حقائب الوجع
قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية / مصر
إزدحام حول شاب جوار الرصيف، أوقفت سيارتي بينما الشاب ينزف الدم من رأسه، أوسعوا لي حين أخبرتهم بأنني طبيبة، تبين لي أن إصابته سطحية، أوقفت نزيف الدم الذى أفزع المصاب والناس، لاداعي لطلب الإسعاف، سأخذ المصاب بسيارتي وأنا فى طريقي للمستشفى وعمل الإسعافات اللازمة، فى السيارة لم يتوقف عن شكري، مهذب اللفظ، ينم ملبسه عن ذوق رفيع، فى منتصف العقد الثالث تقريبا، تم تنظيف الجرح، وإعطائه حقنة مضاد حيوي، سألته عن سبب الإصابة فقال : كنت شبه تائه، إصطدمت بعمود الإعلانات أثناء سيري، مما أحدث الإصابة، كنت أفكر فى زوجتي التى إختطفها الموت فجأة، دون مقدمات لمرض، إنحدرت من عينيه دمعة وهو يتساءل : لماذا خذلني الموت ولم يأتي لألحق بها، محدقا فى صورتها التى أخرجها من حافظته، محاولا أن يستجمع أشتات نفسه المبعثرة، بعد أن حوله الغياب إلي حطام سفينة قذفتها موجة عاتية، فى بحر بلا شطآن،
الطبيبة حرصت كل الحرص ألا تدمع عيناها، حتى لا تشجعه على مزيد من البكاء، طلبت فنجانا قهوة إحتساها فى إستراحة المستشفى، فى محاولة للتخفيف عن آلامه قالت : على الإنسان أن يكون رحيما بنفسه، كل حقائب البشر مليئة بالأوجاع، الفرق بيننا أنك بدأت بفتح حقيبتك، أستأذنك فى فتح حقيبتي، متزوجة لدي طفل وطفلة، غامت عيناها وبردت أطرافها وإرتعشت وهى تتحدث عن فاجعة الموت الذى إختطف الأسرة كلها إثر تسرب الغاز، بينما كانت فى نوبة ليليه بالمستشفى، إنسابت من عينيها شلالات دموع، غير مصدقة أن العصافير والأزهار ماتت، الحياة ترصدنا ونحن نزوي مثل وردة هجرها المطر، وفارقها ندى الصبح، بحارنا بلا مرسى، تمسح من عينيها الدموع، لكنها تفشل فى إصلاح زجاج القلب الذى إنكسر، إنها الحياة التى تتلاطم أمواجا ولا تكف عن ذلك، لتتقافذنا من شط لآخر،
لابد من تخطى محطات الوجع إلى محطات آخرى أقل ألما، فبعد كل ليل نهار، الإنسان دون أمل، كنبات دون ماء، إستأذنته فى الإنصراف، وقد شارف الليل على الرحيل إلا قليلا .
قصة قصيرة :
بقلم محمد محمود غدية / مصر
إزدحام حول شاب جوار الرصيف، أوقفت سيارتي بينما الشاب ينزف الدم من رأسه، أوسعوا لي حين أخبرتهم بأنني طبيبة، تبين لي أن إصابته سطحية، أوقفت نزيف الدم الذى أفزع المصاب والناس، لاداعي لطلب الإسعاف، سأخذ المصاب بسيارتي وأنا فى طريقي للمستشفى وعمل الإسعافات اللازمة، فى السيارة لم يتوقف عن شكري، مهذب اللفظ، ينم ملبسه عن ذوق رفيع، فى منتصف العقد الثالث تقريبا، تم تنظيف الجرح، وإعطائه حقنة مضاد حيوي، سألته عن سبب الإصابة فقال : كنت شبه تائه، إصطدمت بعمود الإعلانات أثناء سيري، مما أحدث الإصابة، كنت أفكر فى زوجتي التى إختطفها الموت فجأة، دون مقدمات لمرض، إنحدرت من عينيه دمعة وهو يتساءل : لماذا خذلني الموت ولم يأتي لألحق بها، محدقا فى صورتها التى أخرجها من حافظته، محاولا أن يستجمع أشتات نفسه المبعثرة، بعد أن حوله الغياب إلي حطام سفينة قذفتها موجة عاتية، فى بحر بلا شطآن،
الطبيبة حرصت كل الحرص ألا تدمع عيناها، حتى لا تشجعه على مزيد من البكاء، طلبت فنجانا قهوة إحتساها فى إستراحة المستشفى، فى محاولة للتخفيف عن آلامه قالت : على الإنسان أن يكون رحيما بنفسه، كل حقائب البشر مليئة بالأوجاع، الفرق بيننا أنك بدأت بفتح حقيبتك، أستأذنك فى فتح حقيبتي، متزوجة لدي طفل وطفلة، غامت عيناها وبردت أطرافها وإرتعشت وهى تتحدث عن فاجعة الموت الذى إختطف الأسرة كلها إثر تسرب الغاز، بينما كانت فى نوبة ليليه بالمستشفى، إنسابت من عينيها شلالات دموع، غير مصدقة أن العصافير والأزهار ماتت، الحياة ترصدنا ونحن نزوي مثل وردة هجرها المطر، وفارقها ندى الصبح، بحارنا بلا مرسى، تمسح من عينيها الدموع، لكنها تفشل فى إصلاح زجاج القلب الذى إنكسر، إنها الحياة التى تتلاطم أمواجا ولا تكف عن ذلك، لتتقافذنا من شط لآخر،
لابد من تخطى محطات الوجع إلى محطات آخرى أقل ألما، فبعد كل ليل نهار، الإنسان دون أمل، كنبات دون ماء، إستأذنته فى الإنصراف، وقد شارف الليل على الرحيل إلا قليلا .