كان صديقي الشاعر العراقي الدكتور صلاح نيازي، هو الذي قادني الى مجلسها وقدمني لها ذات رحلة الى بغداد في مطلع السبعينيات، وفي صالون جانبي من ردهات فندق بغداد، حيث كانت تتربع فوق اريكة وبرية حمراء وسط مجلس من الرجال، بعضهم جاء الى بغداد ضيفا على مهرجان الفارابي، ويقيم مثلي في نفس الفندق، وبعضهم من اصدقاء صاحبة الصالون العاملين بالصحافة الفنية هناك، قدمني اليها الصديق الشاعر باعتباري صحفيا ليبيا، وقدمها لي قائلا بانها الفنانة العراقية الكبيرة السيدة حياة، وكان صادقا في وصفها بالكبيرة، فقد كانت ذات حجم ضخم لم اشهد له مثيلا في حياتي بين النساء، وعرفت خلال حضورمجلسها ومما تناثر من كلامها وكلام ندمائها، انها مطربة شاركت في حفلات غنائية، ولديها اغان تذيعها الاذاعة العراقية، ولم اعرف الا في اللحظات الاخيرة ان فن الغناء كان بالنسبة له ما ض انتهى زمانه، وتتعيش الان من مهنة اخرى يمكن تسميتها الامتاع والمؤانسة. كانت امرأة عملاقة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، اي ان ضخامتها لا تعود الى البدانة، وانما الى جسامة في البناء الذي خلقت عليه، وليست الى كثل لحمية تراكمت كما يحدث مع اصحاب الاوزان القياسية ثقلا ووزنا زائدا، لانه لا وجود لاي نتوء او زيادة في جسمها، وانما تناسق بديع، وجسم تجلت فيه دقة النسبة والتناسب كتلك التي نراها تتجلي في تمثال عظيم الحجم مثل تمثال رمسيس او موسى او غيرهما من ابداعات عظماء اهل الفن وباحجام اضعاف الحجم الطبيعي للانسان العادي، فهي كانت في حجمها المتناسق الجميل تمثل حجم انسان تضاعف بنفس النسب والمقاسات، فالعيون الكبيرة جدا، والحواجب التي تكاد تكون اقواسا مرسومة بالحبر الشيني فوق جدارية من المرمر والشفاه الغليظة بحمرتها اللامعة، والشعر الاسود الغزير الذي ارخى سدوله فوق كتفيها واحاط بوجهها وغطى ظهرها كانه موج البحر في معلقة امريء القيس، كان كله متناسبا مع التفاصيل التي يحتويها هذا الجسد الذي يتربع كمملكة من عبير عنبر فوق الاريكة التي يترجرج وبرها الاحمر مع رججة اللحم الذي يماثله حمارا ولمعانا، وهو لحم كان ظاهرا وواضحا يعرض نفسه دون مواربة ولا اغلفة، وكانت اجزاء كثيرة منه يسفر عنها الفستان اللامع السواد، الذي كان وجوده بهذا اللون يظهر تباينا بين لمعان السواد في الثوب ولمعان لحم الجسم الابيض المشرب بحمرة الصحة والعافية وبهجة الانوثة، وكان عري الكتفين والساقين وجزء من الظهر وجزء من الصدر يتيج بروز مساحات جمالية كثيرة وكبيرة بسبب حجمها الكبير، وبراحات يمكن ان تركض فوقها جياد الرغبة والشهوة الجنسية بحرية ودون قيود، وكانت هناك مساحة اخرى اكثر اغراء عند منطقة الساقين يسفر عنها شق في الفستان الطويل المتهدل جزء منه فوق الارض، وكانت الطاولة امامها ومام ضيوفها صغيرة قصيرة لها سطح زجاجي لاتستطيع اخفاء هذا الجزء العاري من اسفل جسمها، والذي يتكامل بشكل ابداعي جمالي مع الاجزاء العارية الاخرى فتظهرا اذرعا واكتافا وسيقان كانها اعمدة رخام في قصر ملكي تغمرها الاشعة الحمراء لشمس في لحظة الشروق او الغروب، وكان العنق رغم ضخامته، فيه جمال وطول وكان يضج بالوان لامعة تتكامل ما توافر لهذا الجسم الباذخ من عوامل الاغراء والانوثة الطاغية، وكان يعزز هذه الجماليات ذات الجسامة والضخامة، جمال الاداء صوتا وضحكا وحركات كانها حركات رئيس اوركسترا يعطي الاشارة لعازفي الالات المختلفة ان تعزف لحنا مكتمل الانسجام والهارموني، وكانت الالات الموسيقية في هذه الاوركسترا، اطراف واعضاء وحواس هذا الجسم الذي يستدعي اسطورة النساء الامازونيات المحاربات، الا انها هنا امرأة امازونية لا تخوض حربها في ميادين القتال، وانما في ميادين السهر والفرفشة والشراب والامتاع والمؤانسة، فهناك امامها زجاجة الويسكي من صنف فاخر ينسب الى الملوك هو "شيفاز ريجال" وسطل الثلج، وزجاجات الصودا والماء المعدني، وبعض اطباق الميزة من اجبان وجزر وخيار وخس وجرجير، وكانت السيدة حياة تستعيد ذكريات ووقائع من تاريخها وتاريخ الفن العراقي، تكشف ان عمرها على مشارف الخمسين، الا انه لا شيء في ملامحها يوحي بهذه السن، انه يوحي بسن اكثر نضارة وشبابا وجمالا، وكان الحاضرون وعددهم ثمانية او تسعة اشخاص، يتركون لها الحديث ولا يشاركون الا بما يحرك قريحتها و لسانها بمزيد من الكلام، وكان لابد لشاعر يحضر الجلسة مثل صلاح نيازي ان يحيي جمالها ببيت من الشعر، فاختار بيتا من قصيدة يغنيها عبد الوهاب عن كليوباترا، القاه امامها بطريقة مسرحية وهو يشير بلكتا يديه وذراعيه نحوها كانه يقدم لها القصيدة هدية منه اليها، وهو ذلك البيت الذي يقول:
وهفا كل فؤاد وشدا كل لسان
هذه فاتنة الدنيا وحسناء الزمان
فصفقت له حياة سعيدة بما قال، واستعادت اغنية عبد الوهاب واعادت مطلع القصيدة غناء، قائلة بصوتها الذي ما زال به بعض الجمال وعليه بعض الطلاوة:
كليوبترا، اي حلم من لياليك الحسان
طاف بالموج فغنى وتغنى الشاطئان
ثم مدت ذراعا يلمع جمالا وانوثة ويضج بصخب الاساور الذهبية، واصابع تزينها الخواتم وتحمل كاسا مترعا بسائل ذهبي،ويلمع طلاء اظافرها الاحمر لمعان الصخب والغواية، لتضرب به كاس الشاعر وتدعوه لشرب نخب الصداقة التي تتجدد بتجدد الايام.
كانت هذه الدندنة لمطلع القصيدة، واحدة من دندنات كثيرة تتخلل حديثها كل ما جاء ذكر شيء عن الغناء القديم في شكله الشعبي او في شكله المتطور، او كلما جاء ذكر واحد من سادة او سيدات الغناء، فتذكر الحاضرين بالمع اغانيه او اغانيها، وكان الحديث يشرق ويغرب ولا يربطه رابط الا عالم الفن، باشخاصه ورموزه واحيانا بنوادره وطرائفه التي لم تكن السيدة حياة تتحرج من ايرادها حتى لو كانت ذات طابع اباحي، مثل الفرقة المسرحية الشهيرة التي دخلت الحدود العراقية، قادمة من الشام، فانبرى شرطي الحدود يملأ الخانات في سجله عن الفنانين والفنانات وعندما سال احداهن عن مهنتها، ابلغه رئيس الفرقة ان يكتب ارتست، فلم يفهم الشرطي معنى الكلمة وسال زميله عنها، فاجابه الزميل بان يكتب قحبة، وضحكت السيدة حياة، قائلة
ــ وهكذا فنحن جميعا في عرف الشرطة العراقية قحاب؟
والتفت الجميع خشية ان يحمل هذا الكلام هجوما على اخطر اجهزة السلطة في البلاد، ولكنها كانت تاخذ راحتها في الكلام، وتقول نكتا يختلط فيها الفن بالسياسة دون خوف ولا حرج.
وكانت المحطة التي توقف عندها الحديث طويلا هي محطة المطرب الاشهر في تاريخ الغناء العراقي المرحوم ناظم الغزالي، وبدأ الحديث بسؤال القاه عليها احد السائلين يستفسر عن اشاعة القصة الغرامية التي ربطت بينها وبين المطرب الراحل ومدى نصيبها من الحقيقة، وكان رد فعلها المبدئي هو استنكار السؤال، وبدا القلق على الحاضرين خوف ان تنهض وتترك الجلسة وهي في بداية تالقها، وهمس لي جار عراقي بخوفه من ان تنتهي الجلسة قبل ان تشعشع الخمرة في راس الفنانة التي غمز هامسا بصوت لم يكن ليسمعه احد غيري، قائلا بانني سارى منها عجبا، ولم استطع ان اتكهن بهذا العجب الذي ساراه، وربما كان يعني مزيدا من هذه الدندنات التي قد تتحول الى غناء متواصل، والتفت الحاضرون يرمون صاحب السؤال بنظرات السخط والغضب، ولعل بعضهم اراد ان يسأله ان يعتذر عما قال ويبدي اسفه الشديد للسيدة، الا ان صاحبة الشان اطلقت ضحكة صغيرة لها رنين وبها شيء من الغنج والاغراء اشاعت جوا من الارتياح في الجلسة، وسالت صاحب السؤال الذي كان يجلس في طرف قصي ان يدنو منها فافسح له الجار المحاذي لها مكانه ليجلس في المقعد الملاصق لاريكتها لتقول له حقيقة ما ربط بينها وبين المطرب الراحل، لان ما ربط بينهما لم يكن اشاعة ولم يكن مجرد علاقة غرامية ولكنه كان زواجا، وبدت الدهشة على بعض وجوه الحاضرين ممن يعرفون تاريخ المطرب الشعبي الكبير الذي لم تكن في حياته زوجة اخرى غير زوجته الاولى والاخيرة التي مات وهو مازال زوجا لها، الا ان حياة بددت هذه الحيرة عندما قالت انه زواج لم يعلن عنه، ولم يكن ممكنا ان يعلن عنه، ولم يكن الفنان الراحل يملك حرية ان يتصرف في حياته التي كانت مملوكة بكاملها للمراة التي صنعته واطلقته في عالم الفن وصاحبة الفضل في انقاذه من عوالم العوز والققر وهي المطربة سليمة مراد، التي حققت شهرة كبيرة قبل شهرته، وكانت تكبره بعشرة اعوام، ولم يكن ممكنا بدونها ان يصبح ناظم الغزالي الشهير، لانه كما تقول حياة اصبح كذلك بفضل نفوذها واموالها وسطوتها فلم تكن الموهبة وحدها تصنع نجاحا، وهي التي تزوجته زواجا اشبه بالزواج الكاثوليكي وربطته بعقود وصكوك وديون، بحيث لا يستطيع ان يفلت منها ولم يكن ليفعل ذلك الا بالموت، وقد تزوجها، كما تقول حياة، وهو فتى صغير يبحث عن لقمة العيش، ولكنه لم يكن يبها وانما حياة كما تقول عن نفسها، هي التي كانت حبه الاول والاخير وهي التي وقع في حبها منذ النظرة الاولى، ولم تنكر انها احبته هي ايضا، وعندما اراد ان يقيم معها علاقة جنسية عابرة بدون زواج، رفضت وارغمته على ان يتزوجها زواجا عرفيا لم يستمر غير بضعة اسابيع لان تلك المراة اشتبهت في الامر واعلنت عليه حصارا فاضطر الى ان يهجرها ثم صار الطلاق امرا لا مناص منه لانه لم يعد يستطيع الاتصال بها او تستطيع هي الاتصال به ثم، قالت تؤكد ما حدث:
ــ كان ناظم الغزالي هو زوجي الاول بين تسعة وسبعين زوجا دخلوا حياتي وخرجوا منها،
كان عدد من الحاضرين اعضاء في جلسة السيدة حياة التي كانت تعقدها في هذا الفندق منذ عدة اشهر، لكنهم فيما بدا من دهشتهم مما قالته السيدة حياة، كانوا يجهلون هذه المعلومة، التي يسمعونها منها لاول مرة، وتردف قائلة بانها تحتفظ في صندوق لديها بالبيت، بتسعة وسبعين عقدا، وهذه العقود كما تقول ضاحكة، هي وسيلتها لمعرفة عدد الازواج، لان الذاكرة قد تخطيء في العد، واطلق هذا التصريح جوا من الاثارة بين الجالسين، وعاود جاري العراقي الغمز، بما يفيد ان الجزء الاهم من الجلسة يبدأ الان، وانه يجب الا يفوتني الاستمتاع بما سوف اسمع. نعم كان واضحا ان السيدة حياة، قد بدأت تتأثر بما ارتشفته من هذا السائل الملكي. عدد هائل من الازواج، جعل وجوه الحاضرين تتحول الى اشارات استفهام تطلب توضيحا او تفسيرا لوجود هذا العدد من الاوزواج في حياتها، ولم تكن هي لتبخل بهذا الشرح وقد اطلق الشراب الملكي عقدة لسانها بما لم تكن لتبوح به لولا ما له تأثير، فاستهلت ردها بالحديث عن شوق الرجل الشرقي الى اللحوم، لان وراءه مجاعة للحم الانثوي، وان هذا الكم من اللحوم الذي اعطاه لها الله، وكان في بداية نضجها الانثوي اكثر اثارة واغراء، يثير شهية وشهوة كل رجل يراها، وكان شرطها لكل من ارادها هو طريق الحلال لنيل هذه الوليمة من اللحم الانثوي
ــ لا ركوب دون زواج.
كانت تقول لكل من اشتهى التواصل الجنسي معها، وكان هذا الزواج مكلفا لهم، وضربت مثلا باول هؤلاء الازواج ناظم الغزالي الذي كان تحت سيطرة سليمة مراد المطربة والملحنة التي كانت تسمي نفسها الباشا بسبب نفوذها وتروثها، وكيف كان حجم الاغراء قويا لدى ناظم الغزالي الى حد ان تحمل الغضب القاتل الذي سيثيره هذا الزواج لدى سليمة باشا، بل وكان ياخذ من اموالها ويغدق عليها، وعاش كما تقول غارقا في نعيم لحمها عدة اسابيع، حتى عرفت سليمة باشا بالخبر وجاءت ترغمه على العودة اليها، يرسف في اغلال عسفها وقهرها له، حتى مات مقهورا بسببها، كما تقول زوجته السابقة السيدة حياة، نعم كان لهذا الركوب ثمن فادح، يدفعه الراكب، طائعا مختارا اذا اراد، ولم يكن يهمها ان بعض هؤلاء كان ثمن زواجه منها الافلاس، وبعضهم كان السجن، وثلاثة كان الانتحار لانهم بعد ان حققوا حلم حياتهم بركوبها والاستمتاع بنعيم لحومها، وجدوا المحاكم والافلاس بانتظارهم، فانتحروا، وهناك من راتهم يقفون ليلا امام الملاهي في ملابس الشحاذين، يطلبون حسنة لله فلم تكن تبخل بها عليهم، كما لم يكن يهمها ان ينتهي هذا الزواج سريعا لان الرجل منهم بعد ان يشبع رغبته منها، كان يلحقه الندم ويريد الطلاق فيناله سريعا، وبتشجيع منها، بل احيانا تدفعه بسرعة دفعا الى هذا الطلاق اذا وجدت منه رغبة للاستمرار، بمعني انها تستفزه وتثير غيرته، وتدعي ان لديها رجلا...
وهفا كل فؤاد وشدا كل لسان
هذه فاتنة الدنيا وحسناء الزمان
فصفقت له حياة سعيدة بما قال، واستعادت اغنية عبد الوهاب واعادت مطلع القصيدة غناء، قائلة بصوتها الذي ما زال به بعض الجمال وعليه بعض الطلاوة:
كليوبترا، اي حلم من لياليك الحسان
طاف بالموج فغنى وتغنى الشاطئان
ثم مدت ذراعا يلمع جمالا وانوثة ويضج بصخب الاساور الذهبية، واصابع تزينها الخواتم وتحمل كاسا مترعا بسائل ذهبي،ويلمع طلاء اظافرها الاحمر لمعان الصخب والغواية، لتضرب به كاس الشاعر وتدعوه لشرب نخب الصداقة التي تتجدد بتجدد الايام.
كانت هذه الدندنة لمطلع القصيدة، واحدة من دندنات كثيرة تتخلل حديثها كل ما جاء ذكر شيء عن الغناء القديم في شكله الشعبي او في شكله المتطور، او كلما جاء ذكر واحد من سادة او سيدات الغناء، فتذكر الحاضرين بالمع اغانيه او اغانيها، وكان الحديث يشرق ويغرب ولا يربطه رابط الا عالم الفن، باشخاصه ورموزه واحيانا بنوادره وطرائفه التي لم تكن السيدة حياة تتحرج من ايرادها حتى لو كانت ذات طابع اباحي، مثل الفرقة المسرحية الشهيرة التي دخلت الحدود العراقية، قادمة من الشام، فانبرى شرطي الحدود يملأ الخانات في سجله عن الفنانين والفنانات وعندما سال احداهن عن مهنتها، ابلغه رئيس الفرقة ان يكتب ارتست، فلم يفهم الشرطي معنى الكلمة وسال زميله عنها، فاجابه الزميل بان يكتب قحبة، وضحكت السيدة حياة، قائلة
ــ وهكذا فنحن جميعا في عرف الشرطة العراقية قحاب؟
والتفت الجميع خشية ان يحمل هذا الكلام هجوما على اخطر اجهزة السلطة في البلاد، ولكنها كانت تاخذ راحتها في الكلام، وتقول نكتا يختلط فيها الفن بالسياسة دون خوف ولا حرج.
وكانت المحطة التي توقف عندها الحديث طويلا هي محطة المطرب الاشهر في تاريخ الغناء العراقي المرحوم ناظم الغزالي، وبدأ الحديث بسؤال القاه عليها احد السائلين يستفسر عن اشاعة القصة الغرامية التي ربطت بينها وبين المطرب الراحل ومدى نصيبها من الحقيقة، وكان رد فعلها المبدئي هو استنكار السؤال، وبدا القلق على الحاضرين خوف ان تنهض وتترك الجلسة وهي في بداية تالقها، وهمس لي جار عراقي بخوفه من ان تنتهي الجلسة قبل ان تشعشع الخمرة في راس الفنانة التي غمز هامسا بصوت لم يكن ليسمعه احد غيري، قائلا بانني سارى منها عجبا، ولم استطع ان اتكهن بهذا العجب الذي ساراه، وربما كان يعني مزيدا من هذه الدندنات التي قد تتحول الى غناء متواصل، والتفت الحاضرون يرمون صاحب السؤال بنظرات السخط والغضب، ولعل بعضهم اراد ان يسأله ان يعتذر عما قال ويبدي اسفه الشديد للسيدة، الا ان صاحبة الشان اطلقت ضحكة صغيرة لها رنين وبها شيء من الغنج والاغراء اشاعت جوا من الارتياح في الجلسة، وسالت صاحب السؤال الذي كان يجلس في طرف قصي ان يدنو منها فافسح له الجار المحاذي لها مكانه ليجلس في المقعد الملاصق لاريكتها لتقول له حقيقة ما ربط بينها وبين المطرب الراحل، لان ما ربط بينهما لم يكن اشاعة ولم يكن مجرد علاقة غرامية ولكنه كان زواجا، وبدت الدهشة على بعض وجوه الحاضرين ممن يعرفون تاريخ المطرب الشعبي الكبير الذي لم تكن في حياته زوجة اخرى غير زوجته الاولى والاخيرة التي مات وهو مازال زوجا لها، الا ان حياة بددت هذه الحيرة عندما قالت انه زواج لم يعلن عنه، ولم يكن ممكنا ان يعلن عنه، ولم يكن الفنان الراحل يملك حرية ان يتصرف في حياته التي كانت مملوكة بكاملها للمراة التي صنعته واطلقته في عالم الفن وصاحبة الفضل في انقاذه من عوالم العوز والققر وهي المطربة سليمة مراد، التي حققت شهرة كبيرة قبل شهرته، وكانت تكبره بعشرة اعوام، ولم يكن ممكنا بدونها ان يصبح ناظم الغزالي الشهير، لانه كما تقول حياة اصبح كذلك بفضل نفوذها واموالها وسطوتها فلم تكن الموهبة وحدها تصنع نجاحا، وهي التي تزوجته زواجا اشبه بالزواج الكاثوليكي وربطته بعقود وصكوك وديون، بحيث لا يستطيع ان يفلت منها ولم يكن ليفعل ذلك الا بالموت، وقد تزوجها، كما تقول حياة، وهو فتى صغير يبحث عن لقمة العيش، ولكنه لم يكن يبها وانما حياة كما تقول عن نفسها، هي التي كانت حبه الاول والاخير وهي التي وقع في حبها منذ النظرة الاولى، ولم تنكر انها احبته هي ايضا، وعندما اراد ان يقيم معها علاقة جنسية عابرة بدون زواج، رفضت وارغمته على ان يتزوجها زواجا عرفيا لم يستمر غير بضعة اسابيع لان تلك المراة اشتبهت في الامر واعلنت عليه حصارا فاضطر الى ان يهجرها ثم صار الطلاق امرا لا مناص منه لانه لم يعد يستطيع الاتصال بها او تستطيع هي الاتصال به ثم، قالت تؤكد ما حدث:
ــ كان ناظم الغزالي هو زوجي الاول بين تسعة وسبعين زوجا دخلوا حياتي وخرجوا منها،
كان عدد من الحاضرين اعضاء في جلسة السيدة حياة التي كانت تعقدها في هذا الفندق منذ عدة اشهر، لكنهم فيما بدا من دهشتهم مما قالته السيدة حياة، كانوا يجهلون هذه المعلومة، التي يسمعونها منها لاول مرة، وتردف قائلة بانها تحتفظ في صندوق لديها بالبيت، بتسعة وسبعين عقدا، وهذه العقود كما تقول ضاحكة، هي وسيلتها لمعرفة عدد الازواج، لان الذاكرة قد تخطيء في العد، واطلق هذا التصريح جوا من الاثارة بين الجالسين، وعاود جاري العراقي الغمز، بما يفيد ان الجزء الاهم من الجلسة يبدأ الان، وانه يجب الا يفوتني الاستمتاع بما سوف اسمع. نعم كان واضحا ان السيدة حياة، قد بدأت تتأثر بما ارتشفته من هذا السائل الملكي. عدد هائل من الازواج، جعل وجوه الحاضرين تتحول الى اشارات استفهام تطلب توضيحا او تفسيرا لوجود هذا العدد من الاوزواج في حياتها، ولم تكن هي لتبخل بهذا الشرح وقد اطلق الشراب الملكي عقدة لسانها بما لم تكن لتبوح به لولا ما له تأثير، فاستهلت ردها بالحديث عن شوق الرجل الشرقي الى اللحوم، لان وراءه مجاعة للحم الانثوي، وان هذا الكم من اللحوم الذي اعطاه لها الله، وكان في بداية نضجها الانثوي اكثر اثارة واغراء، يثير شهية وشهوة كل رجل يراها، وكان شرطها لكل من ارادها هو طريق الحلال لنيل هذه الوليمة من اللحم الانثوي
ــ لا ركوب دون زواج.
كانت تقول لكل من اشتهى التواصل الجنسي معها، وكان هذا الزواج مكلفا لهم، وضربت مثلا باول هؤلاء الازواج ناظم الغزالي الذي كان تحت سيطرة سليمة مراد المطربة والملحنة التي كانت تسمي نفسها الباشا بسبب نفوذها وتروثها، وكيف كان حجم الاغراء قويا لدى ناظم الغزالي الى حد ان تحمل الغضب القاتل الذي سيثيره هذا الزواج لدى سليمة باشا، بل وكان ياخذ من اموالها ويغدق عليها، وعاش كما تقول غارقا في نعيم لحمها عدة اسابيع، حتى عرفت سليمة باشا بالخبر وجاءت ترغمه على العودة اليها، يرسف في اغلال عسفها وقهرها له، حتى مات مقهورا بسببها، كما تقول زوجته السابقة السيدة حياة، نعم كان لهذا الركوب ثمن فادح، يدفعه الراكب، طائعا مختارا اذا اراد، ولم يكن يهمها ان بعض هؤلاء كان ثمن زواجه منها الافلاس، وبعضهم كان السجن، وثلاثة كان الانتحار لانهم بعد ان حققوا حلم حياتهم بركوبها والاستمتاع بنعيم لحومها، وجدوا المحاكم والافلاس بانتظارهم، فانتحروا، وهناك من راتهم يقفون ليلا امام الملاهي في ملابس الشحاذين، يطلبون حسنة لله فلم تكن تبخل بها عليهم، كما لم يكن يهمها ان ينتهي هذا الزواج سريعا لان الرجل منهم بعد ان يشبع رغبته منها، كان يلحقه الندم ويريد الطلاق فيناله سريعا، وبتشجيع منها، بل احيانا تدفعه بسرعة دفعا الى هذا الطلاق اذا وجدت منه رغبة للاستمرار، بمعني انها تستفزه وتثير غيرته، وتدعي ان لديها رجلا...