يا أبا فيّاض !
الآن ، ونحن نقف صفاً طويلاً عريضاً متلاحماً ، من رفاقك وأصدقائك وتلاميذك ، ونرفع الجباهَ إلى الأفق المخضّبِ حيثُ تُشرق ذكراك لنؤدّيَها تحبةَ اعتزازٍ بالكرامة والإباء على جبينك الوضّاء ...
الآن .. والخمس سنوات الماضيات الحافلات بالأحداث من كل نوع ، تتواكبُ في خواطرنا دفعةً واحدةً وكأنها كوكبةُ جيلٍ كاملٍ من الناس والأزمان ذاتِ ألوان ...
الآن .. نراكَ وأنت تنظرُ إلى الصف الكبير، تحدِّقُ به طويلاً طويلاً وعلى شفتيْكَ الوديعتيْن الوقورتيْن ابتسامة ٌ تنطق بألف معنى، وفي عينيْك العذبتيْن الصارمتيْن سؤالٌ ينبع منه ألفُ سؤال.
وإنني لأقرأ في ابتسامتك كلَّ معانيها ...
وإني لأفهم في عينيْك كلَّ أسئلتهما ...
وإني لأحسُّ الذي ينبض في حناياكَ وراءَ كلِّ معنى ، ووراء كلِّ سؤال ...
ولكن ، أراك تومئ لي ، في وداعةٍ ورقّةٍ وحزم ، بأنّ نَبَضَ الفرح بالانتصار الذي لا بدّ آتٍ ،هو ما يهيمن على كلّ نَبَضاتِ قلبك ، وأن الثقة منك بطلائع القافلة السائرة حثيثاً إلى الغاية ، هي ما يُفعم وجدانك ويمسح مسحة الاعتزاز على جراحك ...
***
يا أبا فياض !
.. وأراك تنظر ثانيةً إلى الصف الكبير ذاته ، وقد كَبُرَ كثيراً في الخمسِ السنوات الماضيات ، وأرى على وجهك ابتسامةً تسأل هكذا :
- ماذا أراد السفاكون حين أذابوا جسدَ فرج الله الحلو بالأسيد ؟ ...
تسأل ، ولا تقول الجواب .. ذلك لأن الجواب تعرفه أنت ، ونعرفه نحن ، ويعرفه التاريخ وسيعرفه أوضح فأوضح كلما طافتْ بنا مواكبُ ذكراك ، وكلما اكتنز الصف الكبير وحفلتْ به جنَباتُ الأرض على رحبها ...
هل أرادوا أن يُذيبوا بالأسيد أشلاءَ الجسد الذي أذابَ كبرياءهم وأذلَّ جَبَروتَهم .. هل أرادوا هذا وحسب ؟..
لا ، بل أرادوا أمراً غيرَ هذا ، وأعظمَ من هذا .. بل أرادوا أمريْن اثنيْن في آنٍ واحد : أن "يُذيبوا" صوتَ الجريمة الراعب في ضميرهم ، أولاً .. وأن "يُذيبوا" صوتَ القضيةِ الصارخِ في ضميرك ، ثانياً...
.. ومضتْ خمسُ سنوات ، وستمضي عشراتُ السنين والمئات ، وبقي وسيبقى صوتُ الجريمةِ يُرعبُ ضمائرَ الطغاة ، وصوتُ القضية النبيلة يجمع الصفوفَ إثر الصفوف حتى تصبحَ البشريةُ كلُّها صفاً واحداً يهتف بصوتٍ واحد هو صوت القضيةِ ذاتِها التي أذابوا أشلاءَ جسدك بالأسيد ليمحوها محواً ، ولكن منذ ذاك ، وكل صباحٍ ومساء يأتي بالخبر اليقين : إنها هي وحدُها القضية لا يمحوها من الوجود كلُّ ما في الأرض من أسيد ! ...
للشهيد حسين مروة في جريدة "النداء" ، بتاريخ 26 حزيران 1964 :
الآن ، ونحن نقف صفاً طويلاً عريضاً متلاحماً ، من رفاقك وأصدقائك وتلاميذك ، ونرفع الجباهَ إلى الأفق المخضّبِ حيثُ تُشرق ذكراك لنؤدّيَها تحبةَ اعتزازٍ بالكرامة والإباء على جبينك الوضّاء ...
الآن .. والخمس سنوات الماضيات الحافلات بالأحداث من كل نوع ، تتواكبُ في خواطرنا دفعةً واحدةً وكأنها كوكبةُ جيلٍ كاملٍ من الناس والأزمان ذاتِ ألوان ...
الآن .. نراكَ وأنت تنظرُ إلى الصف الكبير، تحدِّقُ به طويلاً طويلاً وعلى شفتيْكَ الوديعتيْن الوقورتيْن ابتسامة ٌ تنطق بألف معنى، وفي عينيْك العذبتيْن الصارمتيْن سؤالٌ ينبع منه ألفُ سؤال.
وإنني لأقرأ في ابتسامتك كلَّ معانيها ...
وإني لأفهم في عينيْك كلَّ أسئلتهما ...
وإني لأحسُّ الذي ينبض في حناياكَ وراءَ كلِّ معنى ، ووراء كلِّ سؤال ...
ولكن ، أراك تومئ لي ، في وداعةٍ ورقّةٍ وحزم ، بأنّ نَبَضَ الفرح بالانتصار الذي لا بدّ آتٍ ،هو ما يهيمن على كلّ نَبَضاتِ قلبك ، وأن الثقة منك بطلائع القافلة السائرة حثيثاً إلى الغاية ، هي ما يُفعم وجدانك ويمسح مسحة الاعتزاز على جراحك ...
***
يا أبا فياض !
.. وأراك تنظر ثانيةً إلى الصف الكبير ذاته ، وقد كَبُرَ كثيراً في الخمسِ السنوات الماضيات ، وأرى على وجهك ابتسامةً تسأل هكذا :
- ماذا أراد السفاكون حين أذابوا جسدَ فرج الله الحلو بالأسيد ؟ ...
تسأل ، ولا تقول الجواب .. ذلك لأن الجواب تعرفه أنت ، ونعرفه نحن ، ويعرفه التاريخ وسيعرفه أوضح فأوضح كلما طافتْ بنا مواكبُ ذكراك ، وكلما اكتنز الصف الكبير وحفلتْ به جنَباتُ الأرض على رحبها ...
هل أرادوا أن يُذيبوا بالأسيد أشلاءَ الجسد الذي أذابَ كبرياءهم وأذلَّ جَبَروتَهم .. هل أرادوا هذا وحسب ؟..
لا ، بل أرادوا أمراً غيرَ هذا ، وأعظمَ من هذا .. بل أرادوا أمريْن اثنيْن في آنٍ واحد : أن "يُذيبوا" صوتَ الجريمة الراعب في ضميرهم ، أولاً .. وأن "يُذيبوا" صوتَ القضيةِ الصارخِ في ضميرك ، ثانياً...
.. ومضتْ خمسُ سنوات ، وستمضي عشراتُ السنين والمئات ، وبقي وسيبقى صوتُ الجريمةِ يُرعبُ ضمائرَ الطغاة ، وصوتُ القضية النبيلة يجمع الصفوفَ إثر الصفوف حتى تصبحَ البشريةُ كلُّها صفاً واحداً يهتف بصوتٍ واحد هو صوت القضيةِ ذاتِها التي أذابوا أشلاءَ جسدك بالأسيد ليمحوها محواً ، ولكن منذ ذاك ، وكل صباحٍ ومساء يأتي بالخبر اليقين : إنها هي وحدُها القضية لا يمحوها من الوجود كلُّ ما في الأرض من أسيد ! ...
للشهيد حسين مروة في جريدة "النداء" ، بتاريخ 26 حزيران 1964 :