د. محمد عبدالله القواسمة - توجيهي... قصة قصيرة

كان يغط في النوم عندما هزته زوجته:

- يا شيخ عبد الصمد أصحابك بالباب.

استيقظ كمن أصابه مس:

- خير! ماذا يريدون في هذا الوقت؟

عدل من شرواله وقميصه الفضفاض، وخرج ليرى ما الأمر. شاهد بالباب أكثر من عشرة من أصحابه، وعلى رأسهم الشيخ عبد الودود، ومعهم أدوات الطرب والغناء. سأل عن سر هذا التجمع الهائل، وخروجهم بهذه الأدوات والعدد في هذا الوقت. أجاب عبد الودود بدهشة:

- ألم تسمع الأخبار؟

- هل من أخبار لا أعلمها؟

- يا شيخ، نتائج الثانوية العامة ستعلن بعد منتصف الليل. سنملأ الحي فرحًا ومرحًا. هل تظننا ننسى واجبنا نحو ابنك فايز؟

نادى عبد الصمد على أبنائه أن ينقلوا إلى الساحة أمام البيت ما تيسر من الكراسي والمقاعد والطاولات القصيرة. وظهر فايز، وهو يروح ويجيء بخيلاء. علق الشيخ عبد الودود:

- واثق الخطوة يمشي ناجحًا.

هب الجيران على الجلبة، وعندما علموا بأن نتائج الثانوية العامة ستعلن على المنصة الإلكترونية لوزارة التربية والتعليم مدوا الأسلاك الكهربائية، بين طرفي الشارع، وعلقوا المصابيح لتتدلى كالعناقيد فوق الرؤوس، وتوهج المكان بالأضواء، وأحضر بعضهم قوارير المياه المعدنية، والمشروبات الساخنة والباردة ووزعوها على الطاولات القصيرة؛ فإن فايز عبد الصمد أول فتى يصل إلى مرحلة التوجيهي، وسيكون أول من ينجح من أبنائهم في الامتحان؛ مما يبعث التفاؤل بنجاح أبنائهم في المستقبل. ولوحظ أن بعض الشباب أحضروا حواسيب وهواتف خلوية حديثة كي يصلوا إلى معرفة نتيجة ابن حيهم حال أن تفتح المنصة الإلكترونية.

خلا عبد الصمد بابنه فايز، وسأله، وإن كان سؤاله متأخرًا، عن امتحاناته وتوقعاته بشأن نتيجته. فأجاب بأنه سينجح، ولكنه قلق على معدل العلامات التي سيحصل عليها، ليتمكن من الالتحاق بالجامعة.

اقترب الوقت من الثانية عشرة، اشتدت الحركة، وزادت الجلبة، وبدأ الشباب كل على حاسوبه، أو هاتفه الخلوي يترقب فتح المنصة.

فتحت المنصة الساعة الثانية عشرة. بعد لحظات، عم الصمت على الجميع، وخيم العبوس على الوجوه، وانتشر الخبر بين أصحاب عبد الصمد بخفية بأن فايزًا راسب. أما في الأحياء الأخرى من المدينة فانطلقت الزغاريد، وسمع أزيز الرصاص في مختلف الجهات رغم تحذيرات الأمن العام من إطلاق العيارات النارية، وتهديد من يخالف التعليمات بالسجن والغرامة.

أشار عبد الودود إلى أصحابه بأن يجمعوا أمرهم على الرحيل، وتقدم من عبد الصمد وقال ليخفف عنه:

- إن الغلام إذا لم ينجح هذا العام فسينجح في الدورة التكميلية بعد أشهر، وإذا لم ينجح ففي العام الذي يليه، فالمهم الإصرار على النجاح.

وعلا صوت شيخ آخر يؤيد ما قاله شيخه إن كثيرين من الطلاب ينجحون بالصبر؛ فالصبر سلاح فعال في التغلب على نكبات التوجيهي.

علق عبد الصمد على نتيجة ابنه فايز بأنه نجح في التربية الدينية والوطنية؛ مما يدل على أنه مربى تربية وطنية وإسلامية سليمة، وهذا بحد ذاته نجاح كبير. ثم توجه إلى الشيخ عبد الودود وأقسم أغلظ الأيمان إنه لن يترك الناس يشمتون به، ودعا ألا يغادروا المكان حتى يشعلوا الحي فرحًا وطربًا؛ فنتيجة ابنه في الثانوية العامة تدل على أنه ولد صالح ووطني.

وبدأ الحفل بضربة قوية على الدف، ثم رافقه العزف على اليرغول، واهتز المكان تحت أقدام الرجال، وهم يحيون الدبكة، وانطلقت النساء بالزغاريد من النوافذ وفوق الأسطح حتى سرت الأنباء بأن فايز بن عبد الصمد نجح بعلامات عالية في التوجيهي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...