مصطفى الحاج حسين - (السّماء الثّامنة).. مجموعة شعرية

* نَفَقُ المتاهاتِ..
تُدثِّرُني مخاوفي
قلقي يعارِكُ نومي
هواجسي تشعلُ أعصابي
والحنينُ يمخُرُ دمي
أفكِّرُ.. أتمنَّى.. أحلُمُ
لكنَّ الليل يُدخِلُني إلى نفقِ المتاهاتِ
أرى بلادي تتربَّعُ على تلالِ الدَّمِ
هربتْ منها جُدرانُ منازلِها
وسقوفِها توغّلت بالحفر
أبوابها فتحت صدرها للخرابِ
نوافذُها تشتَّتْ في الحُطامِ
الجوعُ يأكُلُ أرصفتَها
العطشُ يمتصُّ اخضرارَ أشجارها
سكانُها يحتجُّونَ على الإبطاءِ بالدفنِ
والمقابِرُ تشترطُ على الجُثثِ
أنْ تكونَ مكتملةَ الأجسادِ
الموت ُ يرتدي بزَّةَ المُحاربِ
ليحاربَ مَنْ لا يريد الموت
فالموتُ في سبيلِ الموتِ واجبٌ وطنيَّ
والموتُ في سبيلِ الظَّلام نورٌ مقدسٌ
الموتُ في سبيلِ القتلِ حياةٌ وانتصارُ
الموتِ غايةُ الغاياتِ في بلادي
نحنُ وُلِدْنا لنقتَتَلَ على أيّ سببٍ تافهٍ
نحرقُ البلد لمجردِ أن نلفُتَ أنظارَ العالمِ
ونتشرَّدُ لننالَ جنسيَّةَ البحرِ
أو حِصَّةً مِنَ المعلَّباتِ في باطنِ المخيَّماتِ الحقيرةِ
يموتُ القتيلُ على يدِ أخيهِ
فيوفِّرُ على عدوِّ بلادِنا الحربَ الضروسَ
نقدِّمُ للأعداءِ بلادَنا دون حروبٍ
أو نزاعٍ
ليفتحوها ويدخلوها بجهودِنا
ونمضي في قتلِ أبناءِ جلدتِنا
فيموتُ القتيلُ وهو يهتفُ اللهُ أكبرُ
والقاتلُ يرمي الضحيَّةَ مُنادياً اللهُ أكبرُ
نكبِّر باسم اللهِ ونهدُمُ بلادَنا
نَذْبَحُ أو نُذْبَحُ وهدفُنا عزَّةُ الوطنِ
والوطنُ ليسَ لنا
ولنْ يكونَ لَنا
وهو منْ شعبِهِ وحكومتِهِ براءٌ
فمَنْ يعيدُ للعربِ عروبتهم؟!*
إسطنبول
* تنافس..
طلبتِ السَّماءُ منِّي
مساعدتي
لنهضةِ النّجومِ
ومنذُ ذلكَ الوقتِ وأنا مشغولٌ بترتيبِ الفضاءِ
لا وقتَ عندي لمجاملةِ الصغارِ
والرَّدِ على الضغائنِ الحقيرةِ
تركتُ للأقزامِ المكائدَ
ورُحتُ أقرأُ على النورِ قصائدي
أخذَ الضَّوءُ ينمو
والنّدى يتفتَّحُ
والفجرُ يحدِّقُ في سطوعِ الكلماتِ
مصيرُ الحاسدِ الزوالُ
هذا ما قالتْهُ الشَّمسُ
وهي تصفِّقُ لي بحفاوةٍ
نهايةُ الخائنِ وخيمةٌ
هَكذا كانَ يهتُفُ القمرُ
وهو يلتقِطُ لي بعضَ الصَّورِ التَّذكاريَّةِ
وقالتْ الرِّيحُ:
- سأنثُرُ أسماءَ مَنْ لا أسماءَ لهُمُ
على أرضِ العدمِ
وقهقَهَ البرقُ ونادى:
- لا تكترثْ برؤوسٍ تُشبِهُ أكياسَ القُمامةِ
فأنتَ في العلياءِ
لن تَشُمَّ رائحةَ العفنِ
من حقِّ الصّغارِ أنْ يتوحَّدوا
لمحاربتي
هكذا طبيعةُ البشرِ المشوَّهينَ
لأنَّني باعتقادِهم
سببٌ لشعورِهم
بالدّونيَّةِ
فما ذنبي
إن كنتُ أعظمَ شأناً منهُمُ
وموهبةً؟!!*
إسطنبول
* وَهَجُ الحسرةِ..
تتقمَّصُني الرِّيحُ
تعدُو فوقَ أسطُحِةِ السَّرابِ
تبحثُ عنْ ركنٍ مُزهِرٍ
يزدهِرُ فيهِ الحُلُمُ
وينمو فيهِ النَّدى
يصنعُ لي مِنْ أوجاعي مخرجاً
للنورِ وللحياةِ
فأمشي في دربٍ لا ينتهِي
يُوْصِلُني إلى مشارفِ الهناءِ
ويمنعُ الموتَ عَنْ إثارتي
وإغواءِ قلبي
ويحظِّرُ على نارِ الانتظارِ
أنْ تسكُنَ مساماتي
سأبدو أمامَ اليأسِ قويَّاً
لن أهتزَّ أمامَ الخيبةِ
لن أبكي في حضرةِ المرارةِ
إيماني لا يتسرَّبُ إليه الشَّكُّ
سأعتبر ما مرَّ علينا كابوساً
لَنْ يتكرَّرَ
سنعودُ للبلادِ التي رفضَتْ أنْ تتركَنا
سنعمِّرُ البهجةَ
ونحيِّي البسمَةَ
ونزرعُ النسمَةَ
ونسقي الفرحةَ
ونمسحُ الدَّمعةَ عنْ خدودِ الياسمينِ.*
إسطنبول
* دربُ الهلاك..
أغلَقْتَ قلبَكَ نَحوي
أغمَضْتَ دمَكَ عنِّي
أدَرْتَ ظهرَكَ لِندائي
بَتَرْتَ ما بيننا من أُلفةٍ وتعلُّقٍ
صُرتَ مصدرَ وجعي
أصبَحتَ خيالاً لا أبصِرُ وجهتَهُ
أراكَ .. ولكنْ في دمي
أسمعُكَ .. ولكنْ في دمعتي
أسألُ عنكَ ناري
أَخَذْتَ منِّي قوَّتي وَمَضِيتَ
سَرَقْتَ عُمُري واختَفِيتَ
تركتَني أفتِّشُ أنفاسي عنكَ
أستحلفُ النّهارَ
أتوسَّلُ للَّيلِ
أرجو الدّروبَ
أنا لا أريدُكَ..
لكنَّ دمعتي تُعصى عتبي عليكَ!
أنا لا أناديكَ..
لكنَّ صرختي أُفلِتَتْ منِّي!
مَنْ يحتمِلُ فوضاكَ غيري؟
من غيري يسامحُكَ إن أنتَ اقتلعتَ روحهُ؟
إذهبْ حيثُ تأخذُكَ المعاصي
كُنْ رفيقَ الشَّيطانِ
هناكَ ستلقى من ينتظرُكَ
بفارغِ الصبرِ والتِّرحابِ
اسمُهُ الهلاكُ.*
إسطنبول
* غرفتي..
يَتَحَتَّمُ عَلَيَّ المُغَادَرَة
صَارَ الموتُ قابَ قوسينِ أو أدنى
سأشتاقُ إليكِ دوماً
متأكدٌ أني لن أجدَ من هي أجملُ منكِ
أنتِ مَنْ أدفَأْتِ روحي
في ظلمةِ الليالي الباردةِ
كانَ حضنُكِ يُضاهي حُضنَ أمِّي
ويداكِ حنونتانِ تُذكِّرُني بحنانِ أبي
وأنفاسُكِ تَمُدُّني بالقوَّةِ كأنفاسِ أخوتي
الحبُّ في عينيكِ يشُعُّ كما في عينيِّ أخواتي
سأُلْصِقُ على جدرانِكِ أحلامي
وعلى نافذتِكِ بصماتِ أجنحتي
وعلى سريرِكِ بعضَ نبضي
لنْ أوصِدَ بابَكِ
حتى تجدهُ أشواقي مفتوحاً لها
سأشتاقُك فيِ كُلَّ لحظةٍ
هذا مؤكَّدٌ
ففي رحابِكِ كانت تهطل عليّ قصائدي
عرفتُ الحبَّ وأنا تحتَ سقفِكِ
ما زالتْ فرحتي تنهضُ بجدرانِكِ
وَدَفَاتُري أنتِ مَنْ يَكتُم أسرارها
مِنْ هُنا..
مِنْ قبضةِ البابِ القديمةِ
يبدأُ عالمي الواسعُ
وفوقَ هذا البلاطِ النَّاهدِ
سقطتْ أوَّلُ دمعةِ فرحٍ وغبطة
أمضيتُ برفقتِكِ أجملَ أوقاتي
كانتِ الليالي مضاءةً بالأماني
والنهارُ مزهراً بسلالمِ المستقبلِ
حينَ كانُ يطالُني الخوفُ
كانتْ بسمتُكِ تُعيدُ إليَّ ثقتي بنفسي
حينَ كنتُ أبكي
كان صمتُكِ يهدِّدُ دمي
سنفترقُ..
قد لا أستطيعُ العودةَ
ربَّما أعودُ محمولاً على لهفتي
وقد يطالُكِ الإهمالُ
أو الدَّمارُ
أو يسكنُكِ شخصٌ آخرُ غريبٌ
بلا أخلاقٍ أو بلا قلبٍ
يحصي أمامكِ عددُ القتلى
الذين كانوا من نصيبِ مسدَّسِهِ
وقد يخفي بداخلِكِ ما استطاعَ سَرِقَتَهُ
أو يُحضِرُ لعندَكِ فتاةً قاصرةً
يُقدِمُ على إغتصابِها
وقد يَغويهِ السِكرُ أو الفُجورُ
أو ربَّما يقامر
فلا تتهدَّمي
ولا تُشعِري القتلةَ بالامتعاضِ
انتظري..
فهذا الوضع لن يَدُوم
سنعودُ..
بعدَ أن ننجز كلَّ الحلولِ
هكذا يقولُ تاريخ كلّ الشعوب.*
إسطنبول
* المُجُون..
بِكُلِّ صَفَاقَةٍ
يَطرُدني قلبي خَارجَ جَسَدِي
يُلقِيني مشمئزاً
إلى سَلَّةِ المهملاتِ
مع الأوراقِ المُمَزَّقَةِ
وبعضَ القاذوراتِ
أتلفَّتُ وخَجَلي يُغطِّينِي
تبكي عليَّ أعضاءُ جسمي
لا أصدِّقُ ما آلتِ إليهِ الأمورُ
أمعقولٌ ما يحدث لِي؟!
أيعقلُ هذا الجحودُ من قلبي؟!
لكنَّ ويا للأسفِ.. تلكَ هي الحَقِيقَةُ
لقد تَخَلَّى قلبيَ عنِّي
ببساطةٍ شديدةٍ
سَيَذهبُ ليتمرَّغَ بالتمرُّدِ
ِليلهو مع الفُسقِ
وليشربَ المَعَاصِي
ويأكُلَ النَّارَ
قائلاً:
- أيا عجوزاً خَرِفاً
سَئِمتُ عَقلَكَ
كَرِهتُ ثَرثَرَتِكَ
ضُقتُ من مُراقبتِكَ
اذهَب عنِّي إلى الجَحِيمِ.
وأنا أنتظرُ مَنْ ينتشلُني
مِنْ هذا العَارِ
أريدُ المَوتَ في مَكانٍ
نَظِيفٍ وَنَقِيٍّ.*
إسطنبول
* الأمل..
أَطمَئِنُّ على جسدي كُلَّما استيقظتُ
بأنَّهُ لمْ يَزَلَ كاملاً
لكنَّ الشَّلَلَ يستمرُ في ركوبي
وقلبي معلقٌ هناكَ
والغربة لا تَزالُ تأكُلُني
الصَّمتُ يُدَوِّي مِنْ حولي
وكأنَّ المأساةَ السُّوريَّةَ آخِرُ ما يهتمُّ بها العالَمُ
إعتاد الموتُ على اللَّعِبِِ بمصيرِنا
يأتينا مِنَ البحرِ حالقاً شنبَهُ
من البَرِ وافرَ اللِّحيةِ
من السَّماءِ تُطِلُّ صلعتُهِ
من تحتِ الأرضِ على شكلِ أمردٍ
والموتُ موتٌ
حتى وإنْ كانَ على يَدِ أخيكَ
أو يَدِ أحدِ الغرباءِ الذين أخذوا وطني
كلُّ الفصائلِ والجيوشِ والسَّاسَةِ المخضرمينَ
معنيُّونَ بقتلِنا وإبادتِنا وتهجيرِ بقيَّتِنا
ومَنْ لا يموتُ بسهولةٍ منِّا
عليهِ أنْ يموتَ جوعاً وبرداً وقهراً وظلماً
أو حتى شوقاً وحرماناً
ماتَ منّا الكثيرُ
ويموتُ منَّا الكثيرُ
وسيموتُ مِنَّا الكثيرُ الكثيرُ
والعالمُ يناقِشُ خطورةَ اللاجئينِ
رُغمَ أسوارِ الحدودِ
ويناقِشونَ قراراتِ العودةِ القسريَّةِ
الملونةِ بالطواعِيَّةِ الصَّفراءِ
سيُعيدُونَ رِقابَنا للسكِّينِ الآمنةِ
للموتِ الهانئِ
للإغتصابِ المُثِيرِ
راياتُ العدلِ سترفْرِفُ خفاقةً
فوقَ هاماتِنا المُتقوقِعةِ
سنموتُ ونحنُ نهتفُ للديمقراطيةِ
السَّاحرةِ
أو نأملُ أن يأتينا زلزالٌ مفاجئٌ
يُنقِذُنا.*
إسطنبول
* دَمعُ الغربةِ..
تمضغُني دمعتي
تغرزُ أسنانَها في حلقي
تلوكُني بقهري
وتُشعِلُ أنفاسيَ
على مرأى غُرفتي
واللَّيلُ مشغولٌ عنِّي بالنومِ
والنافذةُ لا تلتفتُ لي
عيناها تناجيانِ الأفُقَ
والبابُ أغلقَ على نفسِهِ أمانيهِ
السُّجادةُ تقطُرُ همومي
وسريري غارقٌ بقلقي
بينما وسادتي تصرُخُ
لِمَّا تشاهدُ وهجِ النارِ التي تندلع مِنْ غِطائي
لا شيءَ يحميني
ولا حتَّى المصباحُ المُطفأُ فوقَ رأسي
الكلُّ غارقٌ بهمومِهِ وأحلامِهِ
التلفازُ تَعِبَ مِنَ الكلامِ
ونزيفِ الصورِ
دفاتري ممتلئةٌ بنبضي
وأقلامي مترمِّدةُ الحُبرِ
كُلُّ ما في المكانِ مبتعدٌ عنِّي
الجدرانُ تُديرُ لي ظهرَها
السقفُ يتطلَّعُ للأعلى
الأرضُ تغوصُ بالصمتِ
سيجارتي تزوِّدُ دمعتي بالتأجُّجِ
والطاولةُ منشغلةٌ عنِّي بما تحملُ
وحدي مع سرابِ حنيني
وحدي مع أضغاثِ جُنوني
ووحدي مع المرآةِ التي تعكسُ وحدتي
تناديني الدُّروبُ وأنا مقيَّدُ البصيرةِ
أقتاتُ على الانتظارِِ
حتّى يحينَ موعدُ العودةِ
فمتى أعودُ مِنْ تشرُّدي إلى لغتي؟
متى أعودُ إلى وطني المخضَّبِ بالدَّمِ؟
متى يكفُّ الإقصاءُ عنْ إقصائي؟
ويمسحُ الياسمينُ دمعتي اليابسة؟؟*
إسطنبول
* أرضُ القصيدةِ..
على أرضِ قصيدتي
ينبُتُ الضَّوءُ
ويُعشِبُ الغيمُ
وتُمطِرُ اللهفةُ
وتتنهَّدُ الموسيقا
وتَمخُرُ
أصابعي
عُبابَ اللغةِ
بلا طوقِ نجاةٍ
أو شراعٍ أبيضَ المعتقداتِ
تأتي الأمواجُ صاخبةً
محلِّقةَ الأجنحةِ
تحملُ بشائرَ الحَملِ
ومزاميرَ الرَّبيعِ
وتكونُ الفراشاتُ مضمَّخةً بالرقصِ
والسَّماءُ عاليةَ الضُّحكةِ
والأفقُ مسكوناً بالدَّهشةِ
والدَّمعةُ لا يؤذنَ لها بالتَّقدمِ
والفرحةُ أكبرَ مِنْ أنْ تُقاسَ
شاسعةٌ واسعةٌ
تنبضُ بخفقانِ قلبي المحرومِ
من بهجةِ لقاءِ مَنْ أُحِبَّ وأعشقُ.*
إسطنبول
* لُهَاثُ السَّرَابِ..
يتصلَّبُ اللَّيلُ
ينصهرُ الوقتُ
تتدفَّقُ النارُ في هواجسي
أُمضي أكثرَ مِنْ عُمُري
واقفاً عندَ بوابةِ الانتظارِ
يَتنبَّأُ قلبي ببزوغِ النَّدى
وتُؤَكَّدُ لي روحي بقدومِ عطرِكِ
ستأتي بسمتُكِ حين الفجرُ يُطِلُّ
سيصلُ إليَّ صوتُكِ
عندما يتهلَّلُ وجهُ المدى
سأراكِ وقتُما تمطِرُ قصيدتي موسيقا
أنتِ هالةُ الأملِ النَّابتِ
في دمي
والمورقُ سلالمَ أمانِ
ستأتينَ مِنْ تفتُّحِ الوردِ
من كُحلِ الضَّوءِ
من شَغَفِ اللَّوعةِ
ومن دربِ الحنينِ
أرى خطواتِكِ فوقَ تنهيدَتِي
على صراطِ نبضي
تحتَ أنوارِ رؤايا
قادمةً بمفردكِ
يتبعُكِ لُهَاثُ السَّرابِ.*
إسطنبول
* مشارفُ الحنينِ..
يتأمَّلُني الفراغُ الجَافُّ
يقرأُُ قلقي الملتهبُ
يهزُّ لي برأسِهِ الأخرَقِ
ويُدَمدِمُ:
- كنتُ مثلَكَ ذاتَ يومٍ
لكنَّ الأصدقاءَ غدروا
وباعوني للانتظارِ.
أنهضُ من وجعي العارمِ
أتَّجهُ صوبَ الأمنياتِ
يلاحقُني لونُ الصَّمتِ
يتلصَّصُ عليَّ الدَّربُ
والتُّرابُ يقطُفُ أنفاسيَ
تصطادُني الحَيرةُ
يكتِفُني الوقتُ
وتتسمَّرَ الدَّهشةُ
في صرختي
تتعثَّرُ أحرُفُ المسافاتِ
أريدُ أنْ أنجوَ من نِيرانِ صمتي
لأصلَ إلى مشارفِ حنيني.*
إسطنبول
* البَائِس..
هذا القاتلُ صديقي
اتركوا بصماتِه عالقةً بدمي
تربِطُني معَهُ أجملُ الذكرياتِ
كان عليَّ أنْ لا أتفوَّقَ عليهِ
وأنْ أتنحَّى لهُ عنْ فُرصةِ الفوزِ
في المنافسةِ
وأنْ أصفِّقَ له على عثراتِهِ
المخجلةِ
فما قيمةُ أنْ أنجحَ
ويقتلَني صديقي؟!
فهذا النجاحُ تركَ
في قلبي
غُصَّةً
بكتْ رُوحي عليهِ
وأشفقتْ على سِكِّينهِ
حينَ كانت ترتعشُ
معذرةً صديقي إنْ قاومتُكَ
غصباً عنِّي وانتصرتُ عليكَ
لاتبتئِس
فسُنَّةُ الحياةِ أنْ يبقى المبدعُ
ويموتَ الضئيلُ.*
إسطنبول
* مخاضُ الكارثة..
تشتبكُ الدَّمعةُ مع الشَّهقةِ
تقتحمُ النَّسمةُ اللهبَ
يفترسُ الظَّلامُ الضَّوءَ
ويكتسحُ الصَّمتُ الفوضى
الأرضُ تنهشُ الخُطى
السَّماءُ تبطشُ بمَنْ يستغيثُ
الكُلُّ يهاجِمُ الجزءَ
الفردُ يُقصي الجماعةَ
والخبزُ يفجِّرُ الحَنجَرَةَ
الموتُ يقودُ البِلادَ
إلى نهودِ الكارثةِ
يركضُ النَّهارُ في أوردةِ النَّدى
والبحرُ يشنقُ أمواجَهُ
تُلْقِي الفتنةُ خطابَها
تُصفِّقُ الأيادي المغلولةُ
ويَرفعُ البؤسُ علَمَ البلادِ
ويأتي النشيدُ الوطنيُّ
مكفناً بلغةِ الأعاجمِ
وتكونُ رغباتُنا غريبةً عنَّا
فتيلُ العفنِ يخطُفُ الأبصارَ
نهيقُ الذئبِ يديرُ الرؤوسَ
المجدُ للهلاكِ والفناءِ
مرحى لإندثارِ الرَّبيعِ
عاشَ الدَّهاءُ
عاشَ الغباءُ
عاشَ الخنوعُ العربيُّ
وتضحكُ الرَّذيلةُ
تتفتَّحُ الخساسةُ
تورقُ النَّجاسةُ
يزدهرُ العُهرُ
ترقصُ الشَّياطينُ
يفتخرُ الانحطاطُ
والمراكبُ تحملُ خيبتَنا وتبحرُ
إلى جزرِ العدمِ.*
إسطنبول
* تاريخ البطولة..
بِضراوةٍ
وتوحُّشٍ
تنقضُّ النملةُ بفكَّيها
على الفيلِ
فمِنْ عادةِ الزَّمانِ أنْ يسمحَ
للأقليَّةِ المُتكاتِفةِ
ابتلاعَ الأغلبيةِ الحمقاءَ
ببساطةٍ قاتِلَةٍ ومُبكِيةٍ
نقولُ:
- جاءَ بمُفردِهِ
ليطرُدَنا منْ أوطانِنا
ولم يزلْ يتقدَّمُ
لِمزيدٍ مِنَ البلادِ
ونحنُ نتقهقرُ
ونُتَّهمُ بعضنا بالخيانةِ
والتَّقاعسِ
والتَّاريخُ يُدوِّنُ ما يشهدُه
منْ مهازِلَ فاضحةٍ
وواضحة.*
إسطنبول
* بَصِيصُ نَسمَةٍ..
في قلبِ النَّسمةِ
يَزرعُ الوقتُ تفاصيلَ الصَّمتِ
والجرحُ ينمو في القلوبِِ
يتسلَّقُ شُرُفاتِ الانتظارِ
ضيَّعتُ دمي في أزقَّةِ الرِّيحِ
يأكلُ الغُرابُ جدراني
يمتصُّ السَّرابُ باصرَتي
وتتداعى فوقَ وجعي الأسئلةُ
أينَ أوردةُ الذُّكرياتِ؟!
تركتني النَّارُ مُتفحِّمَ الأمواجِ
محروقَ النَّومِ
مُترمِّدَ الأحلامِ
أسألُ أبوابَ السَّكينةِ
أينَ أودعَتْ مفاتيحَها؟!
السَّماءُ تقطُرُ الظُّلمةَ
الأرضُ تنبعُ الغربةَ
والدُّروبُ تُفضي إلى ساحاتِ الهوانِ
أمشِي .. وَيَصُدُّني العَماءُ
أمشِي .. وَيُزَاحِمُني الخوفُ
أتلكأُ في الموتِ
عَلَّ النَّسمةَ تحُطُّ على اختناقي.*
إسطنبول
* توأمُ فرْحَتي..
قاتلي
يُعطيني الأمانَ
ليقتلَني بمنتهى الأخوَّةِ
ثُمَّ يفتِّشُ دمي
ليسرقَ نبضَ الذكرياتِ
أنا وقاتلي تربطُنا ابتساماتٌ
وضحكاتٌ
ولقمةٌ طيِّبةٌ
لمْ يغِبْ طعمُ الملحِ
والسجائرِ عن أحلامِنا
قاتلي صديقي الصدوقُ
يقاسمُني نُصْفَ أنفاسي
وأجزاءَ روحي
يشاركُني حلمي
يمتلكُ أسراري
يرافقُني الدرب
حاملاً مفتاحَ قلبي
ومشعلَ صوتي
قاتلي
أقربُ إليَّ من حبلِ الوريدِ
كنتُ أظنُّه
أعَّزَّ من ابن أمي وأبي
يفهمُ صمتي
يُحسُّ بآهتي
يتألَّمُ لحرماني
قاتلي
من كُنتُ ألجأُ إليه
لحظةَ إنزعاجي من حماقتي
كانَ يغسلُ لي غضبي
ينظِّفُ فضائي
يهدهدُ قلقي
يداوي انتظاري
ينهضُني من عثراتي
يفتديني أمامَ الهزائمِ
قاتلي
من أروعِ القتلةِ
قتلني
دون أن أعرفَ
لماذا
هو
صديقُ نجاحي
وشريكُ تطلُّعاتي.*
إسطنبول
* حنين..
مَنْ يحملُ عنِّي دمعتي؟
الجبلُ اعتذرَ وانسلَّ هارباً
والبحرُ قالَ لي بصراحةٍ
أنا لا أتَّسعُ لها
والسَّماءُ خافت على نفسها
من الإرتماء
أصدقائي داروا ظهورَهُمْ
الشَّمسُ تظاهرت بوعكةٍ صحِّيَّةٍ
وترنَّحَ َالنهارُ بأحمالِهِ
لكنَّ ليلي أخذَ يساومُني
على كرامتي
لا أحدَ يبادِرُ لمساعدتي
حتَّى قصيدَتِي اضطربت فيها الحروف
تقوَّضَ دمي
اشتعلَ أمامي الدربُ
تأسَّفَ الوقتُ لحالتي وتجاوزني
والريحُ تغاضت عن تحيتي
والصمتُ لملمَ أذيالَهُ منسحِباًَ
لم أعثر على من يساندني
تخلَّى الهواءُ عنِّي
والحُبُّ في قلبي
لا يفتَأُ عن الحنين.*
إسطنبول
* رفيفُ الفاجعةِ..
تنفردُ بي القصيدةُ
تكشُف لي عن أضغاثِ الدّروبِ
تحيلُني إلى شَتاتِ الوهمِ
وتقرأُ لي أسطُرَ الخرابِ
ألَملِمُ تهدُّمَ السَّحابِ
النَّابتِ في قوايَ
لأقتربَ من تورُّقِ رغبتي
أستندُ على خيوطِ أحلامي
أزحفُ نحو رؤى نبضي
لأتمسّكَ بأجنحةِ صوتي
حيثُ هُتافُ دمعتي يحلِّقُ
في سماءِ جُرحي
ويسألُني الطّريقُ عن خطايَ
أقولُ ترمَّدَتْ في الغربةِ
شابَتْ مواجعي
وأنا أثقبُ الجدارَ بلهفتي
والنَّارُ تكتسحُ انتظاري
وفضائي بلا نسائمٍ
وُرُودِي تَعَفَّنَتْ
أحرفي استوحشَتْ
ضِحكتي تقشَّبَتْ
وتيبَّسَتْ آهتي على جذعِ السَّماءِ
الأرضُ أخذتْني وَوَلَّتْ هاربةً
رمتني إلى أمواجِ الحُطامِ
لا أحدَ يُبصرُ مأساتي
أو يهتمُّ بالفاجعةِ.*
إسطنبول
* الغربة..
الغُربةُ فقأتْ صَمتي
وَوَرَّمتْ روحي
اعتصرت آهتي
وفجَّرتْ حنيني
سطتْ على نبضي
وشرَّدتْ دمعتي
الغربةُ طحنتْ أنفاسي
وهشَّمتْ بصيرتي
واستولتْ على فضائي
ونسفَتْ مرقدي
أضرمتْ الخرابَ في عمري
ورشَّتْ النَّار على قلقي
أطعمتني لفمِ الجنونِ
سقتني علقمَ الوحدةِ
واغتالتْ من أعيني النوم
الغربة
تنحدرُ من جهنَّم
تربطها قرابة مع الموتِ
وعلاقة مع الشَّيطان
تساندُ الأعداءَ
تتآمر على الأملِ
وتطفئ وهج الدُّروب.*
إسطنبول
* الأبــد..
أموتُ ولا أعترفْ
أنَّ حُبَّكِ جَلَبَ لقلبيَ الشَّقاءَ
وتسبَّبَ لي بالتَّعاسةِ
يَكفِي أنَّني استمتعتُ
بأحلامي بكِ
وعَمَلتُ لِأَنْ أكونَ أجملَ وأقوى
تحدَّيتُ ظروفي ولمْ أنهزمْ
واجهتُ القهرَ
حاربتُ اليأسَ
قاتلتُ الدَّمعَ
وأخرستُ نيرانَهُ
عاركتُ الموتَ
جعلتُ القمرَ يقتربُ من الأرضِ
أكثرَ
منحتُ الوردَ ألواناً شتَّى
وزوَّدتُهُ بعبقِ أنفاسِكِ
جلبتُ النَّدى للنَّوافذِ
ودَلَلْتُ الشَّمسَ على كوكبِنا
طلبتُ مِنَ الماءِ أن يكونَ عذباً
زُلالاً
أنا مَنْ سبغَ على الثَّلجِ البياضَ
وابتكرَ أبجديَّـةَ التَّأملِ
لَمْ يكنْ حبُّكِ القاتلُ قاتلي
رفضُك لي كانَ بدايةَ
الولادةْ
لأنقُشَ اسمَكِ على
جبينِ الزَّمَانِ
وأُعمِّرَ الكونَ كُلَّهُ
بقصائد حُبِّي
وأخلِّدَ الخُلُودِ لأنَّهُ سَيُخلَّدَ
عشقي لكِ.*
إسطنبول
* الأحمق..
يهزَأُ منِّي العمرُ
الذي ضيعتُهُ
في حبِّ امرأةٍ ليست لي
اعتذرتْ منذ البدايةِ عن حبي
لكنَّ قلبي لم يفهَمْ صراحتَها
ظنَّ أنَّ كثرةَ إلحاحٍ
سيجعلُ قلبَها يستجيبُ
وتوهَّمَ أنَّ كتابةَ الشِّعرِ عنها
قد يؤثِّرُ فيها
ويُوقِعُها في غرامي
واعْتَبرَ أنَّ التَّوسُّطَ عندَ الأصدقاءِ
يمكنُ أن يأتيَ بنتيحةٍ
وحسبَ أنَّ الدُّموعَ والشكوى
ربَّما يحرِّكان العطفَ في قلبِها
وتندمُ على قسوتِها في الرفضِ
طلبَ منَ الوردِ التَّدخلَ
منَ الفراشاتِ أن تكونَ وسيطَ خيرٍ
منَ القمرِ أن يسعى معَهُ في إقناعِها
توسَّل إلى العصافيرِ
لجأَ إلى الينابيعِ
استعطفَ الليلَ
تذلَّلَ إلى النَّهارِ
ركعَ عندَ أقدامِ الشَّوقِ
استحلفَ الحنينَ
ترجَّى الأحلامَ
كلَّم النَّدى
فعلَ ما لمْ يفعَلْهُ عاشقٌ
عملَ ما لا يتصوَّرُهُ عاقلٌ
ظلَّ يأملُ وينتظرُ
حتى قاربَهُ الموتُ
وما زالَ الأحمقُ مستمرَّاً في حبِّهِ
يطمعُ في القبولِ
ونيلِ الموافقةِ
وعكازتُهُ تواسيهِ وتمدُّهُ بالأمل!*
إسطنبول
* إنتماء..
أنتمي إلى قلمي
وقلمي نبضُ الصَّمتِ
والصَّمتُ بلونِ الدَّمعِ
أكتبُ أوجاعَ النَّسمةِ
حنينَ الغيمِ
نزقَ الوردِ
نحيبَ النَّدى
أُعَبِّدُ طريقَ الفراشاتِ
أرسمُ ضحكةَ العصافيرِ
ألونُ أجنحةَ السَّنابلِ
أُعطي للسماءِ الرّفعةَ
للجبالِ الأنَفةَ
للهضابِ الشُّموخَ
أزينُ أصابعَ الأملِ
أكسو الليلَ بالهمساتِ
النّهارَ بالجموحِ
الأيامَ بالتَّورُّقِ
أدغدغُ عبقَ الذّكرياتِ
أداعبُ أغصانَ السَّرابِ
وَأُرَقِّصُ رمادَ الانتظارِ
أنتمي إلى قلمي
وقلمي صوتُ الصَّخبِ
الصَّخبُ بلونِ الوجعِ
أكتبُ أفراحَ الندى
شبقَ العاصفةِ
رصاصَ السَّكينةِ
مذابحَ الياسمينِ.*
إسطنبول
* السَماءُ الثّامنة..
على حافَّةِ الموتِ
أتمسَّكُ بحُبِّكِ
وأحتمي بعزيمةِ قصائدي
وأرفعُ اسمَكِ بوجهِ الفَناءِ
أبعدُ شبحَ العدمِ عنِّي
وأوسِّعُ مكاناً لعشقي
أُشيِّدُ جدرانَ الندى
حولَ أشجارِ عطرِكِ
لتكونَ ذاكرةَ التَّاريخِ
ويتباركَ بكِ الأبدُ
أنتِ يا لونَ الخلودِ
يا قامةَ البرقِ
وصوتَ الرَّحمةِ
يا جسدَ الأعالي
ستُحِبُّكِ دروبي
وتشتهيكِ بسمتي
وتتبعُكِ مدامعُ ناري
أحبُّكِ..
والكونُ يسبحُ في ملكوتِ عشقي
أحبُّكِ
والأزلُ يذكرُ أولى تعثُّراتِ قلبي
البحارُ تشكَّلتْ مِنْ أمواجِ حنيني
والشمسُ بزغَتْ منْ مِعطفِ أبجديَّتي
أحبُّكِ..
وأنتِ تسكنينَ السَّماءَ الثامنةَ
حيثُ غابَ صوتِيَ
عنكِ.*
إسطنبول
* فقط..
تَمتلِئ رُوحي بالاغترابِ
أيامي تنهشُ انتظاري
وحنينِي لا يرأفُ بدمِي
سأموتُ على قيدِ أحلامي
ووسطَ يأسي يتراءى لي أملٌ
فالعودةُ
هيَ مَنْ أعيشُ لأجلِها
لا شيءَ يُعوِّضُني عنْ وطني
لا شيءَ أجملُ من الحياةِ في وطني
فيه سأجتَمِعُ بأهلي
وأحبَّتي الطيبينَ
وبأصدقائي الأعزَّاءِ
سأرمي التحيَّةَ على جيرانٍ يفهمونَ لُغتي
وبشاراتٍ مُتعارَفٍ عليها
سأزورُ مِقبرَتَيْ أبي وأُمِّي
وأقرأ ُالفاتحة
على روحيهما
سأَمُرُّ على ساحاتٍ أحبُّها
وأجلسُ في حدائقَ
تشهدُ على عِشقي
وأجتمع مع الخلانِ في المقاهي
سأُذكِّر الأرصفةَ بخُطُواتي
فقدِ اشتقتُ
للشوارعِ والأزقةِ وهي تشتاقُني
ستعاتبُني عَمارتُنا
ويحضنُني بيتُنا
وستقرأ مكتبتي كلَّ ماكتبتُهُ
فقط..
لو أنّي أعود
فقط لو وجدْتُّ مدينتي تُشبِهُ مدينتي
ووجدْتُ العمارةَ باقيةً ولمْ تهدمْ
ولكانَ الناسُ في وطني
هُمْ ناسُها
وليسوا بالغرباءِ عنْهُ
ولا بالأعداء.*
إسطنبول
* منافذُ التَّقهقرِ..
أتفقَّدُ دَمِي
لا أجدُ لهُ أثراً
تسرَّبَ من جروحِ أحلامي
غادرَ نبضي
تعلَّقَ بأطرافِ الوقتِ
ومضى خلفَ سقوطي
حاملاً دهشتي المُتَكسِّرةَ
الأفقُ أوصدَ بابَهُ
السَّحابُ تلبَّدَ بيَاضُهُ
الضَّوءُ عُصِبَتْ عيناهُ
وتثاقلتْ خُطى النَّسمةِ
يسحلُ الحزنُ آهتي
يقيِّدُ الوجعُ بسمتي
ويصطادُ الحنينُ لوعتي
يتلقَّفُني الانهيارُ
وتكتبُ الأشواقُ نهايتي
أنا من كنتُ أشيِّدُ الأعالي
أسقُطُ في قبضةِ السَّرابِ!
أنا الذي أعطى للنوافذِ البصيرةَ
أفقُدُ حُضنَ الألقِ!
ضيَّعتُ فضاءَ روحي
فقدتُ دروبَ الكلامِ
وسدَّ عليَّ الصَّمتُ منافذَ التَّقهقرِ.*
إسطنبول
* الهمسةِ..
قبضتُ على همسةٍ
صدرتْ عنكِ
وتسرَّبتْ
من شقوقِ الجفاءِ
حملتُها
كزهرةٍ تفوحُ بدمعتي
ضممْتُ خلجاتِها إلى ناري
أسكنتُها روحي
وزرعتُها في صحارى دمي
قلبي إنشقَّ عن تلالِ النُّورِ
خطوتي فاضتْ بالمدى
السَّماءُ تزيَّنت بالنَّدى
الأرضُ تطهَّرَتٔ منَ ً الخرابِ
صارَ الكونُ يرقصُ
السَّحابُ يغدِقُ على الفقراءِ
الذَّهَبَ
الشَّجرُ أثمرَ السَّلامَ
والقمحُ أضحى زغرودةَ القمرِ
همسُكِ
أضفى على الدُنيا النعيمَ
على قلبي الحلُمَ
على قصيدتي الأشرعة.*
إسطنبول
* أعاصير الغرام..
يتنهدُ دمي
يشرئبُ الحنينُ
هواجسي تنتصبُ
وينهضُ دمعُ روحي
أسافرُ إلى طلعتِكِ
أبصرُ لونَ الأريجِ
أشتمُّ رائحةَ طيفِكِ
يتفتحُ وردُ قلبي
ينهالُ النَّدى على أنفاسي
ويتَّسعُ الأفقُ أمامَ اختناقي
تلوّحُ لكِ لهفتي
تنبضُ أجنحةُ المسافاتِ
تصهلُ أوردةُ الحُلُمِ
تتعالى أصواتُ البهجةِ
تبزغُ أهاليلُ الفرحةِ
يرتسمُ الألقُ على جبينِ السَّرابِ
الحبُّ قضقضَ مضجعي
قضمَ أمواجي
أشعلَ أسواري
حُبُّكِ مكيدة دبَّرَتها الحياةُ
دسيسةٌ على عمري
أخذَتِ اخْضراري
أشعلتْ صواري انهياري
وقلَّدَ الموتُ انتظاري.*
إسطنبول
* انبلاج..
القصيدة تبيع جسدَها لفطنةِ المثقفِ
رأيتُ أحرفَها العاريةَ تختالُ على الأسطرِ
معانيها مكشوفةٌ لكلِّ متعمقٍ جسورٍ
عيونُها تلمعُ بوجهِ المتصفحِ المتأنِّي
عنقُها يثيرُ القارئَ النهِمَ
تمنحُ شفتيها للمجتهدِ الشَّغُوفِ
وبسمتُها تُذيبُ قلبَ مَن يتلقفُ أسرارَها
ويصعدُ درجَ فتنتِها
تنامُ مع مَنْ يرتشفُ دلالاتِها برفقٍ
وتكشفُ عن وهَجِ رفعتِها أمامَ نبضِ مَنْ يعشقُها
هي تسلمُ نفسَها لمَنْ يساهرُها أكثرَ
تُعطي مفاتيحَها للّذي يغامرُ مِن أجلِ أن يحضنَها
سامقةَ الأنوثةِ.. عاليةَ المشارفِ
محصنةً بالبهاءِ.. مسورةً بالنّورِ
في صدرِها ترقدُ العاصفةُ
من حليبِ نهدَيها يتدفقُ البركانُ
تخلعُ ثيابَها لمَنْ يدفعُ مهرَها بسخاءٍ
والمهرُ هو الفهمُ والذَّكاءُ.*
إسطنبول
* دمي..
يتوجَّعُ دمي
يتصلَّبُ فضاؤُهُ
تحترقُ نوافذُهُ
وتتيبَّسُ دروبُهُ
يُطلُّ منهُ الرَّمادُ
وينبثقُ الدَّمعُ منْ حناياهُ
سماؤُهُ مقفلةُ الأدراجِ
غيومُهُ مقيَّدةُ الأجنحةِ
جبالُهُ شاهقةُ الأنينِ
بحارُهُ منتوفةُ الأمواجِ
والمراكبُ على شطآنِهِ خرساءَ
تعضَّهُ نواجذُ الحنينِ
تشربُهُ المسافاتُ
يخنقُهُ الصَّدى
وتعصبُ عيناهُ اللهفةُ
طِوالَ عُمُرِهِ كانَ يضُجُّ بالانتظارِ
كانَ يزرعُ ينابيعَ الأفقِ
ينظِّفُ حلمَهُ منْ شوائبِ السَّرابِ
يرتِّلُ نبضُهُ العطشانَ
دمي مدادُ الأرقِ
فيه تتفتَّحُ الهواجسُ
تختبِئُ الوساوسُ
تنتحرُ النَّوارسُ
تقيمُ الدَّسائسَ
وينتشرُ الاختناقُ
على كلِّ شبرٍ من نزيفهِ
وعلى جبالِ انهزامِهِ
وأسطرِ خرابِه.*
إسطنبول
* صَقَرُ الأُمََةِ..
يَتَّقِدُ الظَّلَاْمُ
يَتَوَهَّجُ الظُّلْمُ
يَتَدَفَّقُ المَوْتُ
يَندَلِعُ الخَوْفُ
وَيَنتَصِبُ الخَرَابُ
وَيَعُمُّ الهَلَاْكُ
حِيْنَهَا
يَعتَلِي الخَائِنُ سُدَّةَ الذُّلِّ
وَيُتَوَّجُ السَّاقِطُ بِأَكَالِيْلِ الهَوَانِ
ثُمَّ
تَصدَحُ أنَاشِيدُ الانتِصَارِ!*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - نفق المتاهات
02 - تنافس
03 - وهج الحسرة
04 - درب الهلاك
05 - غرفتي
06 - المُجون
07 - الأمل
08 - دمع الغربة
09 - أرض القصيدة
10 - لهاث السراب
11 - مشارف الحنين
12 - البائس
13 - مخاض الكارثة
14 - تاريخ البطولة
15 - بصيص نسمة
16 - توأم فرحتي
17 - حنين
18 - رفيف الفاجعة
19 - الغربة
20 - الأبد
21 - الأحمق
22 - إنتماء
23 - السماء الثامنة
24 - فقط
25 - منافذ التقهقر
26 - الهمسة
27 - أعاصير الغرام
28 - انبلاج
29 - دمي
30 - صقر الأمة
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...