مازلت أقضي أجمل وقتي حين أنفرد بقصص "يحيي الطاهر عبدالله" وأتأمل البنت في "جبل الشاي الأخضر"، وأردد من "أنا وهي وزهور العالم" "كان للشجر رائحة، وللأرض رائحة، ولشعرها رائحة، ولفمي رائحة" وتأخذني "الحقائق القديمة الصالحة لإثارة الدهشة لإسكافي المودة، وإلى "مصطفي البشاري" في الطوق والأسورة الذي يقول لي: " أنت لا تعرف بشاعة الحكم الآدمي الحاكم على الآدمي المحكوم" وحين أستأذن هممت أن أمسك به لاتذهب، قال "سألتقط رزقي من الطرقات كالطير".
وكنت حين أمشي مع يحيي في الشوارع ينحني بين وقت لآخر وأسأله لماذا فيرد: في الأرض كنوز.. ستجد عليها عود الكبريت المحترق .. وشرائح الذهب. فيما كان يحمل كنوزه الجنوبية الحقيقية داخله وتخرج من شفتيه قصصاً لم اسمعها من قبل.
كنت في نهاية الستينات أحلم أن أراه، حتى صرنا أصدقاء أحباء، ويأتي لي المحلة الكبرى – لا ضيفاً على مؤتمر أو مكرماً – إنما نجلس معاً في الحجرة التي فوق السطح، استمتع بإبداعه وتفرده، وكان يحب قصصي، يسمعني قصصه، ويتركني في دهشتي، وينزل درجات السلم يجلس مع أمي وبينهما وابور الجاز وبراد الشاي، يواسي أختى التي كانت مريضة – ماتت بعده بخمس سنوات – يضاحكها ويحكي لها حكاية المريض الذي شفى لأنه ضحك ذات مرة من قلبه.
لا يغيب عني أبداً "يحيي الطاهر عبدالله" الذي توفى في حادث سيارة على طريق القاهر – الواحات يوم 9 أبريل 1981، ودفن في قريته الكرنك بعد أن ركب الطائرة لأول وآخر مرة في حياته، جثمان نحيل فقير، لم يمتلك يوماً أي مئات الجنيهات، ولم أره بربطة عنق، ولم ينل جائزة، ولم يسافر لمؤتمرات الخمس نجوم، وكما ولد ابن طيبة في 30 أبريل سنة 1938 في الكرنك دفن هناك، ويستحق أن ننقش قصصه على مسلة مذهبة مثل ما حلمت به "حتشبسوت" هذه القصص الساحرة المدهشة.
وعندما تصيبني كآبة من كثير من قصص هذه الأيام حتى أجرى مستغيثاً: يا يحيي .. انقذني وخذني في بستانك الذي به "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً .. وضعني "أنا وهى وزهور العالم" على حافة حياتك لنرجع "تصاوير من التراب والماء والشمس" واجعلنا نرقص "الرقصة المباحة" ونظل نحكي "حكايات للأمير حتى ينام" وهذه بعض من شموس يحيي الإبداعية.
يشدني بيده من بين الأصدقاء على مقهى ريش نمشي في الشوارع، والحارات والأزقة نجلس على المقاهي نأكل الفول والطعمية، ويقول لي: يا خويا يا حبيبي .. اسمع هذه القصة. ويتلوها ثم يشرحها لي كلمة كلمة، ويضيف هذه حكاية بسيطة وعبقرية .. يا خويا يا حبيبي.
وذات ليلة وكنا عند "إبراهيم أصلان" في امبابة "يحيي ومحمد صالح وخليل كلفت وأنا" قرأت عليهم قصة جديدة، لم تعجب "يحيي"، في ظلمة الشارع الموازي للنهر همس يحيي في أذني: مزق هذه القصة. لم أتردد، مزقتها، ونثرتها في الهواء، زعل صديقنا "خليل كلفت" وزعق لماذا؟! قلت: أنا أثق في حس يحيي الفني جداً، وأعرف أنه يحبني. رد يحيي على خليل: جار سيكتب أفضل منها.
وها أنا يا "يحيي" أحاول دائماً أن أكتب أفضل منها حتى لا أخذلك.
تحت زجاج مكتبي صورة لأستاذي وتاج رأسي "عبد الفتاح الجمل" وصورة حفيدتي الجميلة "سلمي"، وصورة بالألوان لـ "يحيي الطاهر عبدالله".
يحيي .. الذي لا يفارقني أهمس له: يا خويا يا حبيبي
وكنت حين أمشي مع يحيي في الشوارع ينحني بين وقت لآخر وأسأله لماذا فيرد: في الأرض كنوز.. ستجد عليها عود الكبريت المحترق .. وشرائح الذهب. فيما كان يحمل كنوزه الجنوبية الحقيقية داخله وتخرج من شفتيه قصصاً لم اسمعها من قبل.
كنت في نهاية الستينات أحلم أن أراه، حتى صرنا أصدقاء أحباء، ويأتي لي المحلة الكبرى – لا ضيفاً على مؤتمر أو مكرماً – إنما نجلس معاً في الحجرة التي فوق السطح، استمتع بإبداعه وتفرده، وكان يحب قصصي، يسمعني قصصه، ويتركني في دهشتي، وينزل درجات السلم يجلس مع أمي وبينهما وابور الجاز وبراد الشاي، يواسي أختى التي كانت مريضة – ماتت بعده بخمس سنوات – يضاحكها ويحكي لها حكاية المريض الذي شفى لأنه ضحك ذات مرة من قلبه.
لا يغيب عني أبداً "يحيي الطاهر عبدالله" الذي توفى في حادث سيارة على طريق القاهر – الواحات يوم 9 أبريل 1981، ودفن في قريته الكرنك بعد أن ركب الطائرة لأول وآخر مرة في حياته، جثمان نحيل فقير، لم يمتلك يوماً أي مئات الجنيهات، ولم أره بربطة عنق، ولم ينل جائزة، ولم يسافر لمؤتمرات الخمس نجوم، وكما ولد ابن طيبة في 30 أبريل سنة 1938 في الكرنك دفن هناك، ويستحق أن ننقش قصصه على مسلة مذهبة مثل ما حلمت به "حتشبسوت" هذه القصص الساحرة المدهشة.
وعندما تصيبني كآبة من كثير من قصص هذه الأيام حتى أجرى مستغيثاً: يا يحيي .. انقذني وخذني في بستانك الذي به "ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالاً .. وضعني "أنا وهى وزهور العالم" على حافة حياتك لنرجع "تصاوير من التراب والماء والشمس" واجعلنا نرقص "الرقصة المباحة" ونظل نحكي "حكايات للأمير حتى ينام" وهذه بعض من شموس يحيي الإبداعية.
يشدني بيده من بين الأصدقاء على مقهى ريش نمشي في الشوارع، والحارات والأزقة نجلس على المقاهي نأكل الفول والطعمية، ويقول لي: يا خويا يا حبيبي .. اسمع هذه القصة. ويتلوها ثم يشرحها لي كلمة كلمة، ويضيف هذه حكاية بسيطة وعبقرية .. يا خويا يا حبيبي.
وذات ليلة وكنا عند "إبراهيم أصلان" في امبابة "يحيي ومحمد صالح وخليل كلفت وأنا" قرأت عليهم قصة جديدة، لم تعجب "يحيي"، في ظلمة الشارع الموازي للنهر همس يحيي في أذني: مزق هذه القصة. لم أتردد، مزقتها، ونثرتها في الهواء، زعل صديقنا "خليل كلفت" وزعق لماذا؟! قلت: أنا أثق في حس يحيي الفني جداً، وأعرف أنه يحبني. رد يحيي على خليل: جار سيكتب أفضل منها.
وها أنا يا "يحيي" أحاول دائماً أن أكتب أفضل منها حتى لا أخذلك.
تحت زجاج مكتبي صورة لأستاذي وتاج رأسي "عبد الفتاح الجمل" وصورة حفيدتي الجميلة "سلمي"، وصورة بالألوان لـ "يحيي الطاهر عبدالله".
يحيي .. الذي لا يفارقني أهمس له: يا خويا يا حبيبي