د. محمد الهادي الطاهري - موقف محرج 5

كان عليٌ، قبل يومين من موعد العودة إلى الديار، أن أقتني هدايا لزوجتي وطفليٌ. ومن بين ما اقتنيته دراجة صغيرة تعمل بالطافة الكهربائية. قلت في نفسي: سيجد إياد ومرام في هذه الدراجة متعة كبيرة. دفعت ثمنها، وكان أقل بكثير من ثمن صحن السباڨتي واللوشة، وحملت الهدية في صندوقها الكرتوني. في مقر إقامتي خطر لي ما سأعانيه من مشقة في تركيبها فقلت أعود إلى البائع ليسلمني بدلا منها دراجة مركبة جاهزة كنت رأيتها في واجهة دكانه. سلمت عليه وعرضت عليه الفكرة فاعتذر قائلا: هذه معروضة للإشهار ولا يمكن التفريط فيها. قلت: وأنا لا أتقن التركيب، فما العمل؟ رأيته لم يفهم قصدي. كان يردد علي سؤالا واحدا: لماذا؟ وكنت أجيب دائما: لأني لا أعرف كيف أركبها. وبعد حوار متعثر فهم قصدي فأخذ مني الهدية ودخل بها إلى ركن خفي في متجره وخرج منه بعد نصف ساعة تقريبا والدارجة بين يديه جاهزة للاستعمال. في يوم العودة حزمت أمتعتي، محفظتي وفليجتي واحترت في الدراجة كيف أنقلها. ليتها ظلت في صندوقها. بعد تفكير رأيت أن أنزع حزامي لأجعله حبلا أشد به الدراجة على كتفي تماما كما كنت أرفع حزمة الحطب في أيام طفولتي وتوكلت على الله. كنت أعبر الشارع الطويل نحو محطة مترو الأنفاق وكان المارة يحيونني تحية حب وإعجاب. بعضهم قال لي مازحا: هل تعيرني الدراجة لأطوف بها طوافا سريعا. بعضهم الآخر قال: هل أساعدك على الوصول إلى المحطة ؟ ثالث قال لي: بعني هذه الدراجة بخمسين جنيها استرلينيا. كنت ارد على مزاحهم بضحكات خفيفة وكانوا في الغالب شبابا ينظرون إلي نظرة إعحاب وتقدير. لابد أنهم رأوا في صورة آبائهم يعودون إليهم بهدايا تفرحهم ولكنهم لم يتوقعوا أبداً أن تكون الهدية محمولة على الكتف مشدودة بحزام السراويل. في المطار منعوني من شحن الدراجة واشترطوا أن تكون مفككة محفوظة في علبة الكرتون. ولكن ذلك يكلفني ضعف ثمنها فقلت لعون الديوانة خذها ، لم تعد لي حاجة بها. لابد انه شعر بخيبة أملي فنصحني بالحديث إلى قائد الرحلة وكان تونسيا من ولاية الڨصرين. رويت له القصة فأذن لي بالصعود إلى الطائرة والدراجة بين يدي. كانت دراجة عجيبة حقا وكانت فرحة إياد ومرام بها لا توصف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...