يتبول فوق القبر ، وطفل يقفز فوق رؤوسنا ويلهو...
نحن صامتون، بدأ بعضنا يفهم بعضا لأول مرة ..
سلوى ادريسي والي