كلمة الدكتور طه حسين
سيداتي وسادتي:
سمعتم مني في المرة الماضية أني لا أحب الخطب في مثل هذه المجامع. وأني أوثر أن تكون مجامع حديث وسمر، وأن تكون مجامع نستريح فيها من عناء ما نتكلف أثناء النهار من الجد والبحث والقراءة والكتابة، وأوثر ان تكون هذه الاجتماعات كالساعات التي يظفر فيها الطلاب، بالراحة أثناء النهار، ولكني مضطر هذه الليلة إلى ان اتحدث اليكم قليلاً، وثقوا بأني لن اطيل. والذي يسرني ان اتحدث فيه اليكم، وواثق أنكم جميعاً تشاركوني فيه هو ان النادي - نادي القلم الذي أنشأناه - يظهر انه موفق، وان التوفيق قد كتب له منذ اجتماعاته الاولى فاذا ذكرتم اننا في اجتماعنا الماضي قد استقبلنا كاتباً من أكبر الكتاب الانكليز هو مستر هتشنسن وإذا لاحظتم اننا نستقبل الآن كاتباً من أكبر الكتاب الفرنسيين هو مسيو جول رومان عرفتم ووافقتموني على ان نادينا من حقه ان يتغبط بهذا البدء السعيد
واني لسعيد هذه الليلة بان أحيي ضيفنا تحية ملؤها الحب والاكبار. فالذين يقرأون كتبه لا يستطيعون إلا أن يتبينوا هذه العواطف القوية التي يثيرها في نفوسهم، وهي ليست الا عواطف محبة واكبار. فهو ليس من الكتاب الذين يبهرون الناس بحسن الفاظهم وروعة صياغتهم وإنما هو كاتب قبل كل شيء يصل إلى قلب القارئ. ويرفعه إلى ارقى ما يستطيع ان يرقى الانسان اليه من المثل الاعلى والكمال
والذين سمعوا منك محاضرتيه القيميتين في الليسيه والجمعية الجغرافية لا يستطيعون أن يقدموا اليه تحية خالصة هي تحية العقل للعقل، وتحية القلب للقلب، فلاول مرة نستطيع ان نسمع في مصر بين المحاضرين الذين يفدون اليها من الخارج ما يرفعنا من هذه الحياة اليومية إلى حيث يستطيع العقل ان يستريح، والذين سمعوه قد ذكروا أن المحاضرات ليست ميداناً للمسابقة في السماع، بل هي أيضاً مكان يستطيع ان يلتقي فيه المفكرون بالمفكرين وان يتحدث فيه الانسان إلى الانسان بما تعانية الانسانية من الآلام
وأذا كنا نستقبله ونحييه الآن فانما نستقبله ونحييه ككاتب من أكبر كتاب فرنسا الذين يمثلون العقل الفرنسي الحديث والادب الفرنسي الحديث، ثم اني لا أستقبله بهذه الصفة وحدها وإنما استقبله باعتباره كاتباً انسانياً فيه كل مميزات العقل الفرنسي، وكل مميزات الكتاب الفرنسيين واليونانيين القدماء، ثم هو لا يمثل ذلك كله، وإنما يمثل المثل الاعلى للانسانية كلها
فاذا حييته الآن فأنما احيي فيه العقل الفرنسي من جهة والمثل الاعلى للادب الانساني من جهة أخرى.
مجلة الرسالة - العدد 34
بتاريخ: 26 - 02 - 1934
سيداتي وسادتي:
سمعتم مني في المرة الماضية أني لا أحب الخطب في مثل هذه المجامع. وأني أوثر أن تكون مجامع حديث وسمر، وأن تكون مجامع نستريح فيها من عناء ما نتكلف أثناء النهار من الجد والبحث والقراءة والكتابة، وأوثر ان تكون هذه الاجتماعات كالساعات التي يظفر فيها الطلاب، بالراحة أثناء النهار، ولكني مضطر هذه الليلة إلى ان اتحدث اليكم قليلاً، وثقوا بأني لن اطيل. والذي يسرني ان اتحدث فيه اليكم، وواثق أنكم جميعاً تشاركوني فيه هو ان النادي - نادي القلم الذي أنشأناه - يظهر انه موفق، وان التوفيق قد كتب له منذ اجتماعاته الاولى فاذا ذكرتم اننا في اجتماعنا الماضي قد استقبلنا كاتباً من أكبر الكتاب الانكليز هو مستر هتشنسن وإذا لاحظتم اننا نستقبل الآن كاتباً من أكبر الكتاب الفرنسيين هو مسيو جول رومان عرفتم ووافقتموني على ان نادينا من حقه ان يتغبط بهذا البدء السعيد
واني لسعيد هذه الليلة بان أحيي ضيفنا تحية ملؤها الحب والاكبار. فالذين يقرأون كتبه لا يستطيعون إلا أن يتبينوا هذه العواطف القوية التي يثيرها في نفوسهم، وهي ليست الا عواطف محبة واكبار. فهو ليس من الكتاب الذين يبهرون الناس بحسن الفاظهم وروعة صياغتهم وإنما هو كاتب قبل كل شيء يصل إلى قلب القارئ. ويرفعه إلى ارقى ما يستطيع ان يرقى الانسان اليه من المثل الاعلى والكمال
والذين سمعوا منك محاضرتيه القيميتين في الليسيه والجمعية الجغرافية لا يستطيعون أن يقدموا اليه تحية خالصة هي تحية العقل للعقل، وتحية القلب للقلب، فلاول مرة نستطيع ان نسمع في مصر بين المحاضرين الذين يفدون اليها من الخارج ما يرفعنا من هذه الحياة اليومية إلى حيث يستطيع العقل ان يستريح، والذين سمعوه قد ذكروا أن المحاضرات ليست ميداناً للمسابقة في السماع، بل هي أيضاً مكان يستطيع ان يلتقي فيه المفكرون بالمفكرين وان يتحدث فيه الانسان إلى الانسان بما تعانية الانسانية من الآلام
وأذا كنا نستقبله ونحييه الآن فانما نستقبله ونحييه ككاتب من أكبر كتاب فرنسا الذين يمثلون العقل الفرنسي الحديث والادب الفرنسي الحديث، ثم اني لا أستقبله بهذه الصفة وحدها وإنما استقبله باعتباره كاتباً انسانياً فيه كل مميزات العقل الفرنسي، وكل مميزات الكتاب الفرنسيين واليونانيين القدماء، ثم هو لا يمثل ذلك كله، وإنما يمثل المثل الاعلى للانسانية كلها
فاذا حييته الآن فأنما احيي فيه العقل الفرنسي من جهة والمثل الاعلى للادب الانساني من جهة أخرى.
مجلة الرسالة - العدد 34
بتاريخ: 26 - 02 - 1934