التاريخ يدلنا علي كيفية صناعة المستقبل، ولأننا دوما لا نعي دروسه، ونسعى الى تكراره بذات الأخطاء القديمة، فإننا نعجز عن خلق مستقبل جيد يحقق لنا الرفاهية والتقدم، ونتحقق من خلاله، ان قراءتنا الخاطئة للتاريخ هي التي تمنعنا عن استيعابه، وتوقعنا في الخطأ المتكرر، لأن القراءة الصحيحة له كفيلة بأن تكشف لنا الكثير من الحقائق الغائبة، وأن تفتح في وجوهنا ممرا لا نهاية له لمواصلة الحياة، لكي نعثر على أنفسنا من جديد.
يستمد فهمي ـانسان رواية سباعية العابر للكاتب حسام المقدم هذه المكونات من التاريخ، في محاولة جادة ودؤوبة لقراءته بشكل خاص ومختلف، ان لم يكن صحيحا. تقدم لنا الرواية في فصلها الأول فهمي وأيامه بانوراما كاملة لطفولة فهمي وفترة تكوينه، وكأنها بانوراما لمسيرة الانسان بشكل عام، وتكوينه الذي يتأثر بالمكون الديني، ثم ما يلبث ان يخوض تجربته الخاصة نحو التحقق وتقرير المصير، فطفولة فهمي سيكون لها عميق الأثر في تشكيل وعيه ومنهج حياته من بعد، عبر حادثين جللين استغرقاها تماما، تمثل الأول في حبه الشديد للولد الذي يقرأ القرآن في الصورة، ورغبته الشديدة في تمثله، قد تدلنا هذه الحادثة على أهمية المكون الديني كمؤثر أول، ونقطة انطلاق أولى، الرغبة الأبدية الخالدة التي تسري في دم الانسان أيا كان زمنه أو مكانه، ولم لا؟ أليس الدين عنصرا من عناصر التاريخ، أليس تاريخا موازيا، ومنهجا مُفَسِرا للوجود، أما الحادث الثاني فتجلى في حب فهمي لـ لعبتيّ التبادل ورسم الخطوط، التي آمن بقدرته على ان يُحدد مصيره من خلالها بعدما تخلص من حبه للولد في الصورة، وهو يراقب بصبر شديد ليرى مدى صحة توقعات لعبته التي تفشل حينا وتنجح حينا، وان لم يكن بذات التواريخ التي حددها سلفا، حتى يصل الى سن الخامسة والثلاثين ليجد نفسه بحصاد عادي، لكنه مؤهل تماما لدخول مغامرة الأيام السبعة، التي تمثل له تحديا خاصا ومحاولة خاصة وجادة لقراءة التاريخ، الذي سيسترشد به، ويستفيد منه، دائما طوال تلك الأيام، ممنيا نفسه بأن يبدأ بعدها حياة جديدة وخاصة، يمتلك زمامها تماما، ويحدد خطواتها يوما بعد يوم، قراءة خاصة لتاريخ خاص، تتناص وتتقاطع مع التاريخ الأصلي لتفيد من دروسه، لكنها دروس خاصة أيضا، لا تتشابه مع دروس التاريخ، ولا تنظر اليها بقداسة، وان اتحدت مسمياتها.
في يوم الشبيه يبحث فهمي عن شبيه له، في محاولة دؤوبة للبحث عن ذاته الخاصة التي يريدها، لكنه بعد ان ينجح في العثور على مكان الشبيه لا ينتظره، لقد فهم جيدا ان ذاته وان تشابهت مع ذوات أخرى في الدنيا، فإنها لن تتطابق معها أبدا، حيث لكل ذات خصوصيتها التي تصنعها بذاتها، هكذا تناثرت الأشباه على جسد النص بلا خوف، الأخ هاني والأب، فهمي وابنه، اسما الابن والأخ، وفي يوم الحمار.. والحمير يتعلم الصبر والمثابرة لأنها الطريق الوحيدة للفروسية، وفي يوم السيد يقتفي آثار العدل المُهدر بفعل الخيانة، وهو يسترشد بسيرة أحمد عرابي، مدافعا عنه، ومحاولا قراءة الأخطاء، وفي يوم العهد تأخذه الأحلام أو الرغبة في التحقق لتمثل الزعامة بنوعيها، الرسمي أو العسكري عند جمال عبد الناصر، والشعبي أو الصوفي عند الجبالي، وفي يوم رجاء يرسم فهمي حياته المستقبلية التي يُحب ان يكون عليها، في الخمسين من عمره، في كل شيء، المدينة والحبيبة وأسلوب الحياة، ما يُحب ان يعطي وما يُحب ان يأخذ منهم، وكأنه يعيد صياغة ذاته من جديد، بمفاهيم جديدة، وفي يوم الأب يتخلى ـ وان بشكل قدري ـ عن فكرة الأب فيتحرر ـ هو وأسرته كلها ـ للدرجة التي تتحطم معها أركان الحب الصامت، اللعبة التي مارسوها طوال حياتهم بفعل الكبت السلطوي/ الأبوي، وفي يوم المعلم آخر أيام المغامرة/ العزلة، يستقرئ فهمي ذاته الماضية محاولا الرضا عما آلت اليه حاله، ومؤكدا على أهمية التاريخ، أو القراءة الخاصة له، وأنها فعل يتجدد دوما، حتى أنه يعيد قراءة أيامه السبعة الفائتة للتو، استعدادا للعودة الى زوجته عفاف والأولاد والواقع.
لكن النص يفاجئنا في نصف الساعة الأخير/ اللحظة الأخيرة من مغامرة الأيام السبعة بتجلي المشهد كاملا أمام عينيّ فهمي، وهو يرقب حركة الساعة، وتنعكس ملامحه فيها بتحد كاشف للوجوه والحقائق الغائبة، ليهبنا خلاصة تجربته التي يبدو أنها قد استوعبت الدرس، فنراه وهو يؤكد على ان التاريخ ليس أكثر من مجموعة تجارب تحتمل دوما القراءة المتجددة، وأن كل تجربة اضافة، حتى لو استشعر البعض صِغرها، أو عدم استحقاقها لدخول هذا الباب الضخم، لأن باب التاريخ مفتوح لتجارب الجميع في كل زمان ومكان، التاريخ يبدأ من حركة عقارب الساعة، وعلينا فقط ان نرقب هذه الحركة في كل حالاتها، وأن نختار الحالة التي تشبهنا، ساعتها فقط ستتكشف الحقائق، وسينفتح ممر بلا نهاية لمواصلة الحياة بالشكل الذي نريده، وسنعثر على غرفتنا/ مكاننا اللائق، فالتاريخ لا يصنعنا، بل نحن منْ يصنعه، ونحن من نحدد مكاننا فيه، وليس على فهمي سوى ان يوغل في الممر أكثر.
تبدو الرواية بحثا اختياريا ـ واجبا ـ في الوجود، وتقريرا صارما له، لكنها في ذات الوقت باب كبير مشرع على أمل لا يعترف بمرور الوقت، ولن يكل من البحث عن ذاته.
يستمد فهمي ـانسان رواية سباعية العابر للكاتب حسام المقدم هذه المكونات من التاريخ، في محاولة جادة ودؤوبة لقراءته بشكل خاص ومختلف، ان لم يكن صحيحا. تقدم لنا الرواية في فصلها الأول فهمي وأيامه بانوراما كاملة لطفولة فهمي وفترة تكوينه، وكأنها بانوراما لمسيرة الانسان بشكل عام، وتكوينه الذي يتأثر بالمكون الديني، ثم ما يلبث ان يخوض تجربته الخاصة نحو التحقق وتقرير المصير، فطفولة فهمي سيكون لها عميق الأثر في تشكيل وعيه ومنهج حياته من بعد، عبر حادثين جللين استغرقاها تماما، تمثل الأول في حبه الشديد للولد الذي يقرأ القرآن في الصورة، ورغبته الشديدة في تمثله، قد تدلنا هذه الحادثة على أهمية المكون الديني كمؤثر أول، ونقطة انطلاق أولى، الرغبة الأبدية الخالدة التي تسري في دم الانسان أيا كان زمنه أو مكانه، ولم لا؟ أليس الدين عنصرا من عناصر التاريخ، أليس تاريخا موازيا، ومنهجا مُفَسِرا للوجود، أما الحادث الثاني فتجلى في حب فهمي لـ لعبتيّ التبادل ورسم الخطوط، التي آمن بقدرته على ان يُحدد مصيره من خلالها بعدما تخلص من حبه للولد في الصورة، وهو يراقب بصبر شديد ليرى مدى صحة توقعات لعبته التي تفشل حينا وتنجح حينا، وان لم يكن بذات التواريخ التي حددها سلفا، حتى يصل الى سن الخامسة والثلاثين ليجد نفسه بحصاد عادي، لكنه مؤهل تماما لدخول مغامرة الأيام السبعة، التي تمثل له تحديا خاصا ومحاولة خاصة وجادة لقراءة التاريخ، الذي سيسترشد به، ويستفيد منه، دائما طوال تلك الأيام، ممنيا نفسه بأن يبدأ بعدها حياة جديدة وخاصة، يمتلك زمامها تماما، ويحدد خطواتها يوما بعد يوم، قراءة خاصة لتاريخ خاص، تتناص وتتقاطع مع التاريخ الأصلي لتفيد من دروسه، لكنها دروس خاصة أيضا، لا تتشابه مع دروس التاريخ، ولا تنظر اليها بقداسة، وان اتحدت مسمياتها.
في يوم الشبيه يبحث فهمي عن شبيه له، في محاولة دؤوبة للبحث عن ذاته الخاصة التي يريدها، لكنه بعد ان ينجح في العثور على مكان الشبيه لا ينتظره، لقد فهم جيدا ان ذاته وان تشابهت مع ذوات أخرى في الدنيا، فإنها لن تتطابق معها أبدا، حيث لكل ذات خصوصيتها التي تصنعها بذاتها، هكذا تناثرت الأشباه على جسد النص بلا خوف، الأخ هاني والأب، فهمي وابنه، اسما الابن والأخ، وفي يوم الحمار.. والحمير يتعلم الصبر والمثابرة لأنها الطريق الوحيدة للفروسية، وفي يوم السيد يقتفي آثار العدل المُهدر بفعل الخيانة، وهو يسترشد بسيرة أحمد عرابي، مدافعا عنه، ومحاولا قراءة الأخطاء، وفي يوم العهد تأخذه الأحلام أو الرغبة في التحقق لتمثل الزعامة بنوعيها، الرسمي أو العسكري عند جمال عبد الناصر، والشعبي أو الصوفي عند الجبالي، وفي يوم رجاء يرسم فهمي حياته المستقبلية التي يُحب ان يكون عليها، في الخمسين من عمره، في كل شيء، المدينة والحبيبة وأسلوب الحياة، ما يُحب ان يعطي وما يُحب ان يأخذ منهم، وكأنه يعيد صياغة ذاته من جديد، بمفاهيم جديدة، وفي يوم الأب يتخلى ـ وان بشكل قدري ـ عن فكرة الأب فيتحرر ـ هو وأسرته كلها ـ للدرجة التي تتحطم معها أركان الحب الصامت، اللعبة التي مارسوها طوال حياتهم بفعل الكبت السلطوي/ الأبوي، وفي يوم المعلم آخر أيام المغامرة/ العزلة، يستقرئ فهمي ذاته الماضية محاولا الرضا عما آلت اليه حاله، ومؤكدا على أهمية التاريخ، أو القراءة الخاصة له، وأنها فعل يتجدد دوما، حتى أنه يعيد قراءة أيامه السبعة الفائتة للتو، استعدادا للعودة الى زوجته عفاف والأولاد والواقع.
لكن النص يفاجئنا في نصف الساعة الأخير/ اللحظة الأخيرة من مغامرة الأيام السبعة بتجلي المشهد كاملا أمام عينيّ فهمي، وهو يرقب حركة الساعة، وتنعكس ملامحه فيها بتحد كاشف للوجوه والحقائق الغائبة، ليهبنا خلاصة تجربته التي يبدو أنها قد استوعبت الدرس، فنراه وهو يؤكد على ان التاريخ ليس أكثر من مجموعة تجارب تحتمل دوما القراءة المتجددة، وأن كل تجربة اضافة، حتى لو استشعر البعض صِغرها، أو عدم استحقاقها لدخول هذا الباب الضخم، لأن باب التاريخ مفتوح لتجارب الجميع في كل زمان ومكان، التاريخ يبدأ من حركة عقارب الساعة، وعلينا فقط ان نرقب هذه الحركة في كل حالاتها، وأن نختار الحالة التي تشبهنا، ساعتها فقط ستتكشف الحقائق، وسينفتح ممر بلا نهاية لمواصلة الحياة بالشكل الذي نريده، وسنعثر على غرفتنا/ مكاننا اللائق، فالتاريخ لا يصنعنا، بل نحن منْ يصنعه، ونحن من نحدد مكاننا فيه، وليس على فهمي سوى ان يوغل في الممر أكثر.
تبدو الرواية بحثا اختياريا ـ واجبا ـ في الوجود، وتقريرا صارما له، لكنها في ذات الوقت باب كبير مشرع على أمل لا يعترف بمرور الوقت، ولن يكل من البحث عن ذاته.