عبد الكريم العامري - من مقاهي البصرة.. عبق الماضي وذبول الحاضر

في البدء :
تبتلعني مقهى
وتلفظني أخرى
مقهى..
مقهى..
متى تنتهي دورة المقاهي؟!.

هذا مدخل من الزمن المر، ذلك الزمن الذي كنا نقضي فيه - نحن أدباء المدينة - جل أوقاتنا في المقهى الشعبي، وإن توزّعنا ما بين مقاهي المدينة فأننا اشتركنا برتابة أيامنا وتشابهها، شؤمها وآمالها.. وتشترك كل المقاهي التي جلسنا فيها بذات المفردات، فثمة زاوية بعيدة عن أنظار العامة، نلتم فيها تحت سطوة دخان السجائر، ورائحة الشاي، نتجاذب أطراف الحديث عن أسماء لم يكن عامة الناس على علم بها، ادغار ألن بو، سارتر، فاليري، بيكت، برنادشو، آرثر رامبو.. وهذا الأخير يذكرني بحديث مع احدهم، والظاهر انه كان يستمع لمشادة بين زميلين عن (رامبو) وما كان على ذاك المتطفل الا أن صاح بنا ( يا إخوان سألوني آنا عن رامبو بس كولولي يا جزء؟) ويقصد بأجزاء الفلم الأمريكي الذي يجسد بطولته سلفستر ستالون بدور رامبو.. وما كان على هذين الزميلين الا أن يستمرا بالضحك حتى كدنا نتأكد بأنهما قد استنفدا كل ضحكهما!! هذا المشهد وضعنا أمام أنفسنا، في ذلك الزمان الصعب، حين كان الناس لاهين بقوتهم وقوت عيالهم وكانوا يسموننا نحن الحاملين كتباً وحافظات كتب بـ(البطرانين)، عرفنا حينها أن العالم الذي كان يعيش فيه الأديب هو أبعد ما يكون عن هذا العالم الصغير الذي ما كان يشكّل إلا وعاءً لاحتواء أمانينا وهمومنا..

المهم، شكّل المقهى نقطة واضحة في ذاكرتنا وذاكرة أبناء المدينة.. ولنأخذكم معنا في جولة قصيرة عبر زمن البصرة لنقلّب أوراق مقاهيها بعمّالها وروّادها.. وكل ما جاء هنا من معلومات أخذناها عن لسان ناس عاشوا تلك الفترة واحتفظوا بها في رؤوسهم التي ما تزال تشعر بالحنين اليها:


• مقهى التجار:

في منطقة العشار وفي سوق التجار شيّدت هذه المقهى في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي وأخذت اسمها من اسم السوق الذي كان ملتقى لتجار البصرة وقد كان روادها من الشخصيات المعروفة في لواء البصرة آنذاك ومنهم( عبد الكريم الخضيري وعبد النبي الشمخاني والحاج سليمان الذكير وعبد القادر باشا أعيان والحاج إبراهيم البجاري وإبراهيم الحاج عيسى والحاج عيسى محمد صالح والحاج محمود فخر الدين وهاشم النقيب وغيرهم من الشخصيات والتجار) وذكر لنا الحاج جاسم عبود عبد الكريم ابن صاحب المقهى أن مزايدات كانت تجرى في المقهى ما بين التجار على التمور خلال الموسم وتتم الصفقات بينهم ومن الأشخاص الذين عملوا في مقهى التجار نذكر (كريم العجلاج وسعد البغدادي وعبود عبد الكريم) وفي فترة التسعينيات من القرن الماضي انتقلت المقهى الى موقع آخر قرب الضريبة القديمة في منطقة الصالحية وكان يرتادها آنذاك عدد من الوجهاء نذكر منهم (الحاج سالم العبادي والشيخ لعيبي حنظل والشيخ عبود التميمي والسيد كاظم البطاط والسيد إسماعيل الجابري والشيخ غازي بن محمد العريبي) حيث كان يعمل بها (جاسم عبود عبد الكريم وهاشم عبد الكريم) وكان يرتادها أيضاً عدد من الأدباء والصحفيين.
المقهى تحولت في بداية هذا القرن الى اسم آخر وسميت (مقهى المجالس العربية) حتى بيعها وغلقها عام 2003.


• مقهى أم السباع:

أسسها المرحوم الحاج ناجي المعروف (أبو العشر) عام 1933 وتعتبر من أقدم مقاهي البصرة وتقع في منطقة البصرة القديمة، سميت المقهى بهذا الاسم كون بوابتها تحتوي على تمثالين لأسدين، وقد كان يرتادها كثير من الفنانين والأدباء نذكر منهم المرحوم المطرب الكويتي (عوض دوخي) والمرحوم الدكتور(عبد الوهاب لطفي) وكان المرحوم السيد صبري أفندي (أمين صندوق البصرة) أو كما تقول كلمات الأغنية التراثية(صندوق أمين البصرة) من المدمنين على الجلوس في هذا المقهى ولساعات طويلة وحدثنا السيد (صبيح جعفر حسن) وهو واحد من أصحاب المقهى بأنه كان منتدياً أدبياً وثقافياً ومن عمالها المرحوم (عبد الوهاب أبو الشوربة)الذي كان عضواً في حزب الاستقلال ويحرض الناس ضد الاستعمار والدفاع عن فلسطين وقد أدخلت الى المقهى لعبة البليارد لأول مرة في البصرة بعد ان كانت تقدم النارجيلة ولعبة الدومينو والمقهى معروف على نطاق عربي وعالمي وترد له الرسائل من الذين سبق وإن زاروها من جميع دول العالم كما كتب عنها في الكثير من الصحف والمجلات المحلية والعربية مثل (المتفرج والفكاهة وألف باء والعربي)وكان من روادها أيضاً المرحوم المؤرخ (حامد البازي) واللاعب الدولي توفيق حسين في لعبة كمال الأجسام واللاعب الدولي قاسم خشم في كرة القدم والمصارع محمد بهلوان وقد تعرض المقهى لقذائف المدفعية خلال حرب الثمانينيات ولمرتين وأما الذين عملوا فيها (عبد الوهاب ابو الشوربة عام 1933 وكاظم العاني عام 1946 وحسن هزاع عام 1955 وخليل سلوم عام 1958 وحسين أبو علي عام 1963 والحاج جعفر حسين عام 1967).


• مقهى الناصرية:

هذه المقهى تأسست في أواخر الثلاثينيات وموقعها في منطقة العشار (شارع المطاعم حالياً) وكانت ملتقى للوافدين من الناصرية كما يرتادها المسافرون كونها تقع قريباً من كراج سيارات الناصرية.


• مقهى الشناشيل:

كانت في بداية الثلاثينيات تسمى مقهى (هاتف) نسبة لصاحبها ومؤسسها السيد (هاتف عبد المطلب) وكان من روادها في تلك الفترة (عبد القادر باشا أعيان والشيخ صالح المناصير وعبد السلام باشااعيان)كما أن المطربين (عوض دوخي وعبد الحميد السيد) كانا من روادها والمؤرخ المرحوم حامد البازي وزين العابدين النقيب وتعتبر من أقدم المقاهي في البصرة وقد أعطى بناؤها المعماري التراثي جمالية للمكان حيث الشناشيل والأقواس وكانت تجرى فيها لعبة المحيبس المعروفة خلال أمسيات شهر رمضان المبارك وتلعب فيها أيضاً (الدومينو) والطاولي والشطرنج ومن عام 1973 أدخلت لعبة البليارد فيها.


• مقهى منكاش:

شيّدت في منطقة الجمهورية (الفيصلية سابقاً) يعود تاريخ إنشائها إلى بداية الأربعينيات أسسها المرحوم(محمد حسن مثنى) وبعدها عمل فيها الحاج (جمعة منكاش) وسميت المقهى باسم أبيه وكانت ملتقى لوجهاء المناطق وشخصياتها أمثال الحاج حاتم الجوزي والمحامي محسن الزبيدي ثم كانت ملتقى للشعراء الشعبيين (مهدي السوداني ونوري حياز وعلي الكعبي وفالح الطائي والمرحوم عطا عودة الشهد وجبار اللامي وصابر خضير وعباس جيجان) وكانت تعقد فيها أماس في شهر رمضان وتقام فيها لعبة المحيبس.


• مقهى البدر:

أسسها السيد مهدي سليم البدر عام 1945 وتقع على ضفاف شط العرب وتعتبر من أهم مقاهي البصرة الثقافية في مرحلة أواخر الخمسينيات والستينيات كون جميع روادها من الأدباء والمثقفين أمثال (بدر شاكر السياب ومحمود عبد الوهاب ومحمد جواد جلال ومحمد الحبيب ومحمود الظاهر ومحمد خضير ومحمود البريكان وزكي الجابر وجبار صبري العطية والمؤرخ حامد البازي والدكتور عبد الهادي محبوبة رئيس جامعة البصرة آنذاك والدكتور نزار الشاوي والدكتور مصطفى الخضار ومصطفى النعمة والسيد إبراهيم الخضيري ورجب بركات ومهدي العطية والدكتور شاكر البجاري وغسان المناصير وعبد الخالق الحمد) وأسماء أخرى من مثقفي المدينة.


• مقهى طارش:

أسست عام 1940 وموقعها في منطقة أم البروم وكانت ملتقى لأهالي العمارة كونها قريبة من كراج بصرة- عمارة وكان صوتا حضيري أبو عزيز وداخل حسن ينبعثان من غرامافون المقهى عبر اسطواناتهما وفي حديث سابق لنا مع صاحب المقهى (طارش سهل مطر) منذ ستة أعوام قال (في نهاية الستينيات كان يرتادها (تومان) الشخصية الطريفة في مدينة البصرة والذي يعزف الناي بأنفه ومؤسسها هو الحاج حبيب الملاك وقد عمل فيها منذ ذلك الحين مجيد مشيمش وانتقلت بنايتها عام 1974 الى جوار سينما الكرنك والتي هدمت قبل حرب 2003 في العراق.


• مقهى الصكارة:

تأسست في بداية الأربعينيات وتقع في منطقة البصرة القديمة بالقرب من السوق الحالي وتعتبر ملتقى للصكارة في المدينة ونعني بهم أولئك الذين يهتمون بتربية الطيور والدجاج الهندي والتركي وكانت تجرى فيها مسابقات (الصكارة) للتباري بين الديكة وهي من الألعاب الشعبية واصل هذه اللعبة من الهند ويعود تاريخ اللعبة كما ذكر احد رواد المقهى إلى العصر العباسي حيث أدخلت هذه اللعبة الى البصرة عن طريق الزائرين كونها ميناء للبواخر القادمة من البحر وللعبة جمهورها وحكاياتها الجميلة سنأخذكم معها في استطلاع آخر قريب.


• مقهى السيمر:

أسسها في بداية الأربعينيات السيد (زكي) في منطقة البصرة القديمة مقابل المحكمة القديمة وعمل فيها (فاضل القهوجي) ثم المرحوم ناصر أبو مؤيد وكان يرتادها آنذاك مختار المنطقة (محمد الحلفي) ومن ميزاته انه يحمل سوطاً ليضرب فيه كل من يتشاجر من أهالي المنطقة بعد جلسة تعقد ما بين المتشاجرين .. ومن روادها أيضاً (صبري أفندي) كون سكنه قريباً من المقهى .. سميت المقهى بهذا الاسم نسبة الى منطقة السيمر حيث كان يشق المنطقة نهر تدخله الزوارق (البلم العشاري) وهي محملة بالقصب والسعف.


• مقهى الجمعية:

تأسست في بداية الثلاثينيات وتقع في منطقة سوق هرج في منطقة البصرة القديمة.


• مقهى شنيف:

تأسست في بداية الثلاثينيات في منطقة سوق هرج في العشار مقابل جامع الخضيري.


• مقهى زاير علي:

شيدت في الخمسينيات من القرن الماضي بالقرب من سينما الحمراء في الجانب الثاني من نهر العشار وصاحبه الزاير علي (ابو طالب) حيث كان ملتقى لوجهاء البصرة ورؤساء عشائرها.


• مقهى سيد هاني:

عمل السيد هاني في الستينيات في عدة مقاهي حتى استقر به المقام في مقهى خاص به شيده في بداية الثمانينيات من القرن الماضي في منطقة العشار وهو مقهى كان يرتاده وما يزال عدد من الأدباء والصحفيين والفنانين وهو ملتقى أدبي وثقافي في كل ايام الإسبوع.


• خاتمة:

ها نحن نصل الى نهاية جولتنا بعدما أخذناكم الى سنوات لم يعشها اغلبنا ولكنها سنوات ستبقى محفورة ف ذاكرة أبناء المدينة وهناك عدد من المقاهي التي لم نستعرضها ولكن سنكتفي بذكر اسمائها منها مقهى حسون أبو التتن وشيدت قرب مقام الأمير ومقهى عبد عبد السادة قرب ساحة سورين وفيها اقدم (مقهجي) في المدينة ومقهى أبو كاظم في منطقة العشار.. وقبل ان أسدل الستار لا بد ان اشكر زميلي محمد الدخيلي الذي جمع لي بعض المعلومات عن تلك المقاهي.




عبد الكريم العامري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...