فوز حمزة - جميل وسناء..

لم يكن أمام سناء سوى الذهاب إلى بيت جارتها زهرة بعد المشاجرة التي حدثت بينها وبين زوجها لتنتهي مشاجرتهما مثل كل مرة بالتراشق بالألفاظ وتبادل الاتهامات، لكن هذه المرة تجاوز الأمر الحد حينما تلقت صفعة مباغتة من زوجها متوعدًا إياها بالمزيد إن لم تكف عن الكلام.
ما في سناء من غضب وحزن، منع عنها الإحساس بحرارة الشمس التي تجاوزت تلك الساعة من النهار الخمسين درجة.
سارت ثلاثمائة متر قبل أن تنعطف يمينًا حيث تسكن زهرة ذات الصدر الحنون والأذن الصاغية، فهي ليست جارتها فقط، بل صديقتها منذ أيام الدراسة.
الباب الخارجي كان مواربًا على غير العادة. زهرة شديدة الحرص جراء أمور كهذه، تمتمت سناء بهذه الكلمات قبل مسحها حبات العرق المزعجة المتصببة من جبينها وهي تقطع الممر الطويل باتجاه باب المطبخ.
استرجعتْ مع نفسها كيف بدأت المشاجرة مع الأخرق زوجها لتعيد سردها على زهرة التي ستسأل عن كل التفاصيل كعادتها، زهرة مهووسة بعلم النفس ودائمًا ما تقول إنها حللت الكثير من أفعال الجارات حتى أنها تمكنت من إيجاد سبب رفض جارتهم باسمة استقبال أي امرأة في بيتها بوجود زوجها، وبرغم من أن السبب لم يبدُ لها منطقيًا إلا أنها أعلنت إعجابها بما قالته زهرة تجنبًا للتوبيخ والتهكم.
كانت سناء تنظر للنباتات الجميلة المزروعة في الأصص قرب المطبخ حينما تلقت ضربة قوية مباغتة على مؤخرة رأسها. توقفتْ عن السير متحسسة مكان الضربة، بعد مرور ثوان ، ظنت أن هلاوس من شدة الحر قد تمكنت منها، فإذا بضربة بذات المكان تتلقاها، لكن هذه المرة يرافق الضربة صوت لم تستطع معرفة ما هو.
تلفتتْ لترى الفاعل الذي حاول المزاح معها بهذه الطريقة المزعجة، لكن ضربة أخرى في منتصف ظهرها كانت كفيلة لإرباكها وتشتيت أفكارها. ليس الأمر كما ظنت، بل هو أخطر من ذلك!
دارت حول نفسها دورة كاملة قبل فقدانها القدرة على البصر حينما تلقت ضربة على وجهها كفيلة بنشر الرعب داخلها. وقفت لثوانٍ تحاول بلع ريقها واسترجاع أنفاسها وهي تنظر لما حولها، لكن ضربة أقوى من الأولى أوقعتها على الأرض الساخنة.تأوهتْ بينما عيناها على وشك البكاء!
لم تقو على الوقوف إلا بصعوبة، ولولا قطرة دم سالتْ من جبينها لظنت أن ما تمر به مجرد كابوس.
بدأتْ بنفض الغبار الذي علق بثيابها ثم بحثتْ عن فردة نعالها التي لا تدري كيف قفزت أربعة أمتار واستقرتْ قرب شجرة التين؟
تذكرتْ زوجها، ربما هو من فعل ذلك، حتى لو كان الأمر صحيحًا، فأين هو زوجها، أيعقل أنني جننت؟ سألت نفسها ثم نفتْ بسرعة هذه الفكرة الغبية التي هدتها للاتصال به، فكرامتها الآن تسمح لها بطلب المساعدة منه، بل كانت مستعدة لمسامحته واستئناف الحياة معه من جديد مقابل أن ينتهي هذا المشهد المرعب .
أخرجتْ الهاتف من جيب تنورتها، لم تستطع إكمال المهمة، فثمة شيء كان يكيل لها الضربات من كل الجهات لتجد نفسها وقد التصقت بالجدار الذي يفصل بيت زهرة عن بيت عواطف المعلمة في المدرسة الأبتدائية. فكرت في مناداة عواطف، لكن زهرة التي كانت تسميها النمامة، وقفت بينها وبين تنفيذ الفكرة، لكن أين زهرة؟!
خدوش فوق ذراعها الأيمن كانت حصيلة المعركة غير المتكافئة التي حدثت قبل قليل. حزنها لم يكن فقط بسبب انتصار عدوها ، بل لأنها لا تعرف هوية هذا العدو، هذا التبرير كان عزاءها الوحيد لنفسها.
وجدتْ في الجدار ملاذًا لحماية ظهرها أما وجهها وباقي جسدها ستتكفل هي بهم. رأسها الذي لم تحسب حسابًا له، شعرت كأن شيئًا يعتصره وثمة شيء ناعم غطى وجهها، ولأنها لا تملك ما تخسره فقد قررت دخول المعركة حتى لو لم تكن تملك السلاح، فبدأت تلوح بيديها بكل الاتجاهات لتمسك وبحركة سريعة، بالمخلوق الذي فوق رأسها، ضغطت عليه بقوة، قاومها بشدة ليفلت من قبضتها، لكنه فشل بعد أن نتف قطعة لحم صغيرة من كفها.
إنه جميل! صرخت سناء وهي تواجه عدوها الإرهابي لأول مرة وجهًا لوجه.
هذا أنت يا جميل؟! أيها الجاحد اللئيم، هل نسيت كيف كنت أطعمك، لقد كانت زهرة محقة حينما فكرت في ذبحك الأسبوع الفائت ولولاي لأصبحت مرقة حمراء. جميل وبعد أن تيقن من خسارته المعركة، لوى رقبته الصغيرة معلنًا استسلامه.
سارت سناء صوب الفناء الخلفي لبيت زهرة حيث أقفاص الطيور والدجاج لترمي الديك جميل في قفصه وتحكم القفل عليه.
التفتتْ لتلقي نظرة شامتة على جميل الذي فقد في تلك اللحظة هيبته أمام دجاجاته.
عادت سناء إلى بيتها بعد أن عرفت أن زهرة غير موجودة. وهي في طريق العودة كانت تفكر في تلفيق قصة تبرر فيها وجود الجروح في وجهها ويدها وساقها، قصة لا تثير ضحك وسخرية ديكها الذي في البيت على ما فعله ديك زهرة.

فوز حمزة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...