د. إبراهيم خليل العلاف - بين الدكتور طه حسين والدكتور ابراهيم ناجي

والحياة الادبية في مصر والوطن العربي كانت منذ 100 سنة ، زاخرة بالحوارات ، والمناكفات ، والصراعات، والتنافسات ، والمماحكات ، والمجادلات ولعمري كان ذلك دليلا على حيوية تلك الحياة وديناميكيتها وتأثيراتها في الناس .
كان أحدهم ، يصدر ديوانا شعريا ؛ فتبدأ الكتابات ، وتثار التساؤلات .فكرتُ بكل هذا ، وانا اقرأ ما حدث بين الدكتور طه حسين 1889-1973 عميد الاديب العربي والطبيب الدكتور ابراهيم ناجي 1898-1953 الشاعر الرومانسي الكبير . وقد كتب الاستاذ حسين احمد صبرا مقالا في مجلة (الشراع ) البيروتية عدد 19 نيسان -ابريل سنة 2010 حول العلاقة بين طبيب الفقراء الشاعر الرومانسي الدكتور ابراهيم ناجي ، وعميد الاديب العربي الدكتور طه حسين الذي رفض الاعتراف بشاعرية صاحب قصيدة (الاطلال ) التي غنتها السيدة ام كلثوم ، وقد هزأ بشعره ، وتهكم عليه ولاندري هل كانت نوازع الغيرة والحسد هي وراء ذلك ام لان الدكتور ابراهيم ناجي انتمى ل(جماعة ابولو) الادبية سنة 1932 وهي المدرسة الشعرية التجديدية واصبح وكيلا لها ومعه شعراء منهم علي محمود طه ، وصالح جودت ، وعبد المنعم الهمشري واصبحت المدرسة تيارا ادبيا معروفا ومشهورا ومؤثرا .
كان الدكتور ابراهيم ناجي ، قد اصدر ديوانه الاول ( وراء الغمام) سنة 1934 ؛ فثارت ثائرة الدكتور طه حسين وحتى الكاتب الاستاذ عباس محمود العقاد ووصف الدكتور طه حسين شعر ابراهيم ناجي بأنه (شعر صالونات لا يحتمل ان يخرج الى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه !) .
طبعا هذا الموقف السلبي انعكس على الدكتور ابراهيم ناجي ، فسافر الى لندن وبعدها عاد ، وقرر اعتزال الشعر نهائيا ، وبدأ يكتب مقالات في الادب ، والفلسفة ، وعلم النفس .. كما كتب قصصا قصيرة واصدر مجلة (حكيم البيت ) الشهرية . فضلا عن اصدار عدد من الكتب منها كتبه ( رسالةالحياة) ، و(عالم الاسرة) . كما ترجم شعر بودلير عن الفرنسية وخاصة ديوانه (ازهار الشر) ، وترجم عن الانكليزية رواية دستوفسكي (الجريمة والعقاب) واطمأن الدكتور طه حسين الى هذا الموقف ، لكن الشاعر الدكتور ابراهيم ناجي فاجأ الجميع بإصدار ديوانه الثاني (ليالي القاهرة) سنة 1944 ، وفيه قصيدة (الاطلال) وحدث ما حدث ، وكتب الدكتور طه حسين مقالا عن الدكتور ابراهيم ناجي بعنوان ( طبيب الادباء واديب الاطباء) واحتدم النقد بينهما وظل الدكتور ابراهيم ناجي يبدع في الشعر ، واصدر ديوانه الثالث ( في معبد الليل) 1948 ، ثم اصدر ديوانه الرابع ( الطائر الجريح ) سنة 1952 وانتخب رئيسا لرابطة الادباء وصمد واعتقد ان مثل هذه الصراعات كانت هي (داينمو) الحركة النقدية الثقافية العربية آنذاك ، ولولاها لجمدت الحركة ، وتصلبت واصابها الاهمال والضمور ، كما هو حاصل في ايامنا حيث انعدم النقد ، وجف نبع الحركة ، ونحن نعرف بأن في الحركة بركة وقد اختفت للاسف في ايامنا هذه الحركة ، فلم تعد هناك بركة !!
أعلى