-4-
رأى في المنام الخليفة سليمان بن عبد الملك، في حلة صفراء، ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء، واعتمّ بعمامة خضراء، وجلس على فراش أخضر، وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا الملك الشاب.
نهض الشيخ من فراشه، هجر دفء الفراش واشتهاء أصغر زوجاته وأجملهن: اللهم اجعله خيرًا، توضأ صلى ركعتي الفجر، لم يدرِ ماذا صلى أركعة أم ركعتين شغلته الرؤيا. حملته مثل السحاب الثقال، تمطر غواية، إنه رأى الملك. استحسنها واستبشر وتذكر الوصايا النبوية "إِذَا رَأى أَحدُكُم رُؤْيَا يُحبُّهَا فَإنَّما هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَليَحْمَدِ اللهَ عَلَيهَا وَلا ْيُحُدِّثْ بِها".
عند باب فيلته الملكية التي تنزوي خلفها خجلاً عشرات الفيلات في منتجع المشاهير، المعزول عن دنيا العشش ومدن الصفيح. ودع زوجاته الأربعة: لا تنسانا من صالح دعائك يا سيدنا، ترجل متجاوزًا حديقة قصره، فُتح الباب بالريموت، استقبله بودي جاردات، شداد غلاظ لا يعصون الشيخ ما أمرهم، اختفى داخل سياج أجسادهم الضخمة التي تحلقت حوله وأغلقت كل الشقوق المحتملة.
فتحوا له باب سيارته المصفحة، دلف إلى المقعد الخلفي. أسدلت الستائر، حتى لا تتأذى عيناه الطاهرتان، برؤية من ألقى بهم اللصوص والجوع على قارعة الطريق، انطلق موكبه تستظله هيبة أصحاب السمو والجلالة، شق طريقه، الطريق لا يُطوى بُعده، فالمسافة بين الكروش المنتفخة والأمعاء الخاوية، يتعين أن تراعى في إتيكيت وبرتوكولات شركات العقارات.
كمين شرطة في الطريق، ارتبك البودي جاردات: كمين يا سيدنا ماذا نفعل؟! أوراق السيارات "زي ما أنت عارف"!
الشيخ: ولا يهمك "ومن يتقي الله يجعل له مخرجا".
انحنى الضابط على الشباك، مد له الشيخ يده قبّلها، أدى له التحية، وأمر برفع الأقماع: تصحبك السلامة: ادع لي يا سيدنا!
احتشد الناس على جانبي الطريق لاستقبال الشيخ، إنه يوم المنح والنفحات وكنز البركات، يغشاهم الوجل من أن تكون هذه الجمعة اليتيمة وتقبض أرواحهم بعدها "اللهم بلغنا الجمعة المقبلة".
هرول الناس خلف سيارة سيدنا، ارتعشت الأجساد، وانثالت الكلمات، جرت الدموع على أخاديد الوجوه الشاحبة، وتزاحمت الأيادي النحيلة، تبحث لها عن موضع على صاج السيارة المباركة.
ارتقى سيدنا المنبر، استدار للناس، استهل خطبته عن فضل الفقر والصبر عليه. الفقراء جلساء الله يوم القيامة: واذكروا الله "عند المنكسرة قلوبهم". قالوا مَن هم؟! الفقراء الصادقون. رفع كفيه: اللهم اجعل أقواتنا كفافًا.
عاد.. ارتقى درج مدخل الفيلا، ومن خلفه الخدم والحرس، يفرغون ما حملته سيارته من ألذ فواكه الجنة، دلف إلى غرفة الطعام، اصطفت نساؤه الأربعة أمام السفرة، تزدحم بما لذ وطاب من البط والدجاج والحمام في أطباق مرصعة بالذهب الخالص.
يأمر نساءه بالجلوس، يتأملهن. كل ركن يغري بالشهوة والاشتهاء: ثم يحدث نفسه منتشيًا: هذه ـ والله أعلم ـ تأويل رؤياي "قد جعلها ربي حقا". ثم ينادي: يا غلام ارفع فو الله ما شبعت ولكن مللت.
** غدا نكمل.. ورمضان كريم
رأى في المنام الخليفة سليمان بن عبد الملك، في حلة صفراء، ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء، واعتمّ بعمامة خضراء، وجلس على فراش أخضر، وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا الملك الشاب.
نهض الشيخ من فراشه، هجر دفء الفراش واشتهاء أصغر زوجاته وأجملهن: اللهم اجعله خيرًا، توضأ صلى ركعتي الفجر، لم يدرِ ماذا صلى أركعة أم ركعتين شغلته الرؤيا. حملته مثل السحاب الثقال، تمطر غواية، إنه رأى الملك. استحسنها واستبشر وتذكر الوصايا النبوية "إِذَا رَأى أَحدُكُم رُؤْيَا يُحبُّهَا فَإنَّما هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَليَحْمَدِ اللهَ عَلَيهَا وَلا ْيُحُدِّثْ بِها".
عند باب فيلته الملكية التي تنزوي خلفها خجلاً عشرات الفيلات في منتجع المشاهير، المعزول عن دنيا العشش ومدن الصفيح. ودع زوجاته الأربعة: لا تنسانا من صالح دعائك يا سيدنا، ترجل متجاوزًا حديقة قصره، فُتح الباب بالريموت، استقبله بودي جاردات، شداد غلاظ لا يعصون الشيخ ما أمرهم، اختفى داخل سياج أجسادهم الضخمة التي تحلقت حوله وأغلقت كل الشقوق المحتملة.
فتحوا له باب سيارته المصفحة، دلف إلى المقعد الخلفي. أسدلت الستائر، حتى لا تتأذى عيناه الطاهرتان، برؤية من ألقى بهم اللصوص والجوع على قارعة الطريق، انطلق موكبه تستظله هيبة أصحاب السمو والجلالة، شق طريقه، الطريق لا يُطوى بُعده، فالمسافة بين الكروش المنتفخة والأمعاء الخاوية، يتعين أن تراعى في إتيكيت وبرتوكولات شركات العقارات.
كمين شرطة في الطريق، ارتبك البودي جاردات: كمين يا سيدنا ماذا نفعل؟! أوراق السيارات "زي ما أنت عارف"!
الشيخ: ولا يهمك "ومن يتقي الله يجعل له مخرجا".
انحنى الضابط على الشباك، مد له الشيخ يده قبّلها، أدى له التحية، وأمر برفع الأقماع: تصحبك السلامة: ادع لي يا سيدنا!
احتشد الناس على جانبي الطريق لاستقبال الشيخ، إنه يوم المنح والنفحات وكنز البركات، يغشاهم الوجل من أن تكون هذه الجمعة اليتيمة وتقبض أرواحهم بعدها "اللهم بلغنا الجمعة المقبلة".
هرول الناس خلف سيارة سيدنا، ارتعشت الأجساد، وانثالت الكلمات، جرت الدموع على أخاديد الوجوه الشاحبة، وتزاحمت الأيادي النحيلة، تبحث لها عن موضع على صاج السيارة المباركة.
ارتقى سيدنا المنبر، استدار للناس، استهل خطبته عن فضل الفقر والصبر عليه. الفقراء جلساء الله يوم القيامة: واذكروا الله "عند المنكسرة قلوبهم". قالوا مَن هم؟! الفقراء الصادقون. رفع كفيه: اللهم اجعل أقواتنا كفافًا.
عاد.. ارتقى درج مدخل الفيلا، ومن خلفه الخدم والحرس، يفرغون ما حملته سيارته من ألذ فواكه الجنة، دلف إلى غرفة الطعام، اصطفت نساؤه الأربعة أمام السفرة، تزدحم بما لذ وطاب من البط والدجاج والحمام في أطباق مرصعة بالذهب الخالص.
يأمر نساءه بالجلوس، يتأملهن. كل ركن يغري بالشهوة والاشتهاء: ثم يحدث نفسه منتشيًا: هذه ـ والله أعلم ـ تأويل رؤياي "قد جعلها ربي حقا". ثم ينادي: يا غلام ارفع فو الله ما شبعت ولكن مللت.
** غدا نكمل.. ورمضان كريم