سومرست موم - موعد في سامراء (قصة قصيرة)... ترجمة بتصرف: د. عادل محمد عطا إلياس (*)

يُحكى أنه كان هناك تاجر في بغداد أحس بالجوع فأرسل خادمًا له إلى سوق القرية ليبتاع له ولمن معه بعض الطعام لكي يقتاتوا به ويقتلوا وحش الجوع الضاري. أخذ الخادم طريقه إلى سوق القرية على عجل، إلا أنه عاد بعد هنيهة وهو خائف مرتعد الأطراف وتوجه مباشرة إلى سيده، قائلًا:

الخادم (وهو خائف): سيدي، سيدي..

التاجر: ماذا... ماذا بك يا فتى؟.. تكلم.. لماذا أنت خائف مرعوب، هكذا؟.. تكلم.

الخادم: سيدي.. سيدي.. أتعلم ماذا رأيت في السوق؟

التاجر: على رسلك يا فتى.. التقط أنفاسك وقل لي ماذا رأيت في السوق حتى جعلك تبدو وكأن على رأسك الطير خائفًا مرتعد الأطراف؟

الخادم: (يلتقط أنفاسه بصعوبة) سيدي.. عندما ذهبت إلى السوق كما أمرتني اصطدمت بامرأة تشق طريقها دافعة الناس بمنكبيها.. وعندما نظرت إليها ملية راعني ما رأيت.. لقد ظلت تحدق فيَّ بشكل يدعو إلى الخوف والرعب.. ليتك رأيت نظراتها يا سيدي.. كانت نظرات قاتلة وعندما ترى عينيها فكأنك ترى الموت بعينيه!.. كانت تنظر إليَّ نظرات مهددة متوعدة.. ليتني مت قبل أن أنزل إلى السوق وتقع عيناي على تلك المرأة القاتلة.

التاجر: بماذا تهذي أيها الغر؟.. هل أنت في كامل وعيك؟

الخادم: (وقد ازداد ارتباكه وخوفه) لا يا سيدي إنني لا أهذي بل أنا في كامل قواي العقلية وفي كامل وعيي.. إنها خلفي تريد قتلي وستنجح في مسعاها لا محالة.. يجب أن أفر منها، فقط أرجو أن تعطيني حصانًا أمتطيه وأهرب به خارج المدينة وأتجنب تلك المرأة.. أرجوك دعني أهرب منها أرجوك.. يجب أن أهرب فأنا لا أدري لماذا تريد قتلي؟

التاجر: لقد تيقنت الآن بما لا يدع مجالًا إلى الشك بأنك قد جننت حقًا.. كيف تهرب من مصيرك ومن قدرك يا غبي؟.. لو كانت تلك المرأة تريد قتلك كما تدعي، بينما لك من العمر بقية.. فلن تستطيع هي أو غيرها المساس بك أو إزهاق روحك.. أفهمت أيها المعتوه؟

الخادم: لا عليك يا سيدي.. قل أني جننت.. بل قل أني قد ضعت.. قل ما تريد وتيقن مما تريد.. ولكن فقط أعطني الحصان حتى أهرب به إلى سامراء.. وهناك لن يعثر عليَّ أحد.. ولا تلك السيدة المرسلة إليَّ لقتلي.

وأعار التاجر حصانه للخادم المرعوب وهو ما زال متيقنًا في قرارة نفسه بأن الخادم قد جُن، وأنه فقد البقية الباقية من عقله إلى الأبد. فيما أخذ الخادم المسكين الحصان وامتطاه وهو على عجالة من أمره.. وأخذ يلكز الحصان الضعيف مرارًا وتكرارًا، حتى طار به كالريح في اتجاه سامراء.

عندما اختفى الخادم وراء الأفق، قرر التاجر أن يذهب بنفسه إلى السوق لشراء ما يمكن أن يقتات به ويسد به رمقه.. وفي زحمة السوق لمح تلك المرأة الخطيرة وهي تشق طريقها بين الجموع.. فتقدم نحوها بخطى حثيثة وأوقفها متسائلًا:

التاجر: المعذرة يا سيدتي.. هل أنتِ تلك السيدة التي أرعبت خادمي، والتي أُرسلت خلفه لإزهاق روحه والقضاء عليه؟

المرأة: نعم.. هل تعرفني؟.. حقًا لا أستطيع أن أخدمك الآن.. (لحظة صمت) ولكن لا تتعجب فسوف يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أقدم لك خدماتي فاصبر.

التاجر: (يقاطعها بشيء من الحذر والرهبة) ولكني يا سيدتي في غنى عن خدماتك.. في وقتنا الحاضر على الأقل.. فقط أحب أن أسألك سؤالًا بسيطًا ولن يكلفك الإجابة عليه شيئًا.

المرأة: سل ما تريد.. فإني لك مصغية، ولكن بالله عليك أسرع بسؤالك فوقتي ليس ملكًا لي.

التاجر: أعلم ذلك وأقدر لكِ تجاوبكِ وتسامحكِ معي

المرأة: حسنًا.. ماذا تريد أن تسأل؟

التاجر: فقط أحب أن أعرف.. لماذا نظرتِ إلى خادمي نظرات وعيد وتهديد عندما اصطدم بكِ صبيحة هذا اليوم؟.. لقد امتلأ المسكين رعبًا وخوفًا، ولم يعد يعي ما يفعل، حتى ظننت أنه قد فقد عقله أو أنه قد جُن فعلًا ولا أمل في شفائه.. ليتكِ رأيته وهو واقف مرعوب ترتعد فرائصه من الخوف وكأنه رأى الموت بعينيه!

نظرت المرأة إلى التاجر نظرات تعجب قبل أن تجيبه قائلة:

المرأة: عندما نظرت وأحدقت في خادمك لم تكن نظراتي تحمل أي تهديد أو أي وعيد على الاطلاق.. بل على العكس لقد كانت نظرات دهشة وتعجب!

التاجر: وما معنى تلك النظرات.. ولماذا الدهشة والعجب يا سيدتي؟

المرأة: حقًا لقد تعجبت ودهشت أن أراه في بغداد صبيحة هذا اليوم؛ لأن لي موعدًا معه في سامراء هذا المساء.. لكي أقوم بإنهاء المهة التي كُلفت بها هناك.. في سامراء!


===============
(*) قدَّم الدكتور عادل محمد عطا إلياس قصة موعد في سامراء للكاتب الإنجليزي سومرست موم بشيء من التصرف دون المساس بجوهرها، مع اتباع طريقة الحوار المسرحي، رغبة منه في إضفاء روح الإثارة والترغيب في محتوى القصة التي لا يتعدى نصها الأصلي ثمانية عشر سطرًا، وقد نُشرت القصة ضمن كتابه (من الأدب العالمي) الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1988.
أعلى